11 - الثاني من اليسار

وووشششش~

أطلقت سولان ضربة بِسوطها نحو شوفين بِنيّة إصابته، لم يتفاجأ شوفين بعد قراءة ذكريات شوفين السابق حيث فهِم وقاحة سولان كونَها حفيدة الشيخ الأول في العشيرة وأكثر أحفادِه محبة بسبب مواهبها، لذلك تستغل وضعها أمام أقرانها وتتنمر عليهم.

في الأساس.. لا يوجد أبناء أو أحفاد في هذا العالم، لذلك يكون الشخص مخيراً عند استلام المولود الجديد بأن يجعله ابناً، خادماً، تلميذاً أو حتى عبداً، ويحدث هذا في الغالب اعتماداً على المواهب المولودة مع المولود الجديد، مثل مزايا جسده وروحه ومدى ذكائه، وسولان هذه هي ابنة ابن الشيخ الأول عبر التبني.

ابتسم شوفين عندما رأى هجومَها واستخدم روحَه مع عينيه فصار كل شيء بطيئاً أمامه، ليس أن الهجوم قد صار بطيئا حقاً وإنما صارت رؤيتُه وسرعة تحليله أسرع بكثير من الشخص العادي، وذلك لأن التحليل يعتمِد على قوة الروح، وشوفين يستخدم عينَين نادرتين تُكمّلان عمل الروح.

تُعتبر القوة الروحية مِن أعظم القوى في هذا العالم، وهناك من يتخصص بها ولا يتبع مسار التدريب العادي، وذلك لأنه يستطيع الهجوم بها والدفاع بِنفس الكفاءة التي يملكها المتدربون الآخرون، وشوفين.. العجوز القديم.. يملك روحاً قوية إلى درجة خيالية، لكنّه لا يستطيع استخدامها بإفراط في الوقت الحالي بسبب تضرّرها بعد طول مكوثِه في الكهف، وإلا لَكان باستطاعته إخضاع جزر سمهريا بِمجرد انبعاثِه.

حتى يستعيد قواه الروحية.. سيحتاج إلى إعادة شحذِها اعتماداً على الممارسة وبعض الموارد النادرة، وإن حاول استخدامها بِتهوّر فقد يتسبب بِإصابة حرِجة لِنفسه وأيضاً لِهذه الطفلة أمامه، ومع أن وضع روحه ليس جيداً إلا أن استعادتها ستكون أكثر سهولة من بنائها من جديد، لذلك لم يكُن مستعجلاً في الوقت الحالي وإنما ركّز على استقرار مرحلة البناء التي صارت مُلخبطة بعد لعبِه في المستويات بطريقة خطيرة.

ابتسم وهو ينظر للسوط المتّجه نحوَه ثم أزاح جسدَه قليلاً نحو اليسار فمرّ السوط دون أن يصيبَه، عبست سولان مباشرة وضربته بضربة أخرى، إلا أنها لم تُفلِح في إصابته أيضاً، وبعد عدة محاولات.. توقّفت ونظرت إليه بِمقتٍ وغضب، وذلك لأنه كان دائماً أقوى منها، والآن قد صار مشلولاً إلا أنه لا يزال الأقوى.

ارتفعت هالتُها وقرّرت أن تُهاجِمه اعتماداً على طاقتِها، إلا أن شخصاً يلبس جلباباً أبيض ظهر أمامها من العدم وصرخ عليها

"سولان ... لا تكوني وقحة مع الشيخ الضيف"

جفلت عندما رأته وشعرَت بالرغبة في البكاء ثم قالت بِتظلّم

"أبي.. إنه هو.. هو من بدأ"

رمقها أبوها بِغضب لأنه كان يُراقب منذ البداية ويعلم أنها هي التي بدأت الشجار، في البداية قرّر ألّا يتدخّل ما دامت الإصابات ستكون بسيطة، لكنه لاحظ أن شوفين لا يزال يحتفظ بِغريزته القتالية رغم أنه مشلول، لذلك قرّر التدخّل لأنه صاحب المتجر وسيكون من السيء أن تستمرّ هذه الحادثة لوقتٍ طويل، خاصة إذا أُصيب الشيخ الضيف بإصابة حرِجة.

