في المنطقة الشرقية، حيث تتربع الأكاديمية الملكية على أعلى التل، يقترب القائد ليون بفرقته الاستطلاعية، متجهين نحو القرية الصغيرة القريبة. عينا ليون تعم بالثقة، يسير خلفه مجموعة تعد على أصابع اليد، توقف الجميع عن أعمالهم وهموا بالنظر إلى هؤلاء الجنود، الأطفال يحومونهم بكل اتجاه سعيدين بهذا المشهد النادر. بينما بدا على البعض القلق.
- إنه ليس سمو الأمير!
- اذا لم يكن سمو الأمير فهل يملك الثقة الكافية لتولي المهمة؟
ابتسم ليون بخبث لدى سماعه كلام المواطنين، هو يعلم تماماً أن هذا ما سيسمعه، لكن ليس باليد حيلة، فالملك لا يستطيع أن يوكل المهمة لولي العهد أنيس، لما بينهما من صراع، ولا يمكنه أن يوكل المهمة للقائد روهان كونه مصاباً، أما من حيث لوكاس، فهو أخذ مكانه بالفعل، لذلك لم يكن باليد حيلة سوا إرساله. وبالرغم من عدم إئتمان الحاكم له، إلا أنه صعد هذه المراتب بمحض قوته، لذلك هو لا يستطيع إنكار ذلك.
وقف حصانه أمام رجل في وسط الأربيعينات، تظهر على ملاحته الفطنة والحكمة، لابد أن يكون المسؤول عن القرية. ترجل ليون، وكذلك ترجل الجنود، لينحني ليون ويقدم احترامه.
- السيد راجاك، مأمور هذه القرية، أتيت بناء على طلبكم. القائد ليون من الفرقة الاستطلاعية المتوسطة.
- هل تمازحني؟!
جاء رده صادماً:
- لمَ لم يأتي سمو الأمير بنفسه؟ أم أن صاحب الجلالة يستخف بعقولنا.
ابتسم بمكر، ثم رفع رأسه وحافظ على رصانته:
- سمو الأمير مصاب لاشتباكه مع جواسيس الآموري، لذلك لم يستطع المجيء.
ظهرت علامات الذعر على الجميع، جو من التوتر رقص في الأرجاء، حين همهم السيد راجاك يستعيد اتزانه.
- أن يقوم سمو الأمير بأمر خطير كهذا!
ثم نظر نحو القائد ليون وقدم احترامه:
- اعذر وقاحتي أيها القائد ليون، لكن هل سمو الأمير بخير؟
- سمعت أنه خرج من الحالة الخطرة، وهو تحت العناية المركزة.
- حمداً لله.
قال بارتياح، بينما كان على ليون أن يقول ذلك مكرهاً، وإلا فلن يكسب ثقة أهل القرية، وإن فشلت مهمته فبالتأكيد هذه فرصة الملك لتخفيض رتبته.
- والآن هلا أخبرتنا بما يحصل هنا؟
أخذ أحد الجنود المبادرة بالسؤال، بينما كان ليون شارداً بأفكاره، فهمهم المأمور راجاك، وقال:
- اتبعوني!
سار بهم نحو منزله، بيت من الطين، متوسط الحال، استقبلهم في غرفة الضيوف، وقدمت زوجته لهم الشاي، ثم قال:
- مؤخراً فقدنا الكثير من الفتيات اليافعات.
نظر الجنود نحو بعضهم البعض بدهشة، فسأل ليون:
- هل يمكنك أن تقدم التفاصيل؟
هز راجاك كتفيه، وقال:
- لا أعلم حقاً، في كل ليلة قبل المغيب، تذهب النساء إلى النهر القريب من الغابة بجوار الأكاديمية، وحين يعدن يلاحظن اختفاء واحدةِ منهم.
- وهل تكرر الامر أكثر من مرة ولا زلتم تذهبون إلى هنا؟
هتف أحد الجنود بفزع، فقال راجاك بهدوء:
- في البداية لم نلاحظ الأمر، ولكننا في المرة التالية طلبنا منهن الانتباه لتفاصيل الاختفاء، لكننا لم نكتشف شيئاً، امتنعن السيدات عن الذهاب، ليصل إلى مسامعنا أن فتيات الأكاديمية أصبحن المستهدفات.
نظر الجميع إلى بعضهم، لا يفقهون شيئاً، حين فكر ليون وقال:
- تعني أن نساءكم لم يكن المستهدفات في الأساس، بل فتيات الأكاديمية.
