الفصل الرابع: الثأر يُنجَز، والفؤاد يطمئن

____________________________________________

وقف غو شانغ فوق الأرض التي غمرتها الدماء، وقد قطّب حاجبيه وهو يتأمل الجثة المشوهة أمامه حتى باتت معالمها لا تُميّز. كانت هذه هي المرة الأولى في حياتيه، السالفة والحاضرة، التي يموت فيها امرؤ بسببه، غير أنه لم يستشعر وخزًا يُذكر في ضميره، فقد أنسته شهور الصيد الطويلة والتهام اللحم النيء أي شعور بالأسى، واستحضر في ذاكرته كيف كان هو نفسه، قبل بضعة أشهر، سجينًا في قفص على وشك أن يُذبح. فلماذا إذن يلومهم على قتلهم؟ ولماذا لا يحق له هو أن يرد الصاع صاعين؟! فلا ريب أن اختلاف المواقع يغير وجهات النظر.

"افتحوا الأقفاص وأطلقوا سراحهم."

أصدر غو شانغ أمره، ثم استدار وسار نحو مطعم لحم الكلاب، فما جاء اليوم ليندب ويحزن، بل لينتقم ويثأر. تقدمت بضعة ذئاب رمادية وهي تعوي في حيرة وارتباك، فنظر غو شانغ إليها وقد اعتلت وجهه سحابة من الامتعاض، فالأقفاص كانت موصدة، وهي عاجزة عن فتحها، وتبددت الهيبة التي خيمت على المشهد في لحظة. سار غو شانغ بخطى لا مبالية نحو جثث الرجال، والتقط صرة المفاتيح، وأمضى دقائق معدودة يفتح فيها جميع الأقفاص الحديدية واحدًا تلو الآخر، ثم بسط سيطرته على جميع الكلاب بفضل موهبة ملك الكلاب.

"هيا بنا، لنغادر هذا المكان."

بعد أن أصدر أمره، استدار وانصرف برفقة الذئاب الرمادية العشرة التي لطخت الدماء أفواهها. وفي مطعم لحم الكلاب، كانت أزهار الدم قد تفتحت على درجات السلم في الطابق الأول، حيث تناثرت جثث عدة في حالة فوضوية، وكانت ميتتهم شنيعة، بينما كانت الصرخات تتردد من حين لآخر من الطابق الثاني. صعد غو شانغ الدرج، وما إن رأته الذئاب الرمادية التي كانت تحرس المكان حتى أحنت رؤوسها إجلالًا واحترامًا.

"توقفوا."

صدر الأمر، فتراجعت الذئاب الرمادية التي كانت تكتظ في المكان. تقدم غو شانغ نحو الغرفة الوحيدة في الطابق الثاني، حيث كانت عدة جثث ملقاة، وقد تجمع الرجال خارجها وبابها مغلق بإحكام، وعليه آثار صدمات عنيفة.

'هل بقي واحد فقط؟'

لقد رأى كل الجثث على الأرض؛ فكل المساعدين كانوا هناك، وكذلك الرجلان اللذان كانا يحملان القوس والسهم، ويبدو أنه لم يتبق سوى صاحب المطعم.

"حطموا الباب."

أمر غو شانغ وهو يتراجع خطوة إلى الوراء، فنهض أكبر كلبين في المجموعة، وكانا الأقوى والأضخم جسدًا. انطلقت زفرتان مدويتان، وتلتها سلسلة من الاصطدامات العنيفة، فاهتز الباب الخشبي بعنف، وبدا جليًا أنه سيتحطم إذا ما تلقى ضربة أخرى. أما داخل الغرفة، فقد كان صاحب المطعم يتصبب عرقًا باردًا، يمسك خنجرًا في يده وقد ارتسم الرعب على محياه وهو يفكر في هلع: 'ما الذي يجري بحق الجحيم!! لم أستوعب كيف ظهرت كل هذه الكلاب الذئبية فجأة، فمات الأعوان والزبائن جميعًا، ولم يبق سواي، محاصرًا بقطيع من الكلاب الذئبية، وموتي مسألة وقت لا محالة.'

