الفصل الرابع والخمسون: انضمام شوان مو
____________________________________________
مدّ غو شانغ يده ليغطي فم القرد، وقد ارتسم على محيّاه طيفٌ من الحنان المصطنع وهو يهمس له: "تنفس بعمق، فلا غرابة في أن يغشاك الدوار".
نظر القرد إليه نظرة ملؤها الغبن والقهر، وقال بصوتٍ متهدج: "أنت!!".
'هل هذا الكائن بشري حقًا؟' تساءل القرد في قرارة نفسه، 'لم أستطع إلحاق أي ضرر به، بينما هو قادر على تحطيم جسدي بكل سهولة. وكيف غدا فجأة بهذا الحجم الهائل؟'.
انتُزع السيف الأسود فجأة من جسده، ليقول له غو شانغ بجدية تامة: "سأمنحك فرصة لتكون أخي الأصغر".
انتفض القرد غاضبًا وصاح: "اغرب عن وجهي! لن تكون الوحوش عبيدًا ما عاشت".
لم يعبأ غو شانغ بكلماته، بل غرز السيف في جسده من جديد. كان الألم مبرحًا، لكن القرد كان قادرًا على تحمله، غير أن ما لم يستطع احتماله هو ذاك الجو الخانق الذي فرض عليه، فقد شعر وكأنه دمية يتلاعب بها هذا الرجل، لا يملك أي قدرة على المقاومة، وهو شعور محبطٌ إلى أقصى حد.
عادت الحماسة إلى صوت غو شانغ وهو يقول: "هيا، نادني بالأخ الأكبر!". ثم أخرج بيده الأخرى سيفًا أسود آخر وطعنه به أيضًا في جسده، فتدفقت الدماء من الجرح الجديد وقد بدا الضعف على القرد جليًا، لكنه صرخ معاندًا: "محال!!!".
أومأ غو شانغ برأسه وقال: "يعجبني صمودك هذا، فلتواصل على هذا المنوال".
وبعد انقضاء ساعتين، كان جسد القرد قد امتلأ بما يزيد على مئة ثقبٍ، فقد حرص غو شانغ على أن يتجنب سيفه المواضع الحيوية، ولحسن حظه فإن القرد كان يتمتع بحيوية قوية، فلو كان جسده أضعف قليلًا، لكان قد لقي حتفه على الفور. تمدد القرد على الأرض والدماء تحيط به من كل جانب، وبعد لحظة صمت، نطق بصوت خفيض: "يا... أخي الأكبر!!".
ابتسم غو شانغ، وجثا على ركبتيه، وربّت برفق على خده قائلًا: "أخي". وهكذا، بعد تشو وو داو، حصل على أخٍ أصغر جديد، وإن كان هذا الأخ من الشياطين.
***
كان من المفترض ألا تستغرق الرحلة إلى مدينة ليو يوي سوى بضعة أيام، لكنها امتدت لستة أشهر كاملة بسبب القرد الذي كان في صحبته، حيث واصل غو شانغ التأثير عليه بالحب والأمل على طريقته الخاصة.
وأخيرًا، في الليلة التي سبقت وصولهم إلى مدينة ليو يوي، تجاوز ولاء القرد التسعين بالمئة. حينها، ألقى غو شانغ السوط من يده، واحتضنه بقوة وهو ينظر إليه بعينين حانيتين وقال: "يا أخي العزيز، لقد أدركت أخيرًا ما هو الحب، وما هو الحب الحقيقي!!".
كان القرد الآن في هيئته الأولية، بجسد صغير يغطيه شعر أسود طويل، لا يكاد حجمه يتجاوز حجم قطة صغيرة. عبّر القرد عن مشاعره الصادقة قائلًا: "شكرًا لك يا أخي! لولاك لما استطعت أن أشعر بجمال هذا العالم. لقد كنت على حق، فالحياة لا ينقصها الجمال، بل تنقصها عينٌ تكتشفه. شكرًا لك يا أخي لأنك منحتني هذه العين الحكيمة!".
