الفصل الخامس: فشلٌ في بلوغ الخلود وموتٌ في خريف العمر
____________________________________________
مضت حياة غو شانغ على وتيرة رتيبة تزداد مللًا يومًا بعد يوم. فبصفته قائدًا لقطيع يربو على مئة من الكلاب الذئبية، لم يعد يشغله همّ الطعام أو الشراب، ولم يكن حوله من أعداء طبيعية تُذكر، فكانت حياته هانئة رغيدة، غير أنها كانت خالية من أي متعة حقيقية، نعم، لقد افتقد للمتعة.
لم يكن في هذا العالم ما عرفه من ملذات المجتمع الحديث المادية، وهو ما جعله يشعر بضيق شديد. بيد أن الزمن كفيل بمحو كل شيء، فما إن انقضى عام واحد حتى كان قد اعتاد على كل تفاصيل حياته الجديدة. وفي غضون ذلك العام، تناقص عدد أفراد القطيع قليلًا، وكان أغلب الهالكين من تلك الكلاب التي أُنقذت من مطاعم لحم الكلاب، إذ كانت أجسادها شديدة الهزال فلم تقوَ على البقاء لأكثر من بضعة أشهر.
وكان غو شانغ لا يختار إلا الذكور القوية، أما الإناث فلم يكن في القطيع سوى اثنتين أو ثلاث، وقد مررن بدورات شبق عدة في ذلك العام، لكنهن كنّ يأنفن من سائر الذكور ولا يبرحن يلاحقن غو شانغ نفسه، وكذلك كان حال الذئاب الرمادية في القطيع المجاور. أما هو، بصفته إنسانًا في حقيقته السابقة، فقد كان يرفضهن بطبيعة الحال، فلم يجدن بدًّا من البحث عن ذكور أخرى.
ومن أجل الحفاظ على نسل القطيع وتكاثره، أولى غو شانغ تلك الإناث عناية فائقة، وعندما حان أوانهن، وضعن صغارهن بنجاح، مما عوّض بالكاد عدد الكلاب التي نفقت. لقد أتى إلى عالم آخر ليجد نفسه قد تحول إلى كلب، لكن فكرة أن يصبح أقوى لم تفارق ذهنه قط، فطوال ذلك العام، واظب على التدريب دون انقطاع، فتحسنت لياقته البدنية وقدرته على تحمل الضربات وقوة عضة أنيابه، غير أنها بلغت حدها الأقصى، فذلك هو أقصى ما يمكن لكلب أن يبلغه.
وفي الأشهر القليلة الأخيرة، كان يقف تحت صخرة عظيمة، رافعًا بصره إلى القمر، آملًا أن يمتص جوهر ضيائه فيفتح له سبيلًا إلى الخلود، لكنه أخفق في مسعاه ذاك أيضًا، فظل يراقب القمر لثلاثة أشهر كاملة دون جدوى. ومرت الأيام سراعًا، وانقضت ثلاث سنوات أخرى، فازداد عدد أفراد القطيع زيادة كبيرة، وبلغ قوامه أكثر من مئتين وخمسين كلبًا، وصارت الكلاب الكبيرة تتبع غريزتها في الصيد وتقتات على اللحم النيء، فتحسنت قدرتها القتالية تحسنًا ملحوظًا، وإن كانت لا تزال دون مستوى الذئاب الرمادية. وبعد مرور ثلاث سنوات، شعر غو شانغ بوهن جسده، فقبل انتقاله إلى هذا العالم، كان الكلب الأسود الذي يسكن جسده يبلغ من العمر أربع سنوات بالفعل، وها هو الآن قد دخل مرحلة الشيخوخة. ومع ذلك، لم يتخلَّ عن تدريبه، وظل يواصل تَنَشُّق نسيم الليل كل يوم في مواجهة القمر، ولكن يا للأسف، كان كل ذلك جهدًا ضائعًا.
وفي إحدى الليالي المظلمة، وقف غو شانغ على صخرته المألوفة، يحدق في الهلال بشرود، وقد تحلقت حوله أكثر من عشرة جراء صغيرة كانت تحبه حبًا جمًا، وتأتي إليه في آخر الليل لتشاركه الاستمتاع بضوء القمر. وبعد انقضاء ساعتين، بدأ كلب أصفر صغير فجأة في الأنين، فنظر غو شانغ نحوه، فرأى عيني الجرو الصغير تشعان بضوء خافت وهو يحدق في القمر دون حراك، وفي تلك اللحظة ذاتها، هبط شعاع من نور السماء واستقر عليه، وحدث كل ذلك في طرفة عين.
اقترب غو شانغ من الكلب الأصفر الصغير وحاول التواصل معه عبر موهبة ملك الكلاب التي تتيح لهما تواصلًا داخليًا لا يتطلب الكلام، وسأله: "ما الذي يحدث؟" فجأة، نطق الكلب الأصفر الصغير بلغة هذا العالم قائلًا: "يا ملكي، لقد ظهرت في ذهني كومة من الذكريات." ثم أضاف: "أشعر بدفء يغمر جسدي وصفاء عجيب في ذهني." وكأنه قد ورث شيئًا ما. تقدم غو شانغ منه وبدت على وجهه نظرة حانية، وقال: "هلم بنا إلى الكهف لنتحدث على انفراد يا صغيري."
