يجلس على عرشه بهدوء، بينما تنقر أنامله الطويلة على يد المقعد بتوتر، ينظر نحو الرجل الجاثي على قدميه أمامه باشمئزاز، ثم رفع رأسه لأعلى وقال بنبرة أشبه بالهمس:
- ما الذي يوجد هناك حقاً!
قال أحد الرجال الواقفين على إحدى الجوانب:
- سمو الملك رامون، لقد طلبت من الجيش الانسحاب للوقت الراهن.
- جيد!
هز رأسه موافقاً:
- لننسحب في الوقت الراهن.
ثم نظر نحو الرجل الذي لا يزال جاثياً، وسأل:
- وكيف حالها الآن؟
ارتعش، وقال بتردد:
- سموها في حالة خطرة.
شهق جميع من في القاعة، وجحظت عينا الملك رامون بذعر، بدأت الهمسات بالعلو:
- ماذا؟ هل فقد عقله؟
- من الذي يمكن أن يخدش آموري؟
- أليسوا وحوشاً لا تقهر؟
- ربما ليسوا بتلك القوة التي كنا نعتقدها!
- كيف يعقل ذلك!
لكن نظرات الملك رامون جعل الجميع يخفض رأسه بخجل ويتراجع بصمت، حين قال يخاطب الرجل الذي لا زال جاثياً:
- سأرسل معك فرقة لاستطلاع الأحداث هناك، كن على استعداد.
- حاضر سيدي!
...
في الجهة الأخرى، وصلت أنباء انسحاب جيش رامون إلى الحاكم كالصاعقة، وسأل:
- من يمكن أن يفعل ذلك؟
ثم نظر إلى الحضور، وعاد يتساءل:
- أين القائد روهان؟
نظر الجميع نحو بعضهم بدهشة، حقاً أين هو؟ كيف يغيب عن اجتماع يعده الملك شخصياً؟
بدا مارون متوتراً، نظرات التساؤل تحيطه من كل اتجاهات.
- ما هذه الفظاظة؟ أيظن بكونه ابن الملك أن بامكانه التغيب عن الاجتماعات أيضاً؟
- لا أعتقد ذلك!
أتى صوت روهان عند البوابة الضخمة للقاعة، فتنهد مارون بارتياح، ونظر الجميع نحوه بدهشة، بينما بدا على وجه الحاكم الارتياح. تقدم روهان وسط القاعة، وجثى على ركبتيه، ثم قال:
- اعتذاراتي صاحب الجلالة.
نظر الجميع نحو رأسه المغطى بالضمادات، سأل الحاكم:
- هل وصلتك الأخبار الجديدة؟
- أجل صاحب الجلالة.
- لم لم تكتب تقريراً بعد؟
- اشتبكت قواتي مع مجموعة من الجواسيس ولم يكن لدي الوقت لذلك.
بدأت الهمسات بالعلو:
- مجموعة جواسيس فقط! وانظر إلى حاله! أيعقل ذلك؟
سأل الملك:
- لكن أليس غريباً أن تكون مصاباً بهذا الشكل أيها القائد روهان!
- أجل صاحب الجلالة، فهم لم يكونوا جواسيس عاديين، كانو من جماعة الآموري.
شهق الجميع بفزع، حدق الحاكم نحوه بذعر قبض على يديه المرتجفتين رغم محاولاته في المحافظة على هدوءه. ثم قال بهدوء:
- ولمَ لم تعلن عن ذلك؟
- كما قلت آنفاً، بالكاد استطعت الولوج بنفسي، وها أنا أمامك كما ترى صاحب الجلالة.
همهمات:
- أن يعود حياً بعد قتاله لتلك الوحوش؟
- هل هو وحش أيضاً؟
- رباه! هذا انتحار! ما الذي يفكر فيه؟
علق روهان بابتسامة خبيثة بعد سماعه لتعليقاتهم:
- من حسن الحظ، أنهم لم يواجهوا الدوريات الأخرى، أليس كذلك؟
صمت الجميع، الجو أصبح خانقاً متوتراً، ليقف الحاكم، ينظر روهان نحوه بهدوء، حين قال بحزم:
- لا يوجد مبرر لمَ فعلته! اليوم حالفك الحظ وخرجت ببعض الجروح، ولكن من يضمن أن تخرج حياً في المرة القادمة.
همهمات:
- صاحب الجلالة محق!
- يبدو أن روهان غلبه الغرور.
- من يظن نفسه؟ أن يملك تلك الثقة فقط لأنه قاتل الآموري.
تبادل صاحب الجلالة وروهان نظرات التحد، ابتسم الحاكم بمكر وقال:
- لا زال عليك أن ترسل لي تقريراً قبل أن تتصرف وحدك، هل هذا مفهوم؟
انحنى روهان باحترام، وقال:
- أمرك صاحب السعادة!
...
هم مارون نحو روهان راكضاً، مهلوعاً، وصرخ:
- سيدي! هل أنت بخير؟
ابتسم روهان في وجه مارون وقال بمرح:
- أعتقد أن الدوقة ستصرخ في وجهي حين ترى ذلك.
- رباه!
تنهد مارون بنفاذ صبر، ثم قال:
- أراهن أن صاحب الجلالة فخور بما فعلت، لكنه أراد حمايتك أيضاً.
صمت روهان، وارسمت على وجهه علامات الحزن، فأردف مارون موضحاً:
- أعني كان عليك رؤية وجهه، بدا يشعر بالندم وهو ينظر إليك.
ثم أطرق مفكراً:
- لم أرى صاحب الجلالة هكذا أبداً.
- ربما ..
