الفصل الستمئة وعشرة: الذئاب القمرية الثلاثة
____________________________________________
مُنساقًا بإيقاعٍ غريبٍ سرى في أوصاله، نجح غو شانغ في التحول إلى ذئبٍ قمريٍ بعد أن استنفد فرصة تطورٍ سنحت له. اكتسى جسده ببياضٍ ناصع، وتوشّحت هامته بعلامة هلالٍ بديعة، وامتدت قامته لتبلغ أكثر من مترين علوًا وأربعة أمتار طولًا.
وما كاد يتحول إلى هيئة الذئب القمري حتى طرأ على جسده تغيرٌ آخر في اللحظة التالية. شعر بخدرٍ وحكةٍ في عنقه، وما لبث أن انبثق منه رأسان آخران، ثم تضاعفت قوته أضعافًا كثيرة. تضخم حجمه على الفور ليبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وطوله عشرة أمتار، وزادت الطاقة الكامنة في جسده بما يزيد على ثلاثة أضعاف.
'اكتمل التطور بنجاح، الهيئة الحالية: ذئب قمري ثلاثي الرؤوس'. تبادر هذا الإشعار إلى ذهنه، ففكر في نفسه ساخرًا: 'يا له من اسمٍ بسيطٍ خالٍ من أي تكلف'.
أصبح الآن الذئب القمري ذا الرؤوس الثلاثة، وهذا يعني أنه يمتلك ست آذان وست أعين في آنٍ واحد، مما جعل مجاله البصري مشوشًا في البداية. غير أنه لم يحتج لوقتٍ طويلٍ حتى تأقلم مع هيئته الجديدة بالكامل، ففي نهاية المطاف، كان هذا التطور للأفضل.
فقد أتاحت له رؤوسه الثلاثة رؤية أوسع وحساسية مرهفة تجاه الأخطار المحدقة، وهو أمرٌ جيدٌ في كل الأحوال. أما هيئته الخارجية، فلم يكن يلقي لها بالًا على الإطلاق، فالقوة هي مبتغاه الأوحد.
بعد أن استقر تطوره، شعر غو شانغ بالجوع يقرص أحشاءه، إذ يبدو أن كل عملية تطور تستهلك الطاقة المخزنة في معدته. هزّ رؤوسه الثلاثة في آنٍ واحد، ثم حطّم الصخور التي كانت تسد مدخل الكهف وانطلق إلى الخارج بقوة.
التقطت أنوفه رائحة مألوفة عالقة في الهواء، كانت رائحة وحيد القرن الضخم الذي كان يطارده من قبل. ارتسمت على وجوهه الثلاثة ابتسامة وحشية، وانطلق يعدو بخفةٍ ورشاقةٍ مقتفيًا أثر تلك الرائحة.
'بعد أن ازدادت قوتي، بات بإمكاني سحق وحيد القرن ذاك بسهولة تامة، فهجمات ضوء القمر كفيلة بتمزيق دفاعاته القوية'. وعلى الرغم من أن لحمها جاف المذاق، إلا أنه لا يمكن إنكار أن جوهر اللحم والدم في أجسادها يفوق ما في غيرها من الحيوانات. وما إن دار هذا الخاطر في ذهنه، وبدافعٍ من غريزة جسده الجديدة، حتى بدأ اللعاب يسيل من أفواهه الثلاثة في آنٍ واحد.
ازدادت سرعته زيادة ملحوظة، وكان راضيًا كل الرضا عن أداء جسده من جميع النواحي، إلا أن بعض الأمور ظلت تحيّره. فالأمر الأهم هو أنه بعد تطوره إلى هيئة الذئب القمري ثلاثي الرؤوس، لم يرث أي ذكريات لهذه السلالة.
وعلى الرغم من وفرة الطاقة في جسده، إلا أن أسلوب الهجوم كان بدائيًا للغاية، يقتصر فقط على إطلاق قذائف من ضوء القمر. ورغم أنه يملك آلاف السبل لاستغلال هذه الطاقة على الوجه الأمثل، لم يجد طريقة لتطبيقها.
'هل يعقل أن عملية تبديل الدماء تقتصر على تغيير المظهر الخارجي دون وراثة الذكريات؟'. لم يكن يعلم بقدرته على استخدام أشعة ضوء القمر في بادئ الأمر، ولكنه استنتج ذلك بعد أن تحسس جسده والطاقة الكامنة فيه، مستندًا إلى خبراته السابقة.
نبذ تلك الهواجس جانبًا، وزاد من سرعته مواصلًا مطاردة قطيع وحيد القرن. بعد عشر دقائق، توقف فوق شجرة ضخمة، مطلًا على نهر ضحل يجري أسفله. كانت ضفتا النهر تعجان بأعداد غفيرة من وحيد القرن، وهي تلهو بمرحٍ بجوار الماء.
وبعد أن تفقد محيطه وتأكد من عدم وجود أي خطر، شن غو شانغ هجومه على الفور، حيث حرك أفواهه الثلاثة قليلًا وأطلق منها أشعة من ضوء القمر في آنٍ واحد، فاستهلكت طاقته بسرعة. وبجوار النهر، انفجرت الدماء فجأة من أجساد ثلاثة من وحيد القرن، بعد أن اخترقتها أشعة ضوء القمر، فسقطت صريعة على الأرض وهي تطلق صرخات ألمٍ مدوية.
