- ليس بعد!

استدرت لليمين متفاديا سيف فارس الظل، ولوحت بسيفي عموديا عليه، صدّ الفارس ضربتي وبسرعة خاطفة حرّك سيفه يسارا ودفعه للفوق فنزع سيفي من بين يدي وسقط ارضا وركلني بقوة حالما شُتّت انتباهي بسقوط سيفي، فسقطتُ ارضا.

- لقد خسرتُ مجددا...

اخذت التقط انفاسي بصعوبة والعرق يتصبب من جبيني بشدة.

- هل انت حقا بخير، ليكس؟ لقد كنت تتدرب منذ الصباح الباكر

قال بيثريون ممدًا يده نحوي، امسكت يده فسحبني وساعدني على النهوض.
بيثريون اصبح اقل صرامة معي منذ ذلك اليوم، منذ حادث الانفجار قبل ثلاثة أيام.
حسب كلام بيثريون، في ذلك الوقت قبل ان ينفجر برميل البارود، قمت أنا بالاندفاع الى أكيرا لحمايتها.
قمت باطلاق سحري بأكمله في شكل حاجز لمنع الانفجار للوصول الينا لكن كنتيجة، استهلكت كمية كبيرة من المانا واغمي علي ليومين كاملين، بالطبع لم اخرج من ذلك المأزق سالما كليا، لقد انتهيت ببعض الاصابات.
انا سعيد انني تمكنت من حماية أكيرا لكن، لو كنت اقوى بقليل لتمكنت من حماية سكان القرية أيضا، المكان حيث انفجر برميل البارود كان في وسط القرية تحت الاحتفال تماما، لم يخلو هذا الحادث من القتلى والمصابين الابرياء.

- لازلت منزعجا من الحادثة؟ الامر كان خارجا عن نطاق امكانياتنا، لا يوجد شيء تستطيع فعله الان، ماحدث قد حدث.

قال بيثريون محاولا مواساتي ومرّر الماء لي، جلست على جذع شجرة مخصوصة على الارض لارتاح فجلس قربي بيثريون.

- ....أنا اسف على كل شي.

التفتُ نحو بيثريون مستغربا حالما سمعته ينطق بهذه الكلمات.

- دائما ما احاول ايجاد أخطاء فيك، دائما اقول انك سيء بهذا وذاك، دائما احاول ايجاد ولو ثغرة بسيطة حتى ادفع أكيرا لطردك من القصر. لا اريد الاعتراف بك كفارس لأكيرا لانها دائما من تقوم بحمايتك...لكن..لو لم تكن معها في ذلك اليوم لكنّا الان في مأزق حقيقي. انت قمت بوضع حماية أكيرا كواجبك الرئيسي، اضن انني اخطأت الحكم فيك. انا حقا اسف.

هززت برأسي يمينا ويسارا رافضا إعتذار بيثريون وقلت:

- لاداعي للاعتذار، ليس كل ما قلته خاطئ فانا ضعيف ولازلت بحاجة لحماية من الأخرين وكل ما استطيع فعله الان هو التدرب ولم يعد لي الكثير من الوقت.

- لا...اضن انك تبلي حسنا، انت سريع التعلم ليكس، كما انه لازال بين يديك اسبوع، اراهن انك ستهزم فارس الظل قريبا.

ابتسمتُ لبيثريون ووقفتُ، أخذت سيفي من على الارض وسألت:

- بالمناسبة، أين أكيرا؟

- آه...هي لم تقم بإخبارك؟ ستذهب لزيارة بقية القرى التابعة لأراضينا ونشر نظام أمن افضل من القديم، لانريد ان يحدث شيء مماثل لماحدث في القرية الغربية مجددا

- بمفردها؟!

انتفضت قائلا، حمحمت والتفت بعيدا مخفيا حرجي، ضحك بيثريون وأجابني:

- لاداعي للقلق، فنحن نتحدث عن أكيرا كما تعلم. لقد ذكرت بانها ستستغرق وقتا و لهذا ستعود بعد أيام، على الارجح قبل ان تغادرا للعاصمة الملكية، في ذلك الوقت علي ان احرص على ان تكون جاهزا لحين مجيء الموعد.

- لقد فهمت...مع هذا لازلت غير معتاد على رؤيتك تضحك او تبتسم امامي رغم انك تفعل طوال الوقت حين تكون رفقة أكيرا.

خفض بيثريون رأسه وابتسم.