كان قلبه يخفق بجنون بينما استمرت الضربات تتوالى على الباب الخشبي، حتى انشق وتصدع، وبضربة أخيرة، انخلع الباب. لكن لم يقتحم أي كلب ذئبي الغرفة. تراجع صاحب المطعم إلى آخر الغرفة، ترتجف فخذاه دون سيطرة. عند الباب، كان الكلب الأسود قوي البنية يتقدم نحوه خطوة بخطوة، ومن خلفه تبعه سرب من الكلاب الذئبية. بدا الكلب مألوفًا، لكنه لم يستطع أن يتذكر أين رآه. خفض الكلب الأسود رأسه وسار بخفة، بينما نظر غو شانغ إلى وجه الرجل، وتراقصت في ذهنه مشاهد ما قبل بضعة أشهر.

'لقد أردت قتلي، وها أنا آخذ بثأري. إنه لأمر طبيعي ومنطقي.'

بعد أن وجد لنفسه هذه الحجة، أومأ برأسه إيماءة خفيفة، فانقضت عليه عدة ذئاب رمادية من الخلف.

"آآآه!!!"

"لا، لا!!!"

انفجر صاحب المطعم باكيًا، وأخذ يلوح بالخنجر في يده بجنون، لكن ذئبًا رماديًا عض فخذه وسحبه بقوة، فسقط أرضًا وقد تمزق لحم ساقه مسببًا له ألمًا مبرحًا، بينما عض كلب أصفر ساقه الأخرى ومزقها بوحشية، وأحاطت به عدة كلاب ذئبية أخرى، كلٌ ينهش جزءًا من جسده ويسحبه بلا هوادة. استمرت الصرخات المروعة لدقيقة كاملة، ثم مات صاحب المطعم وعيناه مفتوحتان في رعب أبدي. ألقى غو شانغ نظرة أخيرة على جثته الهامدة، ثم لوّح بمخلبه فأطاح بالشمعة المجاورة، فتعالت ألسنة اللهب على الفور.

"انسحبوا."

أمر إخوته بإخلاء مطعم لحم الكلاب. في هذه المعركة، اعتمد على تفوقه العددي الساحق فلم يتكبد أي خسائر، بينما لقي كل من كان في مطعم لحم الكلاب حتفه، والتهمت النيران المبنى من خلفهم. هبت موجة من الحرارة، فتنهد غو شانغ وأصدر أمره الأخير:

"عودوا إلى الجبل."

تبعه جميع أتباعه، وفجأة، علت أصوات نباح الكلاب من الخلف. كانت تلك مجموعة الكلاب البرية التي تم أسرها؛ لقد فعلت الألفة الفطرية مع الكلاب فعلها، فلم ترغب الكلاب في الرحيل. عندما رأى ذلك، هز غو شانغ رأسه وقال:

"اتبعوني!"

وهكذا، تبعه أكثر من عشرين كلبًا من مختلف الأحجام والأشكال عن كثب. وعلى الدرب المؤدي إلى الغابة، كان ركب غريب يتقدم ببطء، ولو رآهم أحد لصعق من هول المشهد، فهذا الركب لم يكن سوى مجموعة من الكلاب. كانت معظم الكلاب البرية في المؤخرة مصابة وغير قادرة على مجاراة سرعتهم، لذا لم يجد غو شانغ بدًا من إبطاء المسير وجعلها في مركز المجموعة لحمايتها.

"اصعدوا الجبل."

عندما رأى معالم الطريق المألوفة، أصدر غو شانغ أوامره بحسم، فتبعه أكثر من مئة كلب ذئبي إلى الغابة المجاورة. فرغم أن الطريق الرسمي كان سهل السير، إلا أنه كان ينطوي على خطر الانكشاف، والحذر واجب في هذه الأيام.

