- أكيرا...ألم نصل بعد؟


طرحت سؤالي متثائبا. لقد امضينا تقريبا سبع ساعات منذ ان امتطينا الاحصنة متجهين نحو العاصمة الملكية ولم نتوقف لنرتاح باي قرية مررنا بها.


- اخبرتك انني اسفة بالفعل، ألايمكنك ان تتحمل لساعة اخرى فحسب؟ سنصل للعاصمة مع منتصف النهار وسترتاح كما تشاء.


اجابتني أكيرا مقلبة عينيها، انا لا الومها حقا، فهي امضت الاسبوع الماضي تقوم بواجباتها وتترحّل من قرية لاخرى، واشك انها وجدت فرصة لترتاح هي ايضا.

لكن على الرغم من هذا، كان علينا الاستيقاض مع الرابعة صباحا والمغادرة دون تناول قدر كافي من الطعام، وطوال السبع ساعات هذه، اشعر وكأن ضهري سينقسم بأيّة لحظة من ارتداد تحركات الحصان المستمرة.

هذا هو الاسوء، وكل هذا يحدث بسبب حفل تتويج الامير الاول الليلة.

حسنا، أكيرا اعتذرت عدة مرات لاننا اضطررنا للذهاب اليوم للعاصمة عوض البارحة، مع ان الامر ليس خطأها حقا وكل شيء سيكون على مايرام طالم ان لاشيء يعترض طريقنا الان،

او هذا ما تمنيته.


- توقفا! انزلا من حصانكما واعطيانا كل ماتملكان او سنقتلكما!


صرخ زعيم مجموعة من قطاع الطرق بعد ان سدّوا طريق.

اجلت بنظري حول المكان، لم يكن عددهم كبير، ومعضمهم واقفون بثقة عند حافتيّ الطريق بينما بعض اخر مجتمعين حول عربة -كانت في الطريق- وشخصان مقيدان منهما امرأة، يبدو انهما مالكا العربة.


- أكيرا، هذا...


- ليست مشكلتنا.


ردت علي أكيرا بدون تردد وبدى عليها الاستعداد لاستكمال طريقها، ان انطلقنا الان باقصى سرعتنا فبامكاننا تجاوز قطاع الطرق هؤلاء بسهولة نظرا لكون الطريق شبه مفتوح امامنا، لكن لايمكنني تجاهل اولائك الاثنين فحسب.


- هل انتما اطرشين؟! قلت لكم ان تنزلا من الحصان الان او سنستعمل القوة لانزالكما!


قال احد الرجال وقد سحب سكينًا من تحت ملابسه فرمقته أكيرا ببرودة.


- اوه...يالها من نظرة شرسة لديك يا أنسة، لا اصدق اننا اصطدنا فريستين مميزتين على التوالي، يبدو اننا محظوظون اليوم.


اردف احدهم ساخرا وجذب الامرأة المقيدة من شعرها، فانتفض رفيقها في مكانه غاضبا لكن احد الرجال قربه ركله بقوة على ضهره حتى ألصقه بالارض ودهسه، بينما تعالت ضحكات بقية قطاع الطرق في الجو.

يبدو ان هؤلاء الرجال ليسوا سوى حفنة من الحثالة الضعفاء، لايمكنهم حتى الاحساس بنية القتل في عيني أكيرا، هم فقط يحفرون قبورهم بانفسهم.

التفتت الينا المرأة باكية طالبة المساعدة.


- ارجوكما ساعدانا! سافعل اي شيء! رجاءا!


سحبها الرجل بقوة أكثر بينما اقترب الاخرون نحونا موجهين اسلحتهم نحونا، لقد فوتنا فرصتنا للهرب.


- ستفعلين اي شيء...همم؟ ليس سيئا.


قالت أكيرا وإذْ بها قد نزلت من حصانها، اقترب منها زعيم قطاع الطرق ووجه سكينه نحوها.


- وجهكِ قبيح مقارنة بالمرأة الاخرى لكن..علي الاعتراف ان جسدكِ مثيـ--


لم ينهي الرجل كلامه حتى امسكت أكيرا بذراعه وجذبته وركلته بركبتها في بطنه ثم اخذت سكينه ووجهته نحو عنقه.

تجمد بقية افراد مجموعة اللصوص هذه لبرهة ثم سحبوا اسلحتهم نحو أكيرا مضطربين.


- تقدموا خطوة الى الامام ولن يجد زعيمكم رأسه متصلا بجسده مجددا، اخفضوا اسلحتكم الان.


اردفت أكيرا وقرّبت السكين أكثر نحو عنق الرجل حتى لمس طرف النصل الحاد جلده و جرحه، فبدأ الدم ينسال ببطء على عنقه.

شعر الرجل بين يديها بالهلع فاخذ يصرخ على رجاله:


- لا تتحركوا اكثر! ارموا باسلحتكم بعيدا الان!


