الفصل الثلاثمائة والرابع والخمسون: بداية التحرك
____________________________________________
لم تكن المرة الأولى التي يحوّل فيها غو شانغ كائنًا إلى أحد أبناء الدم، لكنها كانت المرة الأولى التي يرى فيها وجودًا كهذا. لا بد من الاعتراف بأنه شعر بالاشمئزاز من طارد الأرواح الذي أمامه، لكن لحسن الحظ، كانت روحه قد اعتادت على ما هو أسوأ، فلم تدم دهشته سوى للحظاتٍ عابرة قبل أن يستعيد هدوءه المعتاد. وفي تلك اللحظة، كان طارد الأرواح قد غدا بالفعل أحد أبناء الدم الخاضعين لأمره.
وبعد حوارٍ مقتضب، حصل غو شانغ على جميع المعلومات التي كان ينشدها، كما امتص قدرًا كبيرًا من دمائه، مرتقيًا بمستوى زراعته إلى المرحلة الثالثة. وقد شهد بحر العدم ونور العدم في جسده تحسنًا ملحوظًا، مما زاد من قوة هجماته الطاقية التي يستطيع إطلاقها.
ومن خلال ذهن طارد الأرواح، استخلص غو شانغ معلوماتٍ عميقةً عن قصر إبادة الأرواح. فعلى سبيل المثال، علم بوجود واحدٍ وثمانين قصرًا لإبادة الأرواح في هذا العالم، وقد شُيّدت هذه القصور في واحدٍ وثمانين بلدًا، تتفاوت في مساحتها وقوتها، لكنها تشترك جميعًا في وجود قصرٍ خاصٍ بها لإبادة الأرواح.
وتعلو هذه القصور منظمةٌ مركزيةٌ كبرى تُعرف باسم قصر إبادة الأرواح أيضًا، تتولى التنسيق بين فروعها في مختلف البلدان وتمارس السيطرة العليا عليها. فكلما تعرضت إحدى الدول لكارثةٍ أليمةٍ وفقدت عددًا كبيرًا من طاردي الأرواح، كانت هذه المنظمة تسارع إلى حشد الأفراد من قصور الدول الأخرى لتقديم الدعم في إعادة الإعمار ومواجهة الكيانات الغريبة.
‘إن هذا العالم لغريبٌ حقًا’. شعر غو شانغ بصداعٍ يعتصر رأسه وهو يفكر في وجود واحدٍ وثمانين بلدًا على هذه الأرض في آنٍ واحد. لقد أدرك الآن سبب عجزه عن كشف أصوله وأصول تشين لينغ إر، فيا للهول، إن عدد البلدان في هذا العالم يفوق كل تصور، ولن يكون من اليسير أبدًا كشف كل شيءٍ في وقتٍ وجيز.
وبعد أن منحه بعضًا من دمه لمساعدته على استعادة قوته القصوى، غادر غو شانغ المكان. وقبل رحيله، كان ليو شينغ تاو قد قدّم له الفن الإلهي لابتلاع الأرواح.
بعد عودته إلى قاعدته في القرية الجبلية، شرع غو شانغ فورًا في تنفيذ خطوته التالية. وقد نجح في تهدئة الأوضاع مؤقتًا على جبهة قصر إبادة الأرواح، فسيمضي شهران على الأقل قبل أن يصل طارد أرواحٍ آخر من المرحلة الثالثة للتحقيق، مما يعني أنه يمتلك فترة أمانٍ تمتد لشهرين كان عليه أن يستغلها لإنجاز الكثير من الأمور.
واجهت ممارسة الفن الإلهي لابتلاع الأرواح بعض القيود، فعلى الرغم من قدرته الفائقة على الاستيعاب، لم يكن بوسعه إتقانه بالقوة وحدها، بل كان عليه الاعتماد على إرشادات خبيرٍ متمرس. لكن عقبةً غير متوقعة ظهرت في طريقه، إذ كان الدم في جسده شحيحًا للغاية، مما حال دون ممارسة الفن بسلاسة.
ولحل هذه المعضلة، لجأ إلى حيلته المعهودة مرةً أخرى، حيث عثر على عدة أساليب لزيادة حجم الدم في جسده. وبعد نجاحه في ممارستها، أصبح إجمالي الدم في جسده يفوق ما لدى الشخص العادي بخمسين مرة. وبهذا المخزون الهائل، نجح في إتقان الفن الإلهي لابتلاع الأرواح من المحاولة الأولى، فغمرت السعادة قلبه.
وبعد أن أتقن هذا الفن، أخرج عددًا كبيرًا من بلورات القدرة وشرع في صقلها الواحدة تلو الأخرى. كانت هذه البلورات من مخزون قصر إبادة الأرواح المحلي، وتحتوي على قدراتٍ متنوعةٍ وغير متجانسة، وبالطبع، لم يكن بينها سوى بلورةٍ أو اثنتين تتمتعان بقوةٍ حقيقية.
لم تكن هذه البلورات لتفعل أكثر من تعزيز تنوع هجمات غو شانغ وتقديم بعض الدعم الثانوي في المعارك، باستثناء تلك البلورتين الهجوميتين اللتين كانتا عونًا كبيرًا له. وبعد امتصاص كل تلك البلورات، اتسع نور العدم في جسده مرةً أخرى، حتى بلغ بعد تقديرٍ تقريبيٍّ ثلاثين ضعف ما لدى نظرائه في نفس العالم.
