بعد أن فهم رائد جيدا السحر، أخذ كتاب القانون وبدأ يدرسه، وجد فيه غموضا كبيرا، لكن رغم هذا فيه معلومات هائلة عن كيفية التعلم والطرق المثلى لفعل ذلك
من الكتاب استنتج أن الهالة شيء أساسي للساحر، وهناك سحر نادر يدعى "سحر تغيير الهالة" من اسمه واضح، يمكن للساحر تغيير هالته ونسخ هالة الآخرين، كما هو واضح السحر ناسخ فقط ولا يعني أنه سيعطيه ذات القوة
استنتج أيضا أن هناك أختام في السحر، الأمر لا يقتصر على الشعوذة وحدها لممارسة السحر، بينما أختام الشعوذة أقوى بكثير وتستخدم لكائنات من أبعاد مختلفة، أختام السحر تستعمل للتعزيز والدفاع وأشياء أبسط كثيرة
أيضا هناك نوع من السحر النادر يسمى "الحفظ السريع" يمكن صاحبه من الحفظ بلمحة، ويمكنه من تنظيم ذكرياته ويتذكر كل شيء بالتفصيل
هناك أنواع عديدة من السحر، لم يكن يعلم بها رائد حتى
رغم ذلك، السحر النادر ليس شيئا بسيطا يمكن تعلمه بسهولة، فيه مراحل وجهد وطاقة كبيرة
الغموض الذي في الكتاب، هو أنه وجد أن هناك بعض أنواع السحر هي نفسها موجودة في الخفة، مثلا سحر التحول، مبدأه تقريبا نفس الخفة، لكن الخفة تحويل والسحر تحول، كان شيئا غريبا أن يتقارب السحر مع الخفة لهذه الدرجة، أيضا وجد سحر الطيران، والذي هو ذاته سحر الخفة
بعد دراسة مكثفة وعميقة لأيام، خرج رائد باستنتاج مفاده أن السحر والخفة في الواقع وجهان لعملة واحدة، حيث يمكن تعلم الخفة بالسحر، لكن هذا طريق أصعب، في حين أن هناك أنواع سهلة من السحر يمكن تعلمها بالخفة، وهذا طريق أسهل
الغموض في الكتاب الذي لم تفهمه ايجيستي، هو أن السحر والخفة واحد، الأشياء الأبسط في السحر تدعى خفة، والأشياء الأعقد تدعى سحرا، هذا اختلاف بسيط ولكنه جوهري
بعد أن فهم هذا، كان رائد قد أكمل قراءة كتاب القانون، أما كتاب الشمس فلم يفتحه أصلا، يعرف أن الشعوذة مرحلة متقدمة جدا، ليس وقتها الآن
في هذا الوقت، كان يدرس فقط بعد أن يعود من دروس مدرسته، وفي يومي العطلة الأسبوعية
أصبح نادرا ما يخرج للخارج، وظل في منزله منهمكا في الدراسة، تدريجيا، قطع خروجه نهائيا، إلا في وقت الضرورة
في صباح أحد أيام العطل، توجه للمدرسة، قفز على الجدار ولن يستعمل الباب، لأنه لا يسمح للتلاميذ التواجد في المدرسة بعد الدوام أو في أيام العطل، ذهب إلى ملعب كرة السلة، فلم يجد أحدا، ثم ذهب إلى المخزن، وجد ايجيستي جالسة تتدرب على السحر
كانت جالسة في دائرة سحرية مرسومة وتتكلم بسرعة مغمضة العينين، أطلقت هالة وضوء كبيرين، حتى أن الرياح تشكلت حولها، هذا أدهش رائد
لكن سرعان ما فتحت عينيها، وقالت "أدخل يا رائد" لقد كنت في انتظارك
جلس أمامها، نظرت له وقالت "هل استطعت استيعاب ماهية السحر؟"
ثم بدأت في سؤاله، أجاب رائد بكل يسر، لكنه لم يخبرها أنه استطاع كشف الغموض في كتاب القانون، لو أخبرها لذهلت، لكن طبيعة رائد أن لا يقول كل شيء يعرفه، كان دائما يخفي أسراره
ابتسمت ايجيستي والفرحة ملأت وجهها وقالت "أنت حقا عبقري، أن تتمكن من فهم السحر في أقل من شهر، هذا رقم قياسي رائع، حتى أنا أخذ مني الأمر سنة كاملة حتى استطعت استيعاب ماهية السحر... الآن يبدأ تدريبك"
كان رائد منذهلا، صحيح أن السحر معقد، لكن لم يتوقع أن يأخذ أحدهم سنة في سبيل فهمه فقط، كان هذا بعيدا حتى عن توقعاته، هو توقع أن الأمر سيأخذ منه شهرين، لكن سنة ! هذا مستحيل تماما ...
