الفصل الأربعمائة والأربعة عشر: نجاح
____________________________________________
"لقد عثرت عليّ إذن، فما غايتك؟" هكذا تساءل تشين فنغ وهو يرفع صنارة الصيد التي في يده ويضعها على الشاطئ، ثم مد يده بحركةٍ اعتادها، فانتزع سمكةً سوداء من الخطاف وألقى بها في الدلو الخشبي المجاور له.
لم يكن في الدلو ماءٌ، فظلت سمكة رأس الأفعى تتخبط وتتقلب بعد أن سقطت فيه، لكن نقص الأكسجين جعل قوتها تخور شيئًا فشيئًا، فلم تعد تقوى على مواصلة حركتها. وبعد برهةٍ، استلقت هامدةً في قعر الدلو ولم تتحرك بعدها أبدًا.
"ما أردته هو مجرد حديثٍ صريحٍ معك." أعاد غو شانغ على مسامعه قوله، ثم أضاف: "ربما تجهل ذلك، لكنني أنا من خلقتُ وحوش المشاعر تلك بنفسي. لم يكن غرضي سوى أن أرى كيف سيدافع هذا العالم عن نفسه."
وتابع بنبرةٍ واثقة: "أعلم أنك قد بثثتَ جزءًا من وعيك في هذا الجسد البشري، فلمَ لا تظهر وتتحدث معي كما ينبغي؟ وإن كنت لا ترغب في ذلك، فلا تزال في جعبتي سبلٌ كثيرةٌ لتكرار ما فعلتُه سابقًا، فما وحوش المشاعر تلك إلا أبسط الطرق وأكثرها بدائية."
وقف غو شانغ منتصبًا، وقد ترددت كلماته في سكونٍ مهيب، وكان ما قاله حقيقةً لا مراء فيها. فبعد ولادة الشاب الثانية، تتبع غو شانغ خيط حادثةٍ أخرى حظيت بنفس القدر من الاهتمام الذي أولاه إياها، وأدرك أن الطرف الآخر قد شهد بدوره مجريات الأحداث كلها من منظورٍ إلهي.
فغدا من الواضح أن ذلك الكيان هو إرادة هذا العالم، وأن تلك الأنظمة التي ظهرت لم تكن سوى تجسيدٍ لها. لم يكن هذا العالم سوى عالمٍ خياليٍّ عاديٍّ إلى أبعد الحدود، فتسعة وتسعون بالمائة من محتوياته تشكلت بناءً على ما استقر في لاوعي غو شانغ.
ففي أعماق عقله الباطن، ترسخ اعتقادٌ بأن مصير الأزمات المماثلة لا يمكن أن يُحسم إلا بظهور من يُدعى بفتى الأقدار، الذي سينجح في حل جميع المعضلات. ولهذا السبب تحديدًا، عمد وعي هذا العالم إلى خلق نظامٍ زائفٍ له.
لمعت عينا تشين فنغ ببريقٍ خاطف، ثم ما لبث جسده أن تحول إلى ذراتٍ متناهية الصغر وتلاشى في لمح البصر. وفي اللحظة التالية، ظهرت كرةٌ مستديرةٌ من الضوء فجأةً، وعلقت في الفضاء بهدوءٍ أمام عيني غو شانغ.
صدر من كرة الضوء صوتٌ حادٌ قائلًا: "ما غايتك من المجيء إلى هذا العالم؟ كان يكفيك أن تقتل تشانغ مينغ لتغادر بسلام، فلمَ مكثتَ كل هذا الوقت وتسببت في كل هذه الخسائر في الأرواح؟"
"كما توقعت، أنت تدرك إذن طبيعة هذا العالم وكيف تسير أموره." سمع غو شانغ كلماته وأغمض عينيه، وبعد ثانيتين ابتسم قائلًا: "هذا العالم موجودٌ بسببي أنا، وما إن أغادره، حتى ينهار ويتلاشى سريعًا. ألا تخشى أن أرحل فور قتلي لتشانغ مينغ؟"
"نعم، إن معنى وجود هذا العالم مرتبطٌ بك. وبعد رحيلك، فإن انهياره وتداخله بسلاسة هو أيضًا مصيره المحتوم. وما دام الأمر قدرًا، فلمَ عسانا نخشاه؟"
سأله غو شانغ مستفزًا: "ألم تفكر يومًا في مقاومة هذا الذي تسميه قدرًا؟"
أطلقت كرة الضوء ضحكةً ساخرةً مدوية وقالت: "ألا ترى أن سؤالك هذا يبعث على السخرية؟ فكل مقومات هذا العالم قد نشأت بسبب وجودك أنت ولاوعيك. وهذا العالم ما هو إلا وهمٌ في وهم، ومهما حاولنا جاهدين وكافحنا بضراوة، فلن يغير ذلك شيئًا من طبيعته."
ثم أردفت بنبرةٍ قاطعة: "فكل مقاومةٍ ليست سوى ضربًا من خداع الذات."
بعد أن استمع إلى كلمات كرة الضوء، غرق غو شانغ في صمتٍ عميق. لسببٍ غامض، رأى في ذلك الكيان انعكاسًا لمستقبله، فخطر بباله سؤالٌ مقلق: 'ترى، هل كان العدو الذي أواجهه في أعماق لاوعيي بهذه القوة الساحقة هو الآخر؟'