في الطابق العلوي من منزل راموليا.. جلس شوفين أرضاً وخلفه راموليا وريكو، نزع لِباسَه العلوي ثم أخرج كرة دموية مشعّة تتدلّى منها عشرات من العروق الرقيقة وقال
"هذه هي عروقي الزوالية مع وعاءٍ مكسور من جسدي القديم، سأحاول دمجها مع جسدك القديم يا ريكو، لكن العملية مؤلمة ومرهقة وتحتاج في العادة إلى خبيرٍ مُساعِد، لذلك سأعتمِد عليكما لِمدّي بالطاقة اللازمة للعملية"
عبست راموليا لأنها تملك فكرة تقريبية حول ما يفعله، لذلك أخرجت بعض أحجار الطاقة حتى تستخدمها للضرورة، أما ريكو فقد كان مجرّد مساعدٍ عديم الخِبرة.
بدأ شوفين تنفيذ عملية الزرع بعد أخذ نفسٍ عميق، وضع الكرة الدموية تحت السرّة واعتمد على طاقة الاثنين لامتصاص العروق، وهذه العملية وحدها أخذت أكثر من نصف ساعة، وبعد امتصاصها.. بدأ عملية الدمج وهي الأكثر خطورة لأنها قد تتسبب في تخريب وعائِه غير الناضج.
يولد الجميع مع وعاءٍ غير ناضج، ومع أنه يستحمل الطاقة إلا أنه لن يُصبح وعاءً حقيقياً حتى يصل تدريب الشخص إلى مستوى تهئية الوعاء والذي هو آخر مستوىً في مرحلة البناء، والآن.. يحاول شوفين دمج وعاءٍ قديم سبق ووصل إلى ارتفاع خيالي في التدريب مع وعاءٍ غير ناضج، وهذه كانت مغامرة كبيرة ومقامرة بمستقبل جسده الجديد.
تصبّب جبين شوفين بالعرق بسبب الألم الذي يحسّ به، ناهيك عن شعورِه بالفشل والرغبة في الإغماء، لكنه استحمل العملية وواصلها لأن أي إغفاءة قد تتسبب في فشلِها، لذلك استحمل واستمرّ لأكثر من ساعتين قبل أن يبتسم بصعوبة ويقول بصوتٍ ضعيف
"لقد ... نجحت"
قال هذا ثم استلقى أرضاً فسقط الاثنان على الأرض أيضاً، وبعد فترةٍ من الزمن.. استعاد الثلاثة نشاطهم فقال ريكو
"ما الداعي لهذه العملية الخطيرة ؟"
ابتسم شوفين ومدّ مِعصمه نحو راموليا ثم قال
"دَع الخبيرة تكتشِف ذلك"
عبست راموليا وأمسكت مِعصمه ثم قاست نبضه بعناية، وفجأة.. تغيرت تعابيرها وقالت بِصدمة
"تهئية الوعاء ... لقد وصلتَ إلى مستوى تهئية الوعاء"
ابتسم شوفين وقال
"كلامك صحيح لكنه ليس دقيقاً، كل ما فعلتُه هو تخطي بعض المستويات دون تدريب حقيقي"
صمت الاثنان وظهرت عليهما علامات عدم الفهم فقال
"تتكوّن مرحلة البناء من ثلاث مستويات رئيسية وهي تعزيز الجسد، تقوية الروح وتهئية الوعاء، بالنسبة لي.. ليست هناك حاجة لإعادة تدربي على مستوى تقوية الروح، أما تعزيز الجسد فلم أبدأ فيه بعد، لكني انتقلت مباشرة إلى المستوى الثالث وقمتُ بتهئية الوعاء من بناءٍ وتوسيع وتعزيز، وهذه العملية تأخذ في العادة وقتاً طويلاً، لكني اعتمدت على وعائي القديم، لذلك كان سهلاً رغم أني لا أستطيع ملأ وعائي بالطاقة قبل تعزيز الجسد"
قفز ريكو عالياً وقال بسعادة
"سيد ... سيد، كنوزك القديمة رائعة حقاً، هل لديك شيء مفيد لي ؟"
لوى شوفين فمه وقال
"لم يكُن معي غير بعض القِطع المدمجة مع جسدي، مثل جوهرة التخزين التي منحتُها لك، وحجر التصوير، وبعض القِطع التي لن تُفيدك"
اتّسعت عينا راموليا وقالت باستغراب
"حجر التصوير كان مُدمجاً مع جسدك القديم ؟"
أخرج شوفين حجر التصوير وقال
