"نيوفين تحت حِمايتي، وإزعاجُه مِثل إزعاجي"

قال شوفين هذا وهو ينظُر إلى رافين الذي لا زال على خدِّه أثر الجُرح السابِق رغم أنه صرَف الكثير مِن الأموال على عِلاجِه، ومع أن تعابير شوفين كانت عاديةً إلا أنه أطلق نيّة قتلٍ قوية جعلَت حتى باهان يعبِس ويكاد يرتجِف، فبالرغم من أن نية القتل ليسَت أكثر من مُجرّدِ هجومٍ روحي، إلا أن مِثل هذه النية الشرِسة لا يُمكِن تكوينُها إلا بعد قتل أعدادٍ هائلة من البشر، وهذا وحدَه جعل باهان يدخُل في صِراعٍ داخليٍّ جديد بِسبب خوفِه من جلب وحشٍ قد يؤذي سيّدَه داوفين، لكنّه خرَج من هذا الصراع الداخلي عندما تذكّر آخر اتّصالٍ له مع داوفين حيث أخبرَه بأن التقنية التي أعطاها له شوفين تبدو واعِدةً وقد تُفيد حالتَه الصحّية الحالية.

كانت حالة رافين هي الأكثر سوءاً لأنه لا يعلم شيئاً عن قوة ومهارات شوفين، ومن تصادُمِهما في ذلك الوقت.. علِم رافين بأن شوفين يستخدِم الطاقة الشيطانية، ولأنّه يعلم بِأن نقابة اليد الذهبية تكرَه الشيطانيّين فقد استغرَب مِن أن أباه قد اتّخذَ شيطانياً كابنٍ له، لكنّه لا يستطيع التواصُل مع أبيه بدون مساعدة باهان، وهذا الأخير ربما لن يُساعِدَه لأنه كان يُسيء مُعاملتَه على الدوام، ما يعني بأن عليه تغيِير تعامُلِه مع باهان أولاً قبل أن يطلُب مِنه دعم قضيّتِه لِيكون الوريث الأول من جديد.

على عكس رافين.. كانت صوفين تنظُر إلى شوفين من زاويةٍ أخرى، حيث بدأَت تعتقِد بأن شوفين كان من البداية ابناً لأبيها، وأنه هو الذي أرسلَه إليهِم للاندماج معهُم، خاصةً أن حادثة الاصطدام بِه في مسار النقل الكوني كانت مُبهمةً كثيراً حيث لم يُصَب شوفين بأي ضرر، كما أن الوحيد الذي رآه كان باهان فقط، ما يُعزّز فِكرة أن يكون بين شوفين و باهان اتّفاقٌ مُسبَق، كما تذكّرَت ما أخبرَها نيوفين سابقاً حيث كان شوفين قد مازحَه بِقول أنه ابن داوفين، بالجمع بين كل هذه الحقائق.. وصلَت إلى قرارٍ بأن شوفين هو الورقة الخفيّة لأبيهِم وأنه الوريث الأول وليس رافين، وهذا أسعدَها بِقدر ما أحزنَها، أسعدها لأن شوفين يبدو أكثر رجوليّة من رافين الصبياني، وأحزَنها لأن آمالها في إرث أبيها قد تبخّرت، ولم يعُد أمامها الآن إلا خيارٌ واحد وهو التقرّب من شوفين لِحصد بعض الفوائد.