——————————

وفي اليوم التالي، ذاع خبر الحادثة التي وقعت في مطعم لحم الكلاب، فقد مات الكثير من الناس، مما اضطر الحكومة إلى أخذ الأمر على محمل الجد، إذ كان عليها أن تقدم تفسيرًا للناس! فأُرسل طبيب شرعي متمرس وعريف للمساعدة. وبعد ثلاثة أيام، وفي بهو مكتب حكومة المقاطعة، كان العريف ليو عاقدًا حاجبيه.

"أنصحكم جميعًا بالتخلي عن هذه القضية، فهذا أمر لا قبل لنا به!"

كان يرتدي زيًا رسميًا ويبدو وقورًا، فتنهد الطبيب الشرعي بجانبه وأردف قائلًا:

"هذا ليس من فعل البشر، وإن تدخلتم بالقوة، فقد تعرضون حياتكم للخطر."

سأل قاضي المقاطعة بحذر:

"هل هو من فعل الشياطين مرة أخرى؟"

في هذه الأيام، ظهرت الوحوش والشياطين تباعًا، وأصبحت حياة الناس صعبة، وكانت مثل هذه الحوادث تقع من وقت لآخر. أومأ العريف برأسه موضحًا:

"لقد كان مطعم لحم الكلاب ذلك يقتل الكلاب ويعذبها كل يوم، وأظن أن الأمر قد أثار سخط شيطان ما، فدفع بكلابه الذئبية لتنهش كل من في المطعم حتى الموت في جوف الليل، ثم أحرق كل شيء في النهاية." ثم تابع قائلًا: "إن قسم قمع الشياطين مشغول للغاية الآن للاهتمام بهذا الأمر، يا سيدي القاضي لي، ما عليك سوى أن تجد ذريعة وتطوي صفحة هذه الحادثة. أما إذا واصلنا التحقيق..." تنهد ولم يكمل جملته، لكن الجميع فهموا ما كان سيقوله. "سأغادر أنا أولًا." كان الأمر غامضًا للغاية، وقد دب الخوف في قلبه. نهض الطبيب الشرعي بجانبه أيضًا، وانحنى، ثم غادر معه. نظر القاضي لي إلى رجاله من حوله، وفكر لبرهة، ثم أصدر أمره على عجل:

"انشروا إعلانًا في الشارع! شب حريق في مطعم لحم الكلاب الليلة الماضية، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. لقد كان حادثًا عرضيًا."

في الوقت الحالي، ومن أجل حماية نفسه، كان هذا هو كل ما يمكنه فعله. بدا على وجوه مرؤوسيه عدم الاكتراث، فمن الواضح أنهم قد اعتادوا على مثل هذه الأمور.

"يا تشانغ، دوّن ما قاله العريف ليو والطبيب الشرعي واكتبه في حوليات مقاطعة بايشو."

"أمرك سيدي!"

——————

وبعد انقضاء نصف شهر، عاد غو شانغ وأتباعه إلى الغابة بسلام، وقد شعر براحة كبيرة بعد أن ثأر لعداوته الكبرى. صار عددهم الآن كبيرًا جدًا، ولكي لا يلفتوا الانتباه، توغل غو شانغ بكلابه الذئبية في أعماق الجبال الثلاثة، عازمًا على إيجاد مكان جيد للاستقرار. وبعد أن ساروا لأميال قليلة، توقف عند غابة صنوبر وارفة. كان الهواء هنا نقيًا، والمياه وفيرة، والأهم من ذلك أنه لا توجد نمور أو فهود أو غيرها من الوحوش الشرسة في الجوار، مما يجعلها مكانًا مثاليًا لتعيش فيه مجموعتهم من الكلاب الذئبية.

____________________________________________

زيوس: كلاب ذئبية بمعنى كلاب لديها مواصفات جسدية أقرب إلى الذئاب تكون طويلة القامة، قوية البنية، مخيفة في الهجوم.

2025/07/23 · 205 مشاهدة · 1217 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025