بعد شهرٍ من افتراق شوفين عن رِفاقِه.. كان قد وصل هو وسويكا إلى بُحرية كبيرة جداً وكأنها بحرٌ مُصغّر، وفي وسط هذه البُحيرة.. توجد جزيرةٌ صخرية كبيرة، نظر إليها الاثنان لِبعض الوقت حتى قال شوفين

"هذه الجزيرة معروفةٌ بِالمعادِن الثمينة، ربما نجِد فيها بعض المعادِن النادرة"

كان الاثنان قد مرّا بِأكثر من خمسة عشائر خلال الشهر الماضي، واحتالا على الكثير من الناس، لكن شوفين الآن في وضعٍ ضعيف وليس معه زِنهار، لذلك لم يُزعِج العشائر وإنما تحايَل فقط على أغنيائها، وكان في كل مرةٍ يترُك خلفَه اسم "شوفين من طائفة العقل الأرجح"، حتى سمِع عن هذه الجزيرة فقصدَها للاطلاع على معادِنها.

يُقال بأن هذه الجزيرة لم تكُن موجودة من قبل وإنما سقطَت مِن ثُقبٍ فراغي قبل زمن، ولا زالت تُفاجئ المُنقّبين حتى بعد آلاف السنين من التنقيب، ومؤخراً.. ظهر فيها منجمٌ مليء بالعديد من أنواع المعادِن المُختلفة، لذلك بدأَت الرحلات نحوَها للحصول على حِصّةٍ من الكعكة، وهذا هو سبب قدوم شوفين أيضاً.

لم يتّجِه شوفين مباشرة إلى الجزيرة وإنما اختلى مع سويكا في مكانٍ نائي، انتهى من مُراقبة الجزيرة عبر عينَيه الخارِقتين ولاحظ العديد من القوارِب التي تتّجِه نحو الجزيرة، إضافة إلى العديد من القوات التي وصلَت مسبقاً وبدأت التنقيب، لم يستعجِل بِالذهاب وإنما قال لِسويكا

"دعيني أُجدّد ختم القلب البدائي حتى لا يتعرّف عليك أحدٌ مثل المرة السابقة"

بدأ بِوضع ختمٍ على طاقة قلبِها البدائي، وذلك لِأن البعض قد تعرفوا عليها خلال الشهر الماضي بِسبب تقدّم تطورّ قلبِها البدائي أسرع من المتوقّع، لم يستغرِب شوفين هذا التسارع لِأن السبب الرئيسي كان تلك المغامرات التي عاشَتها سويكا أثناء اقتحام الأخطار للتّحايُل على الأقوياء، وقد تفاعل قلبُها البدائي معها وصار قوياً ويُنتِج طاقة غير عادية، والطريقة الأمثل لها الآن هي فَقص البيضة ومُرافقة الخنفس الذي بِداخِلها على الدوام، لكن البيضة لا تُظهِر أي أَماراتٍ على الفقص في الوقت الحالي، لذلك كان شوفين يقمَع طاقة قلبِها البدائي بِختمٍ مُعين يدوم لِثلاثة أو أربعة أيام.

لا تزال البيضة مُتربّعة بين يدي نُسخة شوفين الروحية داخل الحوض المليء بالدماء، وكانت النّسخة مليئة بِالعروق الدموية ولها شكلٌ بشِع حيث كانت تمتصّ الطاقة الشيطانية دون هوادَة، لكن شوفين قام بِقطع علاقتِه بها حتى لا يتأثر بِما تمتصّه، لذلك كانت مُجرّد نسخة دون وعي في الوقت الحالي، وكانت الأجواء داخل عالم الفراغ قد تغيّرت وصارَت مليئة بِالطاقة المشؤومة، وكانت المنصة هي الوحيدة السليمة بِسبب شُعلة النار الحمراء، بالإضافة إلى الحديقة المعزولة عن عالم الفراغ.