"هو في الحقيقة مُبرمج مع عيناي القديمتين حيث يقوم بِتسجيل كل ما أراه، وبِما أن مساحتَه كبيرةٌ جداً فهو لن يمتلئ حتى لو سجّل ما أراه في عدّة قرون"
وضع الحجر على جبهتِه وضخّ فيه بعض الطاقة فاختفى، ابتسم وقال
"أستطيع استخدامه الآن بما أني قد استعدتُ طاقتي"
أخرج بعدها عظمة طويلة وقسّمها على اثنين ثم أعطى نصفها لراموليا وقال
"هذه هي العظمة الوحيدة التي استطعتُ استخراجها من جسدي السابق، وبمجرّد صقلِها.. ستنتقلين مباشرة إلى مرحلة بناء العظم من مستوى تعزيز الجسد، لكن لا تصقليها حتى ترفعي طاقتك وتدخُلي رسمياً في مستوى تقوية اللحم، اختاري غرفة فارغة وابدئي تدريبك"
تجمّدت راموليا في مكانها لبعض الوقت قبل أن تسأل
"ما هو نوع الطاقة الأفضل لهذا الجسد ؟
هل سأتدرب على عنصر الرياح من جديد ؟"
ابتسم شوفين وقال
"لا تفكّري في هذا الآن ولا تتدرّبي على أي تقنية، فقط اهتمي بمستوى تعزيز الجسد، وبما أنك متدرّبة سابقة فلن تحتاجي إلى الكثير من العمل على مستوى تقوية الروح، ما يعني بأنك ستدخلين قريباً في مستوى تهئية الوعاء، حينها سأعطيك تقنية مناسبة"
ابتسمت عندما شعرت بأن كل شيءٍ يصير سهلاً تحت تخطيط هذا الرجل، لذلك انحنت باحترامٍ قبل أن تدخل إلى غرفة فارغة وتُغلق الباب خلفها.
دخل شوفين أيضاً إلى غرفة أخرى وواصل تعزيز الوعاء لأنه تم إنشاؤه حديثاً وبطريقة مليئة بالمخاطر، لذلك سيأخذ بعض الوقت حتى يستقرّ، لكنه كان يقوم بصقل العظم في نفس الوقت لتعزيز عظامِه، وساعدَه على التدريب حقيقة أن جسده الجديد كان قد وصل مُسبقاً إلى مستوى توفير الدم، ما يعني بأنه لم يبقَ له إلا القليل لِيصير أحد أقوى الأفراد في عشيرة القمر الأحمر، بل وفي كامل دولة روكسيا، لكنّه لا يُخطّط لإظهار مستواه، خاصة أنه سيحتاج إلى إعادة تدريب جسدِه الجديد على تقنيات قتالٍ مناسبة، ناهيك على أن جمع الطاقة اللازمة لِيصر في مستوى الشيوخ سيحتاج منه وقتاً وموارد كثيرة.
الكل في الكل.. كانت هذه المرحلة من تدريب شوفين مليئة باللخبطة، ولولا أنه خبير قديم لما نجا من الوقوع، لكنه لم يخشَ شيئاً لأنها لا تزال في نظره مجرد لعب أطفال ولا يستحق حتى أن يُسمى تدريباً.
مرّت عشرة أيام بعد عُزلتِه، فتح عينيه ونظر إلى العظمة وكانت قد اختفت تقريباً، ابتسم ووقف ثم أخرج قطعة معدنية سوداء شكلُها قريب من عملة قديمة وعليها رموز غريبة، نظر إليها ببعض العواطف ثم وضعها على صدرِه وحقنها في عظم القص في صدره، وكانت هذه آخر القِطع التي أخذها من جسده القديم وعملُها هو إخفاء تدريبه عن الآخرين، ولن يستطيع أحدٌ اكتشاف تدريبه الحقيقي ما لم يكُن شخصاً قوياً جداً، وهذا النوع من المقاتين لن يوجد حتى في القارة العظمى.
اغتسل وغيّر ملابسه ثم أخفى تدريبه وخرج تاركاً راموليا في عُزلتِها وريكو نائماً على الأريكة، غادر مُحيط المنزل وبدأ يتجوّل في العشيرة، وكان كلما مرّ بقومٍ إلا وأشاروا إليه بالأصابع، وذلك لأن خَبره قد انتشر في كامل العشيرة بأنه قد ابتزّ الرئيس بين ضيوفه للحصول على منصب الشيخ الضيف، لكن شوفين لم يهتمّ بما يقوله الآخرون وإنما توجّه مباشرة إلى وسط العشيرة حيث المشاريع التجارية.