التفَت إلى شوفين وقال بِنبرة اعتذارية

"الشيخ الضيف.. أتمنى أن تعذر اندفاع ابنتي"

ابتسم شوفين وكان قد شعر بوجود أبيها ورغبتِه في عدم التدخّل، لكنه لم يحتَجّ عليه لأنه لا يُريد تضييع الكثير من وقتِه، لذلك تجاهل الموضوع قائلاً

"لا عليك سيد أقزين، إنها مجرد فتاة صغيرة"

رفع أقزين حاجِبيه لأن شوفين أصغر من ابنته، هل يعتقد هذا الوغد أنه حقاً شيخ كبير بِمجرد حصوله على منصب الشيخ الضيف ؟

تقدّم شوفين نحوه وقال

"في الحقيقة.. لقد أتيتُ لِزيارتك في موضوع مهم، هل تملك بعض الوقت ؟"

تنهّد أقزين ثم قاد شوفين إلى مكتبِه وقدّم له شاي الأعشاب، شرب منه شوفين ثم قال مباشرة

"أريد بيع منزل المعلّمة راموليا مع القمّة بأكملها"

تلألأت عينا أقزين عندما سمع ما قاله شوفين، وذلك لأن منزل المعلّمة راموليا يوجد على إحدى أفضل القِمم في العشيرة، وقد حصلَت عليه كهدية من الرئيس القديم مع رمز مرسوم الطاعة قبل أكثر من مائة عام، وما يُميّز هذا المنزل هو قربُه من وريد الطاقة الذي تعتمد عليه العشيرة لزادة تدريب تلاميذها بالإضافة إلى صناعة أحجار الطاقة البيضاء، ولولا أن راموليا تعلم أن شوفين سيقودُها إلى القارة العظمى ولن يبقى في العشيرة لما وافقَت على بيع المنزل.

رأى شوفين الجشع على وجه أقزين فسبَقه بالقول

"أنا لن أبيعه لك.. سيد أقزين، لكني أتمنى منك إقامة مزادٍ استثنائي في قاعة المزاد الخاصة بك، ما رأيك ؟"

يُعقد المزاد مرّتين كل سنة ويحضره الناس من العشائر الأخرى مثلما يزور سكان عشيرة القمر الأحمر المزادات في العشائر الأخرى، لكن منزلاً داخل العشيرة لا يُمكن بيعه لِشخصٍ خارجي، لذلك لن تكون هناك مشكلة في إقامة مزادٍ استثنائي قبل الموعد.

ابتسم أقزين بِحرج لأن شوفين استطاع معرفة ما كان يفكّر فيه حيث أراد خداع الطفل أمامه وشراء المنزل بسعر منخفض قبل أن يُعيد بيعه، أخذ رشفة من الشاي ثم قال

"خمسة عشر في المائة، نحن نأخذ في العادة خمسة في المائة من سعر البيع، لكن إعداد مزاد استثنائي في غير موعدِه سيُكلّفنا كثيراً"

ابتسم شوفين وقام مباشرة وهو يقول

"عشرة في المائة، هذا عرضي الأخير، وإلا فسأبحث عن المهتمّين بنفسي وأعقِد مزاداً مُصغّراً لِبيعه"

قال هذا واتجه مباشرة نحو الباب وكأنه غير مهتم، عبس أقزين قليلاً قبل أن يقول

"موافق، أفرِغه بعد ثلاثة أيام حتى أُرسِل إليه فريق التقييم"

خرج شوفين دون أن يقول شيئاً، أرسله أقزين بعينيه وفي قلبِه حيرة لا مثيل لها بسبب ثقة وهدوء شوفين والتي لا تبدو أنها صادرة من طفل عاش أقل من ست سنوات في هذا العالم.

خرج شوفين من مكتب أقزين وبدأ بالنزول حتى مرّ بِطابق الأعشاب، وهناك.. لاحظ وجود شخصٍ مألوف يتصفّح قسم الأعشاب النادرة، ابتسم واقترب منه دون أن يلاحظه، وقف الشخص المألوف أمام صندوق زجاجي داخله خمسة عروق عشبية تُشبه الجزر الجاف، وتنبعث منها رائحة قوية تجعل الشخص مُنتعشاً رغم أنها محجوزة داخل الزجاج، وقف الشخص طويلاً قبل أن يقرّر

"أعطني هذه في أقصى اليمين"

سارع التاجر المسؤول باحترامٍ وفتح الصندوق بسرعة، لكن صوتاً قاطعه من الخلف قائلاً

"خُذ الثاني من اليسار.. سيد واريان"

كان هذا هو الكيميائي واريان الذي سبق وعالج قدم شوفين وترك في نفسه انطباعاً جيداً، استدار الكيميائي واريان وتعرّف على شوفين بسرعة، مع أنه في العادة كان سينساه لأنه مجرد طالب عادي، لكن شوفين كان تلميذ المعلمة راموليا والذي حصل على منصب الشيخ الضيف بطريقة عجيبة، لذلك حُفِرت صورته في ذهن الكيميائي واريان.

