الفصل الخمسمائة واثنان: معرفة الإجابة

____________________________________________

طوال السنوات التي عشنها في هذا العالم، لم يشهدن قط تهديدًا بهذا الوضوح السافر، خاصةً حين يكون الموجّه إلى جماعتهن، جماعة ’المُسَيِّرين‘. ولأن جميع أعضائها من النساء، فقد كنَّ أكثر تماسكًا واتحادًا من أي جماعة أخرى.

وبينما كنَّ يترددن، عَلا صوت غو شانغ مرة أخرى، قائلًا ببرود: "بما أنكن لستن مهتمات بالتعاون معي، فإني آسفٌ لذلك". ففي نظره، لا يوجد في هذا العالم سوى صنفين من الناس: العدو، والشريك. ومن لم يكن صديقًا له، فمصيره الموت.

ثم استدار بهدوء مغادرًا الكنيسة، فمهمته قد اكتملت على أي حال، ولم تعد به حاجة إلى إتمام أي أمر آخر بنفسه. وما إن غادر، حتى انقضت الأفاعي العشر التي بدت عادية بسرعة خاطفة، وتوالت الصرخات المفزعة التي لم تلبث أن خبت، إذ لقي من في الكنيسة حتفهم بسرعة.

عاد غو شانغ إلى السيارة السوداء وجلس في مقعده، ثم قال بهدوء: "اذهب إلى هذا العنوان". وبينما كان يسند ظهره إلى مقعده، ظهرت فجأة في الهواء أمام المقعد الأمامي سطور من الكلمات السوداء: "أمرك يا سيد الدم!". أومأ السائق الشاب برأسه، وضغط على دواسة الوقود، فانطلقت السيارة مبتعدةً عن الكنيسة بسرعة.

لقد أدار غو شانغ هذه العملية على جبهات متعددة في آنٍ واحد، إذ قسّم مئات الآلاف من أفاعيه العادية إلى فرقٍ شتّى. وقاد أبناء الدم كل فرقة منها لتهاجم معاقل القوى الخارقة الواحد تلو الآخر. ورغم أن هذه الأفاعي لم تكن سوى كائنات عادية، إلا أنها كانت قادرة على اجتياح معظم القوى الخارقة في هذا العالم.

ومع خضوع أغلب المنظمات العادية لسيطرته، فقد حُسمت هذه العملية بالنسبة له منذ لحظة انطلاقها. وبينما انطلق أتباعه لتنفيذ بقية المهام، اختار هو بنفسه بضعة أماكن ذات أهمية خاصة ليتولى أمرها، ومن بينها كان المقر الرئيسي للمُسَيِّرين في مدينته الصغيرة، وهو مكان كان قد جمع عنه معلومات وفيرة قبل مجيئه.

كما علم من خلال ذاكرة العجوز بوجود سيد استنباط آخر، وهو لقبٌ يحظى حاملوه بشهرة واسعة في أرجاء الاتحاد البشري. لقد استطاع هذا الرجل التنبؤ بمصائر العديد من الشخصيات البارزة، وبفضل دقته العالية، نال ثقة الكثيرين. وبالمثل، تنبأ بالعديد من الأزمات المستقبلية بقوته الخاصة، مما ساهم في تجنيب العالم كوارث طبيعية لا حصر لها.

أثار ذلك فضول غو شانغ، وتساءل في نفسه إن كان هذا الرجل قادرًا على مساعدته في التنبؤ بالسبب والنتيجة في هذا العالم المعقد. تحركت السيارة بسرعة، وانتشر خبر توجهه للقاء سيد الاستنباط كانتشار النار في الهشيم، فقد باشر رجاله بالفعل بعض الإجراءات التمهيدية لتمهيد الطريق له.

وبعد ما يزيد على عشر دقائق، ترجّل غو شانغ من السيارة أمام فيلا تقع في ضواحي المدينة. كان قد علم من ذاكرة العجوز أن أزمة وشيكة قد كُشفت قبل ثلاثة أيام، مما جعله يتساءل إن كان الرجل لا يزال في مكانه أم أنه رحل. وما إن ترجّل من السيارة حتى اقترب منه شاب يرتدي رداءً طويلًا وأطلعه على المعلومات بالتفصيل: "سيد الدم، إنه لم يغادر. هو في انتظارك بالداخل".

أومأ غو شانغ برأسه، بينما سارع عدة رجال بفتح البوابة وتقدموه ليرشدوه إلى الطريق. سار عبر الممر وصعد الدرج، ليجد سيد الاستنباط في غرفة المعيشة بالطابق الثاني. كان الرجل جالسًا في غرفة المعيشة بكل أريحية، يُعدُّ له إبريقًا من الشاي الساخن.

انسكب الماء الحار فوق أوراق الشاي، ففاحت رائحتها العطرة. اقترب غو شانغ بصمت وجلس في المقعد المقابل له، بينما انسحب جميع الأتباع بحكمة، تاركين الرجلين وحدهما.

