135 - النيازِك الفراغية

"أتمنى أن تقبَل ضيافتَنا في السفينة كتعبيرٍ عن أسفِنا"

نظر شوفين نحو الأربعيني لِبعض الوقت قبل أن يبتسِم ويقول

"أنا شوفين، مُتدرّبٌ جوّال"

ابتسَم الأربعيني وعرّف عن نفسِه أيضاً

"أنا باهان من عالم البحر الضبابي، أقوم بِجولةٍ مع تلاميذي حول العوالم القريبة لِتجربة الحياة، سيكون فخراً لهم أن يُصاحِبوا شاباً جوالاً مثلك"

تغيّرَت تعابير الشاب العشريني عندما زعم مُعلّمه بأن شوفين أفضل منهم، ضحك شوفين عندما رأى هذا وقال وكأنه مُحرَج

"أنا مُجرّد فرخٍ صغير.. سيد باهان، ولا يُمكن مقارنَتي مع تلاميذِك الأقوياء"

قهقه الشاب العشريني وسخر

"على الأقل.. أنت تعرِف مكانَك جيداً"

قطّب باهان حاجبَيه وصرَخ على الشاب

"رافين.. ما هو أوّل درسٍ تعلّمناه قبل الخروج في هذه الرحلة ؟"

لوى رافين فمَه ولم يُجِبه، ومِما يبدو فإنه يَملِك مكانةً أكبر من مُعلِّمه، عبس باهان ونظر نحو الفتاة وكأنه يطلُب منها الإجابة بدلاً عن رافين المغرور، تنهّدَت ثم قالت

"مهما بدا الكتاب عادياً فلا تحكُم عليه قبل أن تقرأه، مهما كان الكائن ضعيفاً فقد يكون قادراً على قتلك قبل أن ترمِش"

نظر إليها شوفين بِعينَين نِصف مُغمضتَين ثم سأل بِاستغراب

"تعاليم الحكيم شيفو، هل أنتم مِن أتباع حركة الفكرة الواحدة ؟"

اتّسعَت أعين الجميع قبل أن يضحَك باهان ويقول وكأنه يتشفّى في تلميذِه رافين

"هل رأيتم الآن ؟
ألم أقل لكن بِأن المعرفة هي القوة ؟
لقد استطاع معرفة انتمائِنا من بِضع كلمات"

عبس رافين واستدار للعودة إلى السفينةِ بينما ابتسم باهان بِحرجٍ ثم قال للشابة التي معه

"صوفين، رحّبي بِضيفِنا"

أومأت نحو باهان ثم تقدّمت نحو شوفين وقالَت بِاحترام

"مرحباً بك"

كان ترحيبُها بسيطاً جداً، لكن شوفين ابتسَم وأومأ نحوَها ثم تبِع الجميع إلى السفينة، قفز التلاميذ إلى سطح السفينة بينما طار باهان بهدوءٍ لِأن المتدرّبين في مستوى #ملك يبدؤون في تعلّم الطيران، وعندما وصل إلى السطح.. شعر بأن شيئاً قد كان غريباً عندما وجَد شوفين خلفَه، وذلك لِأن شوفين قد طار أيضاً ولم يقفِز مثل باقي اليافعين، ومع أن باهان لم يرَ شوفين وهو يطير إلا أن شيئاً قد ضغط على قلبِه، هل يُعقل بِأن هذا اليافع في مستوى #ملك أيضاً ؟

لم يستفسِر باهان مِن شوفين وإنما رحّب به مرة أخرى واقترَح عليه الدخول للاستحمام، وبعد نصف ساعةٍ كان شوفين قد انتهى من الاستحمام بعد أن أرشدَه أصغر الطلّاب وكان طفلاً في الثانية عشر مِن عُمرِه، ورغم صِغرِه إلا أنه كان #متدرب_محترف، خرج شوفين من الحمام فوَجد الطفل في انتظارِه وكان قد أحضر له بعض الملابِس، وضعَها على الأرض باحترامٍ ثم قال

"أخي الكبير.. هذه هي الثياب الوحيدة التي استطعتُ الحصول عليها، أتمنى أن تُعجِبك"

كان الطفل نحيفاً وله شعرٌ أسود قصير وعلى خدِّه جرحٌ قديم، نظر شوفين إلى الثياب وكانَت شبيهةً بالزّي الموحَّد الذي يلبِسُه جميع اليافعين مع باهان، ابتسَم وسألَه

"ما اسمك ؟"

قال الصغير

"نيوفين"

رفع شوفين حاجِبه الأيمن وقال بِصوتٍ مُنخفِض وكأنه يُفكّر في شيءٍ ما

"رافين، صوفين، نيوفين..، لماذا تنتهي جميع أسمائكم بِنفس النهاية ؟"

أعاد نظرَه نحو نيوفين فابتسم وقال

"نحن إخوَة، أرسلَنا الأب مع السيد باهان للتعلّم من الحياة"