رمى الرجال باسلحتهم على الارض متوترين وعلت على وجه زعيمهم ابتسامة ممزوجة بالذعر ونظر الى أكيرا قائلا:


- لـ-لقد..رمى الجميع اسلحتهم، انه خطؤنا لإيقافكِ لهذا نحن نعتذر، لن نفعل هذا مجددا، هـ..هلاّ تركتني الان؟


- لن تفعلوا هذا مجددا؟ هذا جيد لكن...هل انت حقا غبي؟ انا لا أتذكر متى قلت انني ساتركك.


قالت أكيرا ببرودة أعصاب له وقطعت رأسه، ثم نظرت نحوي معطية الاشارة، فأومأت برأسي ونزلت من الحصان مشهرا عن سيفي.

بقي الرجال ينظرون الى جثة رئيسهم غير قادرين على الحراك، لقد استولى عليهم خوف سرعان ما اختفي عندما طعنتُهم من خلفهم دون ان يدركوا.

لاكون صريحا، لم اتوقع ان اكون بهذه السرعة والخفة عندما تسللت بينهم، يبدو ان التدريب عند وضع ميزة الثقل علي كان فعالا اكثر مما توقعت.


- مالذي سنفعله بجثثهم الان أكيرا؟


- عن اي جثث تتحدث، ليكس؟ لم يوجد اي شيء هنا عندما مررنا من هذا الطريق، هل هذا مفهوم؟


- حـ-حسنا...


- والان، ماذا لدينا هنا...؟


اقتربت أكيرا الى الامرأة ومرافقها وقطعت الحبال حولهما، وقفت الامرأة و بقيت ترتجف من منظر الدم بينما رفيقها يحملق بأكيرا.

الان عندما نضرت جيدا اليهما، الامرأة تبدو وكانها سيدة في الثلاثينات من الطبقة النبيلة بينها رفيقها طويل القامل، يرتدي ملابس الفرسان لكن ذو ملامح انثوية.


- هل لي بالسؤال عن ما تفعله الكونتيسة إيزابيلا كاميليوس لاروس و ليدي تيتانيا فيفيانوس هنا بمفردهما دون حراسة؟


سألت أكيرا بنبرة تكنّ عن الاحترام، خلافا عن نبرتها الباردة المعتادة.

توجد خمس درجات للنبلاء والتي تحكم المملكة من بعد العائلة الملكية. دوق، ماركيز، إيريل، فيكونت وأخيرا بارون.

الكونتيسة، زوجة "إيريل" الذي يتربع المرتبة الثالثة للطبقة النبيلة، و من باب اللباقة منادات الاسياد النبلاء باللورد بينما السيدات النبيلات بالليدي.

اذن هذه المرأة هنا هي الكونتيسة ولكن أكيرا قامت بدعوة الفارس بليدي، مايعني انه في الحقيقة امرأة؟

فيفيانوس، ان لم تخني ذاكرتي فهذا اسم عائلة فارسية، رغم انها عائلة بارون -في اسفل قائمة الطبقة النبيلة- الا انها عرفت بمولد فرسان إسترا العظماء.

انها المرة الاولى التي ارى فيها فارسا انثى، في العادة لا يمكن للمرأة ان تصبح فارسا لكن مؤخرا ومع اشتداد الحروب، اصبح النساء ينخرطن للخدمة العسكرية.

مع هذا، الكثير لازال ضد خروج المرأة لخدمة المملكة مع الرجل او حتى وراثة لقب العائلة، طبعا ان كانت الوحيدة دون اي وريث اخر -مثل أكيرا- فهذه قصة اخرى.


- كـ-كيف عرفتي من نكون؟


سألت الكونتيسة بصوت متذبذب، بدى وكانها على وشك البكاء.


- وكيف لي ان لا اعرف؟


ومع هذا لازالت أكيرا تعطيها كتفها البارد وواصلت حديثها.


- حسنا...يمكنني ان احزر بالفعل ماتفعلانه هنا، انا لا اهتم. ولكن...لقول الحقيقة، اضن اننا محظوظان اليوم، كنت افكر منذ الصباح بخطة مناسبة ولكن لا اضنها مشكلة الان.


- مالذي تقصدينه...؟


طرحت الكونتيسة سؤالها محاولة تجنب النظر لوجه أكيرا.


- الستِ من قلتِ انكِ ستفعلين اي شيء ان قمنا بانقاذكما؟


سألت أكيرا وقد امالت رأسها بعفوية.

انتفضت ليدي تيتانيا من مكانها مندفعة نحو أكيرا، سحبتها من ملابسها بغضب وقالت صارخة:


- لا تمزحي معنا! لماذا علينا الوثوق بأفعى مثلكِ؟! كان واضحا تماما انكِ حاولت تجاهلنا قبل قليل والذهاب وكانكِ لم تري شيئا!


- تجاهلكما؟ متى حدث هذا؟ لا اتذكر.


- ايتها الـ---


- توقفي تيتانيا!


صرخة الكونتيسة قائلة، عضت ليدي تيتانيا شفتها وتركت أكيرا.