في مواجهة هذه المخلوقات التي لا تملك سوى قوتها الجسدية، كانت هجمات غو شانغ الطاقية قتلًا فوريًا ومحققًا. وبعد أن استنفد نصف طاقته وهو جاثم فوق الشجرة، تناثرت أكثر من عشر جثث لوحيد القرن على ضفة النهر، أما بقية القطيع، فقد ولّت هاربة بسرعة، تاركةً النهر خلفها.
لم ينزل غو شانغ بتهور، بل ظل يراقب من مكانه، محدقًا في مياه النهر المضطربة. وفجأة، انشق سطح النهر عن فمٍ ضخمٍ انقضّ على جثة وحيد قرن، ثم جرّها بعنف إلى أعماق الماء، فتلون النهر على الفور بسحابة كثيفة من ضباب الدم.
"أيها المخلوق الحقير، أتجرؤ على سرقة طعامي؟". ربما لأن تحوله إلى حيوان قد أطلق العنان لطبيعته الوحشية الكامنة، فبعد أن حشد طاقته لثانيتين، انطلق شعاع أكثر كثافة من ضوء القمر، مخترقًا النهر في لمح البصر.
وما هي إلا لحظات حتى طفت جثة تمساح أخضر يزيد طوله على عشرة أمتار فوق سطح الماء، وتبعته أشلاء جثث وحيد القرن التي سحبها معه. اضطربت مياه النهر من جديد، فالتماسيح الأخرى التي كانت تتربص بفرصتها، ما إن رأت الموت المأساوي لرفيقها حتى انكمشت على نفسها ولم تجرؤ على إظهار رؤوسها، وغادرت المكان على عجل.
وبعد أن احتفظ بجزء من طاقته لحماية نفسه، قفز غو شانغ من على جذع الشجرة وبدأ في التهام فريسته. لقد منحه امتلاك ثلاثة رؤوس ميزة هائلة، إذ كان بإمكانه التهام طعامه من ثلاث جهات في آنٍ واحد. كان لكل رأس من رؤوسه الثلاثة مريئه الخاص، وكانت أعضاؤه فوق الصدر مستقلة تمامًا.
تدفقت كميات هائلة من الطعام إلى معدته من حلاقيمه الثلاثة. ولكونه يمتلك نظام تطور، لم يكن غو شانغ بحاجة للقلق بشأن الشعور بالشبع أو الإفراط في الأكل، فقد كان كل ما يبتلعه يتحول على الفور إلى قيمة تطور. وبالطبع، كان بإمكانه أيضًا هضم الطعام لملء معدته إن أراد.
بعد التهام جميع جثث وحيد القرن، وصلت قيمة تطوره إلى واحد بالمئة. وكما هو الحال في قتال الوحوش والارتقاء بالمستوى، كلما تحسنت قوته الجسدية، زادت الخبرة المطلوبة للارتقاء مجددًا. وقد اعتاد غو شانغ على مثل هذه التغيرات منذ زمن طويل.
سار إلى ضفة النهر، ومزق جثة التمساح بأفواهه الثلاثة وجرّها إلى الشاطئ، ثم ابتلع آخر لقمة منها ليعوض الطاقة التي استهلكها للتو. كانت طاقته لا تزال تتعافى ببطء، ولو أراد استعادتها بالكامل، لربما احتاج إلى ساعة أخرى. لكن غو شانغ كان دائمًا شخصًا يقدّر الوقت.
انتظر على الشاطئ لدقيقتين، وباستثناء الطاقة التي لم تتعافَ بعد، وصل جسده إلى ذروة قوته من جديد. ودون تردد، واصل مطاردة قطيع وحيد القرن. لقد استمتعوا بمطاردته من قبل، والآن حان دورهم ليتذوقوا طعم المطاردة. والسبب الرئيسي هو أن هذا القطيع لم يكن يملك أي وسيلة هجوم قوية، مما يسمح له بالتعامل معه بسرعة ودقة دون إهدار الكثير من الطاقة. ومن ذا الذي لا يحب مثل هذا الأمر الذي يتطلب جهدًا قليلًا ويعود بمكافأة عظيمة؟
استغرق الأمر يومين من المطاردة الحثيثة، حتى تمكن غو شانغ أخيرًا من قتل جميع أفراد القطيع ووضعهم في جوفه، ونجح في رفع قيمة تطوره إلى خمسة عشر بالمئة. وفي هذه الأدغال الشاسعة، لم يكن عليه أن يقلق بشأن مصدر طعامه، فمن الصباح الباكر حتى الغسق، ومن الغابات إلى المراعي، كانت الوحوش القوية في كل مكان. بعبارة أخرى، كان يعيش وسط كومة من الطعام.
ومع التهام المزيد والمزيد من اللحم والدم، بدأ الحماس يتملك غو شانغ تدريجيًا. تُرى، كيف كان نظام القوة الحقيقي في هذا العالم؟ لكن من المؤسف أن إرث السحلية لم يخبره بشيء عن هذا الأمر. ولكنه من خلال تحولاته، كان على يقين تام بأن القوة في هذا العالم تفوق بكثير ما هو عليه الحال في النجم الأزرق.