خرج صوته أخيراً:
- ربما لأنها الآن في صفهم.
- هل تعتقد ذلك؟
- بالتأكيد!
قالها بكل ثقة، جازماً الاجابة، ما جعل مارون يتجمد مكانه لبرهة، وما ان عاد لرشده كان روهان قد سبقه عدة خطوات، فلحق به، وهتف:
- الأهم من ذلك، علينا أن نهتم بجروحك.
...
مرت عدة أيام على ذلك الحادث، بقي خلالها روهان في غرفته يستعيد عافيته، لكنه بالكاد يتناول طعامه، الخادمة التي ترسل الطعام تعود لتجده كما لو لم يمس، ما جعلها ترسل في طلب السيدة لارا، وبالتأكيد أصبح ذلك موضوع حديث جميع من في القصر.
مر لوكاس بعد التدريب خلال الردهة، حين سمع ثرثرة الخادمات:
- هل تظنين أنه مهموم؟ منذ مغادرة الآنسة لافرتين وهو لا يتناول طعامه؟
- اذا عرف الملك بذلك من يضمن أن تحتفظ الآنسة لافرتين برأسها!
- ولكن من يعلم بما يفكر فيه، ربما ليست الآنسة لافرتين، ربما أمرٌ آخر.
- تقول إحدى الخادمات أنه يواجه ضغوطات كثيرة حول كون جيشه في المقدمة.
- حقاً! كم هذا قاسٍ!
- مجلس الشيوخ لا يقف إلى جانبه، ربما بسبب سمعة والدته السيئة.
- أوه ! هذا لا يعقل!
نهرت إحدى الخادمات الأخريات، لتنبههم من وجود لوكاس، فأخذن يهرولن إلى أعمالهن، ولكن من شدة الصدمة اصطدمن ببعضهن البعض قبل أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه. ضحك لوكاس بتلقائية، ثم هم يكمل مسيره، أراد أن يتجاهل ما قالته الخادمات، لكنه وجد نفسه عند باب غرفة الامير روهان. تردد حين سمع صوت صراخ.
- سموك! يكفي ذلك حقاً. اكتفى صاحب الجلالة من عبثك الصبياني هذا.
- لا أريد شيئاً! دعوني وشاني!
تسمر لوكاس مكانه حين سمع صوت الدوقة لافرتين الرقيق:
- سموك، عليكَ أن تتناول الطعام من أجل استرداد عافيتك، أدويتي لن تعطي مفعولها إن استمريت بفعل ذلك في نفسك.
- قلت دعوني وشأني!
صوت ارتطام هز المكان، ثم فتح الباب، وخرجت السيدة لارا والدوقة والطبيب بين، بدا الجميع في أوج انزعاجهم. تذمرت السيدة لارا:
- رباه! كلاهما يملكان الطباع ذاتها.
لمحت الدوقة لوكاس خلف الباب، تجمد لوكاس مكانه، ولكنها تابعت سيرها كأنها لم ترى شيئاً، انتظر ليثما تلاشت صورتهم في الردهة، ثم نظر نحو الباب متردداً، كاد يطرق حين سمع صوت مارون يقول مهدئاً:
- سيدي! ان لم تتخلص من هذه المشاعر بسرعة فسيعرف الجميع بالأمر.
سحب لوكاس يده، ثم زم شفتيه بقلق، وعاد يطرق الباب، حين خرج صوت مارون:
- من؟
فتح لوكاس الباب ببطئ، ثم أخرج رأسه بذعر، وما جعله مرعوباً أكثر هو نظرات مارون وروهان المذعورة.
- منذ متى وأنت هنا؟
تردد، وضع يده خلف رأسه، وابتسم متكلفاً:
- ليس لوقت طويل!
أشاح روهان نظراته عنه، وعاد يحدق إلى النافذة، فأخفض لوكاس رأسه بخجل، ثم قال:
- سمعت أن سمو الأمير رقيد الفراش، فأتيت لأقدم أمنياتي له بالشفاء العاجل.
ابتسم مارون بلطف، وهتف بسرور:
- شكراً لك سمو الأمير.
فانحنى بأدب، واستأذن بالمغادرة حين خرج صوت روهان ببرود:
- لوكاس!
فنظر لوكاس نحوه بذعر، حين نظر نحو بعينين ثلجيتين وأردف:
- ما حصل اليوم لم يكن موجوداً.
ومض لوكاس عدة ومضات متسائلاً، ثم هم ينحني باحترام وقال:
- أمرك سمو الأمير!
وخرج، ليعود روهان ينظر نحو النافذة، فقال مارون بقلق:
- رباه! سيدي! الثرثرة لا تتوقف عن حالتك! ستتورط الآنسة لافرتين مجدداً بسبب ذلك.
لم يجب، فعاد مارون يحفزه:
- ألا يقلقك أمرها؟
قبض على يده بشدة، وعض على أسنانه، ثم قال بانزعاج:
- أنتَ لا تفهم يا مارون، الجهة الشرقية من المملكة في خطر محدق، والملك يرسل ليـــون ليحقق في ذلك. هل تريدني أن أقف مكتوف اليدين؟!
- لكن سيدي لا يزال مصاباً، لا يمكنك أن تذهب هناك، إن كنت حقاً تريد ذلك فعليك أن تستعيد عافيتك أولاً.
بدا أن مارون حشره في زاوية، فتراخى جسده، وارتمى على وسادته، وغطا عيناه بذراعه.
- تبا لك مارون! تبا لك!
ابتسم مارون بمكر، ثم قال بمرح:
- أنا دائماً بالخدمة سيدي!
...

2019/11/08 · 281 مشاهدة · 1195 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024