الفصل الستمئة واثنان وعشرون: قدر الأمة
____________________________________________
كان الأمر أشبه بالعلاقة القائمة بين الحمى السري والعالم الخارجي، فالحمى يخضع لسيطرة تامة من العائلات البشرية التي تحكمه من الخارج، تمامًا كما كان الحال مع دهليز النجم الأزرق في عالمه السابق. فالعائلة المهيمنة على الحمى السري تكون على دراية بكل صغيرة وكبيرة تحدث فيه، وتملك كذلك سيطرة مطلقة على مختلف المخلوقات التي تعيش بين جنباته.
وينطبق الأمر ذاته على جميع أفراد مملكة الشمس والقمر، وكذلك على القوى المختلفة وعلاقتها بالمملكة. فكل إنسان يولد في هذه المملكة يرتبط مصيره تلقائيًا بقدر الأمة، ولا يستطيع مغادرتها دون إذنٍ من هذا القدر. وبما أن غو شانغ قد زرع في جسده دماء عائلة أو يانغ، فقد بات هو الآخر خاضعًا لسيطرة قدر مملكة الشمس والقمر.
وما قدر الأمة إلا مفهومٌ روحي يتولد من وعي جميع البشر في المملكة، ويظل قائمًا ما دام هناك إنسان واحد على أرضها. وليس له من غاية سوى حماية المملكة بكل وسيلة ممكنة من أي غزو خارجي أو دمار ذاتي، والحفاظ على بقائها واستمرارها.
في غابر الزمان، لم تكن مملكة الشمس والقمر تفرض قانونًا يمنع الخروج منها، وكان الناس من شتى الممالك يفدون إليها للاستكشاف والتدريب. لكن حدث أن انبثق حمى سري ضخم في منطقة نائية من المملكة، فاجتذب العديد من العباقرة من مختلف البلدان طمعًا في نهب موارده. وقد أحدث انبثاق الحمى اضطرابًا عظيمًا، وأسفر عن سقوط ضحايا لا حصر لهم بين أبناء المملكة من الفانين.
ولمنع تكرار مثل هذه الكارثة، ولضمان بقاء جميع الموارد في أيدي أهل المملكة، انبثق هذا القانون تلقائيًا من قدر الأمة، فلم يقتصر على منع دخول الغرباء، بل شمل أيضًا منع أهل البلاد من الخروج.
ولعل هذا القانون لن يتغير إلا حين تواجه مملكة الشمس والقمر أزمة وجودية أخرى.
'لكن هذا لا يمثل مشكلة بالنسبة لي.' فكّر غو شانغ في نفسه وهو يتأمل الأمر، 'فالأمر أشبه بامتصاص الأصل، فما إن تصبح الأقوى في هذه البلاد، حتى تتمكن من التغلغل في قدر الأمة والسيطرة عليه.'
حينها، سيتمكن حتى من التحكم بمملكة الشمس والقمر بأكملها وإصدار القوانين كيفما شاء. تنتشر هذه المعلومة بين أرجاء المملكة، ولكن من المؤسف أنه لم يتمكن أحد من بلوغ منزلة الأقوى على مر العصور التي لا تُحصى.
ففي النهاية، السيطرة على قدر الأمة حلم يراود كل ممارس في مملكة الشمس والقمر، وفي خضم هذا السعي، لا بد أن يواجهوا عقبات لا حصر لها. فإذا ما اقترب أحدهم من بلوغ منزلة الأقوى، فإن القوى المتبقية تتكاتف ضده على الفور، وتسعى لقتله قبل أن تسنح له الفرصة للمس قدر الأمة. فكيف لأحد أن يتخلى عن حياته والموارد التي كدّسها على مر السنين بمثل هذه السهولة؟
كانت هذه هي المعلومات التي استخلصها غو شانغ، وكلها مستقاة من الذاكرة الموروثة لعائلة أو يانغ. ولكي يحصل على المزيد من المعلومات، كان عليه إما أن يواصل الاستكشاف بنفسه، أو أن يزرع المزيد من الدماء في جسده لتكون عونًا له.
'لا يزال هذا العالم معقدًا للغاية، والطريق أمامي لا يزال طويلًا لتحسين قوتي.' كان قد بلغ الآن مستوى المئة وثماني عشرة نجمة فقط، بينما كانت مملكة الشمس والقمر تضم العديد من الخبراء الأقوياء الذين تصل قوتهم إلى خمسمئة نجمة، وهم الذين يهيمنون على جميع موارد هذه البلاد. وفي نظر معظم الناس، كان هؤلاء الخبراء وحدهم من يملكون الحق في التنافس على قدر الأمة.
بعد أن تجول في المدينة ليومين، تمكن غو شانغ من جمع بعض المعلومات التي قد تفيده. ولكي يتجنب مطاردة عائلة أو يانغ، واصل فراره في الاتجاه المعاكس، مغيّرًا مساره بين الحين والآخر. وبهذه الطريقة، وبعد انقضاء ثلاثة أشهر أخرى، وجد نفسه قد بلغ طرفًا آخر من أطراف مملكة الشمس والقمر.
