أصوات صليل السيوف يدوي في الأرجاء، وهالة سوداء مرعبة تحيط المكان، عيناهما تلك التي تشعر باللون الأحمر فقط هي من تلمع في تلك العتمة الحالكة. منذ اللحظة التي عرف فيها روهان بهوية مارون وهو يحاول إخفاءها عن الأنظار، ولكن برؤيته يقاتل شخصاً من نفس الفصيلة، فليس هناك حل آخر. فالقتال أصبح ضارياً، وضرب السيوف المثقلة بتلك الهالة أصبح أقوى بشكل استثنائي. بالكاد تحمل سيف مارون هذه القوة، فها هي شفرة سيفه آخذتٌ بالتآكل.
ابتسم الرجل الجامح ابتسامة انتصار، وقال:
- يبدو أنكَ لا تملك سيفاً جيداً.
- لا أحتاج لسماع ذلك من شخص همجي مثلك.
تنهد بابتسامة ساخرة، وقال:
- ذلك الهمجي هو ذاته الشخص الذي أنت عليه.
اندفعا عن بعضهما أخيراً، وصرخ مارون:
- هذا مستحيل!
ثم ضرب سيفه بقوة:
- لا يمكن أن تنساوى في ذلك.
- يبدو أن سيدك روضك جيداً.
ليجد أن الرجل اختفى بين الظلام، ثم جاءه الوميض من الخلف:
- فلتمت!
...
في القاعة المذهبة، حيث كل شيء من الذهب، عمدانها المزخرفة تتشكل عليها وجوه مذعورة تترتب بشكل دائري تتوسها مساحة دائرية نقشت بالذهب على شكل دوار الشمس، وفوق تلك البقعة على السقف نافذة على شكل قبة تدخل أشعة الشمس، بتلات ذهبية ترقص داخل الستائر الضوئية الساقطة على تلك البقعة، تقف السيدة بثوبها الأحمر، خلفها عدة نوافذ كبيرة زجاجها من الفسيفساء الملونة بأشكال أشباحٍ مرعبة، تسقط على خصلات شعرها الأسود بريقاً ملوناً هادئاً، بدت لوهلة سيدة مبجلة، عدا تلك النظرات المليئة بالحقد، لعقت أناملها التي تقطر دماً. ثم نظرت إلى ذلك الشاب المنحني، يلهث من شدة التعب، جبينه يقطر قطرات من العرق على الأرض، ورأسه ينزف بخيوط رفيعة على وجهه كأنهار جارية.
- ربما لا تتذكر هذا المكان يا عزيزي.
قالت ببرود، بينما هو منشغلٌ بلهاثه، يسمع صوت خطواتها تقترب شيئاً فشيئاً، أمسكت قبة قميصه، ورفعته نحوها تكشر عن أسنانها بغضب:
- هنا حين تعذبت لأنجب وحشاً مثلك! وهنا سوف أقتلك!
ثم قذفت به على الأرض، رفعت ذراعيها وهي تنظر نحو المكان بدرامية كمن يؤدي مسرحية غنائية، ضحكت ضحكة ساخرة، واستطردت:
- أليس مكاناً رائعاً لدفنكما هنا؟
صوت لهاثه يسيطر على الصمت الذي جرى لبضع دقائق، التفتت نحوه ونظرت إليه بازدراء، يحاول بيده المرتجفة أن يسل سيفه، أخرج صوته بصعوبة من بين لهاثه:
- ألهذا كنتِ تطاردنني طوال هذا الوقت؟
رفع رأسه أخيرا لمواجهتها، ابتسمت ابتسامة خبيثة عريضة ملأت وجهها، ثم قالت ببرود:
- وهل تظن أنك تستحق العيش؟
جثت أمامه، وأمسكت رأسه بقوة، وقالت وهي تشد رأسه بينما يعض على أسنانه من الألم:
- لو بإمكاني فقط أن أقلع رأسك بيدي هاتين.
لكنه دفعها فابتعدت عنه نظرات الدهشة تلون وجهها، حاول النهوض، فابتسمت باستخفاف، ورفعت يدها حيث زرعت في باطنها ياقوتة قرمزية، صرخت:
- أيها الوغد!
