الفصل الثلاثمائة والأربعة عشر: تحليق

____________________________________________

"لمَ يبدو هذا الرجل مألوفًا إلى هذا الحد؟" دارت الأفكار في رأس بينغ تشيان بسرعة وهي تتفرس في غو شانغ الملقى على الأرض، ثم تقدمت نحوه بخطواتٍ وطيئة وهي تسبر غور ذاكرتها. ساعدت الممرضة المذعورة على النهوض وسألتها على عجل: "شي شي، ما الذي حدث؟"

ردت شي شي وهي تشير بإصبعها نحو غو شانغ ببعض الخوف: "لقد ظهر هذا الرجل من العدم، وحين دخلتُ الغرفة للمرة الأولى، وجدته قد سقط أرضًا وهو في حالة ضعفٍ شديد. كنت أهمُّ بقياس نسبة الأكسجين في دمه وضغطِه، لكن فجأةً ظهرت على جسده أفعى بيضاء صغيرة، تلك هي".

تمتمت بينغ تشيان وهي تربت على كتف شي شي لتهدئتها: "ظهر فجأة؟" وفيما كانت تفكر، لمعت في ذهنها صورة شخصٍ بعينه، فهتفت باسمه دون وعي: "وانغ تسه!" كان الرجل الذي أمامها يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ الابن الأصغر لوانغ تشيوان في عالم الأحلام.

بعد قدومه إلى هذا العالم، استولى غو شانغ على جسد وانغ تسه، غير أن وسم الثعبان السماوي قد أحدث تغييرًا طفيفًا في ملامحه، فازدادت وسامةً عما كانت عليه، وهو ما جعل بينغ تشيان عاجزةً عن تأكيد هويته بشكلٍ قاطع في تلك اللحظة.

في غضون ذلك، توافد طبيبٌ وممرضةٌ آخران إلى الغرفة، واحتشد بعض من كانوا في الجناح المجاور عند الباب، يمدون أعناقهم ليروا ما يجري. تقدمت رئيسة الممرضات مستفسرةً عن الوضع، فروت لها شي شي ما حدث بالتفصيل.

شرع الطبيب بفحص جراح غو شانغ مستخدمًا أدواته، بينما أخذت ممرضةٌ أخرى تتحسس جسده بحثًا عن أي شيءٍ قد يكشف عن هويته. قالت الممرضة في حيرة: "غريب، لا يحمل هاتفًا ولا بطاقة هوية." لم يكن غو شانغ يرتدي سوى ثيابٍ عادية حين كان على متن اليخت، ولم يكن في جيبه الداخلي سوى عملةٍ معدنيةٍ واحدة لا غير.

عقد الطبيب حاجبيه بعد انتهاء الفحص وقال في دهشة: "علاماته الحيوية شديدة الغرابة، وكل المؤشرات تتجاوز الحدود الطبيعية بكثير. لا أفهم كيف ظل على قيد الحياة حتى الآن."

على الجانب الآخر، كانت شي شي في حيرة من أمرها، فقد اختفت الأفعى البيضاء التي رأتها للتو من على جسد غو شانغ. سألت بينغ تشيان بوجهٍ يعلوه الارتباك: "أختي بينغ تشيان، هل رأيتِ تلك الأفعى البيضاء قبل قليل؟" لقد بدأت تشك في سلامة قواها العقلية.

ابتسمت بينغ تشيان وهي تمد يدها لتربت على رأس شي شي برفق: "أي أفعى بيضاء؟ لم أرَ شيئًا. هل أرهقتكِ نوبة العمل الليلية حتى بدأتِ تهذين؟"

تساءلت شي شي في نفسها: 'هل يعقل ذلك؟' وفيما كانت هي في حيرتها، كان طاقم المستشفى يتحرك بنشاطٍ لتقديم الرعاية اللازمة للمصاب. بدافعٍ من الروح الإنسانية، ورغم جهلهم بهويته الحقيقية، خصصوا له سريرًا وحقنوه بالمحاليل الوريدية نظرًا لضعف مؤشراته الجسدية، ثم سارعوا بالتواصل مع السلطات المحلية وقسم الأمن في المستشفى للبحث في كل المعلومات المتاحة أملًا في كشف هويته.

في الغرفة المغلقة، كان غو شانغ يحدق في السقف الأبيض بملامح متجهمة. حاول أن ينادي بصوتٍ عالٍ: "مايك!" وعلى الفور، ظهر قطٌ أزرق وأبيض بجانبه، ولكنه كان في نفس حالته، منهارًا على الأرض لا يقوى على الحراك.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بدأ جسد القط يتلاشى ببطءٍ بعد ظهوره مباشرة. بسرعةٍ يمكن للعين المجردة ملاحظتها، تحولت أجزاء جسده تدريجيًا إلى خطوطٍ زرقاء اختفت أمام عيني غو شانغ.

