الفصل الخامس والأربعون: صفقة؟
____________________________________________
وقَفَ غو شانغ أمام مقبرة عائلة وانغ العريقة، وألقى نظرة على القبر الذي يخص وانغ تونغ، ثم أصدر أمره بنبرة قاطعة: "احفروا!".
لم يكن بحوزة رجال المنظمة معاول، غير أن ذلك لم يعقهم، فقد توزعوا في مواضع عدة، ثم ما لبثت طاقتهم الداخلية أن تجسدت في هيئة أكفٍّ عاتية، فما هي إلا ضربات معدودات حتى نبشوا القبر عن آخره.
لوّح أحد التابعين بيده، فهوت على التابوت كأنها حدُّ سيف، فشطرته إربًا. وفي لمح البصر، وقعت عينا غو شانغ الذي كان يقف بجانبهم على كتابٍ ملقى بجوار الجثة، أو ما بدا أنه كتاب، لكنه في حقيقته لم يكن سوى رقعة من جلد لحمي.
مدَّ يده، فانطلقت طاقة جبارة حملت معها الرقعة الجلدية إليه، فأمسك بها وتفحصها مليًا للحظات.
'إنه ذاك الأسلوب بعينه، وقد فُصِّل فيه كل شيء بتوسع.'
لكن بعد أن ألقى نظرة فاحصة، اعتراه شيء من الأسف، فبالإضافة إلى المواد الطبية الأساسية، يتطلب هذا الشيء ما يُدعى بروح الشيطان، وقد وُصف في الرقعة بأنه الروح المتبقية من الشيطان بعد موته، والتي تبقى بجوار جثته لثلاثة أيام، ثم تتلاشى من تلقاء نفسها وتتحول إلى رماد.
'يا للأسف، لا فائدة تُرجى منه بالنسبة لي.'
هز رأسه بيأس، ثم استدار مغادرًا وأصدر أوامره ببرود: "أعيدوا كل شيء إلى ما كان عليه. وما إن تعودوا، باشروا فورًا إبادة عائلات وانغ وتشانغ وغوي وتشيان، لا تتركوا منهم أحدًا على قيد الحياة." ثم التفت إليهم محذرًا: "لا تدعوا أحدًا يفلت."
أجابته شي شي التي كانت تقف بالجوار بنبرة خلت من أي شعور: "أمرك سيدي!". لقد قتلت في هذا العام أناسًا كثر من أجل سيدها الصغير، فلم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي كانت تراودها الكوابيس لمجرد رؤية الموتى، بل أضحت اليوم سيفًا في يد سيدها الصغير، فمن يأمر بقتله، يلقَ حتفه لا محالة!
حلَّ الليل بسكونه، وجلس غو شانغ في غرفة الزراعة يمسّد شعره بكلتا يديه، وقد وقع في مأزق حقيقي هذه المرة، فلم يكن يدري كيف يخبر والدته بما جرى. فأن يقتل الابن أمه وأباه وعائلته، لهو أمر خارج عن كل منطق وطبيعة، لكنه حدث بالفعل.
كانت رقعة الجلد اللحمية ملقاة على الطاولة أمامه، فلفتت انتباهه، وفي تلك اللحظة، تسلل شعاع من ضوء القمر عبر النافذة ليسقط عليها، فما كان من الرقعة إلا أن أطلقت وهجًا أزرق غريبًا.
'جوهر القمر؟'
تراجع غو شانغ خطوة إلى الوراء، فقد رأى هذا الشيء من قبل مع شوان هوانغ، الذي كان يطور قوته بامتصاص جوهر الشمس والقمر. وبعد ثوانٍ معدودات، خفت الضوء، وظهر على الرقعة سطر من الكلمات:
"على الأرض المنبسطة في قمة الجبل خلف مدينة تونغ شوان، يوجد كوخ من القش." بدا كأنه عنوان مكان ما، ومدينة تونغ شوان هي مدينة مجاورة لمدينة دا يي، وقد تسللت عائلة لي إليها بالفعل وإن كان على نطاق ضيق، فلا يزال لهم بعض النفوذ والقوة هناك.
'لا بد من إرسال أحدهم لاستطلاع الأمر.'
صاح غو شانغ: "ليحضر أحد!".
وفي مكان آخر، على قمة جبل شاهق تغطيه الثلوج البيضاء، كانت درجة الحرارة شديدة الانخفاض، وقلما تطأ قدم إنسان تلك الأصقاع، حتى الحيوانات كانت نادرة الوجود.
هناك، على قمة الجبل، جلست هيئة بيضاء متربعة، وقد تساقطت الثلوج الكثيفة فغطتها، لكنها بقيت ساكنة لا حراك فيها، لا تتنفس، ولا ينبض لها قلب، كأنها جثة هامدة. استمر الثلج في هطوله المعتاد، فزاده تغطية وسترة. وفجأة، شقَّ صياحٌ غريب سكون السماء:
"آه~آه~~"، كان طائرًا أسود ضخمًا يحلق فوق رأسه، وقبل أن يكمل دورته، انطلق خط من الدم في الهواء، وتناثر جسد الطائر الضخم أشلاءً تسبح في الفضاء قبل أن تهوي ببطء.
مد الرجل ذو الرداء الأبيض ذراعه بتصلب، فالتقط بقايا الطائر الأسود، وكانت في يديه قوة خاصة ابتلعت اللحم والدم مباشرة، فلم تترك قطرة دم واحدة أو أي رائحة غريبة.
ارتجف جسده قليلًا ثم وقف، وقد كان يرتدي رداءً أبيض يغطي جسده بالكامل، وقبعة بيضاء على رأسه، وتحتها قناع يغطي عينيه، ولا يظهر منه سوى ذقن مدبب.
