الفصل الثلاثمائة والثاني عشر: الملك تشيوان كلي القدرة
____________________________________________
تطلّع غو شانغ إلى وانغ تشيوان، وقد استعد لاتخاذ خطوته التالية. وما كاد يهمُّ بالكلام، حتى ارتجف جسد وانغ تشيوان الذي يقف قبالته بعنفٍ شديد، ثم استدار نحوه بعد برهةٍ وجيزة. في تلك اللحظة، خلت عيناه تمامًا من أي مشاعر بشرية مألوفة، وبدا فيهما بريقٌ غريب رغم هيئتهما العادية.
"أعلم ما تنوي فعله يا سيدي"، قال وانغ تشيوان بصوتٍ أجش، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة. ثم لوّح بيديه في الهواء، فظهر فجأةً كائنٌ ضخم الجثة له رأس خروف وجسد إنسان. لقد كان ذلك غروفيس، أحد آلهة الخلق السبعة لهذا العالم.
وما إن ظهر غروفيس حتى أخذ جسده يتقلص بسرعة خاطفة، ليصبح في حجم إنسانٍ عاديٍّ في طرفة عين. أشار وانغ تشيوان نحوه بسبابته، فتدفق الدم بغزارة من جسد الإله، وبدا وكأنه كائنٌ حي وهو يتقاطر ببطء نحو غو شانغ.
لم يرفض غو شانغ ما قُدِّم له، بل شرع في امتصاص ذلك الدم المتدفق. كانت أمنياته ثلاثًا، وقد أوشك على تحقيق اثنتين منها، ولم تبقَ سوى الأخيرة؛ أن يصبح أقوى كائنٍ في هذا العالم. وفي وضعه الحالي، لم تكن هناك وسيلةٌ أسرع لزيادة قوته من امتصاص الدماء.
وبينما كان يمتص الدم ببطء، ارتقى مستوى زراعته مجددًا، وبلغ بشكلٍ طبيعيٍّ عالم آلهة الخلق. وفي لحظة الارتقاء تلك، شعر بذهولٍ خفيف وهو يتأمل كل شيء من حوله، فقد أخذت أشكالٌ شتى من الاستنارة تتدفق إلى عقله، ووهبته فهمًا عميقًا لكل ما في هذا العالم.
إن آلهة الخلق على صلةٍ مباشرةٍ بقوانين هذا العالم، وكل واحدٍ منهم يتقن عددًا هائلاً من نواميسه. كانت هذه التجربة في التحكم بالقوانين تجربةً فريدةً لم يعهدها غو شانغ من قبل؛ الأرض والريح، والماء والنار، والنور والظلام، والزمان والمكان.
كان يقف في مكانه فحسب، بينما تتدفق أصناف المعارف تلقائيًا إلى عقله لتعزز كيانه. كان شعورًا فريدًا للغاية، وقد غرق في لذة استيعاب تلك الحقيقة الكونية. أما وانغ تشيوان الواقف بجانبه، فقد عقد ذراعيه وشاهد المشهد دون اكتراث، ثم تنهد وأدار رأسه مركزًا بصره على البحر الشاسع الممتد أمامه.
"يا سيدي، لقد مررت بتجارب كثيرة هذه المرة، وزرت عوالم مختلفة لا تُحصى". قال وانغ تشيوان وهو يمد يديه ليتأمل الخطوط المنقوشة على راحتيه، ثم أردف متسائلاً: "ولكن، هل ما زلت الشخص نفسه الذي كنتُ عليه آنذاك؟"
في لحظةٍ ما، أوقف الزمن ليستمتع بحياته لثلاثة أعوام كاملة. فعل خلالها كل ما خطر بباله، ولم يترك رغبةً إلا وأشبعها حتى أصابه الملل من كل شيء. عندها فقط، عقد العزم على أن يغير من ذاته.
ولتحقيق غايته، خلق لنفسه عالمًا تلو الآخر، وعاش فيها بشخصياتٍ لا حصر لها. كان متسولًا تارةً، وجنديًا تارةً أخرى، اعتلى العروش ثم أُطيح به منها. قرأ من دواوين الشعر والكتب ما لا يُعد، وقاد جيوشًا جرارة، وابتكر لنفسه أنظمةً مختلفة بدأ بها من الصفر ليشق طريقه في تلك العوالم المتعددة.
في إحدى حيواته، كان هو الحاكم، وأخضع تحت إمرته عددًا لا يحصى من المتناسخين ليغزو له السماوات والعوالم. وفي حياةٍ أخرى، كان سيد العالم، وتحكم في قوته الأصلية، واكتسح كل المسافرين عبر الزمن، والأبطال، والصيادين. لقد فعل الكثير، الكثير جدًا من الأشياء.
لقد فهم الكثير، واستوعب من المعارف ما لا مثيل له. تقمص شخصياتٍ عدة، لكنه لم يكن أبدًا نفسه الحقيقية. وها هي ذي تجارب الحياة التي لا تُحصى تتدفق في ذاكرته كدوامةٍ عاتية، فلم يعد له في هذه اللحظة أي صلةٍ بوانغ تشيوان الذي كانه من قبل.