- عندما كنت صغيرا، احببت قراءة كتب البشر، كما أنني صرت متقنا لسحر التحول فقط لاجل ان اتقرب منهم أكثر. «اريد ان اكوّن صداقات معهم» هذا كل ماكنت افكر فيه. في النهاية..قبل ستة سنوات، قابلت بعض البشر في الغابة، قلت لهم وانا في هيئتي البشرية انني وحش مستذئب و ارغب بان اكون معهم، لقد ابتسموا لي، كنت سعيدا وتحولت لهيئتي الحقيقية. كان علي ان اتوقع ذلك، ابتسامتهم تلك كانت تخفي وجههم الحقيقي، لقد كانوا صيادين و انا كنت فريستهم. تلك كانت اول مرة التقي فيها بأكيرا، وقفت أمامي بصمت ودماء اولائك الصيادين تنسال على وجهها، لقد انقذت حياتي. ذلك الوقت ومن دون ان ادرك، وجدت نفسي انحني لاجلها واقسم على خدمتها طالما حييت. رغم انها كانت من البشر ورغم ان تعابيرها الباردة كانت كافية لتحذيري من خطر الوثوق بها، الا انني لم استطع سوى رؤيتها كمنقذة لي. نحن الوحوش لانستطيع فعل شيء مهما فعلت أكيرا لنا غير ان نحبها، تلك الفتاة محبوبة من الظلام في النهاية لأنها المختارة.

استمعت الى حديث بيثريون بكل إهتمام.
تم إختيار أكيرا لتكون مستخدمة سحر الظلام لهذا العصر لأنها محبوبة من قبل الجانب المضلم، وان نظرنا الى الجانب الأخر فعلى الارجح أمير مملكة أريتيا الرابع لوكاس -مستخدم سحر الضوء- قد تم اختياره لانه محبوب من قبل الجانب المضيء الذي يأخذ البشر مكانة كبيرة فيه.

- بمعنى أخر، ان كانت أكيرا بطلة بالنسبة للوحوش فإن الامير لوكاس هو البطل بالنسبة للبشر، ان اصبح بطل البشر عدونا فعلينا نسيان امر توحيد الجانبين...

قلتُ محبطا، اقترب بيثريون مني وضرب ضهري بقوة وقال:

- في الحقيقة، لا اضن ان الامير لوكاس ذاك له اي علاقة بعدونا او اي شيء من هذا القبيل.

- هل تضن هذا حقا؟

- اجل، فهو بطل للخير والعدالة. لايوجد اي فرصة يكون فيها شخصا سيئا، مثل الذي حاول غسل دماغك لجعلك تنتحر، فذلك الشخص قد تسبب بموت الكثير سواء من الوحوش او البشر، انه الشرّ بعينه.

- معك حق...

قلت هذا و الارتياح بادٍ على محياي، تنهد بيثريون وابتسم.

- سيكون اسبوعا صعبا عليك ليكس، لكن كرمز لصداقتنا الجديدة، لن اجهدك كثيرا

ارتسمت على وجهي ابتسامة مشرقة وصرخت متحمسا:

- هل هذا يعني انني اول صديق بشري لك؟!

- لا، ماري كانت الاولى.

- اوه...

كتم بيثريون ضحكته الساخرة ووضع كلتا يديه على كتفيّ.

- إذن..هل يمكنك الرقص؟

- عفوا...؟

***


أخيرا، اليوم الأخير قد حلّ.
استعمال السحر، التدريب على السيوف والخناجر، دراسة كتب عن إسترا وآداب السلوك، والرقص. طوال هذا الاسبوع لم انعم بالراحة بسبب قِصر الوقت الممنوح لي، لكن اليوم أخيرا سينتهي كل شيء.
أكيرا ستعود اليوم من زيارتها للقرى التابعة لها، وغدا ستشد رحالها نحو العاصمة الملكية.
هذه فرصتي الأخيرة لجعل أكيرا تستعرف بي.
علي ان اهزم فارس الظل اليوم وإلا لن اكون ابدا فارس أكيرا.
اخذت نفسا عميقا وأشهرت عن سيفي، إنبثق فارس الظلّ من احدى الظلال المنتشرة على الارض، مدد يده فتجمعت الهالة حوله وتشابكة حتى اصبحت في هيئة سيف.
ان سقطتُ على الارض فالفوز نصيب الفارس، وان اختفى الفارس باصابة من سيفي فسيكون الفوز نصيبي.

- ها أنا قادم!