"إذًا، كنت تعلم بقدومي حقًا". قال غو شانغ وهو ينظر إلى الرجل بدهشة، فقوته هو، لا سيما قوته الذهنية، قد بلغت شأنًا عظيمًا. وفي تقديره، فإن استنباط مسار تحركات كائن بقوته يتطلب جهدًا هائلًا. إلا أن الحالة الجسدية للمستنبط الذي أمامه لا تختلف عن أي شخص عادي، فلم يكن يمتلك أي قوة خارقة، ولم تبدُ عليه أي علامات إرهاق أو أذى.

"وكيف لي ألا أعلم بقدوم شخصٍ مثلك؟". لم يكن سيد الاستنباط هذا رجلًا عجوزًا، بل شابًا يافعًا. ووفقًا للمعلومات، لم يكن عمره يتجاوز الخامسة والعشرين. قبل بلوغه الثامنة عشرة، كان مجرد طالب عادي، لكنه في ذلك العام التقى بسيد استنباط آخر وتعلم منه الكثير، لينمو بعدها بسرعة مذهلة وكأنه يستخدم وسيلة غش.

ولم تمضِ بضع سنوات حتى أصبح خبير استنباط ذا شهرة عالمية. وبفضل قدرته هذه، جمع ثروة طائلة، وانغمس في ملذات كثيرة كما يفعل المراهقون. ولكنه في السنوات الأخيرة، نبذ كل رغباته وجاء إلى هذه البلدة الصغيرة ليعتني بصحته.

"إذًا كنت تعلم بقدومي؟" قال غو شانغ وهو يرفع فنجان الشاي الساخن الذي أعده له مضيفه للتو.

"بالطبع". أجاب الرجل بصراحة دون أي مراوغة.

"وهل تعلم إذًا غايتي من المجيء إليك هذه المرة؟".

"أعلم، ولكني سأخيب ظنك. فحتى أنا لا أستطيع إزالة الشكوك التي في قلبك. إن هذا العالم أعقد مما تتصور، وأعمق من أن تتمكن من الإحاطة به".

أثارت كلماته اهتمام غو شانغ أكثر، فهذا العالم يختلف حقًا عن أي عالم آخر رآه، بما يحويه من أنظمة تدريب متنوعة وتاريخ عريق.

فسأله: "إذًا، هل يمكنك مساعدتي في تخمين أين يكمن الجواب الذي أبحث عنه؟ هل هو داخل هذا العالم، أم خارجه؟".

عند سماعه سؤاله، هز الشاب رأسه برفق: "يؤسفني جدًا، لا علم لي بهذا الأمر. وحتى لو كنت أعلم، لما استطعت إخبارك. لكني أستطيع أن أقدم لك تلميحًا بسيطًا. وبالطبع، هذه التلميحات ليست سوى تخمينات مني، وليست الجواب القاطع".

"قل ما عندك".

نفخ الشاب على الشاي ليبرده ثم ارتشف منه رشفة، وقال: "حين دخلت هذا المجال لأول مرة، أخبرني معلمي أن كل شيء بين السماء والأرض له مسار ثابت، سواء كان نملة أو إنسانًا، ورقة شجر أو طاولة، أو حتى عالمًا بأكمله. كل شيء له نتيجة محتومة ومسار مرسوم سلفًا".

ثم تابع بصوت هادئ: "ولا يستطيع أحد إيقاف هذا القدر المحتوم. قد تظن أنك قادر على إيقافه، لكن كل ما تفعله ليس سوى جزء من المسار، وليس تغييرًا للنتيجة. قد تعتقد أنك نجحت، ولكن نجاحك ذاك ما هو إلا جزء من المسار المرسوم، وليس النتيجة النهائية".

ورغم أن كلمات الشاب كانت غامضة ومعقدة، فقد فهمها غو شانغ على الفور. اتكأ على الأريكة وارتشف من الشاي ثم قال وهو يزفر بعمق: "يبدو أنني عرفت الجواب. مثير للاهتمام حقًا. هذه أول مرة أصادف فيها أمرًا كهذا". ورمق الشاب الجالس أمامه بنظرة عميقة.

ضحك الشاب وقال: "بل أنت المثير للاهتمام. هذه أول مرة أرى فيها شخصًا مثلك".

"هل أنت مهتم بمساعدتي في بعض الأمور؟ يجب أن تعلم أنني أقدّر المواهب بشتى أنواعها، وأحرص على وضعها في الأماكن المناسبة لها. فإذا لم أضعها في المكان الذي أراه مناسبًا، أشعر بشيء من الانزعاج. فالوسواس القهري أمرٌ مزعج للغاية كما تعلم".

عند سماع ذلك، تغير وجه الشاب فجأة، وفي النهاية لم يستطع منع نفسه من إطلاق ابتسامة مريرة.

2025/11/09 · 20 مشاهدة · 1027 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025