قالت "بالنسبة لقوتك الجسدية فقد اختصرت جزء صعبا بممارستك لفنون القتال، الآن نشرع مباشرة في تقوية روحك"
"الروح شيء عميق لا يدرك، حينما ترتفع روحانيتك فإن حواسك تصبح غير طبيعية، وردات فعلك تكون أسرع، كما أن غريزتك تكون أكثر حدة، حتى القوى الجسدية ستتأثر وتصبح أقوى، تقوية الروح يمر بجزأين: الكرامة والمعجزة، الأولى هي تجريب الروح في مختلف الظروف، والثانية هي دفعها لتتجاوز حدها الأقصى"
"لتقوية الروح يجب أن تكون في حالة هدوء وسلام قصوى، مهما كانت المغريات أمامك لا تتزعزع، ثابت كالصخرة"
"أغمض عينيك الآن، وحاول الهدوء، تخيل نفسك في مكان مظلم، نظم تنفسك مع دقات قلبك، شهيق من الأنف وزفير من الفم، لا تفكر في أي شيء آخر، ركز جيدا، انعزل عن الواقع"
رائد أغمض عينيه وظل كذلك عدة ساعات، حتى شعر بالجوع، في هذا الوقت رائحة زكية تخللت أنفه، كانت رائحة سمك مشوي، فتح عينيه بسرعة وتكثف اللعاب داخل فمه
في هذه اللحظة ضربته ايجيستي ضربة خفيفة بيدها على رأسها قائلة "روحك ضعيفة جدا، لم تتمكن حتى من احتمال رائحة شيء تحبه، يجب أن تتدرب أكثر"
لعنها رائد في نفسه قائلا "أيتها اللعينة، أي نوع من التدريب هذا، أظل مغمض العينين جائعا وأنت تأكلين أمامي ما لذ وطاب ! "
أراد رائد إكمال تدريبه، لكن أوقفته ايجيستي قائلة "لننتقل لشيء آخر في تدريب الروح، قف هناك على رجل واحدة، وارفع رجلك الأخرى إلى أقصى درجة، فلنرى إلى أي مدى تستطيع الثبات على هذه الوضعية"
رائد تساءل في نفسه "أعتقد أن هذا تدريب جسدي ما علاقته بالروح؟" بعد التفكير قليلا فهم الفكرة، كان عليه أن يقنع نفسه أن الأمر عادي، فهم بعد مدة أن الروح ترتبط بشكل وثيق بالإرادة
نفذ الوضعية، وظل كذلك ساعتين، فبعد كل شيء هو تدرب على فنون القتال، جسده قوي نوعا ما، لكن كان جائعا حتى قبل الساعتين، وهو لم يأكل أو يشرب شيئا، في الواقع، كان الصبر جزء أساسيا من تقوية الروح
بعد فترة قصيرة من الساعتين سقط متعبا، الآن سقته ايجيستي ماء، شرب على الفور كالمجنون، كأنه في صحراء، أوقفته ايجيسيتي باستعمال السحر، فحلقت القارورة من يدي رائد إلى يديها، قائلة "هذه الكمية تكفيك"، لم يكن رائد قد شرب كثيرا حتى
قالت بعدها "لننتقل للجزء الثالث" بتلويحة من يدها، خرجت صخرة كبيرة، بعد فعلها لهذا قالت له "استلقي هنا، سأضع هذه الصخرة على بطنك، يجب أن تقنع نفسك أن هذه الصخرة خفيفة، وتحاول البقاء قدر الإمكان"
تغيرت تعبيرات رائد، هذا تعذيب وليس تدريب، صخرة فوق بطني ! هل هذه مزحة؟ رغم ذلك استلقى وأغمض عينيه، حاول قصارى جهده، تخيل تلك الصخرة أنها خفيفة، بل الأكثر من ذلك تخيلها صغيرة، لكن بمجرد أن وضعت عليه، ذهب كل ذلك الخيال، كان الألم شديد لا يوصف، أعضاؤه الداخلية تكاد تسحق
نظم تنفسه، واستعاد رباطة جأشه، بعدها بمحاولات عديدة استطاع أخيرا إقناع جسده أن الصخرة أخف، أحس فعلا أنها خفيفة وهذا أدهشه
