"نملِك خمسةَ صناديق أخرى، هل يعرِف السيد ماذا تكون ؟"
صرّح موظّف المتجَر ثم سأل، أجابه شوفين
"هذه مادةٌ خام وتحتاج إلى الكثير من العمل لِصقلِها، سأشتري جميع الصناديق بِحجرٍ رمادي واحِد، ما رأيُك ؟"
عبس الموظّف وقال بِتظلّم
"هذا قليلٌ جداً يا سيدي"
ابتسم شوفين وقال
"إذا بِعتها لي بِهذا الثمن فسأشتري العديد من الأغراض الأخرى مِن متجرِكم"
صمت الموظّف قليلاً ثم بدأ يسألُه عن الأغراض التي يحتاج إليها، وكانت بعضُها أغراضاً قيّمة وثمينة، كما أن شوفين كان قد اشترى الكثير من الأمور الأخرى، لذلك قرّر الموظّف إعطاءه تِلك الصناديق الستّة مُقابِل حجرٍ رمادي واحد، ابتسم شوفين في داخِله وهو يقوم بِتخزينِها لأنها وإن كانت مادةً عادية عند الآخرين إلا أنها مادةٌ مهمّةٌ جداً بالنسبة له.
انتهى شوفين وأراد الانصراف إلا أن الموظّف قرّر دعوتَه عندما رأى بِأنه يملِك الكثير من المال، دعاه إلى أعلى طابقٍ في المبنى حيث توجد الأغراض النادِرة، استجاب شوفين للدعوَة ودخل إلى الطابَق بِتوصية الموظّف، وفي الداخِل.. رأى بِضع مِنصّاتٍ لا يزيدُ عددُها على العشرين، وكل منصّةٍ مُغطّاةٌ بِحاجزٍ زجاجي، ويوجد أقل من عشرة أشخاص يتجوّلون بين المِنصّات ويتصفّحون الأغراض، دخل شوفين أيضاً فاستقبلَته موظّفةٌ جميلة ودعَته لِتعريفِه على الأغراض، وفي نفس الوقت.. بدأ الجميع ينظُرون إليه ويُحاوِلون معرِفة هوِيَتِه، وحينها.. سمِع الجميع شاباً عشرينياً يقول ساخراً
"همف، مُجرّد حُثالة"
قال هذا فضحِك صاحِبُه الذي كان يبدو مِثل المُتملّق له، سمِعَه شوفين ولم يهتمّ بِه لأنه كسولٌ في مثل هذه الأوضاع، واصل المشي نحو المنصة الأولى وكان عليها سيفٌ ودِرع، قالت الموظّفة الجميلة
"هذا سيف ودِرع المحارب دانيوس الشهير، وُجِد في المكان الذي مات فيه وتمّ التحقّق مِنه على يد الكثير من الخُبراء"
التفتَ شوفين نحو المنصّة الثانية وهو يقول
"السيف.. ربما، أما الدّرع فهو مصنوعٌ حديثاً"
تغيّرَت تعابير ذلك الشاب العشريني وتقدّم صارِخاً
"هل تقول بِأن متجرَنا يسرِق الآخرين ؟"
نظر إليه شوفين وعلِم بِأنه صاحب المتجر أو له علاقةٌ ما بِه، ابتسم ووَاصل طريقَه نحو المنصّة الثانية وهو يقول
"لا شأن لي بِك أو بِمتجرِك، لكن هذا لا يمنَع حقيقة أن الدرع مصنوعٌ مُنذ أقل مِن سنة"
تغيّرَت ملامِح الشاب وأراد الهجوم على شوفين، إلا أن صوتاً قوياً دوّى مِن مكانٍ ما
"هل تُزعِج ضيوفي يا راجيان ؟"
دوّى الصوت في القاعة قبل أن يظهَر دُخانٌ رمادي أمام المنصّة التي تحتوي على السيف والدرع، ارتجف الشاب راجيان وانحنى باحترامٍ أمام الدخان وهو يقول
"مرحباً بِك يا جدّي"
نظر الجميع نحو الدخان فبدأ يتكشّف رجلٌ أربعيني بِداخلِه، وكانت له لِحيةٌ خفيفةٌ على وجهِه ويلبِس ثياباً عادية وكأنه رجلٌ فقير، لكنّه في الحقيقة كان يملِك العديد من المشاريع ومِن بينِها هذا المتجر، بعد ظهورِه.. سارَع الجميع إلى تقديم الاحترام له لأنه كان قوياً في مستوى #ملك_مُحترِف، إلا شوفين الذي كان ينظُر إلى مُحتويات باقي المنصّات، عبس الجدّ وهو ينظُر إلى قلّة احتِرام شوفين له، ومع ذلك.. ابتسم وقال
"لِماذا تُشوِّه مَتجَري أيها الصغير ؟"