وأشعت تلك الياقوتة بشعاع أحمر لتصيبه مباشرة، يتناثر الغبار في الأرجاء، بعض الأعمدة تآكلت، وسالت الأرض المذهبة من مكان السحابة تسيل حتى وصلت قدميها، امتزجت بسائل أحمر، حين نظرت نحوها ابتسمت ابتسامة خافتة، لكن سرعان ما اختفت السحابة، حتى وجدت بلورة شفافة تحيطه، بينمها يرفع يده يسمك قلادة من الياقوت القرمزي إطارها مذهب مزخرفة بكلمات حولها.
- أنا لن أدعكِ تقتلينني.
انقبض وجهها بغضب، وشدة على أسنانها، بينما ارتجف جسدها من الغيظ. حاول النهوض وهو يردف:
- فأنا ... قد قرردت قتلكما سابقاً.
- أيها .. الوغد!
يبدو أن كلماتها جعلته يتذكر ما يبقيه على قيد الحياة، فروهان أيضاً قد صمم على الانتقام من هذين المتعجرفين الذين جعلاه على هذه الحالة اليائسة. همس بصعوبة وهو يحاول النهوض:
- سوف أثأر لنفسي!
اقترب منها وهو يسير مترنحاً متكئاً على السيف.
- سوف أثأر .. لميرا وداروين.
ضرب سيف بعصبية في الهواء، لكنها كانت سهلة التجنب، وعاد يضربه في الجهة الأخرى بينما هي تبتعد عنه بسهولة، إلا أن دهشتها جمدتها عن فعل أي شيء.
- سأثأر لمارون ..
ثم صرخ وهو يضرب السيف بقوة نحوها:
- ولوالدته!
ليضرب الجدار البلوري الذي أحاطته بنفسها، ثم صرخ:
- سوف أقتلكم جميعاً!
وضرب السيف مجدداً، ليتشقق الجدار، ويضعها في مأزق فتتراجع إلى الخلف بسرعة بينما تتناثر بلورات الجدار في كل مكان، حتى أن احداها اصطدم بوجه روهان وخدشه. لكنه قفز نحوها، يضرب بسيفه ضربته الحاسمة، وصرخ:
- سوف أقتلكم جميعاً!!
اشتعلت القلادة بشعاع أحمر مهيب، ليتناثر الغبار في كل مكان، الأرض المذهبة انصهرت بالكامل، والأعمدة أخذت بالتآكل واحدة تلو الاخرى، منها ما انصهر بالكامل، والنوافذ تكسر زجاجها، وبدا أن المكان يوشك على الانهيار، كسرت البلورة التي أحاطتها بنفسها مجدداً، لكنها مع اختفاء السحاب حولها اختفت، وبقي روهان الذي يتكئ على سيفه في محاولة لتمالك نفسه.
...
تجنب مارون الضربة الموجه نحوه بسرعة، والتف نحوه ليوجه ضربة قاضية في معدته، ليتراجع للوراء من الألم، إلا أن صوت الانهيار من القاعة المجاورة، جعلت من مارون مذعوراً، وبذلك باغته الرجل الجانح، وتوجه إلى النافذة، وقال:
- أدعى جاك، لنكمل نزالنا في وقت لاحق.
- أيها الجبان!
صك أسنانه بغضب، لكنه لا يملك الوقت لينهي الأمر معه الآن، فسيده لم يخرج من المكان بعد! رحل جاك واختفى، فتوجه مارون بسرعة نحو القاعة المذهبة، كل شيء منصهر، الأعمدة متآكلة تقطر سائلاً ذهبياً على الأرض التي بالكاد حافظت على قوامها، وهناك في وسط القاعة، جثة سيده مغطاة بالدماء.
- سيدي!
صرخ، وركض نحوه، كان لا يزال يحاول التشبث بسيفه، بالكاد ترى ملامح وجهه التي غطت بالدماء، ساعده مارون على النهوض وقال بذعر:
- سيدي! علينا أن نرحل.
...
غرفة الأمير مغمورة باللفائف والضمادادت الممتلئة بالدماء، والسيدة لارا تبذل جهدها في وقف النزيف في أنحاء جسده، هما لا يستطيعان استعداء الطبيب لأن ذلك سيصل للحاكم، ولكن بدون الطبيب بين فهما لن يستطيعا فعل أي شيء.