كان الجميع يملِكون أفكارَهم الخاصة بينما كان شوفين ينظر إليهِم وهو يحضُن رأس نيوفين، انتهَت موجة نيّة القتل التي دامَت لِأكثر من خمس ثوانٍ ثم نظر شوفين نحو الصغار وقال بابتسامةٍ واسعة

"أنا أرحّب بِالجميع تحت حِمايتي، يكفي أن تنضمّوا إلى فريق أخيكم شوفين وسوف أرعاكُم جميعاً"

عبس رافين أكثر من السابق لِأن شوفين لا يترُك له أي مجال، خاصةً أنه كان يُجبِر الجميع بالقوة والتنمّر بينما فتح شوفين يدَيه للجميع حتى يُسَيطِر عليهِم، لكن ما جعل رُكبتَيه ترتجِفان هو تقدُّم صوفين نحو شوفين وهي تقول

"أنت أفضل مَن يستحقّ إرث أبينا، وأنا أريد دعمَك والعمل لأجلِك، هل أستطيع الانضمام إلى فريقِك ؟"

استغرب شوفين أيضاً مِن ذكاء صوفين التي تُريد العيش داخِل كنف العدو بدل العيش خارِجَه، ما يُعطيها الكثير من الامتيازات مثل الانقلاب عليه إذا وجدَت الفرصة أو الاندماج معه إذا كان أقوى مِنها، لكنّه ما كان لِيجِد أفضل مِن هذه الفرصة للتقرّب منها وإعدادِها للمُستقبل، لذلك أومأ وقال

"بالطبع، فأنا أحتاج إلى فتاةٍ ذكية مِثلك لِتقوية مُؤسّستي"

تقدّمَت بِهدوءٍ ووَقفت بالقرب من راموليا دون أن تقول أي شيءٍ آخر، وما هي إلا ثوانٍ معدودة.. حتى تقدّم ثلاثة إخوةٍ آخرين، أكبرُهم في الرابعة عشر، وآخران فتىً وفتاةٌ في الثالثة عشر، وبِهذا صار فريق شوفين يضمّ خمس إخوةٍ مِن أصل أربعة عشر، لكن قِلّة المُنضمّين إلى شوفين لم تجعَل رافين فرِحاً لِأن فريق شوفين يضم صوفين أيضاً والتي تُعتبر ثاني أقوى أبناء داوفين، كما أن شوفين وحدَه يُعتبر مُشكِلةً كبيرة، ناهيك عن أن الثمانية الباقين يُمكِن أن ينقسِموا إلى ثلاثة فِرق بِسبب توفُّرِهم على قائدَين طموحَين بِقدر طُموحِه هو و صوفين، لذلك كانت مُهمّتُه الحالية هي منع الباقين من الانقسام وإلا فقد يخسر الحرب قبل أن تبدأ.

أومأ باهان بِالرضا على طريقة شوفين وعلِم بأنه يسعى لِاكتساب الحُلفاء المُستقبليّين، خاصة أنه سبق وذكر لِـ داوفين بِأن هُناك مشروعاً يُريد إنشاءَه معه، وبِما أن الأوضاع قد وصلَت إلى هذا فلا يجِب عليه التدخّل في شؤونِه الخاصة، لذلك قال

"دعونا نذهَب الآن حتى لا نتأخّر"

ذهب بهِم إلى نفس المبنى الذي سبق وزارَه مع شوفين للاتصال بِـ داوفين، حيث يحتوي هذا المبنى على بوابات نقلٍ نحو المدن الأخرى، وفي طريقِهم.. كان شوفين يتعرّف على الإخوة الثلاثة المُنضمّين إليه مع صوفين و نيوفين، ومن الظاهِر بِأنّهم كانوا يُعانون من قسوَة رافين أيضاً، كان أكبرُهم شاباً في الرابعة عشر مِن عُمرِه، ومع ذلك كان يملِك ملامِح رجٌلٍ عاش حياةً قاسية، فهِم شوفين بعد سؤالِه بِأنه وُلِد في قريةٍ نائية تستخدِم الأطفال بِتأجيرِهم للعمل في المناجِم والبِناء وغير ذلك من الأعمال الشاقّة، وبعد وقوع نظر باهان عليه.. جلبَه إلى داوفين فأعطاه اسم إنفين.

