الفصل الخمسمائة وثمانية وعشرون: التشكيل السداسي

____________________________________________

بدا هذا الصوت مألوفًا لغو شانغ، فأدرك أمرًا ما في التو واللحظة. التفت ببطء ليواجه ذلك الشخص، وما إن أدار رأسه حتى تبدلت البيئة من حوله في لمح البصر، فتحول المطعم إلى مهجع صغير.

وجد نفسه جالسًا إلى طاولة في غرفة تتسع لأربعة أشخاص، وكان قبالته شاب يافع يرمقه بنظرة مفعمة بالترقب، وقد مدّ يده اليمنى نحوه.

"لي آن!" هتف غو شانغ وهو ينهض واقفًا، بينما تدفقت الذكريات في رأسه كالسيل. عاد بذاكرته إلى اللحظة التي عبر فيها إلى هذا العالم أول مرة، حينما تجسّد في هيئة إنسان يُدعى لي آن.

في ذلك الجسد، قضى أسعد أيامه، ورغم كل ما مر به من تجارب وما شاهده من ألوان الجمال لاحقًا، ظل يرى في تلك الحقبة ذروة سعادته. صحيحٌ أن حياته حينما صار كلبًا كانت خالية من الهموم والمتاعب، إلا أنها لم تخلُ من الصعاب، ولم تكن براحة العيش كإنسان بطبيعة الحال. أما الشاب الذي يقف أمامه الآن، فقد كان نسخة طبق الأصل من لي آن الذي عرفه في ذاكرته.

"أهلًا بك، أنا..." قال غو شانغ وهو يمد يده اليمنى بصمت. ولكن قبل أن يتم جملته، وقبل أن تلامس يده يد الآخر، أتاه صوتٌ سماويٌّ من خلفه.

"مرحبًا بك يا زميلي الجديد، اسمي غو فان. عملنا بسيط للغاية، لا يتطلب سوى تسجيل الحضور في الوقت المحدد كل يوم. وإن استعصى عليك أمرٌ ما، فلا تتردد في سؤالي، فمكتبي يقع بجوار مكتبك."

عند سماع هذا الصوت، شعر غو شانغ بإحساس غريب بالانهيار يغزو كيانه. 'إذن، هذا هو المآل الذي ضحيتُ بكل شيء من أجله؟' ازدادت نظراته قتامة، ثم استدار بوجه خالٍ من أي تعابير. وكما حدث في المرة السابقة، ما إن أتم استدارته حتى وجد نفسه في مكتب فخم.

كان يقف عند المكتب المجاور له شاب يافع يرمقه بابتسامة عريضة كشفت عن أسنان ناصعة البياض، مما أضفى عليه مظهرًا مشرقًا ومبهجًا. 'بالفعل، إنها هيئة غو فان'. كان لا يزال يحتفظ بانطباع جيد عن مظهر ذلك الشاب الذي حلّ في جسده من قبل، ففي نهاية المطاف، كان مظهره في كل تناسخ يليه مباركًا بفضل ختم الأفعى السماوي.

أما غو فان الأصلي فلم يكن سوى شخص عادي، ولا يمكن مقارنته به بعد أن حظي بختم الأفعى السماوي.

"ما خطب وجهي يا فتى؟ لمَ تحدّق بي هكذا؟" قال غو فان وهو يربت على رأسه بمرح، ثم أضاف مازحًا: "كن حذرًا، فأنا رجل متزوج..."

وكما حدث مع لي آن من قبل، لم يكد ينهي حركاته وكلماته حتى أتى صوت مألوف من خلف غو شانغ.

"مرحبًا، أنا..."

"مرحبًا، أنا..."

"مرحبًا، أنا..."

بعد أن مرّ بثلاثة مشاهد متغيرة أخرى، وجد غو شانغ نفسه في فضاء حالك السواد. وقف في وسطه مذهولًا، ثم جلس على الأرض وقد تملّكه الأسى وهو يتمتم: "إذن، هل فشلتُ في النهاية؟"

تلاشت كل قوته في هذا المكان، وصمتت قدراته الفريدة المتعددة التي امتلكها، فلم تعد تستجيب لندائه أو تمنحه أي جواب. لم يكن في هذه اللحظة سوى شخص عادي، شخص عادي يحمل ذاكرة طويلة ومثقلة.

امتد الفضاء المظلم من حوله بلا نهاية، ولم يجب أحد على تساؤلات غو شانغ. حاول جاهدًا أن يستشعر حالته، باحثًا عن بصيص أمل. لقد فقد كل صلة بالقوة الجذرية، وانقطعت روابطه بالعوالم العديدة فجأة.