- ألا يمكننا أن نستدعي الطبيب بين؟
قالت السيدة لارا متسائلة، فأجابها مارون:
- هذا مستحيل، الطبيب بين طبيب العائلة المالكة، سوف نضعه في خطر إن طلبنا منه اخفاء الأمر.
- لكن ..
بدت قلقة، فقال مارون:
- سأحاول أن أسأل اليزابيل.
- ربما لا تستطيع المساعدة، فهي مسؤولة على الأدوية فقط!
- آه، ربما تساعدنا ...
لكن طرق الباب قاطعهما، ليقفزا من الذعر، أمرها:
- أغلقي الستائر.
همت لتغلق الستائر حين اتجه مارون نحو الباب لغرفة المعيشة الملاصقة لغرفة نوم الأمير، فتح الباب بهدوء، ليتجمد مكانه اثر الذعر.
- الدوقة ..
وضعت يدها على ثغره لتصمته، وطلبت باشارة من يدها أن يهدأ، فهز رأسه عيناه ستنفجران من الذعر، حينها دخلت وأغلق مارون الباب خلفها، تحمل سلة بأعشاب وعدد مختلفة، تجمدت السيدة لارا لدى رؤيتها، ولكنها لم تستطع الحراك، ودون أي كلمة فتحت السيدة لافرتين الستائر، نظرت السيدة لارا نحو مارون الواقف عند المدخل، فهز رأسه كأنما يقول أن تترك الأمر لها. لتتفحص الدوقة جراحه، أطرقت برأسها بامعان وهمست:
- هكذا اذاً.
ثم قالت تخاطب مارون:
- من الأفضل أن تخرجا الآن، لتغطيا اختفاء سيدكما، أليس كذلك؟
- آه
ضرب مارون راسه، وهتف:
- أجل معك حق.
ثم خاطب السيدة لارا:
- هيا سيدة لارا، لنترك سموه للهذه السيدة، فهي تعرف عملها جيداً.
بدت لارا غير مطمئنة، لكن مارون ألح عليها بالخروج معه، فذهبت معه نحو الخارج، حين سألته:
- هل أنت متأكد أن تلك السيدة جيدة كفاية لنترك سموه تحت رعايتها.
ضحك مارون، وقال:
- لا عليكِ، سيكون بأمان.
تابع مسيره، حين نظرت السيدة لارا نحو الباب لبرهة، قبل أن تلحق به.
...
في الغرفة، تطحن السيدة لافرتين الأعشاب، وتغطي بها الجروح، ثم تضمدها جيداً، الأمر الذي أوقف النزيف، وبقي أن يستعيد عافيته. فتح عينيه أخيراً، وهمس:
- مورين!
- لم تعد موجودةً سيدي ..
نهض بذعر على صوتها، لكنه سرعان ما شعر بالألم، لتتجه نحوه وتساعده ليعود على الاستلقاء:
- سموك، بالكاد استطعت وقف النزيف، تمالك نفسك قليلاً.
- سيدة لافرتين.
نظر نحوها بعينين حزينتين، وهمس:
- أنا آسف.
- رباه
تذمرت، وعادت ترتب الضمادات على جسده، وقالت:
- سموه متهورٌ كعادته، ماذا ستفعل لو لقيت حتفك هناك!
نظر إلى السقف، وهمس:
- هل فشلت حقاً؟
تنهدت ونظرت نحو بحنان:
- لا لم تفعل
ثم عادت تضع مسحوق الأعشاب على جروحه:
- لابد أن يؤخر هذا هجوم رامون لوهلة.
ثم نظر إليها، وعاد يسأل:
- هل هو وقت كافٍ لاستخدام الاكسير مجدداً.
لم تستطع السيدة لافرتين أن لا تبتسم لبراءة سؤاله، حتى أن عيناها تلألأ بوميض حنون، ثم قالت:
- أعتقد ذلك.
ابتسم روهان بصعوبة، لكنه الآن يمكنه أن يرتاح قليلاً دون الشعور بالخوف.
...

2019/11/08 · 315 مشاهدة · 1283 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024