الحراسة في الأكاديمية مشددة للغاية، لولا أن ليون يملك كتاباً رسمياً من الملك ولكان طرد بالفعل، الحراس في كل مكان وفي كل زاوية، ومع ذلك اختطفت فتاة من هنا بالفعل!
تقدمت رئيسة مجلس الطلبة منهم عندما دخلوا قاعة الاستقبال، بدا وجه نتالي شاحباً، لكنها حافظت على نظرة الهدوء في عينيها، وجهها جامد بشكل جدي، بالكاد تحرك عضلاته، يعم المكان جو خالٍ من الحيوية، لكن الفتيات ظهرن من الشرف العلوية للقاعة حيث خرجن من غرفهن متطلعات للرؤية الرجل الذي أتى من القصر لانقاذهن.
- يا لها من خلية نحل!
علق إدوارد بدهشة، عنقه آلمه وهو يحدق في هذا الفيضان الهائل من الفيتات، حين لكزته إيميلي منبهة، ليسعل في محاولة لتمالك نفسه.
انحنت نتالي وقدمت احترامها:
- أيها القائد، إنه من المريح رؤيتك هنا!
- سمعت أحداثاً مؤسفة حصلت هنا مؤخراً.
أومأ برأسه بحزن، لكن الفتيات بدون في خيبة أمل، ظنن أن أميرهم من سيأتي لمساعدتهن، ولكنهن لا يجدن أثراً له. شعر ليون بضغط كبير، فقال محاولاً الفرار:
- هلا بدأنا التحقيق الآن؟!
- بالتأكيد أيها القائد.
سارت معهم نحو غرفة المجلس، الضغط أصبح أقل، فشعر بانه يستطيع التنفس الآن، جلسوا على الأرائك المجاورة للمكتب، بينما جلست نتالي خلف المكتب تقف بجانبها كاثرين وجولييت، وجههما جامد، لا يظهر أي مشاعر.
عقدت نتالي كفيها أسفل ذقنها، وقالت:
- اختطفت للآن ثلاث فتيات، اثتنين من القرية وواحدة الليلة الماضية من الأكاديمية، ربما يعرف القائد ئلك مسبقاً.
هز رأسه بأن تكمل كلامها، نظرت نحو جولييت وكاثرين بتردد، ثم نظرت نحو القائد ليون، عيناها فارغتين من أي شعور، ثم قالت: بصوت يشوبه الذعر:
- الفتاتان عثر عليهما مقتولتان بجانب الأكاديمية.
نظر كلاً من إدوارد وليون وإيميلي نحوها بدهشة. وسأل إدوارد بذعر:
- ماذا؟
بدا سخيفاً بسؤاله، بالتأكيد هو سمع كلامها جيداً، لكن التصديق أمرٌ صعب.
- هل تعرف عائلاتهما عن ذلك؟
سأل ليون برصانة، ترددت نتالي قبل أن تهز رأسها بالنفي، فسرح ليون مفكراً، ثم قال:
- والثالثة؟
همست:
- إنها الآنسة لافرتين.
الدهشة اخترقت قلوبهم، نظروا نحوها بذعر، كما لو رأوا وحشاً هائجاً، وقع الكلمة في أوصالهم جعلتهم غير قادرين على الحراك، جرى بأثره صمت خانق لبضع دقائق، ثم سأل ليون بتردد:
- المعذ ... رة؟
تراجعت نتالي في جلستها، ونظرت نحو ببرود، ليسأل إدوارد:
- ولكن هل برأيك يعلم الخاطف بأهمية تلك الآنسة؟
فأجابت بجمود:
- لا أعتقد ذلك، لذلك لا ضمان ببقاءها على قيد الحياة.
وهذا ما كان يخشاه، إن قضية تلك الفتاة هي أكبر بكثير مما يستطيع تحمله، وها قد تورط معها، إن تلك الفتاة مهملة ومليئة بالمخاطر، كم مرة تعرضت لمحاولة القتل والخطف حتى الآن؟ ولأنها فقدت صوتها منذ زمن طويل فمن يمكنه أن يكتشف ذلك. شعرت نتالي بالتساؤلات الموجودة في ذهن ليون، فقالت موضحة:
- الآنسة لافرتين آخر من يخرج من قاعة الدراسة، لذلك لم يكن أمامه سواها ليخطفها، الأمر الذي يجعل قتلها أمراً محتوماً.
هي محقة، اذا لم تكشف هويتها فإن قتلها سيصبح أسرع فقط، وكونها لا تتكلم فهي لا تستطيع حماية نفسها بالمفاوضات، أو أقل ما يمكن أن تبطئ قتلها على الأقل.