تقدمت الكونتيسة نحو أكيرا بعد ان جمعت شجاعتها.


- انا من سألت عونكم، اذن انا من عليها رد الدين لكم. كيف لي ان ادفع الثمن؟


- هاه؟ اليس هذا واضحا؟ بجسدكِ.


قالت أكيرا ومدت يدها تلامس خصلة من شعر الكونتيسة البني الداكن فسرعان ما تراجعت هذه الاخيرة للخلف متفاجئة.

تقدمت بين أكيرا والكونتيسة ضاحكا ولوحت بيدي بعفوية قائلا:


- كم انتِ مضحكة أكيرا، انت بالفعل تحبين المزاح.


اتمنى حقا ان يكون ماقالته أكيرا مجرد مزحة.

تنهدت أكيرا وقلبت عيناها بانزعاج، ثم ردت بنبرة جدية.


- الزواج. هذا هو الشيء الوحيد الذي يشغل دماغ الفتاة، عندما تولدين تكونين تحت رحمة والدكِ، عندما تتزوجين تصبحين تحت رحمة زوجكِ، حتى عندما لايوجد اي من هاتين الشخصيتين في حياتكِ فستكونين تحت رحمة اخيكِ، قريبكِ، اي شخص طالم انه ذكر. «تزوجي وستعيشين بسعادة» تلك هي الكذبة التي يرددونها في اذن الفتاة كالذباب. كصفتي إمرأة انا ايضا، اشعر بالاسمئزاز كلما فكرت في انه -و بالرغم من ان الملك السابق قد نص على ان المرأة تمتلك حقوقها ايضا- لازال هناك الكثير يرى ان المرأة مجرد "شيء" ، والمؤسف اكثر ان بعض النساء لايرغبن بالاعتراف بهذا والدفاع عن انفسهن. انتما الاثنين ايضا لستما سوى ضحية اخرى لهذا المجتمع الذكوري التافه، اه...لا اعنيك بهذا ليكس.


- لاتقلقي، انا افهم ماترمين اليه.


التفت نحو الكونتيسة و ليدي تيتانيا، بدى انهما لم يعودا يهتمان لكل ماحدث قبل قليل او حتى الى الجثث المنتشرة قربنا، فقط بكل صمت بقيتا تستمعان الى كلام أكيرا.

واصلت هذا الاخيرة كلامها.


- انا اعرف بالفعل مايحدث معكما، كونتيسة إيزابيث، انتِ تحاولين الهرب، صحيح؟ لايمكنني ان الومكِ، الايريل لاروس معروف بانه عجوز سمين يجمع النساء، لمعرفة ان سيدة جميلة و حكيمة مثلكِ زوجت او بالاحرى 'بيعت' له، اي فتاة مثلكِ ستحاول ان تهرب او حتى الانتحار.


التفتت أكيرا لليدي تيتانيا.


- وفي اليد الاخرى، ليدي تيتانيا، انتِ هي البنت الكبرى لعائلة فيفيانوس ومع هذا شقيقكِ الاصغر هو من ورث لقب العائلة، انتِ موهوبة اكثر منه ولديك معارف اكثر منه -مثل الكونتيسة إيزابيث- وبالتالي لديكِ مستقبل انجح منه، مهما فكرت بالامر فهو غير عادل، لم ترثي لقب العائلة بالرغم من نجاحاتكِ ومهارتك وكل هذا لسبب سخيف، فقط لانكِ امرأة.


عم الصمت للحظات في الجو حتى رفعت الكونتيسة و ليدي تيتانيا رأسهما ونظرا الى اعين أكيرا بكل ثقة وسألت الكونتيسة:


- من انتِ؟


- لست بشخص مهم، أكيرا هو اسمي.


- هممم...تستعملين اسمكِ الاول للتعريف بنفسكِ وكأنكِ من العامة القرويين؟ بعد كل ذلك الكلام، كنت متأكدة انكِ تمتلكين لقبا على الاقل. حسنا...لامانع من ان تناديانا كلاكما باسمنا الاول فقط.


- هذا لطف منكِ، إيزابيث.


احكمت إيزابيث قبضتها، اجالت ببصرها بين جثث قطاع الطرق ثم تلاقت اعينها بأعين أكيرا مجددا.


- مالذي تريدينه منا؟


- لنعقد اتفاقا.


- اتفاق؟


علت على وجه أكيرا ابتسامة لطيفة، لكن كانت فقط مجرد ابتسامة ماكرة تخفي كل نواياها.


- انضما الي، انا احتاج الى اشخاص راقبون النبلاء من قرب...في المقابل، عندما تصبحان من 'شعبي' ساقوم بتحقيق المستقبل الذي تريدانه.


- وكيف ستفعلين هذا؟


- تغيير الشرع، ليس سوى جزء بسيط من هدفي. ففي النهاية، انا هي المختارة التي ستغير العالم.


2020/08/21 · 223 مشاهدة · 1480 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024