خلال هذه الأشهر الثلاثة، لم يتوقف عن صيد أعداد كبيرة من البشر والوحوش أثناء رحلته، فتمكن عبر امتصاص لحومهم ودمائهم من الحصول على عدة فرص للتطور. وقد راكم الآن ما يقرب من خمسمئة بالمئة من قيمة التطور، وهو ما يسمح له بالارتقاء خمس مرات متتالية.
وبينما كان يسير في أحد الطرق الصغيرة بالمدينة، تنفس غو شانغ الصعداء أخيرًا. فقبل ثلاثة أشهر، كان لا يزال يشعر بوجود شخصين يطاردانه باستمرار، ولم يكن لديه أدنى شك في أنهما من خبراء عائلة أو يانغ الأقوياء. لم يكن يتوقع أن يمتلك المحاربون في هذا العالم مثل هذه الوسائل القوية في التتبع.
فقد بذل جهودًا مضنية في إخفاء أثره، وزرع الكثير من العقبات أثناء فراره، ورغم ذلك، تمكن خصماه من تعقبه عن كثب. وبعد أن أدرك ذلك، تبادر إلى ذهنه على الفور أمر سلالته الدموية، فلا بد أنهما كانا يتعقبانه بالاعتماد عليها.
قبل شهر من الآن، أجرى عملية زرع دماء جديدة في جسده. وكما توقع، فبعد تغيير سلالته هذه المرة، وبعد عدة مناورات وتغييرات في مساره، تمكن أخيرًا من التخلص من مطارديه. لكن الدماء التي زرعها لم تكن على قدر كبير من الجودة، بل كانت أضعف بكثير من دماء عائلة أو يانغ. ورغم أنها حملت معها الكثير من الذكريات الموروثة، إلا أنه كان قد حصل عليها بالفعل من قبل. ولكي يحصل على سلالة دموية أقوى، لم يكن أمامه خيار سوى استهداف أولئك الخبراء الأقوياء.
عبر غو شانغ تلك المسالك الضيقة، وغادر المدينة التي أقام فيها ليومين. وفي هذه اللحظة، كان لديه هدف واضح يرتسم في ذهنه. بعد نصف ساعة، كان قد قطع ما يقرب من مئة ميل طيرانًا، وتوغل في الجبال الشاهقة البعيدة. كان العالم الخارجي مختلفًا تمامًا عن الحمى السري، فلم يصادف الكثير من الوحوش القوية في طريقه.
فمهما بلغت قوة الوحوش، فإنها تظل كنوزًا في أعين البشر، وحياتها مجرد موارد يمكن استغلالها. لذا، فإن معظم الوحوش قد تم أسرها من قبل البشر واستغلالها بلا رحمة. فوحدها بيئة مثل الحمى السري تسمح بتكاثر أعداد هائلة من الوحوش.
في مملكة الشمس والقمر بأكملها، كانت كل القوى التي تملك حمى سريًّا قوى عظيمة، وبالطبع كانت عائلة أو يانغ تنتمي إلى هذه الفئة، وهذا هو السبب الذي دفع غو شانغ إلى الفرار بكل ما أوتي من قوة. ففي هذه المرحلة، لم يكن يملك المؤهلات التي تسمح له بتحدي عائلة أو يانغ.
'ذكر بعض الممارسين في المدينة وجود أفعى يونيكورن قد تحولت بالفعل، وأن تدريبها لا يتجاوز مئة وعشر نجوم...' لم تكن قوة وحش اليونيكورن عظيمة، ويمكن لـ غو شانغ التغلب عليها بسهولة. كان هدفه الرئيسي هذه المرة هو الحصول على دماء خصمه.
فحسب ما فهمه، تمتلك أفعى اليونيكورن القدرة على الانقسام، فمقابل استهلاك بعض الطاقة، يمكنها تحويل أجزاء من جسدها إلى نسخٍ منها كما تشاء. هذه النسخ يمكنها أن تشاركه الذكريات والرؤية، وبهذا يستطيع غو شانغ الحصول على المزيد من المعلومات، وفي الوقت ذاته، استخدام هذه النسخ لمواصلة جمع اللحم والدم لصالحه.
لقد وصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى منظمة تعمل من أجله. غير أنه لا يزال ضعيفًا جدًا، ولا يملك أي قدرة سيطرة قوية، لذا لم يكن بوسعه سوى تعليق آماله على هذه النسخ. أما عن استمالة قلوب الناس، فرغم أنه كان بارعًا في ذلك، إلا أن العملية كانت طويلة نسبيًا. فسواء كان ذلك باستخدام العواطف أو المصالح، فإن التلاعب بقلوب البشر لم يكن أمرًا يمكن تحقيقه في وقت قصير.
بعد أن توغل في الجبال، شرع غو شانغ في البحث مجددًا. كانت عملية البحث دقيقة للغاية، لكن النتائج لم تكن مرضية. فقد انقضت خمسة أيام، ولم يعثر على أي شيء، ولا حتى على ظل أفعى.