انتهى شوفين مِن وضع الختم على قَلب سويكا فقالَت بِعبوس

"ألا توجد حُلولٌ أخرى غير انتظار فقص البيضة ؟"

التفّ شوفين وابتعد عنها بينما يقول

"للأسف.. لا توجد حلولٌ سهلة في هذه الفترة"

تبِعَته وأمسَكت ذِراعَه وقالت بِتدلّل

"هل حقاً لا يوجد أي حلّ سهل ؟"

ابتسم بِخُبث وقال

"طبعاً.. يوجد حل سهل جداً، لكن.. هل تُريدينه حقاًّ ؟"

ابتهجَت قليلاً قبل أن يحمرّ وجهُها عندما تذكّرت الزراعة المُزدوَجة، لكنّها -رغم ذلك- لا زالت تُمسِك بِذِراعِه، صمتَت قليلاً قبل أن تقول بِصوتٍ مخنوق

"إنه.. أفضل من الوقوع بين أيدي الآخرين، على الأقل.. أنت زوجي"

وراااف~

نقر شوفين رأسَها بِضربة خفيفة ثم قال

"زواجُنا مجرّد تمثيل، هل صدّقتِ نفسك حقاًّ ؟"

طأطأت رأسها ولم تقُل شيئاً، ابتسم شوفين وقال لها

"لكنّك جاريتي، وهذا لا يختلِف كثيراً، أليس كذلك ؟"

استدار وأمسَكها مِن كتِفها ثم وضع يُمناه على ياقتِها وبدأ يفكّ ثِيابها، صرخَت بِتردّد

"ما.. ماذا تفعل ؟"

ضحِك وقال

"لا تقلقي، سأقوم بعِلاجِك جيداً، ألسنا زوجَين ؟"

كانَت حركاتُه وابتسامتُه مُختلفة عمّا ألِفَته سويكا، لكنّها.. ورغم تردّدها إلا أنها لا تُمانِع بِالزراعة المُزدوَجة معه لِأن قلبها البدائي كان يتطوّر بِسرعة وقد يتمّ اكتِشافها وأسرُها بِالقوة، وبِما أن مستقبلها أمرٌ محتوم فالأمر مع شوفين سيكون أفضل لِأن لديه مكانةً فريدة في قلبِها منذ اليوم الذي أنقذَها فيه، وحينها.. كان يستطيع إجبارَها على الزراعة بِسبب ضُعفِها، إلا أنه قد أعطاها مِساحةً واسعة ولم يُجبِرها رغم أنها جارِيتُه ويستطيع التحكّم فيها كما يشاء.

أرخَت نفسَها بعد بعض المقاومة فأمسَكها شوفين وأسندَها على جِدارٍ صخري، لكن.. وفي هذه اللحظة.. سمِع الإثنان صوت انفجارٍ قوي أتي من الجزيرة، اهتزّت البُحيرة وسقطَت بعضُ الصخور من الأجراف حيث كان شوفين وسويكا يختبئان، عبس شوفين وترَك سويكا مِن بينِ يدَيه فكادَت تسقُط على الأرض، قامَت بِسرعة وعدّلت فُستانَها المفتوح قبل أن تنظُر هي الأخرى نحو الجزيرة لِتُفاجأ بِدخانٍ أسود يعمّ منطقة واسعة.

كان شوفين ينظُر عبر عينَيه الخارِقتَين ثم نظر إلى السماء ورأى وحشاً طائراً يُشبِه البعوض، وفوق الوحش كانت تقِف فتاةٌ شابة لها شعرٌ أخضر وتلبِس فستاناً مُبهرجاً، ورغم أنها كانَت تبدو تحت العشرين إلا أن هالَتها كانت توحي بِأنها في قمة مرحلة المجال.

عبس شوفين وزاد قِواه الروحية حتى يَستكشِف حالَها أكثر عبر عينَيه، لكنّه سحب قِواه الروحية فجأة عندما تغيّرت ملامِح الفتاة وبدأت تنظُر هنا وهناك بحثاً عن الشخص الذي يقوم بِمراقبتِها، إلا أنها لم تستطِع تحديد مكان شوفين رغم قوّتِها لأنها لا تملِك مثل قوة شوفين الروحية أو عينَيه الفريدتَين.