اندفعت مباشرة نحو الفارس وغيرت اتجاهي لليسار بسرعة حينما لوّح بسيفه للأمام لأجل تضليله، كان علي ايجاد ولو ثغرة واحدة حتى اتخطى خط دفاع الفارس.
انقضت عليه وحاولت غرس نصل سيفي في خصره لكن أمسك الفارس سيفي برمشة عين.

- ماذا؟!

صرخت متعجبا، وكأن فارس الظل اصبح اقوى واسرع عن المرات السابقة التي واجهته بها، انه يستعمل سحر التعزيز.
رفعني الفارس بأكملي حتى تكاد قدماي لاتلمسان الأرض وقام برميي أمامه بكل سهولة وكأنني لاشيء.
ارتكزت على يدي قبل ان اسقط على الارض ودفعت بنفسي للخلف، لايجب علي السقوط.

- هذا ليس عادلا...

تمتمت قائلا، انزلت رأسي وبقيت احدق بالأرض بينما ألتقط انفاسي بصعوبة.
مهما نظرت للأمر فانه غير عادل، فارس الظل يستطيع استخدام سحره كما يشاء، لاقيود عليه، بينما انا هنا ارتدي هذه الملابس الثقيلة فبالكاد استطيع التحرك بسرعة، لايسمح لي حتى باستخدام سحري.
لقد خسرت بالفعل في جانب القوة والسرعة، لكن..

- لم ينتهي الامر بعد!

القتال الحقيقي لايعتمد دوما على القوة البدنية او السرعة الخاطفة، بل على طريقة التفكير عند القتال.
تماما مثل لعبة الشطرنج، راقب حركات خصمك، فكّر بكل الاستراتجيات الممكنة، فكّر من وجهة العدو وانظر لساحة القتال من منظوره.
من منظور فارس الظل...؟
اشك ان لدى فارس الظل أعين تحت تلك الخوذة على رأسه، اذن على الارجح انه يرى حرارة الاجسام، وهناك امكانية كبيرة انه يرى المانا في الاشياء الحية والجامدة وانا لا استعمل اي نوع من السحر.
فارس الظل كبير الحجم نوعا ما ان قارنته بحجمي، جزؤه السفلي ليس محميا مثل بقية اجزاء جسده.
لقد قاتلت هذا الفارس عدة مرار لهذا يمكنني الملاحظة، حركاته متشابهة نوعا ما.
وأهم شيء، السيف ليس السلاح الوحيد عندي.
جثمت على ركبتي وغرست سيفي بالأرض كمن سقط مستسلما، اقترب مني فارس الظل ورفع رجله للخلف قاصدا ركلي.
وعلى حين غرة، رميت في وجهه كبشة من التراب تركت اثار الغبار كضباب وبسرعة اندفعت لخلفه تاركا نفسي منخفضا لتجنب مجال نظره.
لوّح الفارس بسيفه قاطعا الهواء ليبعد الغبار عنه واجال ببصره باحثا عني فلم يرى سوى سيفي فقط امامه.
سحبت الخنجرين المخبئين تحت ملابسي واندفعت متزحلقا بين رجليّ فارس الظل قاطعا قدميه.
سقط هذا الأخير على الارض، فأخذت سيفي بسرعة وقفزت صارخا على الفارس موجها طرف سيفي الى رأسه فإخترق خوذته فجمجمته.
بدأت الهالة التي حوله بالاختفاء مع دروعه، تحت تلك الدروع السوداء مجرد هيكل عضمي، ثم تبخر جسده بالكامل في الهواء.

- لقد انتهى الامر أخيرا...

اردفت بهذا وتركت سيفي، ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضة وقفزت من السعادة ثم التفت نحو بيثريون -الذي كان يشاهد رفقة بعض الوحوش- فقام بتهنئتي.
ارتمت بعض الوحوش عليّ فهممت لعناقهم غير انني ابعدتهم عني حالما سمعت صوت تصفيقٍ أتيا من ورائي.
التفت متفاجئا لإيجاد أكيرا هي التي تصفق.

- أكيرا؟! مـ..متى قدمتِ؟ منذ متى كنت تشاهدين؟

- منذ ان امسكك فارس الظل و رماك بكل سهولة

اجابت أكيرا متقدمة نحوي وبكل هدوء ابعدت خصلات شعري المبللة عرقا من امام عيني و اردفت:

- يبدو ان كل شيء اصبح جاهزا الان.

2020/08/20 · 217 مشاهدة · 1413 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024