الفصل الثلاثمائة والحادي والستون: صبيٌ صغير

____________________________________________

انتظرت الجماعة في صمت، ولم يعكر صفو ترقبهم شيء. وخلال ذلك الوقت، كان غو شانغ يتبادل أطراف الحديث مع ليو فنغ ومورونغ يون هاي من حينٍ لآخر، فقد أتى كلاهما من عالمٍ آخر، ولكلٍ منهما ذكرياته ونظام ممارسته الخاص. ورغم أن غو شانغ قد استخلص ذكرياتهما بالفعل، إلا أن بعض الأمور كالإدراك العميق لا يمكن الحصول عليها مباشرة، فاختلاف التفكير بين الأفراد يجعل لكل منهم رؤيته الفريدة.

وقد استفاد غو شانغ من حوارهما فائدةً جمة، إذ وسعت القوة المنبثقة من أنظمة الزراعة المختلفة آفاقه، وفتحت أمامه دروبًا متفرعة ومساراتٍ جديدة يمكنه سلكها في المستقبل. وفي غضون ذلك، كان إعجاب ليو فنغ ومورونغ يون هاي بهذا الرجل يزداد رسوخًا مع كل كلمة، فقد أدركا مع استمرار الحديث أنه يمتلك بحرًا من المعرفة لا قرار له.

فمهما كان نوع الأسئلة التي يطرحانها، كان يجيب عنها بسرعة فائقة، وكانت إجاباته دقيقةً إلى أبعد حد، وكأنه محرك بحثٍ بشري يمتلك بياناتٍ هائلة، لا يُسأل عن شيءٍ إلا أجاب، ولا تكون إجابته إلا صوابًا. مر الوقت سريعًا، وما هي إلا برهة حتى حل ظلام الليل، فغرقت القرية في عتمةٍ حالكة، وأُطفئت الأنوار في كل بيت.

كان خبر مقتل الطفل قد ذاع في أرجاء القرية، فلم يجرؤ أحدٌ على لفت الأنظار إليه ليلًا خشية أن يجذب انتباه الكيان الغريب، فهذه كارثةٌ لا قِبل لأحدٍ بها. تحت ضوء القمر الخافت، نهض غو شانغ فجأة، وانتبه ليو فنغ ومورونغ يون هاي لحركته، وتتبعا نظراته إلى الأمام.

على كومة قشٍ تبعد عنهما مترين، ظهر فجأة صبيٌ صغير يرتدي أسمالًا بالية، لا يتجاوز طوله مترًا ونصف المتر، جلس على القش وابتسامةٌ غريبةٌ تعلو محياه. ثم قال بصوتٍ طفوليٍ غريب: "يا للعجب، لقد زاد عددكم اليوم! فلا أحد يحب المرح أكثر مني."

ارتسمت على وجه الشيخ الذي كان طاردًا للأرواح أمارات الفزع وهو يهمس: "يا رفاق، لم يكن بهذا الطول بالأمس، وكان جسده يبدو أكثر طفولة. أظن الآن يقينًا أنه كيان غريب من النوع المتنامي، يكبر ويتطور كلما أمعن في القتل."

في العادة، يكون مستوى الكيانات الغريبة ثابتًا، ولا يقوى على التطور إلا عددٌ قليلٌ منها يتراكم لديه أعمق الشرور، وتُعرف هذه الفئة باسم الكيانات المتنامية. في سجلات قصر إبادة الأرواح، كانت هذه الكيانات هي الأصعب في التعامل معها، فغالبًا ما تتمتع بذكاءٍ خارق، وتندس بين جماعاتٍ معينة من الناس، مما يجعل طاردي الأرواح عاجزين عن كشفها.

لقد عانى طاردو الأرواح مرارًا من هذه الكيانات، وفقدوا أرواحًا لا تُحصى دون أن يدركوا حقيقتها، وغالبًا ما كانوا يتلقون عواقب أفعالها بصورةٍ سلبية، الأمر الذي أثار حنقهم الشديد. لقد شهد الشيخ في شبابه ثلاثة كياناتٍ متنامية، ورأى بأم عينه كيف كانت تنمو وتتضخم على مدى سنواتٍ قليلة. وفي النهاية، لولا أن المقر الرئيسي أرسل طارد أرواحٍ جبارًا لقمعها، لكان فريقه بأكمله قد لقي حتفه.

نهض ليو فنغ وقال بثقة: "ما هو إلا كيان غريب من النوع المتنامي، اهدؤوا، يمكننا التعامل معه." ورغم أنه لم يكن يعلم قوته الحقيقية، إلا أن إحساسه العميق وخبرته القتالية الواسعة أخبراه بأنه قادرٌ على مجاراته، ولن يُهزم على الأقل.

وعلى الجانب الآخر، استعد مورونغ يون هاي للهجوم هو الآخر، وبدأ نور العدم الذي اكتسبه حديثًا يتجمع ببطء بين أصابعه، مشكلًا شعلةً صغيرةً تتراقص بخفة.