وبعد ثلاثة أيام من الاختبارات والتواصل المستمر، حصل غو شانغ على فن قتالي جديد، أسلوب امتصاص الروح، وهو أسلوب يمكّن صاحبه بعد إتقانه من امتصاص جوهر الشمس والقمر لتقوية الجسد وتنمية الروح. شرع غو شانغ في ممارسته، لكن النتائج كانت هزيلة للغاية، فقد أمضى عامًا كاملًا دون أن ينجح حتى في البدء فيه، ويبدو أن هذا الأمر يعتمد على الموهبة الفطرية. وفي غضون عام، تحول الكلب الأصفر الصغير إلى كلب أصفر ضخم، وصار فروه ناعمًا أملس، وبات حجمه يضاهي حجم غو شانغ، غير أن هالته كانت أشد عمقًا، كما ازدادت حكمته زيادة عظيمة وأصبح قادرًا على التفكير باستقلالية.
نقل غو شانغ أسلوب امتصاص الروح إلى جميع أفراد عشيرته، ولكنهم كانوا مثله، لم ينجح أي منهم في إتقانه، فكان الكلب الأصفر حالة خاصة. لم يستسلم غو شانغ، بل واصل تدريبه ليل نهار، واستمر في مراقبة القمر ليلًا، فنجاح الكلب الأصفر جعله يدرك أمرًا واحدًا، أن هذا العالم ليس عاديًا! بل من المرجح أنه عالم الخالدين والأبطال! وهو لا يريد أن يظل كلبًا طوال حياته! ومرت الأيام يومًا تلو الآخر، حتى انقضت سبع سنوات منذ وصول غو شانغ إلى هذا العالم، فصار عجوزًا واهنًا تمامًا، حتى إنه لم يعد يقوى على ممارسة تدريباته اليومية، وكان قد نقل السيطرة على القطيع إلى الكلب الأصفر قبل عدة سنوات، ومنحه اسمًا: "شوان هوانغ!"
وفي هذا اليوم، اجتمعت كل الكلاب عند مدخل كهف غو شانغ، وربضت على الأرض والحزن يكسو وجوهها. فبعد سنوات من التطور، بلغ عددها أكثر من ستمئة، لتصبح قوة عملاقة حقيقية في هذه الأنحاء وعلى قمة السلسلة الغذائية. وفي أعماق الكهف، كان غو شانغ راقدًا على الأرض، فقد حان أجله، وانقضى عمره. وبعد سنوات من التدريب الشاق، لم يحصد أي نتيجة.
ربض جسد شوان هوانغ المهيب أمامه، وهو ينظر إليه في صمت. فتواصل معه غو شانغ بصوت واهن: "يا جلالة الملك! إنني راحل الآن." ثم أردف قائلًا بنبرة تكشف عن صدق مشاعره: "هذا العالم شاسع، وفيه مخلوقات قوية كثيرة، ونحن ما زلنا ضعفاء للغاية. لا تتخلَّ عن تدريبك، يجب أن تواصل السعي لتصبح أقوى، واجعل رفاقك في القبيلة يواظبون على التدريب في مواجهة القمر، فلا يزال تدريبك وحدك محفوفًا بالمخاطر."
أجاب شوان هوانغ بهدوء: "أتذكر وصاياك، وسأتبع إرادتك!" فبعد سنوات من التدريب، صار جسده أقوى فأقوى، وظهرت في جسده هالة شيطانية يمكنها إطلاق قوة تدميرية هائلة. شعر غو شانغ بالأسى وهو يسمع كلمات شوان هوانغ، 'وصية أخيرة، هاها، وصية أخيرة!!' لقد كان راحلًا لا محالة، ولكنه ترك خلفه أشياء كثيرة في هذا العالم، أهمها الوحش شوان هوانغ الذي رباه بنفسه منذ صغره، وشكّله ليصبح ملكًا ممتازًا، دقيقًا، وحذرًا، وفي الوقت نفسه مفعمًا بالرغبة في القوة!
وبقوة التدريب، سيصبح شوان هوانغ أقوى وأقوى. تمتم غو شانغ: "أراك لاحقًا في هذا العالم." ثم ازداد وهن جسده سوءًا، وشعر بتعب شديد، ومع شعور طاغٍ بالنعاس، أغمض عينيه. هدر شوان هوانغ: "ملك!!!!" وانهمرت من عينيه دمعتان، فلم يكن غو شانغ بالنسبة له مجرد قائد للقطيع، بل كان أباه أيضًا! فعلى مر السنين، ساعده الملك كثيرًا، وجعله يغير طريقة تفكيره لفهم العالم بل وتغييره.
وبالطبع، كان يتساءل أحيانًا من أين حصل الملك على كل هذه المعرفة، لكن الآن، لم يعد أي شيء مهمًا. لقد مات الملك. ولن يقف مرة أخرى أبدًا ليتحدث معه، أو يتدرب معه في مواجهة القمر. عوى شوان هوانغ بأعلى صوته: "أوووه!!!" وفي خارج الكهف، بدأت مئات الكلاب الذئبية بالعواء هي الأخرى، فرغم أنها لم تكن تملك حكمة شوان هوانغ، إلا أنها أدركت ما يحدث. لقد مات الملك!
مات الملك الذي قادهم إلى هذه الجنة ومنحهم حياة هانئة! وبشكل عفوي، حنت جميع الكلاب الذئبية رؤوسها في تحية إجلال له. دفن شوان هوانغ غو شانغ على جبل بعيد، وأقام لوحًا حجريًا كما فهم منه، ثم بسط هالته الشريرة وخط عليه حرفين صينيين لا ينتميان إلى هذا العالم: غو شانغ!!! ثم خفض شوان هوانغ رأسه، وقد امتلأ وجهه بالإصرار وقال: "يا ملكي، يا أبي، لتنعم بالسلام في رحلتك. سأقود القبيلة في هذه المسيرة!!"
____________________________________________
زيوس: الحمدلله رحلة تجسيد الكلب ماطولت 😂