تنهد غو شانغ وهو يربت على ظهره ببطء، وقال: "إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وإنك إن تركت سكين الجزار غدوت بوذا في الحال. ما زلت حكيمًا أيها القرد. يبدو أن القدر قد جمع بيننا، فلديك شعر أسود ودائرة من اللون الأصفر الكاكي على أخمص قدميك. من الآن فصاعدًا، سأدعوك شوان مو".
وضع غو شانغ القرد على كتفه وابتسم، وهو يفكر في نفسه: 'أسود وحبري. يا لي من عبقري في اختيار الأسماء'. أخذ شوان مو يصدر أصواتًا خافتة، وكان يبدو عليه الحماس الشديد.
***
كانت مدينة ليو يوي تقع في أقصى غرب مملكة تاي شوان، على الحدود مباشرة، وهي مدينة مقفرة إلى حد بعيد، فسكانها قليلون ومساحتها صغيرة، ويسودها الفقر المدقع. سار غو شانغ برفقة تشو تشين و شوان مو نحو قصرٍ في وسط المدينة، متبعًا الرمز السري الذي اتفق عليه مع شي شي من قبل.
عند الباب، وقف حارسان في الخمسينيات من عمرهما، من أعضاء المنظمة، صاحا في دهشة ما إن رأياه: "السيد الصغير!!".
أدى أحد الحارسين التحية لـ غو شانغ وقال: "سيدي، سأذهب لإبلاغ السيدة شي شي على الفور". بينما قادهم الحارس الآخر إلى الداخل. وبعد دقائق قليلة، وصلت شي شي، وقد كانت ترتدي ثوبًا أبيض، لكن علامات التقدم في السن بدت على وجهها أكثر وضوحًا من ذي قبل. سألت بقلق: "سيدي، ما الذي أخّرك كل هذا الوقت؟".
أجابها غو شانغ: "لقد التقيت بكائن ظريف في الطريق". ثم التفت إلى القرد على كتفه وقال: "شوان مو، نادها بالأخت شي شي". أصدر القرد صوتًا ما بعد سماعه هذا. نظرت شي شي إليه وسألت: "سيدي، هذا هو...".
قال غو شانغ: "لقد كان قردًا شقيًا، لكنه الآن قد فتح صفحة جديدة في حياته".
بدا أن شي شي تفكر في شيء ما، ثم حوّلت بصرها نحو تشو تشين وسألته: "هل اخترقت المستوى؟". أومأ تشو تشين برأسه دون أن ينطق بكلمة، فقد عمل مع شي شي لأكثر من عشرين عامًا وكان يعرفها حق المعرفة،
ويعلم أنها كانت ترغب دائمًا في اختراق عالم شيان تيان للحفاظ على مظهرها، ولكن... ما كل ما يتمناه المرء يدركه. لاحظ غو شانغ الجو الغريب الذي ساد المكان، فقال قاطعًا الصمت: "اذهبوا لتناول الطعام أولًا، ولا تقفوا هكذا كالأصنام". خفضت شي شي رأسها وأمرت الخدم بإعداد الترتيبات.
***
خلال نصف عام، كانت شي شي قد أحكمت سيطرتها على كل شؤون هذا المكان. فعلى الرغم من أن مدينة ليو يوي تقع على الحدود، إلا أن مواردها شحيحة للغاية، وكانت مملكة تاي شوان تولي اهتمامًا أكبر للمدينة الواقعة شرقها، تاركة هذه المدينة مهملة.
ولم تكن الممالك الأخرى توليها أي اهتمام هي الأخرى، فلا شيء هنا ذا قيمة، والمعلومات التي يمكن الحصول عليها منها عديمة الفائدة. هذا الإهمال من الجميع كان هو المعيار الأول لاختيار غو شانغ لهذا المكان.
وبفضل جهودها الدؤوبة على مدى ستة أشهر، استطاعت شي شي إخضاع جميع القوى المحلية في مدينة ليو يوي، ووضعت يدها على كافة الموارد. وفي شرق القصر، أعادت بناء فناء صغير عند بوابة المدينة، بتصميم يطابق تمامًا ذلك الذي في مدينة تيان شوانغ، وهو النمط الذي أحبه غو شانغ.