تنهد غو شانغ وقال بهدوء: "هذا الكائن لا يتجاوز المستوى الثالث، ومهما بلغت قوته، فلن يفلت من جبل الأصابع الخمسة خاصتي." ثم تقدم بمفرده نحو الصبي، وأردف وهو يسير: "فكرا مليًا في طريقةٍ تجعلان بها غو فنغ يقتله بنفسه، فشرط إتمام المهمة أن يتولى هو الأمر."

قفز الصبي الصغير من فوق كومة القش، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ عريضةٌ بينما كان لعابه يسيل منهما، وقال: "من أنت؟ يبدو أنني أراك للمرة الأولى. هل أنت صديقي الجديد؟" ثم اقترب من غو شانغ وهو يكشر عن أنيابه ويمد مخالبه.

"سنلعب الغميضة اليوم. سأغمض عيني وأعد حتى الثلاثة، وعليك أن تختبئ بسرعة خلال هذا الوقت. وإن وجدتك، فسوف تعاني." لم يمنح الصبي غو شانغ فرصةً للرد، بل استدار وغطى عينيه وبدأ العد التنازلي بصوتٍ عالٍ.

"ثلاثة."

"اثنان."

"واحد."

وما إن بلغ في عده الرقم واحد، حتى استدار فجأة ليجد وجهًا وسيمًا رث الهيئة قبالة عينيه مباشرة، ففزع الصغير للحظة. وتساءل بنبرةٍ غاضبة: "لماذا لم تختبئ؟ ألا تحبني؟ ما دمت لا تحبني فلماذا تلعب معي؟ وما دمت تلعب معي فلماذا لا تتبع قواعدي؟ ليس لدينا سوى طريقةٍ واحدةٍ للتعامل مع من لا يتبعون القواعد."

ضحك الصبي ضحكةً شريرة، ثم مد يديه ليمسك بمعصم غو شانغ. من منظورٍ معين، كان هذا الصبي أول كيان غريب يراه غو شانغ عن قرب، لذا فقد اغتنم فرصة التواصل معه، ولم يتحرك من مكانه، تاركًا يدي الصبي تلامسانه.

لم يشعر غو شانغ بشيء، ولكن الصبي تراجع فجأة خطوةً إلى الوراء، وقد بدأت يداه تتقرحان وتتعفنان بسرعةٍ مرعبة. تدفق دمٌ أخضر كثيفٌ من ذراعيه، واختفت أنسجة جلده بجنون، كاشفةً عن عظامه البيضاء في مشهدٍ تقشعر له الأبدان.

لكن الصبي لم يشعر بالخوف، بل انفجر في الضحك بدلًا من ذلك. فاقترب غو شانغ بوجهه منه وقال ساخرًا: "هل تضحك على نفسك؟"

عندما سمع الصبي ذلك، استشاط غضبًا على الفور وصرخ: "كيف تجرؤ على شتمي؟ لم يجرؤ أحدٌ في هذا العالم على التحدث إلي بهذه الطريقة!" ثم ألقى بنفسه على غو شانغ، وفتح فمه ليعض عنقه.

تفاجأ الصبي قليلًا عندما رأى أن الرجل لا ينوي المراوغة. 'هل هذا الرجل أحمق؟' لامست كفه البيضاء عنق غو شانغ دون أي عائق، ولكن هذا كان أقصى ما استطاع فعله. ففي اللحظة التي كان على وشك أن يغرس أنيابه، ظهرت خمسة ثقوبٍ دمويةٍ طويلة ورفيعة على عنقه هو، مطابقة تمامًا للهجوم الذي كان يشنه على ضحاياه.

في تلك اللحظة، أدرك الصبي شيئًا ما. فرغم أنه كيانٌ متنامٍ لا يملك حكمةً كافية، إلا أنه يمتلك القدرة على التفكير. 'لقد أصبت مرتين متتاليتين، وفي كل مرة كنت على وشك مهاجمته. والجزء الذي أصبت فيه هو نفسه الذي كنت أنوي مهاجمته به. هل يعقل أن أي أذى ألحقه به، سيرتد على جسدي بالمثل؟ والأهم من ذلك، أنه هو لا يتأذى أبدًا.'

بعد أن فهم الصبي ما يحدث، تحركت عيناه الكبيرتان بسرعة، ثم غاص في الأرض دون تردد. فرغم أنه لم يكن متأكدًا تمامًا من حقيقة الأمر، إلا أنه لم يكن ليخاطر بحياته لمجرد احتمالٍ ضئيل. مستقبله يحمل إمكانياتٍ لا حصر لها، ولا يمكنه أن يخسر حياته هنا، فستكون تلك خسارةً فادحة.

"إذًا يمكنه الهرب، مثيرٌ للاهتمام!"

2025/10/25 · 31 مشاهدة · 989 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025