وصل بعد نصف ساعة إلى مبنى واسع ويتكون من عدة طوابق، دخل وبدأ يتجوّل في جنباتِه حيث كان كل طابق مخصص لنوع معين من السلع، كان الطابق السفلي مخصصاً للمواد الخام مثل أنواع المعادن غير المصقولة والمواد العضوية التي تُستخدم في مُختلف الصناعات، تجول بين المواد واشترى بعضها ثم انصرف.
صعد إلى الطابق الثاني حيث كان مخصصاً للأسلحة المختلفة، ومع أنها أسلحة غير مصنّفة إلا أنها مرغوبة للمقاتلين لأنها مُساعِدة في المواقف الصعبة.
تنقسم الأسلحة مثل الوحوش إلى أسلحة تقليدية وأسلحة قتالية، حيث أن الأولى لا تتفاعل مع الطاقة إلا كما يتفاعل أي معدنٍ آخر، أما النوع الثاني فكل سلاحٍ حسب خصائصه، فمنها مثلاً تلك التي تزداد صلابة بعد ضخّ الطاقة إليها، وأخرى يزداد مداها حسب التقنية المُستخدمة معها، مثل السيف الذي استخدمه الأربعيني لقتل رِفاقه المحصورين معه في مصفوفة شوفين أمام بوابة الكهف، وهناك أسلحة أخرى تزيد من قوة المقاتل نفسِه حيث تكون مصنوعة بطريقة مُتوافقة مع نوع الطاقة التي يستخدمها صاحبه، مثل بعض الجواهر التي تزيد طاقة مستخدمي النار أو الجليد، وبعض الأسلحة التي تزيد من تأثير مستخدمي السموم، ومثل ذلك.
يتم تصنيف الأسلحة إلى عدة مستويات مثل سلاح سُفلي وسلاح عُلوي وسلاح ملكي..، وكل نوع ينقسم إلى أربع فئات وهي نصف، منخفض، متوسط ومرتفع، لكن هذه التصنيفات نادرة في جزر سمهريا حيث لا تكاد تجد سلاحاً سفلياً واحداً من الفئة المتوسطة، وعشيرةٌ ضعيفة مثل القمر الأحمر ليس لديها سوى ثلاث أسلحة نصف سفلية، أي أنها تكاد تكون سفلية، لكنها ستفقد قوتها عندما تتجابه مع سلاح سفلي حقيقي.
لم يهتمّ شوفين بالأسلحة لأنه يمتلك أكثر من خمسة أسلحة سُفلية غنمها من الأربعيني من حادثة الكهف وبعضها في المستوى المتوسط، استمرّ في الصعود حتى وصل إلى طابقٍ مُخصّص للأعشاب النادرة والغالية، ورغم أنه لم يكُن ينوي شراء الأعشاب إلا أنه بدأ يتجوّل في الطابق ويهزّ راسه أسفاً لأن الأعشاب هنا ليست في المستوى.
أثناء تجوّله.. سمع صوتاً ممزوجاً بين السخرية والغضب يقول
"ليس لدينا أعشابٌ لإحياء الحثالات"
التفت إلى الصوت الساخر وكانت صاحبته فتاة متأنقة تلبس فستاناً أحمر يُظهِر نصف صدرِها وثلثي فخذيها، ابتسم وقال
"آسف لأني لم أهتمّ بك يوماً.. آنسة سولان، ومع أني الآن مجرد حثالة إلا أني لا زلت غير مهتمّ بك"
كانت سولان هذه رفيقة شوفين القديم في الدراسة، وكانت قد وضعت عينيها عليه إلا أنه كان أصغر من أن يهتمّ بفتاة خبيرة في العلاقات بين الجنسين، ونفوره تسبّب لها بعقدة نفسية على ما يبدو، وبما أنه قد صار مشلولاً وخصماً مزعجاً للشيوخ فقد أحسّت أنها فرصة جيدة للانتقام، إلا أن شوفين الجديد يملك لساناً حاداً كما يبدو.
احمرّ وجهها بالغضب وصرخت عليه بقوة
"لا تتجاوز حدودك أيها الحثالة، هل تريد مني تأديبك ؟"
قالت هذا ثم أخرجت سوطاً رقيقاً وجلدته بضربة قوية مستهدفة وجهه دون مراعاة ظروفِه كمشلول.