كان هذا يزيد من قوة روحه بشكل لا يصدق، الروح هي الإرادة، لكن ليست هي فعلا، بل الإرادة جزء من الروح، ولكن بما أن الروح لا يمكن إدراكها ولا يعرف أحد مما تتكون أو كيف تكونت، فالإرادة معنى أبسط لتقوية الروح، تقوية الإرادة تعني أن الروح تصبح قوية
الآن فقط بدأ رائد يلتمس معنى الروح، مع أن معناها الحقيقي من المستحيل إدراكه، لكن البسيط يتلخص في الإرادة، والإرادة تصنع المستحيل، وهذا جزء المعجزة الذي يلي جزء الكرامة
فهم أخيرا تدريب الروح، بعد البقاء والصخرة فوقه لساعة، أزاحت ايجيستي الصخرة طواعية، وساعدته على النهوض، بعدها استخدمت "سحر الشفاء" لشفاء أي إصابات محتملة عانى منها جسده
جلست ايجيستي أمامه وقالت "إن الروح عامل أساسي جدا في قوة الإنسان، الروح تعني الحياة، بدونها تموت، إن استطعت تقوية روحك لمرحلة المعجزة، ستستطيع أن تلين الحديد وتكسره، أن تشق الجبال، إن الروح مدخل المعجزات، قوتها تعني أنك ستفعل المستحيل، الروح القوية بعد ارتباطها بالقوى الكونية ستنال شرف قبولها، الروح الضعيفة سترفض، في الواقع القوانين الكونية ليست شيئا بسيطا يمكن كسره، ذوو الأرواح القوية وحدهم من يمكنهم الترابط مع تلك القوانين وبالتالي تجاوزها، وهؤلاء من يفعلون المعجزات"
"الروح كذلك عامل مهم في السحر، حيث أن مدى قوة الروح تحدد قوة الطاقة التي يمكن استخدامها في السحر، بل حتى مدى استنزاف الطاقة، الروح لا غنى عنها، بحث أنها تؤثر على كل شيء آخر، لذلك تقويتها أمر لابد منه"
"الآن عرفت طرق التدريب، فلتأتي إلى هنا في أوقات فراغك وتتدرب ستجدني هنا دائما فلا تقلق، بعدما تتدرب على كل هذا، يبقى لديك تدريب آخر في تقوية الروح وهو الماء"
"يجب عليك أن تحضر كأسين، إملأ أحدهما ماء، أمسك بالكأسين معا، واجلس على كرسي، بعدها انهض بسرعة وارمي الماء في الكأس الآخر، في هذا الوقت القليل، قدم رجل وأخر رجل، يجب أن لا تسقط قطرة واحدة من الماء على الأرض، هذا سيساعدك على السيطرة على روحك وضبط توازنها في جسمك، أن تفعل أشياء كثيرة في لحظة قصيرة جدا من الوقت، سيزيد من تركيزك، وبالتالي سيعمق سيطرتك على الروح"
"التدريب يبدو بسيطا، لكن يجب أن تفعله 100 مرة دون أن تسقط قطرة من الماء، قبل هذا التدريب يجب أن تتدرب على التدريبات السابقة مرة مرة، وحبذا لو لم تأكل أو تشرب شيئا طوال فترة التدريب، هذا سيسرع من قوة إرادتك، ويجعل روحك أمتن، ويقويها على أسس صلبة"
في الشهرين التاليين تدرب رائد بخصوص هذا الموضوع كثيرا، عندما يصل إلى تدريب الماء، يكون مرهقا بالفعل من التدريبات السابقة، لهذا تركيزه يقل كثيرا
شهران من التدريب ولم يقوي روحه بعد، كان يظن أن تقوية الروح ستكون أبسط شيء، لكنه كان مخطئا، العمل الذهني المكثف أصعب بكثير من العمل البدني
بما أن تقوية الروح ضرورية، أبى رائد الاستسلام وبقي يتدرب أكثر وأكثر وأكثر، حتى قام أخيرا بسكب الماء 100 مرة دون إسقاط قطرة واحدة
قالت إيجيستي التي كانت أمامه كل مرة يتدرب فيها "أحسنت، الآن ننتقل لاستكشاف القوى الغامضة وتركها تدخل جسدك"