"إن العالم مدهشٌ حقًا"، تمتم بصوتٍ خفيض، ثم تطلع إلى سيده الواقف أمامه وأردف قائلاً: "وقدرتك يا سيدي لهي قدرةٌ جبارةٌ حقًا."
بعد أن خبر كل تلك العوالم، رأى العديد من المزايا الذهبية، لكنه لم يصادف قط ميزةً تضاهي جسد إله الدم الذي يملكه غو شانغ. ورغم كل شيء، ظل ولاؤه لسيده مطلقًا، ولم يكن ليفكر في إيذائه أبدًا. إلا أن ثراء تجاربه دفعه دفعًا إلى التساؤل ورؤية العالم من منظورٍ مختلف.
"لِمَ تلومُ الأوراقُ المتساقطةُ ريحَ الخريف، والأطيارُ مهاجرةٌ بين شمالٍ وجنوب؟" قال هذا البيت من الشعر ببطء بعد صمتٍ طويل.
لا يُدرى كم من الوقت قد مر، قبل أن يفيق غو شانغ من حالة الانغماس العميق التي كان فيها. رفع يده اليمنى، فشعر بكل عناصر هذا العالم وهي تتجمع تلقائيًا فوق راحته.
"حتى بعد أن أصبحت إله خلق، ما زلت لستُ الكائن الذي لا يُقهر"، قال غو شانغ وهو يهز رأسه. لقد أدرك أنه في هذا العالم، وما دام وانغ تشيوان موجودًا، فلن يحقق أمنيته الأخيرة أبدًا. فالآخر يمتلك كل صلاحيات هذا العالم، ومهما فعل، سيظل متفوقًا عليه دائمًا.
لقد جاء الآخر من العالم الحقيقي، ووُلد في بُعدٍ أسمى منه، وهذا أمرٌ قدريٌّ حُسِم منذ الولادة، ولا سبيل أمامه لتغييره.
وبينما كان غارقًا في أفكاره، فاجأه وانغ تشيوان باقتراح: "أعلم ما هي مهمتك الأخيرة يا سيدي، ولدي طريقةٌ قد تفلح. هلا جربتها؟"
حدّق غو شانغ في وانغ تشيوان لبرهة، وقد تملّكته الدهشة مما رأى. كانت هالة الآخر في تلك اللحظة مختلفةً وغريبةً إلى حدٍّ بعيد. فسأله مباشرةً: "ماذا فعلت بنفسك؟"
"لا شيء يُذكر. لقد اتبعت نصيحتك وعقدت العزم حقًا على تغيير ذاتي"، أجاب وانغ تشيوان وهو يهز رأسه. ثم أضاف: "لدي اقتراح، وأتساءل إن كان سيدي على استعداد لتجربته."
'لقد فعلها إذن'، خمّن غو شانغ في لحظة ما فعله الآخر. فبصلاحياته المطلقة في هذا العالم، كان ذلك ممكنًا بالفعل. إنه يملك زمنًا لا نهائيًا، يمكنه أن يمدّ الدقيقة الواحدة لتصبح تريليون عام أو أكثر، ومن السهل حقًا إحداث تغييراتٍ جذريةٍ في الذات في مثل هذا الزمن الممتد.
"أخبرني بطريقتك إذن"، قال غو شانغ وهو يهز رأسه، محاولاً صرف انتباهه عن هذه الأفكار المعقدة.
"لقد سمعت سيدي يقول ذات مرةٍ إنك تملك ميزةً ذهبيةً خاصة، تسبب ضررًا مضاعفًا عشر مرات"، بدأ وانغ تشيوان شرحه. "وبهذه الميزة، فإنك لا تُقهر حقًا، فمهما كان خصمك، طالما أنه في نفس مستواك، فلا سبيل أمامه لهزيمتك."
"وبالتالي، يكفي أن تصل قوتك إلى نفس مستواي، ولن أتمكن من فعل شيءٍ لك. لكن المشكلة أنني أتيت من العالم الحقيقي، وهذا يجعلني وُلدت بمكانةٍ أسمى منك، مما يمنعك من الوصول إلى الصلاحيات العليا لهذا العالم."
"لم يبقَ الآن سوى طريقٍ واحد، وهو أن أمنحك بعضًا من هالة البُعد الأسمى."
ضيّق غو شانغ عينيه متسائلاً: "هل تقصد أن آتي إلى عالمك الحقيقي؟"
"أجل"، أجاب وانغ تشيوان. "يكفي أن يوجد لك أثرٌ في العالم الحقيقي، ولو لجزءٍ من مئة مليار جزءٍ من الثانية. سيمنحك ذلك بصمةً حقيقيةً على جسدك، ويجعلك مؤهلاً لمنافستي على صلاحيات هذا العالم."