ابتسم وهو ينظر إلى قدم شوفين ثم قال بسعادة

"لقد شُفيت، هذا رائع"

اقترب منه شوفين وقال بابتسامة واسعة

"هذا بسبب براعتِك.. سيد واريان، هل تُريد صناعة حبّة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات ؟"

تُعتبر حبّة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات من أغلى الحبوب التي يستهدِفها متدرّبي مستوى تعزيز الجسد، وهي مطلوبة للأشخاص الذين حصلوا على مولود جديد لأنها ستُفيد المولود بتسريع تدريبه، وسمّيت بالثلاث تحوّلات لأن تأثيرها يبقى في الجسد ويساهم في مرحلة تقوية اللحم، وبعد الانتهاء ستُفرِج عن المواد المطلوبة لتقوية العظام، وفي الأخير ستجعل مهمة خلق احتياطي الدم سهلاً على المتدرب فيما يُعرف بمرحلة توفير الدم.

المشكلة الوحيدة هي أنها صعبة على الكيميائيين لِدرجة أن من يستطيع صُنعها يُمكِن عدّهم على رؤوس الأصابع في دولة روكسيا، ولأنه سعر موادّها مُرتفع بعض الشيء فقد تردّد الكيميائي واريان أثناء اختيار المواد، خاصة أنه كان يفشل في كل مرة، ليس بسبب قلة خبرته وإنما بسب سوء اختياره للمواد.

تغيّرت تعابير الكيميائي واريان عندما سمع اسم الحبة التي يُحاول صُنعها على لسان شوفين، وقبل أن يسأل.. قال شوفين

"مُشكلتك ليست فقط في الاختيار الخاطئ لعروق النبع الصافي، بل لديك أيضاً مشكلة في زهرة عِشتار وفِطر الليل الماطِر"

ارتجف الكيميائي واريان بشدّة هذه المرّة، ليس فقط لأن شوفين كان يعرف محتوياتِ مثل هذه الحبّة الطبية النادرة، وإنما لأنه قد تحدّث معه عبر التخاطُر الذي يُعتبر من الأساطير تقريباً، فحتى تستخدم التخاطر.. يجب أن تكون لديك روح قوية جداً، وهذا المستوى لن يصل إليه مَن لم يدخُل في مرحلة إنشاء المجال على الأقل.

ابتسم شوفين ثم أكمل

"عروق النبع الصافي خادعة جداً أثناء تحديد عُمرِها، والموجودة أمامك عُمرها أقل من مائة سنة، والثاني من اليسار هو الوحيد الذي تجاوز المائة عام، أما زهرة عِشتار التي قُمت باستخدامها في صقلِك الأخير فقد أصابها الضوء أثناء نموّها، لذلك فقدت قوّتها، ونفس الشيء بالنسبة لِفِطر الليل الماطِر والذي يبدو أنك قد قطفته بِنفسك ولم تُتِح له الفرصة لِطرد الغاز منه، ضعه في الظلّ ودَعه يجفّ لِثلاثة أيام قبل استخدامِه"

أوقف شوفين التخاطر ثم ابتسم وقال بصوتٍ مسموع

"هذا حدسي فقط، فأنا لست خبيراً في الكيمياء بعد كل شيء"

ضحك قليلاً قبل أن يستدير ويُغادر بينما كان جبين الكيميائي واريان يتعرّق، كيف استطاع شوفين معرفة كل ما فعله في صقله الأخير ؟
هل يُحتمل أن يكون قد تجسّس عليه ؟
لكن.. ما بال هذه المعرفة الخارقة التي يملِكها في الكيمياء ؟

وقبل أن يستفيق من جُمودِه.. سمع صوت شوفين مرة أخرى في عقلِه يقول

"زُرني متى شئت في قمّة الشيخ الضيف وسأمنحُك بعض الفوائد، لكن.. دَع هذا بيني وبينك"

عاش شوفين لوقتٍ غير معلوم، ولديه الكثير من الخبرات، لذلك كان من السهل عليه أن يعرف الحبّة التي يحاول الكيميائي واريان صنعها اعتماداً على رائحة المواد على ثيابِه، ومع أن هذه الرائحة قد تبدو للأشخاص العاديين مجرد رائحة أعشاب لطيفة إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لكيميائي خبير مثل شوفين.

تصلّب الكيميائي واريان لبعض الوقت قبل أن يتنهّد ويقول للتاجر

"الثاني من اليسار.. أعطنيها"

2020/01/09 · 773 مشاهدة · 1407 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024