- الحقيقة، أن الفتيات الثلاثة اللواتي اختفين كن سيتوجهن للأكاديمية العام القادم، لذلك يمكن اعتبار أن فتيات الأكاديمية هن المستهدفات.
- مهلاً!
هتف ليون:
- وكيف عرف المختطف أنهن سيذهبن للأكاديمية؟
- ربما من ثرثرتهن، فهن بالعادة يتحدثن عن التحاقهن بالأكاديمية حين يجتمعن.
تنفس ليون بعمق، ثم نظر إلى الجندي الذي بجانبه، بدا على الأخير القلق، حين سأله:
- ما الذي تعتقده يا إدوارد؟
نظر إدوارد ملياً نحو ليون، وقال:
- ربما هم مجموعة منظمة من قبل أحدهم، فكما تعلم أن المملكة هوجمت سابقاً من الجواسيس.
أطرق ليون رأسه مفكراً، بدا ذلك منطقياً، ربما يكون هجوماً آخر من مملكة رامون، من يدري، هم انسحبوا مؤقتاً لكنهم بالتأكيد يشتاطون غيظاً لمعرفة سر قوة المملكة.
- أيها القائد!
قالت جندية وحيدة بينهم، فنظر ليون نحوها منتبهاً:
- كما أذكر أن الآنسة لافرتين موجودة في الأكاديمية.
ازداد الذعر في عينا القائد، تلك الفتاة قلب المملكة، إن حصل لها مكروه فبالتأكيد سيخسر رأسه، هو يذكرها بالتأكيد، فهي تلك الفتاة التي أنقذت عائلة لافرتين من خطأ كاد يرتكبه سيل في توجيه سيفه المسموم نحوه.
لم يفهم راجاك شيئاً من ردة الفعل تلك، لكنه سأل بسذاجة:
- من تكون هذه الفتاة؟
لم يستطع أحد الإجابة، حين نهض ليون وقال بحزم:
- علينا أن تنقفد المكان أولاً.
فنهض المأمور، وقال:
- بهذه السرعة! حسناً، سأريك المكان.
وهموا نحو الغابة، حيث يجتمعن فتيات القرية، المكان لطيف في وضع النهار، النهر يسيل بانسياب، لمعات كجواهر الماس تومض على خيوطه الشفافة مع انعاس أشعة الشمس، وستائر ذهبية تندمج مع ستائر مخضرة تنعكس على العشب، زهور الأقحوان البيضاء تداعب الصخور الضخمة على ضفاف النهر، وأشجار كثيفة غزيرة بالأوراق، ما تجعل أغصانها مكاناً مناسباً للاختباء.
تفقد الجنود المكان بعناية، فقالت الجندية:
- ولكن، ألا يوجد أمر غريب!
- ما الذي تقصدينه يا إميلي؟
سألها ليون بامعان، لتجيب:
- ان كان هدفهن المتجارة بهن، فهم يمكنهم اختطاف أي فتاة كانت، لكن أليس استهدافهن لفتيات الأكاديمية يجعل الأمر أكثر غرابة!
علق إدوارد مؤكداً:
- تقصدين أنهم يعلمون سر المملكة بالفعل وهم يستهدفون شخصاً بذاته.
- ربما، إنه مجرد افتراض.
شعر ليون بالقلق، هل من المعقل أن يكون المختطف عالماً بسر المملكة، إن كان كذلك فهم في خطر جسيم. ولكن من يمكن أن يفعل ذلك؟! إن كان حقاً فلم يكن على مملكة رامون الانسحاب في الوقت الراهن.
- ربما ..
علق إدوارد:
- هم يضعون احتمال أن الأكاديمية لها علاقة بسر المملكة، هم غير متأكدين، ذلك ما يجعلهم يختطفون فتيات الأكاديمية.
- تعني ..
سأل ليون:
- لاستجوابهن؟
- ربما ..
ارتسم الذعر على وجوه الجميع، راجاك أيضاً شعر بالقلق رغم أنه لا يفقه نصف ما يتحدثون عنه. الجميع يعرف ما يعنيه الاستجواب، يعرفونه بحذافيره المفصلة!
فكر ليون قليلاً، ثم قال:
- لنذهب للأكاديمية ونتحقق من الأمر.
...

2019/11/08 · 291 مشاهدة · 905 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024