عادَت الفتاة لاستكشاف المنطقة أسفَلها قبل أن تُخرِج كرةً سوداء وترميها على الأرض، وبعد ثوانٍ قليلة.. حدث انفجارٌ آخر مثل السابق، التفتَ شوفين نحو سويكا وقال لها

"دعينا نذهب إلى الجزيرة لِأن شيئاً كبيراً سيحدُث قريباً، سنُكمِل العِلاج في وقتٍ آخر"

أخرج الطيّارة وركِبها الاثنان في الوقت الذي كانت فيه سويكا مُضطرِبة بِسبب تغيّر شوفين بِسرعة، لكن الوقت ليس مناسباً أصلاً لِهذا النوع من "العلاج"، لذلك صمتَت ولم تقُل شيئاً بينما يتّجهان بِسرعة نحو الجزيرة.

استمرّت التفجيرات حتى صارَت الجزيرة مليئةً بِالدخان، وهذا تسبّب بِقتل العديد من المقاتلين الذين لم يستطيعوا الهرب، بينما استخدم آخرون أدواتِهم للمغادرة والطيران ريثَما تتّضح هوية الجاني، إلا أن البعوضة الوحشية التي تركبُها الفتاة العشرينية كانت تطير على ارتفاعٍ كبير جداً، لذلك لم يستطِع أغلب المقاتلين استشعار مكانِها.

استمرّت الفتاة بإلقاء القنابِل على الجزيرة حتى أحسّت بِشيءٍ يقترِب منها بِهدوء، نظرَت إليه فإذا هو شوفين وسويكا على الطيارة، لم تتغيّر ملامِحُها عندَما رأتهُ يقصِدها وإنما عادَت لإلقاء القنابل دون حتى النظر إلى ملامِحه، وصل شوفين إلى مكانٍ قريبٍ منها ثم توقّف وبدأ يُراقِب الأماكن التي تقوم بِاستهدافِها، إلا أن رميَها للقنابل كان عشوائياً وليس له هدف، استغرَب مِن فِعلها وسألها مباشرة

"ماذا تفعلين ؟"

كانت الفتاة على وشكِ إلقاء قنبلةٍ أخرى نحو الأرض، توّقّفت ونظرَت إليه ثم رمَت عليه القنبلة التي في يدِها بِسرعة كبيرة، إلا أن شوفين لم يرمِش حتى، ناهيك عن تفاديها، ابتسَم وهو ينظر للكرة السوداء تقترِب منه، وفجأة.. اختفَت الكرة وظهرت بالقُرب من الفتاة بِسبب خيوط النور، تغيّرت ملامِحُها وعمّمت طاقتَها حول نفسِها في الوقت الذي تراجعَت فيه البعوضة الوحشية إلى مكانٍ بعيد، وبِطريقة إعجازية.. استطاعَت الفتاة الهروب مِن الانفجار، لكن البعوضة الوحشية لم تهرُب مِن الإصابة حيث تأذى بطنُها قليلاً.

استقرّت البعوضة الوحشية ونظرَت الفتاة نحو شوفين بِغضبٍ ثم صرخَت عليه

"ما الذي تفعله أيها اللعين ؟"

ابتسم وقال بِهدوء

"أنا ؟
أنا لم أفعل أي شيء، أنتِ هي التي لا تُجيد التصويب"

عبست في وجهِه بِغضبٍ شديدٍ ثم بدأت تتصفّح وجهَه هو و سويكا ثم الطيارة التي يركبُها، قطّبت حاجِبَيها وقالت بِنبرة توحي بِأنها عجوزٌ قد عاشَت لِآلاف السنين

"أنت هو شوفين مِن طائفة العقل الأرجح، أليس كذلك ؟"

اختفَت ابتسامة شوفين ورفع أحد حاجِبَيه ثم قال

"نعم، وأنتِ ؟"

قالت بينما تُخرِج سيفاً رقيقاً أخضر اللون

"أنا داشاي، رقم 73 بين الأعضاء المائة في طائفة العقل الأرجح، تشرّفتُ بلِقائك أخيراً أيها النصّاب"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل التقى شوفين أخيراً بِشخصٍ يستطيع تهديد حياتِه ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/01/28 · 526 مشاهدة · 1157 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024