تنهد الرجل الأبيض قائلًا: "لقد مات شياو فنغ زي." لقد تدرب هنا لعام كامل، وها هو شياو فنغ زي يموت. "لقد أنقذت حياة آ هوانغ في النهاية، لذا ابقَ هنا وانتظرني حتى آخذ بثأرك." تمتم لنفسه، وفجأة، انحدر من قمة الجبل كائنٌ بني اللون، طويل ونحيل، كان كلبًا أصفر هزيلًا ذا فم طويل وعمود فقري متعرج. مد الرجل الأبيض يده ومسّد على الكلب الهزيل.
"مات شياو فنغ زي في مملكة تشو العظمى، وتلك هي أراضي رأس الأفعى العفن..." تردد قليلًا ثم أردف بابتسامة: "سأنتظر تسع سنوات أخرى. حين تلتئم جراحي وأصل إلى اختراق جديد، سأفجر رأسه بالتأكيد!"
وفي اللحظة التالية، اهتز وجه الرجل الأبيض وقبعته البيضاء بعنف، ليتحول إلى رأس دجاجة... لا، بل رأس طائر!!
كان الثأر لشياو فنغ زي أمرًا ثانويًا، فالأهم هو رأس الأفعى العفن؛ فقد كانا عدوين لدودين، استمرت معاركهما لما يقرب من ألف عام، تذوق فيها كل منهما طعم النصر والهزيمة.
كان الرجل الأبيض، ذو رأس الطائر وجسد الإنسان، يبتسم، والكلب الأصفر بجانبه لا يتوقف عن النباح، فبدا المشهد على قمة الجبل الثلجي غريبًا إلى أقصى حد.
وعند المساء، عادت شي شي، كان الغبار يكسوها، ووجهها ملطخ ببقع من الدماء. ابتسمت وقالت: "سيدي، لقد تم حل كل شيء. واجهتنا مشكلة في المنتصف، فقد كانت عائلة تشانغ تحتجز في الواقع العديد من مقاتلي عالم شيان تيان..." ثم أضافت بلا مبالاة: "لكنها لم تكن مشكلة كبيرة، فقد ماتوا جميعًا."
أومأ غو شانغ برأسه: "أحسنتِ صنعًا."
تضم العائلات الأربع الكبرى آلاف الأشخاص، ويبدو أنه قد تحول حقًا إلى شرير لا يطرف له جفن حين يقتل، وينتقم لأبسط إهانة. وفيما هو كذلك، دوت في الخارج أصوات خطوات متسارعة، واندفع شخص ما إلى الداخل وهو يلهث: "سيدي، الرجال الذين أرسلناهم هذا الصباح عادوا بنتائج."
كان الرجل يرتدي رداء المنظمة الأسود، ووقف أمامه يلهث، فنظر إليه غو شانغ وشعر أن هناك شيئًا ما ليس على ما يرام. هدأ الرجل وكان على وشك الكلام، لكن وميضًا أسود لمع فجأة على جسده وبدأ يرتجف. أطلقت شي شي طاقتها الداخلية في الحال، وكادت أن تتدخل بفعل غريزة، لكن غو شانغ أوقفها قائلًا: "توقفي." لم يكن الآخر يحمل له أي نية سيئة، فقد شعر بولائه بوضوح.
'بشكل عام، يبلغ ولاء الغرباء 60، ومن يكنون لي نوايا خبيثة يكونون أقل من 60. لقد انخفض رقم ولاء عضو المنظمة الذي أمامه فجأة من 93 إلى 61. هذا أمر يستدعي التحقق.'
تدفقت الطاقة من غو شانغ، فجذبه إلى الباب، مستعدًا للهرب أو الهجوم في أي لحظة. التفت عضو المنظمة وقال بشيء من التذمر: "أقول لك، إنك حذر أكثر من اللازم." كانت عيناه بيضاوين بالكامل، فبدا منظره غريبًا للغاية. تراجع غو شانغ خطوة إلى الوراء دون أن ينبس ببنت شفة، فقال الزائر بصوت عميق: "أنا لا أقصد الأذى. أريد أن أعقد صفقة معك."
"صفقة؟؟؟" فوجئ غو شانغ قليلًا. "أية صفقة؟"
'هوية هذا الرجل ليست بسيطة، يجب أن أكون حذرًا.'
أجاب الزائر: "أنا أحب دائمًا التبادل المتكافئ. سأعطيك شيئًا مقابل ما يمكنك أن تمنحني إياه."
'التبادل المتكافئ.'
سأل غو شانغ: "وما الذي يمكنك قبوله؟"
"العمر، الروح، وكل أنواع الأشياء."
'كأنه لم يقل شيئًا.'
ارتجف الزائر وضحك قائلًا: "لقد لاحظتك منذ زمن طويل. في السنوات القليلة الماضية، لم يعقد معي صفقة سوى شخصين، وقد قتلتهما أنت كليهما. لتعويض ذلك، يجب أن تعقد صفقة معي مرة واحدة."
بقي ولاء الطرف الآخر ثابتًا، ولم تظهر منه أي نية سيئة. بدأ غو شانغ يفكر بعمق.
'بالتأكيد لا يمكنني أن أمنحه عمري، فما زلت أريد ميزتي الذهبية في حياتي القادمة. أما الروح؟ لم أفهم معناها الحقيقي بعد، لذا لا فائدة منها. جوانب أخرى؟؟'
وبعد دقيقتين من الصمت، سأل: "لدي هنا المئات من أساليب فنون القتال، هل يمكننا عقد صفقة بها؟"