وبينما كان نور العدم يُستهلك ببطء، استخدم إحدى قدراته، فانبثق مشهدٌ من داخل قصر إبادة الأرواح في ذهنه فجأة. كانت هذه إحدى قدراته العديدة التي تمكنه من مشاهدة الأحداث في المناطق التي زارها آنيًا، بالصوت والصورة، مع إمكانية التواصل الفوري. وبقدرته الحالية في المرحلة الثالثة، كانت أقصى مسافة يمكنه التواصل عبرها هي تلك التي تفصله عن القرية الجبلية.
"هل تم ترتيب أمور الجميع؟"
فجأة، سمع ليو شينغ تاو، الذي كان منشغلًا بتصريف شؤونه، صوت غو شانغ يتردد في ذهنه، فأدرك على الفور ماهية الأمر وأجاب: "لقد تم الاستقرار في ولاية يويه والدول الثلاث المجاورة لها تقريبًا، ويمكننا بدء التحرك في أي وقت."
"أرسل الرسالة على الفور، وابدأوا الآن."
أصدر غو شانغ أمره دون تردد. كان عليه الآن أن ينفذ أمنية هذا الجسد، وهي أن يصبح بطلًا مشهورًا في العالم بأسره، وكان تحقيق ذلك يعتمد اعتمادًا كليًا على نشر الأخبار. وكانت أكبر وسائل الإعلام في العالم هي تلك التابعة لعالم المقاتلين، أو الدوائر الرسمية، وأولئك الذين يصدرون قوائم التصنيف المختلفة.
وباستغلال جزءٍ من القوة التي بين يديه، نجح غو شانغ في السيطرة على ثماني قوى إعلامية مماثلة في الممالك الثلاث. كانت الأمنية بسيطةً للغاية، أن يصبح بطلاً في عالم المقاتلين، فارسًا شهيرًا، لكن غو شانغ لم يكن متأكدًا من المدى الذي يجب أن تصل إليه هذه الشهرة، ولم يكن يعلم ما إذا كان نطاق الممالك الثلاث كافيًا.
لم يكن أمامه سوى التجربة خطوةً بخطوة، فإن لم تكن ثلاث ممالك كافية، فلتكن ثلاثين، وإن لم تكفِ الثلاثون، فلتكن ثمانين. ففي النهاية، الوقت في صالحه!
وفي اليوم التالي، ضج عالم الممالك الثلاث بالأخبار، فقد ظهر في مناطق شتى بطلٌ يدعى تشين إر لونزي، عُرف بقلبه الرحيم. وخلال تلك الفترة، أنقذ بالفعل أرواحًا كثيرة، وتسابقت وسائل إعلام عالم المقاتلين في نشر حكاياته. في البداية، لم يصدق الكثيرون هذه الروايات، لكن سرعان ما خرج العديد من الذين أنقذهم تشين إر لونزي بأنفسهم ليشهدوا له، ويدعموه، ويروون تفاصيل إنقاذهم الدقيقة.
وفوق ذلك، أكد بعض المسؤولين الرسميين صحة هذه الأنباء، حتى إنهم صنعوا لافتاتٍ حريريةً ووضعوها عند بوابات الدواوين الحكومية، في انتظار قدومه لتسلمها. لطالما كان عالم المقاتلين والبلاط الرسمي على طرفي نقيض، لذا فإن الحصول على مثل هذا التقدير والثناء من الحكومة كان كافيًا لإظهار عظمة ما فعله تشين إر لونزي.
وفي غضون فترة وجيزة، لم يعد هناك حديثٌ في مطاعم ومقاهي الممالك الثلاث إلا عن بطولات تشين إر لونزي. ذرفت لأجله الفتيات العاشقات دموع الشوق، وأقسمن ألا يتزوجن سواه، وأن يحفظن له عفتهن. واتخذه الفتيان المتحمسون قدوةً لهم، وعقدوا العزم على خوض غمار عالم المقاتلين، ليصبحوا أبطالاً مثله، ويقضوا على الشر.
ومن عجيب الأمر أن هذه الحركة قد أسهمت بذكاءٍ في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الممالك الثلاث، كما شجعت كبرى قوى عالم المقاتلين على تجنيد المزيد من التلاميذ. وفي غضون نصف شهرٍ فقط، أصبح اسم تشين إر لونزي على كل لسان.
ومن جهةٍ أخرى، ولكي يؤكد هذه الأخبار على أرض الواقع، تحرك غو شانغ بنفسه. فقد عثر على بضعة فتيانٍ يشبهونه في البنية الجسدية، ورفع مستوى زراعتهم ليضاهي مستواه، ثم أطلقهم ليسافروا في عالم المقاتلين، وينصروا الخير ويقضوا على الشر. وبالطبع، تم ترتيب ظهورهم بدقةٍ متناهية، حتى لا يظهر بطلان يحملان اسم تشين إر لونزي في نفس الوقت، مما قد يثير شكوك الناس.