مرر غو شانغ يده على الجدار الحجري الصلب، وقد لمعت عيناه وهو يقول: "إذا لم يحدث أي طارئ، فسأعيش هنا بقية حياتي". وفي المساء، سحب ورقة وبدأ بتدوين المعلومات، فقد كان يحب التفكير في مشاكله ليلًا.
في حياته السابقة، قيل له ألا يتخذ قراراته في الليل، لكنه كان يحب أن يفعل ذلك، فهل هناك ما هو أجمل من الاستمتاع بضوء القمر والاستماع إلى صرير حشرات الليل؟
كتب: 'زراعة شوان مو في المستوى المتوسط من العالم الأول، بينما آه هوانغ في المستوى الأعلى من العالم الأول. وفي وجود نقيض السلالات، يمكنني حاليًا القضاء على خصم في المستوى الأعلى من العالم الأول'.
كان هذا هو مستوى قوته القتالية، فمع أكثر من خمسة آلاف عام من زراعة التشي، لم يكن يستطيع سوى مواجهة من هم في العالم الأول من عالم الداو، ولم يكن هناك أحد مثله. 'إذا لم يحدث أي طارئ، فسأعيش حتى أبلغ المئة والخمسين من عمري. وأنا الآن في الخامسة والأربعين...'.
أطلق غو شانغ تنهيدة عميقة وقد كتب هذا، فسحقت طاقته القوية الأوراق على الطاولة محولة إياها إلى فتات. 'لا يزال أمامي أكثر من مئة عام، فلننتظر ونرَ'. وضع الفرشاة جانبًا وتمدد على سريره.
***
مرّ الزمان كلمح البصر، وانقضت عشرون سنة. غدا غو شانغ في الخامسة والستين من عمره، وهو عمر كان يُعد في حياته السابقة من الشيخوخة، لكنه الآن لم يكن يبدو أكبر من رجل في منتصف العمر.
لقد بدا أكثر نضجًا، لكن عينيه الثعلبيتين لم تفقدا سحرهما. كان يقف بجانب صخرة مزخرفة مرتديًا رداءً أبيض، تبدو عليه الانتعاش والحيوية. وعلى الصخرة، كان قرد صغير أسود الشعر يجلس متربعًا مغمض العينين، رافعًا رأسه نحو السماء في جلسة تأمل، وقد أضفت أشعة الشمس على جسده بريقًا ذهبيًا.
قال غو شانغ وعلى شفتيه لمحة ابتسامة: "إنني أحسدكم حقًا يا من تملكون عرق الداو".
بعد عشرين عامًا، بلغت زراعة التشي لديه ما يقرب من سبعة آلاف عام. وبعد أن اختبر قوته، وجد أنه في الظروف العادية، أصبح بإمكانه اختراق جسد الداو الخاص بـ شوان مو، وفي هيئته الثانية، كان يستطيع قتل القرد بكف واحدة.
أسعده هذا التغير كثيرًا، لكنه في الوقت ذاته رأى في الأمر ضربًا من السخف. 'أنا أمتلك نقيض السلالات، الذي يزيد قوة هجومي عشرة أضعاف. بعبارة أخرى، لو أراد شخص عادي أن يحقق نفس تأثيري، لكان عليه أن يتدرب لسبعين ألف سنة على الأقل؟'.
'لو تدربت لبضعة عقود أخرى، فلا بد أنني سأتمكن من تحدي المستويات الأعلى'. وفقًا لتكهناته، فإن سبعة آلاف عام من زراعة التشي تعادل قمة العالم الأول. وهو الآن في الخامسة والستين من عمره، وبعد بضعة عقود، سيكون قادرًا بكل تأكيد على هزيمة خصم من العالم الثاني! لا بد للحياة من بعض الأمل، وإلا لغدت بلا معنى حقًا.