هزّ شوفين رأسَه لأنه كان يُفكّر في شيءٍ مثل هذا، وبِما أن نيوفين كان طفلاً صغيراً فقد كان مصدر معلوماتٍ جيد، لذلك سألَه

"لِماذا أرسلكم أبوكم جميعاً في وقتٍ واحد ؟"

تردّد نيوفين قليلاً قبل أن يقول

"الأب تاجرٌ غني يملِك مشاريع عِملاقة في خمسة عوالِم مُتوسّطة وفي عددٍ كبيرٍ من العوالِم المتدنّية، وهو #إمبراطور_متقدم يحترِمُه الجميع، لكنّه تعرّض للخيانة وأُصيبَ بشدّةٍ ولم يبقَ له سوى سنةٍ أو أقل، لذلك أرسلَنا للاحتكاك مع العالم قبل أن نرِثَ أملاكَه"

كان شوفين يلبِسُ بينما يستمِع إلى نيوفين، انتهى ثم اقتربَ منه ومدّ يدَه حتى لمَس خدّه، عبس نيوفين مِن هذه الحركة المفاجِئة وأراد التراجُع للخلف، إلا أنه توقّف عندما سألَه شوفين

"هل يَتنمّر إخوتُك ؟"

تراجع نيوفين عندما أدرَك بأن شوفين يقصِد ذلك الجُرح على خدِّه، طأطأ رأسَه ولم يقُل شيئاً، ابتسم شوفين وقال مازحاً

"أنا أيضاً أملِك اسماً مِثلكُم، هل يُعقَل بأني أحد إخوتِك الضائعين ؟"

كان اسم شوفين ينتهي بِنفس المقطع الصوتي 'فين' مثل نيوفين وصوفين ورافين، قطّب نيوفين جبينَه فضحِك شوفين وقال

"أنا أمزح فقط، هل تُريد منّي عِلاج إصابتِك ؟"

رفع نيوفين رأسَه وصمَت قليلاً قبل أن يهزّ رأسَه ويقول

"حاولَت أختي صوفين عِلاجي بِعنصر الماء مباشرة بعد إصابتي، لكنّها لم تُفلِح في إخفاء الإصابة"

فهِم شوفين بِأنه قد أُصِيبَ خلال الرّحلةِ وليس عندما كان قريباً مِن أبيه، لذلك لم يجِد خبيراً يُعالِجُه غير أُختِه المُبتدِئة، وبِحركةٍ سريعة.. تطايرَت الدماء مِن خدّ نيوفين دون أن يشعُر، تأوّه مِن الألم قبل أن يشعُر بِهالة الخشب تُحيط خدَّه وتُعالِج جُرحَه، حينها فقط استطاع إدراك ما كان شوفين يفعلُه حيث يصعُب عِلاج جرحٍ قديم، لذلك جرحَه شوفين مرةً أخرى ثم قام بعِلاجِه، وبعد ثوانٍ معدودة.. اختفى الألم وسحب شوفين طاقتَه التي كانت جزءاً من الجسد الهلامي المُعالَج بِدمعة الحب من إينجِه.

استغرب نيوفين مِن سرعة شِفاء جُرحِه لِأن طاقة شوفين كانت قوية جداً وذات خصائص عِلاجية مهمّة، ابتسم شوفين ثم قال له

"اِغسِل وجهَك ثم خُذني في جولة"

أومأ نيوفين وسارَع إلى الحمّام لأنه كان يُريد رؤية نَفسِه في المرآة، وبعد تأكُّدِه من اختِفاء جُرحِه.. صار سعيداً وقاد شوفين نحو الأعلى وكأنه أخوه الصغير، صعد الاثنان ولم ينتبِه أحدٌ إلى اختفاء جرح نيوفين لِأنهم لم يكونوا مهتمّين بِه كثيراً، لذلك قاد معه شوفين وعرّفَه مِن بعيدٍ على بعض إخوتِه، لكنّه كان يتحاشى الحديث عن رافين لِسببٍ ما، وهذا جعل شوفين يفهَم شيئاً أو شيئين حول شخصية ذلك الشاب المتعجرِف.

في مقدّمة السفينة.. كان يقِف باهان مع الأربعة الأقوى الذين نزلوا معه سابقاً عند استقبال شوفين، وكان يُمسِك شاشةً ضوئية تستعرِض بعض المعلومات، نظر إليه شوفين من بعيد ثم أخذ معه نيوفين حتى وصل إليهِم، نظر إليه باهان وابتسَم ثم قال

"أنا سعيدٌ لأننا وصَلنا إليك أولاً وأخذَناك معنا، وإلا كُنتَ ستُواجِه مشكلة كبيرة"

قطّب شوفين حاجِبَيه وقال باستغراب

"مُشكِلة ؟"

أشار باهان نحو الأمام وقال

"أمامَنا سِربٌ كبير من النيازِك الفراغية"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سيضَع شوفين عينَه على أملاك أبيهِم ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/11 · 529 مشاهدة · 940 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024