'ما الذي يجري بحق الجحيم!' صرخ في داخله وقد بلغ به الغيظ منتهاه. كان عاجزًا عن الكلام والحركة، حتى طرفة عينٍ كانت تكلفه جهدًا جبارًا، ولكنها لم تكن مستحيلة.

دوى صوت فتح الباب مرةً أخرى، ودلفت شي شي وهي تحمل كيسين من المحلول الملحي. علقت المحلول على حامل السرير، ثم أغلقت الباب بسرعة وأخرجت هاتفها الخلوي واقتربت من غو شانغ.

كانت الممرضات يحملن كاميرات دقيقة على صدورهن أثناء عملهن اليومي لتسجيل تفاعلهن مع المرضى، وذلك لتجنب النزاعات الطبية التي قد تنشأ. لم تستخدم شي شي هذه الميزة قط طوال سنوات عملها، لكنها تذكرتها فجأة، فأخرجت هاتفها لتراجع تسجيل الكاميرا.

ويا لدهشتها، لقد رأت الأفعى البيضاء بوضوحٍ في التسجيل، كما رأت الرجل يظهر أمامها فجأةً في جزءٍ من الثانية. "مدهش!" همست لنفسها، "هل يعرف هذا الرجل السحر، أم أنه شخصيةٌ غامضةٌ خرجت من القصص المصورة؟"

كانت شي شي تهوى قراءة الروايات في أوقات فراغها، لذا كان تفكيرها يختلف كثيرًا عن تفكير الناس العاديين. اقتربت من غو شانغ ونظرت إليه بفضولٍ متقد: "هل أنت مستيقظ؟ أحد أعضاء مجموعة التنين في بلادنا؟"

واصلت استجوابها بلهفة: "أم أن الطاقة الروحية قد بدأت بالعودة، وأيقظت قواك الخارقة؟ هل سافرت عبر الزمن من مكانٍ آخر؟ تبدو لي كمستدعٍ للحيوانات!" أمطرت عليه بسيلٍ من الأسئلة، وشعرت نحوه بلطفٍ غريبٍ لا تعرف مصدره، وكأنها تعرفه منذ زمنٍ بعيد.

في النهاية، وجد غو شانغ طريقةً للتواصل. راح يحدق بقوةٍ مستخدمًا قدرة وسم الثعبان السماوي لاستدعاء الأفاعي العادية بشكلٍ متواصل. بدأت الأفاعي تظهر على الأرضية البيضاء بجانبه، متراصةً بلا ترتيب، مما أضفى على المشهد جوًا مرعبًا. ركز غو شانغ بصره بصعوبة ليرى هيئة الأفاعي، ثم جعل بعضها يختفي ويستمر في ترتيب البقية.

أصيبت شي شي التي تقف بجانبه بذعرٍ شديد، فقد كانت تخشى الأفاعي بعض الشيء. وتحت تأثير الصدمة القوية، قفزت فوق السرير وجلست على غو شانغ مباشرةً وهي تغطي فمها بيدها وتقاوم رغبتها في الصراخ: "يا إلهي، ما كل هذا!"

في تلك اللحظة، تأكدت تمامًا من هوية الرجل الذي تحتها؛ لم يكن شخصًا عاديًا على الإطلاق. نظرت بتمعنٍ أكبر فأدركت أن ثمة شيئًا غريبًا يحدث. كانت الأفاعي تظهر من العدم وتختفي بعد ثوانٍ قليلة، لكنها في ثباتها كانت تشكل عدة أحرفٍ صينية.

وبعد وقتٍ طويل، تشكلت أربعة أحرفٍ متعرجة على الأرضية. كان من الصعب التحكم في حجم الأفاعي، لذا بدت الأحرف مشوهة، لكن شي شي تمكنت من قراءتها بوضوح: "ثياب... جيب".

باغتتها الدهشة، فبدأت تبحث في ثياب غو شانغ بأصابعها الصغيرة المرتجفة. أخيرًا، عثرت على العملة المعدنية في جيبه الداخلي. احمر وجهها خجلًا وهي تمسك بالعملة وتنظر مباشرةً إلى عينيه، ثم سألت: "إذًا، ما الذي ينبغي عليّ فعله الآن؟"

أغمض غو شانغ عينيه ثم فتحهما، واستمر في استخدام الأفاعي لتشكيل الكلمات. بعد بضع دقائق، ظهرت على الأرض كلمتان أخريان غير واضحتين.

"اِرمِها!"

فتحت شي شي فمها في ذهول، ثم قذفت العملة المعدنية في يدها دون أدنى تردد.

2025/10/21 · 48 مشاهدة · 951 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025