الفصل الثلاثمائة والسادس والأربعون: اعتراض

____________________________________________

"جدي تشو!" صاحت تشين لينغ إر بحماسٍ عارم قبل أن تقترب منه. فعلى مر السنين، لم يتوانَ الجد تشو عن مساعدتهما قط، حتى غدت العائلتان شديدتي القرب، وأصبح في قلبها وقلب أخيها تشين إر لوتسي بمثابة جدهما الحقيقي، فبالرغم من عدم وجود أي صلة دمٍ بينهم، كانت علاقتهم أعمق من روابط الأهل.

"يا إلهي، ما الذي أتى بكما إلى هنا؟" تساءل الجد تشو بوجهٍ بشوش، ثم أردف قائلًا: "هل تناولتما فطوركما؟ لدي هنا بعض البطاطا الحلوة التي طهوتها للتو، وما زالت دافئة." كان الجد تشو شيخًا مديد القامة، وقد غطت بقع الشيخوخة ملامح وجهه، ورغم انحناءة ظهره، ظل طوله يفوق المتر والثمانين سنتمترًا، بوجهٍ يفيضُ لطفًا ومودة.

اقتربت تشين لينغ إر منه وهي تلعق شفتيها مستذكرةً طعم فطورها، وقالت: "لقد عثر أخي على بعض الأرانب الصغيرة هذا الصباح، ورغم أنها كانت لطيفة، إلا أن مذاقها كان أشهى." ثم عانقت فخذه بقوة وتابعت حديثها: "أخبرني أخي أننا سنغادر قرية تشينغ شان، وقد جئنا اليوم لنودعك."

عندما وصلت إلى هذا المقطع من حديثها، تملّكها الحزن وقالت بصوتٍ خفيض: "لولا عونك لنا طوال هذه السنين، لكنا قد هلكنا جوعًا." كانت كلماتها تنضح بامتنانٍ صادقٍ من أعماق قلبها.

رفع تشو تشانغ رأسه ليرد عليها، لكن عينيه وقعتا على غو شانغ الذي كان يقف منتصب القامة عن بعد، فتغيرت ملامحه في الحال. تحرك بخفةٍ مدهشة على ساقيه الواهنتين، وسار بخطىً سريعةٍ حتى بلغ غو شانغ، ثم صاح بوجهٍ متجهم: "أيها الأحمق، أخبرني، ما الذي حلّ بك؟"

رغم شيخوخته، لم يكن عقله قد شاخ بعد، فكان يذكر بوضوح أن هيئة الأحمق الذي عهده لم تكن هكذا قط. لم يصبح الآن أكثر وسامة فحسب، بل زاد طوله بشكلٍ لافتٍ في فترةٍ وجيزة، وهو أمرٌ يكاد يكون مستحيلًا. وبحكم خبرته الطويلة في الحياة، خامره شكٌ كبيرٌ في أن يكون شيءٌ قذرٌ قد تلبّس جسد الفتى.

قال تشو تشانغ بنبرةٍ حازمة: "لن تغادرا بعد!" ثم دنا من غو شانغ في خطواتٍ معدودة، ومد يده ليلمس رأسه. ظل غو شانغ هادئًا لا يبدي حراكًا، تاركًا الشيخ يفعل ما يشاء، فشعر بطاقةٍ غريبةٍ تسري من تلك اليد إلى جسده، أخذت تجوب أركانه قبل أن تعود أدراجها إلى يد تشو تشانغ بعد لحظات.

همس الشيخ لنفسه وقد علت وجهه الحيرة: "لا شيء غريب، لا يُعقل هذا." لقد استخدم أسلوبه الخاص في الكشف، لكنه لم يجد أي أثرٍ شريرٍ في جسد غو شانغ. 'لا يفسر هذا الأمر إلا احتمالان' فكر في نفسه 'إما أن جسده ما زال غريبًا كما كان، أو أن الكيان الذي يسكنه أقوى مني، بحيث يمنعني من الشعور بوجوده!'

نظر تشو تشانغ إليه بجدية، وقد استقام ظهره واختفت هيئته الهرمة، فبدا وكأنه رجلٌ آخر تمامًا، وقال: "أيها الأحمق، أخبرني الحقيقة، كيف تغيرت هكذا؟ إن هذا الأمر يتعلق بحياتكما ومصيركما، فلا تكذب عليّ، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة."

