الفصل الأربعمائة والسادس عشر: التماس الدرب
____________________________________________
على الرغم من غرابة الطريقة التي اقترحها وعي العالم وسخفها، فقد كان غو شانغ على أهبة الاستعداد لتجربتها، فما عاد لديه سبيلٌ آخر للحصول على المعلومات التي يبتغيها في الوقت الراهن، ودون تلك المعلومات، يستحيل عليه أن يوسع مدارك فكره أو يبتكر مهاراتٍ أفضل تؤهله لارتقاء العالمين التاسع والعشرين والثلاثين.
أطلق غو شانغ تنهيدةً ثم شرع في ترتيب عالمه الصغير قبل أن يبدأ رحلته من جديد، فخارج حدود عالم الخلود، كانت معظم العوالم قد تشكلت من بقايا جثث حيواناتٍ شتى، ولم تظهر في الأزمان الأخيرة أي كواكبَ تحمل حياةً ذات نفعٍ يُذكر. كان غو شانغ يدرك أن قلةً قليلةً من الكائنات في تلك العوالم قد تمتلك وعيًا، لكنه مع ذلك قرر أن يخوض التجربة.
ولم تختلف النتيجة عما توقعه، فمهما بالغ في تدمير ذلك العالم، لم يظهر وعيه الخاص، ناهيك عن ظهور ما يُدعى بفتى الأقدار ليقوم بأي محاولة إنقاذٍ أو يتخذ أي إجراءٍ للتعويض. بدا جليًا أن هذا الصنف من العوالم لا يجدي نفعًا لمسعاه، لذا، ومض بجسده في لمح البصر قاصدًا النهر الأسود الممتد.
اختار وجهةً عشوائيةً ومضى قُدمًا دون توقف، وبعد زمنٍ لا يعلم مداه، لاح في بصره شعاعٌ من نور. وما إن خطى نحوه خطوةً واحدةً حتى وجد نفسه في اللحظة التالية قد ولج عالمًا جديدًا بالكلية. أحاط وعيه بالعالم بأسره في لحظة، فقد اتبع مجرى النهر الأسود حتى وصل إلى هذا العالم، عالمٍ لم تطأه قدماه من قبل. لم يختلف نظام القوة فيه عن تلك العوالم التي خبرها، ولم يسترعِ ظهوره المفاجئ انتباه أحد.
تأمل غو شانغ البشر وهم يعيشون حياتهم في هدوءٍ وسكينة، ثم أطلق تنهيدةً خافتة. لوّح بيده في حركةٍ عابرة، فغمرت قوةٌ جبارةٌ جميع البشر في آنٍ واحد، ولكي يخفف من وخز ضميره، أبادهم جميعًا في لحظة، ثم أعاد تشكيلهم من أرواحه الخاصة وأطلقهم في العالم مرةً أخرى.
وبهذا، مُنِح هؤلاء البشر قدرةً مقنّعةً على البعث اللامتناهي، فمهما كانت قسوة معاملته لهم فيما بعد، لن يُقضى عليهم بتلك السهولة. وبعد أن أتم استعداداته الأولية، شرع في إحداث بعض الاضطرابات البسيطة في أرجاء هذا العالم، فأخذت الكوارث تترى في كل ركنٍ منه، وغرقت حياة الناس في لججٍ من الألم.
تحت أنظاره، هلك عددٌ كبيرٌ من المخلوقات، وتفشّت الضغينة في مختلف الأقاليم بدرجاتٍ متفاوتة، مما أدى إلى عواقب وخيمة. لكن على الرغم من كل ذلك، لم يُبدِ العالم نفسه أي تدخلٍ يُذكر. تردد غو شانغ للحظات، لكنه استمر في أفعاله، ومع مواصلته لعملياته، ازدادت معاناة العالم قسوةً، وأخذ عدد القتلى من البشر يتزايد تدريجيًا.
وبينما كان على وشك أن يستسلم ويبعث جميع البشر من جديد، لاحظ أخيرًا بعض التحركات الخفية التي أقدم عليها هذا العالم. ففي مدينةٍ عاديةٍ لا تميّزها سمة، هبط شعاعٌ من نورٍ آتٍ من خارج العالم، ليسقط على شابٍ يرتدي ثيابًا بيضاء كان يجلس في هودج. تجمد الشاب في مكانه للحظة، ثم نظر إلى كل شيءٍ حوله في ذهولٍ لا يصدق، ومد يده يتلمس الأشياء بفضولٍ وقد علت وجهه إثارةٌ بالغة.
"يا إلهي، إذن السفر عبر الزمن موجودٌ حقًا في هذا العالم!"
"مدهش، هذا مدهشٌ حقًا." ثم وهو يسترجع الذاكرة الإضافية التي زُرعت في عقله، ارتسمت على وجهه مشاعر أكثر تعقيدًا. قاوم الشاب الإثارة التي اعترت قلبه، وعاد ليجلس في هودجه من جديد، ثم رفع ستار النافذة، وألقى نظرةً على العالم من حوله الذي يفيض بأجواءٍ عتيقة، فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ بطيئة.
'لقد انتقلت لأصبح ابن تاجرٍ ثري، هذه هويةٌ لا بأس بها على الإطلاق. على الأقل أمتلك الكثير من الموارد الأساسية، ونقطة انطلاقتي أعلى من بعض الحثالة.' هكذا فكر الشاب في نفسه بحماس.