الطفلان الآخران كانا رقيقَين مثل إينجِه، وهما فتى اسمه كوفين وفتاة اسمها هايفين، وبعد وقتٍ قصير.. صار الثلاثة مُتآلفين مع شوفين مثل نيوفين، أما صوفين فقد كانَت صامِتة كعادتِها، لكنّها لِسببٍ ما.. كانت تقِف دائماً بِالقرب من راموليا، حتى صارَت الاثنَتان مثل دُميتَين جليديّتَين لا تفعلان شيئاً غير المشيء بهدوء خلف الجميع.

وصل بهِم باهان إلى بوابة النقل وقام بِتحديد المكان الذي يرغَب بِأخذِهم إليه، وبعد ساعةٍ أخرى.. خرج الجميع من الطرف الآخر للبوابة وكانت في مدينةٍ جديدة، خرَج بهِم باهان وقال

"نحن لا نملِك حُلفاء في هذه المدينة، لذلك لن أسمَح لكُم بِالتجوّل فيها كما تشاؤون، خاصةً أن أقوى اليافعين سيجتمِعون هنا للمشاركة في مسابقة جمع الترفاس الوحشي"

قال شوفين باستغراب

"الترفاس ؟"

ابتسم باهان لأنه وجد شيئاً لا يعرِفُه شوفين، لذلك بدأ يشرَح

"الترفاس الوحشي هو نوعٌ من الفطريات المُستخدمَة في تقوية الوحوش الأليفة، وينتشِر في هذا العالم كثيراً لِأنه ينبُت في الصحارى، هل هذه أول مرةٍ تسمَع عنه ؟"

هزّ شوفين رأسه وقال

"أنا أعرِف الترفاس بِجميع أنواعِه، لكني فقط تذكّرتُ شيئاً يتعلّق بِه، يبدو أن هذه الرِحلة لن تكون دون جدوى"

قال هذا بابتسامةٍ خبيثةٍ جعلَت باهان يندَم على مُضايقتِه، ومع أنه لا يعلَم ما الذي يُفكّر فيه شوفين إلا أنه يُخطّط لِشيءٍ ما بالتأكيد، وعلى أي حال.. فهو لن يُزعِجه أكثر وإنما التفتَ إلى تلاميذِه وبدأ يوصيهِم على العمل الجماعي لأنهُم سيدخلون وحدَهم إلى أرض المُسابقة، وبعد ساعةٍ أخرى كان قد وصل بهِم إلى فندقٍ كبير وحجز لهُم مكاناً يبقون فيه لِثلاثة أيامٍ قبل أن يحين وقت المسابقة.

لم يبقَ شوفين في الفندُق وإنما ترَك راموليا مع فريقِه وخرَج وحيداً للتنزّه، وبعد عِدّة جولاتٍ في المدينة.. وصل إلى متجرٍ كبير يبيع جميع أنواع المواد الطبية والمعدنية وغيرِها، بدأ يتجوّل بين أرفُف المواد ويشتري هذا وذاك لِأنه كان يُخطّط لِشيءٍ ما بعد سماعِه عن الترفاس، استمرّ في شِراء ما يحتاج إليه من الموادّ حتى وقعَت عيناه على صندوقٍ مليءٍ بِمادةٍ سوداء، اقترَب منه وبدأ ينظُر إليه بِنظرةٍ غريبة، رآه أحد الموظّفين فاقتربَ منه وقال

"هذه مادةٌ غريبة لا ندري ماذا تكون، لكن المدير طلب مِنّا وضعَها هنا لعلّ أحداً يتعرّف عليها"

انحنى شوفين وأخذ قبضةً منها ثم فركَها جيداً قبل أن يبتسِم ويقول

"هل تملِكون غير هذا الصندوق ؟"

تهلّل وجه الموظّف وقال بِحماس

"نملِك خمسة صناديق أخرى، هل يعرِف السيد ماذا تكون ؟"

--------------
سؤال الفصل:
1- في رأيك.. لماذا استغربَ شوفين عندما ذُكِر الترفاس الوحشي ؟
2- لأي شيءٍ تصلُح تِلك المادة السوداء التي في الصندوق ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/14 · 579 مشاهدة · 1148 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024