أجاب غو شانغ دون أن يبالغ في حديثه، مراعاةً للطف هذا الشيخ مع أخيه وأخته: "كنت أجمع الأعشاب في الجبال، وعندما بلغت حافة جرفٍ هوَيتُ منه، فرأيت زهرةً حمراءَ على ذلك الجرف، فلم أتمالك نفسي وقضمت منها، وعندما استيقظت، كنت قد أصبحت على هذه الهيئة."

"زهرة حمراء؟" غرق تشو تشانغ في تفكيرٍ عميق. قد لا يكون هذا العالم شاسعًا، ولكنه يزخر بالغرائب والعجائب. ربما كان أكل الفتى لتلك الزهرة هو ما حفّز الطاقة الخاصة في جسده، أو لعل طاقةً جديدة دخلت إليه وأحدثت هذا التغيير الجذري. لم يجد الشيخ في ذاكرته ما يطابق وصف هذه النبتة، لكنه لم يستسلم.

كان الأمر برمته يتجاوز حدود الفهم البشري، وقد يكون حدثًا خارقًا للطبيعة، ولهذا العالم طرقه الخاصة في التعامل مع مثل هذه الأمور. فقال تشو تشانغ بحزمٍ لا يقبل الجدال: "على كل حال، لن تغادرا قرية تشينغ شان في الوقت الحالي!"

وقفت تشين لينغ إر حائرة، ونظرت إلى أخيها تنتظر قراره، فهي ستتبعه أينما ذهب. وضع غو شانغ يديه خلف رأسه وقال بنبرةٍ هادئة: "جدي تشو، هل لك أن تخبرني سبب بقائنا هنا؟" يبدو أن المعلومات التي جمعتها روحا الشجر لم تكن دقيقة، فمن الواضح أن هذا الشيخ يعلم أكثر بكثير مما يظهره هذا العالم.

رد تشو تشانغ بوجهٍ كئيبٍ فجأة: "لا شيء، إن أردتما النجاة، فابقيا هنا فحسب!" ثم أضاف بنبرةٍ تزداد برودةً كل لحظة: "هذه قاعدة، وهذا أمر. ومن لا يتبع القواعد أو يطع الأوامر، فلن يلقى مصيرًا حسنًا في هذا العالم." بدا الهواء من حوله وكأنه قد تجمد، حتى إن تشين لينغ إر لم تستطع إلا أن تضم كتفيها مرتجفة.

شعر غو شانغ بمدى القوة التي تفصل بينهما، فهز رأسه قائلًا: "يمكنني البقاء، ولكن أرجوك أخبرني بالسبب، على الأقل أعطني مبررًا لذلك." وفي تلك اللحظة، عقد العزم على امتصاص دماء الشيخ بالقوة للحصول على المعلومات، لكنه أدرك خطأه في اللحظة التي فعّل فيها قدرته.

في تصوره، مهما كان هذا الشيخ مميزًا، فإنه في النهاية مجرد إنسان عادي، أو هكذا بدا له، وكان يظن أنه قادرٌ على إخضاعه بسهولة. لكنه تفاجأ حين أدرك أن قوة تشو تشانغ تفوق توقعاته بكثير. شعر الشيخ بنيته في الحال، فصرخ متوترًا: "إر لانغ زي، ماذا فعلت بي للتو؟"

كانت الغرائب في هذا العالم أكثر من أن تُحصى، والعديد من القدرات يصعب التحصن ضدها، فشعر بقلقٍ بالغٍ على سلامته. أجابه غو شانغ بهدوءٍ تام: "لم أفعل شيئًا، وبقوتك هذه، ينبغي أن تشعر بأنك لم تتغير."

"أنت!" لم يتمالك تشو تشانغ نفسه عند سماع كلماته، وفي اللحظة التالية، أطلق زئيرًا مدويًا، وبدأ جسده يتمدد بعنفٍ مخيف. في طرفة عين، تحول إلى شمبانزي ضخمٍ مفتول العضلات يبلغ طوله ثلاثة أمتار، ثم كثّف في يديه طاقتين بلون أخضر داكن، وأطلقهما بدقةٍ متناهية نحو غو شانغ.

"بووم!" دوت أصداء انفجارٍ هائل. كان غو شانغ قد استشعر الخطر قبل لحظةٍ من الهجوم، فحمل تشين لينغ إر على الفور وانطلق مبتعدًا بسرعةٍ فائقة، فتفادى هجوم تشو تشانغ الذي ذهب سدًى. وفي تلك الأثناء، تحركت شيطانة الشجر التي كانت تراقبهما من الخلف، وتقدمت لتوقف الشمبانزي الهائج.

2025/10/24 · 30 مشاهدة · 917 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025