الفصل الأربعمائة والخامس عشر: تلاشٍ
____________________________________________
هزّ غو شانغ رأسه مُعدِّلًا من حالته الذهنية، ثم قال بجدية: "إن كان الأمر كذلك، فأنتِ تعلمين إذن الغاية من مجيئي هذه المرة".
ردّت كرة الضوء بفظاظة: "ما الذي تفعله هنا؟ بالطبع أعلم، ولأنني أعلم تحديدًا، أرى أنك واهمٌ في مسعاك".
ثم أردفت موضحة: "فالإجابة التي تبحث عنها تكمن في نواميس هذا العالم وجوهره الموضوعي، وليست نابعةً من عقلك الباطن".
أدركَ غو شانغ مغزى كلامها على الفور، فقد كان يسعى للتواصل مع وعي العالم الحقيقي، لكن هذا الوعي الذي أمامه لم يكن سوى نتاجٍ لعقله الباطن.
وبسبب ذلك، كان هذا الكيان منفصلًا تمامًا عن العالم الواقعي، ولا يمكن أن يشكل أساسًا منطقيًا ليبتكر من خلاله أسلوبه المنشود.
فحتى لو استخلص منه معلوماتٍ لا تُقدّر بثمن، سيظل عاجزًا عن دمجها في فنه الذي كان يعمل على صياغته.
تساءل غو شانغ بقلة حيلة: "إذا كان الأمر كذلك، فهل لديكِ سبيلٌ آخر؟"
بُهتت كرة الضوء للحظة، ثم ما لبثت أن تحولت إلى هيئة كفٍّ مدّت إصبعها الأوسط في إشارة ازدراءٍ مباشرة نحو غو شانغ.
ثم صاحت به ساخرة: "لمَ أنت أحمقٌ إلى هذا الحد؟ مادام عقلك الباطن لا ينفعك بشيء، فاذهب وابحث عن وعي العالم الحقيقي!".
تنهد غو شانغ في أعماقه، فهو لم يشعر قط بوجود وعيٍ للعالم في العالم الحقيقي، ورغم كثرة تخميناته ومحاولاته السابقة، إلا أنه لم يصل إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ في نهاية المطاف.
وعندما عاد بذاكرته للوراء، تذكر أنه لم يشعر بميل العالم نحوه إلا حين كان يبذل قصارى جهده لفعل الخير وتجميع الحسنات، لكن ذلك الشعور كان غامضًا ومبهمًا، ولا يمكن أخذه على محمل الجد.
غرق في تفكيرٍ عميقٍ وهو يسترجع تلك اللحظات، حين قاطعته كرة الضوء التي عادت إلى هيئتها الأصلية قائلة: "لقد استطعت التفكير في طريقةٍ تُجبرني بها على الظهور، أفلا يمكنك التفكير في طريقةٍ مماثلةٍ تجعل بها وعي العالم الآخر يظهر؟".
أجاب غو شانغ بهدوء: "إن هذه الطريقة التي جعلتكِ تظهرين بها ليست سوى فكرةٍ من وحي خيالي، وليست موجودةً بشكلٍ موضوعيٍّ في العالم الحقيقي، لذا فمن المرجح أن تفشل".
صمت وعي العالم لبرهةٍ قبل أن يرد: "لكن عقلك الباطن يتشكل وفقًا للعالم الموضوعي، لذا لا يزال هناك احتمال للنجاح".
تغيرت ملامح وجه غو شانغ وقد نفد صبره قائلًا: "لقد سئمت منكِ حقًا، فتارةً تقولين إن الأمر سينجح، وتارةً أخرى لا، فهل يمكنكِ أن تمنحيني إجابةً قاطعة!".
لقد سئم من هذا الكيان الذي ما فتئ يهذي أمامه بكلامٍ فارغ، ورغم طول الحديث، لم تُحل مشكلته بعد، فمدّ يده وقبض على كرة الضوء بقوة.
فبفضل لياقته البدنية الجبارة في العالم الحقيقي وجسد التنين الذي يملكه، كان بوسعه أن يُفني كل شيءٍ في هذا العالم دون عناء، فبدت كرة الضوء أمامه كقطعةٍ من الصلصال، يشكلها كيفما شاء.
صاحت كرة الضوء وهي تتلوى بين أصابعه: "اهدأ، اهدأ! لقد منحتك الإجابة بالفعل، والأمر متروكٌ لك لتنفذها، والشيء الوحيد الذي أنا متأكدةٌ منه هو أنك لن تحصل مني على أي معلومةٍ مفيدة".
ثم أضافت بصوتٍ خافتٍ وهي تكاد تختنق: "الأمل الوحيد يكمن في العالم الحقيقي، بالتواصل مع وعي العالم الحقيقي".
وما إن أتمت كلماتها حتى اختفت كرة الضوء التي كان يمسكها من بين يديه في لمح البصر، فهزّ غو شانغ رأسه، وبمجرد فكرةٍ خطرت في باله، قتل تشانغ مينغ الذي كان قد سجنه على بعد أميالٍ لا تُحصى.
وفي خطوته الأخيرة، خرج من هذا العالم الوهمي، وما إن غادر، حتى انهار العالم من بعده بسرعةٍ مذهلة، وتحولت كل مادةٍ وكل فكرةٍ إلى خيطٍ دقيقٍ واحد، ثم تبخر بين السماء والأرض.