- أيها القائد!
أيقظته إيميلي:
- ماذا علينا أن نفعل؟
ماذا عليه حقاً أن يفعل، كان من الممكن أن تكون القضية أسهل لو لم يتعلق الأمر بالآنسة لافرتين، أما الآن إن أرسل تقريراً يوضح فيه أن الآنسة لافرتين من اختطف فلن يبقي على رأسه، حرب أخرى على وشك البدء. وهو ما لا يستطيع احتماله، لكن ان لم يوضح ذلك، فهو لن يثبت وجوده في القصر الملكي وسيكون ما بناه لنفسه عبثاً.
- أيها القائد!
قالت نتالي:
- نحن نتفهم ما يقلقك، لكنني أفضل أن يرسل هذا الأمر للبلاط الملكي.
هل هي مجنونة؟ بالتأكيد هي فقدت عقلها، أن يرسل تقرير بهذا الأمر إلى البلاط الملكي فهو انتحار، هل تحاول أن تزعجه؟ اذا كان هذا الأمر فبالتاكيد هي تجاوزت حدودها.
وقف ليون بوجه جامد، وقال ببرود لا تلمسه أي عاطفة:
- علينا أن نعثر عليها قبل كل شيء.
نظرن كلا من كاترين وجولييت نحو بعضهما بدهشة، بينما ارتسمت على نتالي علامات الشك في عيونها، هل أحضروا إليهم صبياً ام ماذا؟ هذا الحاكم غير معقول؟ أن يرسل غلاماً غير مكتمل النمو ليحل قضية ملكية، ربما أصاب الحاكم الخرف فعلاً.
...
لا أحد يعرف أين الآنسة لافريتن سوى الآنسة لافرتين نفسها، لكنها حقاً لا تعلم مكانها، هي استيقظت لتجد نفسها مكبلة بحبال ثقيلة، ما إن استيقظت حتى وجدت الظلام الدامس، رائحة عفنة اقتحمت أنفها الحساس، هي بالفعل ترغب بالموت على أن تستمر بشم تلك الرائحة. فتح ثقب من النور، حين دخل مجموعة من الرجال الأشداء، هي لم ترى سوا ظلال سيقانهم الضخمة، وأحذيتهم الجبلية، لكن حين شعرت بيده الضخمة الخشنة تمسك ذقنها وتسحبها إليه رأت وجهه من خلال الشعلة التي بيده الأخرى، ليصيب قلبها الكثير من الذعر.
- انظر لما وجدنا.
قال الرجل الذي يمسك ذقنها:
- اذا كانت فتيات تلك البلاد بهذا الجمال، فماذا ستكون ابنة الحاكم؟
ضحك الرجال خلفه، يمكن عدهم بأنهم من ثلاثة إلى خمسة، لكنها فهمت ما يسعون إليه، هم يريدون الأميرة! لكن الأميرة تزوجت حقاً وهي الآن في مملكة جاكوب، هل يعلم هؤلاء ذلك؟ الحاكم حقاً ذكي فيما يتعلق بالخطوة السباقة.
سمعت صوتاً:
- دعني أرى!
وطار وشاحه عبر النور ليكشف ظله، الأنوار خافتة، يمكنها رؤية ظلالهم فقط من خلال المشاعل التي يحملونها، تشعر بقلبها بارداً كالثلج كلما فكرت بأنهم يستطيعون حرقها في أي لحظة.
ترك الرجل ذقن نورس، فأخذت تلهث بصعوبة، لا تزال تلك الرائحة القذرة داخل أنفها، حين أمال عليها الضوء، ابتسامة مخيفة ارتسمت على وجهه، حين سأل:
- أخبرتني أن هذه الآنسة لا تتكلم أليس كذلك؟
فعلق أحدهم معترضاً:
- ما فائدة ابقاءها حية حتى الآن إن لم تكن تتكلم أساساً.
فاتسعت ابتسامة الرجل، بينما حدقت نورس في وجهه بتحدٍ، ثم قال:
- ألا يجعلها ذلك أكثر أهمية؟
ذكي جداً، هو حتماً شخص محنك، إذا فرغبتهم بخطف الأميرة هو تكتيك لأمر أكثر خطورة، بدأت نورس تفهم، لكن حقيقة أنها ستموت عاجلاً أم آجلاً تجعل جسدها يرتجف.
- مهلاً!
خرج صوت رصين:
- هل قلت فتاة لا تتكلم؟
- سيدي!