جلس غو شانغ في الظلام، غارقًا في تفكير عميق. لم يكن يدري كم من الوقت قد مر، فقد تجرّد من مفهوم الزمن في خضم هذا التفكير اللامتناهي. إلا أن أمرًا واحدًا أثار استغرابه، وهو أنه بالرغم من حالته الجسدية كإنسان عادي، فقد تمكن من البقاء دون طعام أو شراب لفترة طويلة، بل ولم يشعر بالتعب حتى.

'لا، هذا الشعور...' في لحظة تجلٍّ، بدا وكأن غو شانغ قد أدرك شيئًا ما. 'لو كنتُ شخصًا عاديًا حقًا، لما استطعت الصمود كل هذا الوقت'.

'السبب الذي أبقاني حيًا حتى الآن هو أن شريط الطاقة الأزرق لا نهائي!'

في حالة شريط الطاقة الأزرق اللامتناهي، يمتلك المرء قوة جسدية لا تنضب، ولا يحتاج إلى طعام أو شراب، ويمكنه البقاء على قيد الحياة إلى الأبد. ما إن استقر هذا الفكر في ذهنه، حتى انبثق أمامه شعاع من نور، سرعان ما تشكّل في هيئة باب أبيض.

أربك الضوء الساطع عيني غو شانغ. نهض بصمت وسار نحو الباب الأبيض، ثم خطى إلى داخله دون أي تردد. بعد أن عبر الباب، وجد نفسه في ممر يغمره ضوء أزرق سماوي، وعلى جانبيه اصطفت أبواب بيضاء لا حصر لها، تشبه تمامًا ذلك الذي عبره للتو.

من خلال الإطارات الزجاجية التي تعلو الأبواب، كان يستطيع رؤية الأشكال بداخلها بوضوح. لقد كانوا جميعًا نسخًا منه. كان بعضهم يبكي بحرقة، وبعضهم يقاتل الهواء بعنف، وبعضهم الآخر ملقى على الأرض بلا حراك.

لم يحرك هذا المشهد ساكنًا في قلب غو شانغ، بل واصل سيره بصمت. كان الممر طويلًا جدًا، وكأنه يمتد إلى ما لا نهاية. ركّز غو شانغ ذهنه، وحاول أن يحصي عدد الخطوات التي خطاها، والسنوات التي انقضت، لكنه أدرك أن العدد لا نهائي. ومهما فعل، لم يكن ليحصل على إجابة دقيقة.

في النهاية، سئم من العدّ، واكتفى بالمضي قدمًا. وبعد سنوات طويلة، وصل غو شانغ أخيرًا إلى نهاية الممر. هنا، بدأ الضوء الأزرق المحيط به يخفت شيئًا فشيئًا، وفي وسط تلك الأضواء الزرقاء الباهتة، أشرقت دائرة سحرية رائعة.

كانت تشكيلًا سداسيًا، يشع كل ضلع وكل زاوية فيه بضوء متعدد الألوان. عندما وصل غو شانغ إلى هذا المكان، أدرك كل شيء بشكل فطري.

[أرض السقوط السرمدي]

كل من يسعى للخروج إلى ما وراء العالم، لا بد له أن يمر من هنا، ليختبر كل أنواع الشك والمعاناة والوهم والزمن والعدوى العاطفية. وحدهم أولئك الذين يتخلون عن كل شيء ويمضون قدمًا بشجاعة هم من يستطيعون الوصول إلى هذا المكان.

"هل أنا حقًا من هذا النوع من الأبطال؟" ابتسم غو شانغ ابتسامة عريضة، ثم تقدم خطوة إلى الأمام، ودخل المنطقة المركزية للشكل السداسي.

تحت التغير المستمر للضوء والظل، شهد العالم من حوله تحولات هائلة مرة أخرى. شعر بأثر ضئيل من القوة الجذرية يتشكل في يده. وخارج الشكل السداسي، رأى عوالم لا حصر لها.

"هل هذا هو ما وراء العالم؟" في عينيه، كانت تلك العوالم تبدو كنقاط ضوء لا حصر لها، متناثرة في كل مكان. "هذه القوانين، وهذا العالم... مثير للاهتمام حقًا."

بعد أن تأمل المشهد لبرهة، ثبت غو شانغ نظره على الضوء الذي يشع من صدره، وقال: "لنبدأ بك".

وما إن نطق بكلماته، حتى تبددت آخر ذرة من القوة الجذرية في يده تمامًا، وتحولت إلى نقطة سوداء صغيرة ابتلعته بالكامل. وفي غمرة وعيه المترنح، سقط جسد غو شانغ، الذي تقلص عددًا لا يحصى من المرات، مندفعًا نحو عالم الضوء ذاك.

2025/11/13 · 8 مشاهدة · 1015 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025