وقف الجميع باحترام، عينا ذلك الرجل وحدها لمعت في الظلام، ملامح ظلال وجهه تفضح وسامته، ودخوله المبجل كلها جعلتها موقنة أنه سيد هذه العصابة.
شعلة النور اقتربت من وجهه، لتجد أن ما اعتقدته على صواب، سعلت اثر الرائحة التي ملأت حنجرتها، فضحك أحدهم بسخرية:
- أنظر حتى أنها تسعل دون أي صوت.
- هذا غريب حقاً!
ضحكوا، بينما طعنوا قلبها أسهم مسمومة، عيناها فضحت الحزن الذي لمس قلبها، اعتادت على أن يسخر منها على أنها لا تملك صوتاً، لكن أن يصل الأمر لهذا الحد؟ أليس هذا مبالغ فيه؟
همهم السيد، عيناه الساحرتين ينظرن نحوها بعمق، وكأنه يحاول أن يقرا خلالها، ثم سأل:
- أليست هذه الفتاة هي الأميرة السابقة لهذه المملكة؟
أصاب الرجال الدهشة، وجوههم غير واضحة، ولكن يمكن أن ترى ذلك، جحظت نورس عيناها بذعر، عيناه اللتان تحدقان بها لا تشعرها بالراحة، حين أخذ أحدهم يخفف الثقل الأجواء:
- ما الذي تقوله سيدي، التقطتنا هذه الفتاة من الأكاديمية.
- من الأكاديمية؟!
نبرته العميقة جعلت الجميع يتراجع، ثم ابتسم بمكر وهمس:
- يا لها من مصادفة!
ثم أضاف:
- أن يصل حال الأميرة السابقة لهذا الحد.
ابتسم بينما أخفضت رأسها.
- أن نملك عملة نادرة مثلها، بالتأكيد سيصاب الملك بالجنون.
شعرت نورس بجميع أنحاء جسدها يهتز، هي معقودة بتلك القيود، ولكنها تشعر بأنها ستسقط، استدار سيدهم، وقال قبل أن يخفيه النور خارج الغرفة:
- أبقوها على قيد الحياة.
عندما ظنت أنهم ليسوا أشخاص يستمتعون بالفتيات، بل يستمتعون بقتلهم، جعلها ذلك تشعر بارتياح، هي تفضل الموت على أن يلمسها أحد بتلك القذارة، ولكن ابقاءها على قيد الحياة جعلها أشد ذعراً، هم يستطيعون ابقاءها على قيد الحياة ولكن ما الذي يمكن أن يضمن عدم لمسها؟ وبحكم أنها ستستخدم لتهديد الملك، اذا فهم سيفعلون أي شيء ليدبوا الرعب في قلب الحاكم. هي تعرف أهميتها للمملكة جيداً، الأمر فقط أنها لا تستطيع أن تقوله، هي تعرف أنها بكشف هويتها يمكن لها أن تعيش لفترة أطول هنا، لكن ليست وهي بكماء، فلو كانت تتكلم لأمكنها التفاوض معهم، على الأقل طلبت الحماية، لكن يبدو أن سيد هذه العصابة شخص ذو شأن، أن يعرف هويتها بمجرد تلميحات! هي خائفة من أن يكون على معرفة بالنزاع الملكي أيضاً، وبالتالي سيعرف تماماً كيف يستخدمها.
ابتلعت ريقها على مضض، فالراحة الكريهة تقتلها، أخذت تهدئ نفسها.
"اهدئي! اهدئي! هو يظن أنك الأميرة السابقة! مما يعني أنه لا يعرف عن الاكسير"
تريد أن يكون ذلك معقولاً، أن يعتقد أن الأميرة السابقة فقط، هل يعني ذلك أنه على علم بالاكسير؟ هي لا تعرف مدى معرفته بالنزاع الملكي السابق، ولكن أن يعرف إلى هذا الحد! أي نوع من النفوذ يملك هذا الشخص.
تنهدت، على الأقل سيبقون على حياتها لفترة، ترجو أن يفقد أحدٌ أثرها ويأتي لينقذها، للحظة شعرت بالارتياح خاصة عند مغادرتهم، ولكن الشغلة في الغرفة طارت مع الرياح، ليأتي الضوء عند البقعة التي أمامها، ما جعل شعرها يهتاج من الذعر كقطة تنفش ذيلها.
أسد ميت يرقد بجانبها ...
اذا هي تعرف الآن مصدر تلك الرائحة القاتلة!
...

2019/11/08 · 326 مشاهدة · 1401 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024