اتّهم شوفين بِتشويه المتجر بعد أن ادّعاى سابقاً بِأنه ضيفُه، وهذا وحده جعل شوفين يعلم بأن هذا الحفيد مِن ذلك الجد، لذلك قال بِنبرةٍ جافّة
"شخصٌ بمِثل قوّتِك يستطيع اكتِشاف الخلل في الدّرع دون الحاجة إلى خبير، استخدِم طاقتَك الروحية على الدرع وسترى بِنفسِك"
عبس الجدّ قليلاً ثم التفتَ إلى الدّرع وأرسَل نحوَه موجةً من الطاقة الروحية، وفجأةً.. تغيّرَت تعابيرُه لأن الدّرع كان مصنوعاً مِن معدنٍ رخيص ويُعطي تبايُناً واضِحاً بالمُقارنة مع السيف القديم، ما يعني بأن الدّرع لم يُصنَع للقتال أصلاً وإنما فقط للاستعراض، قطّب حاجِبَيه وهو ينظُر نحو راجيان قبل أن يصرُخ عليه
"ما معنى هذا يا راجيان، أين الدّرع الذي جلبتُه بِنفسي قبل أشهُر ؟"
تغيّرَت ملامِح راجيان قبل أن يركع على الأرض ويتوسّل
"سامِحني يا جدّي لأني لم أُخبِرك بِالحقيقة، لقد سُرِق الدّرع منذ أيام وأردتُ كسب بعض الوقت لإيجاد السارِق، لذلك أمرتُ أحدهُم لصِناعة هذه النسخة مؤقتاً حتى أسترجِع الدّرع الأصلي"
كان يتوسّل ويبكي تقريباً بينما كان ينظُر إليه الجدّ بِغضب، وبِسبب حضور الآخرين.. أرسل الجدّ رِسالةً بالتخاطُر نحو راجيان فقام وكلُّه غضبٌ على شوفين، ومع ذلك.. تقدّم نحوَه وانحنى رغماً عنه وهو يقول
"أنا أعتذِر أيها السيد على ما قُلتُه"
قال شوفين دون أن يلتفِت
"ليس هناك حاجةٌ للاعتذار، ما هي فائدة هذه المِرآة ؟"
كان ينظُر إلى مِرآةٍ صغيرة ولا يعلَم طريقة عملِها، استغرَب راجيان عندما غيّر شوفين موضوع الحديث بِهذه السرعة، وقبل أن يُجيب.. اقترب الجدّ وقال
"اِنصرِف مِن هُنا وانتظِر عِقابَك، سأخدُم السيد بِنفسي"
اقترَب من شوفين وقال
"هذه مرآة النّد بالنّد، تستطيع استقبال هجمةٍ واحِدة مِن أي مُتدرّبٍ تحت مستوى القدّيس، ولا تكتَفي باستقبال الهجوم فقط وإنما تعكِسُه عليه بِنفس القوّة"
رفعَ شوفين حاجِبَيه وهو ينظُر إليها قبل أن يقول
"فِكرة عملِها رائعة، لكنّها للأسف لا تستقبِل إلا هجمةً واحِدة"
استدار مُباشرةً لِأنه حصل على فِكرةٍ مُفيدة مِن عمل المرآة، لذلك لا داعي لِتضيِيع الوقت عليها، اقترَب مِن منصّةٍ أخرى وكانَت فوقَها زُجاجةٌ مليئة بِسائلٍ أرجواني، تغيّرَت تعابير شوفين وسأل باستغراب
"السم الموسوم، كيف حصلتُم على مثل هذا الشيء الشرير ؟"
اتسعَت عينا الجد ونظر بِصدمة نحو شوفين لأن هذا الاسم غير معروف عند الجميع، ومع أن هذه الزجاجة كانت معروضةً للبيع منذ وقت طويل إلا أنها المرة الأولى التي يذكر فيها أحدُهم الاسم الصحيح لهذا النوع من السموم.
يسمى بالسم الموسوم لأنه يصنَع وسماً أرجوانياً على أي شخصٍ يُصيبُه، ولا يضرّه بِأي طريقة إلا إذا استخدم طاقتَه حيث سيبدأ الوسم بالتوسع، وإذا لم يتوقف المصاب عن استخدام الطاقة فستكون نهايتُه سريعةً بِمجرد أن يصل إلى قلبه.
استدار شوفين وهو يقول
"كنت لِأشتريه لو كانت لديكم كمية كبيرة منه، أما هذه الزجاجة فهي لا تكفيني، كما يحتاج إلى كيميائيٍّ خبير لاستخلاص جوهَرِه"
استغرَب الجد من شوفين لأنه يعلم الكثير عن السم الموسوم، حيث يُعتبَر سماً ميتاً لا فائدة منه في حالتِه الحالية، ويحتاج إلى استخلاص جوهَرِه حتى يصير فعّالاً مرّةً أخرى، ومع ذلك.. قرر الجد استغلال الوضع حيث قال
"هذه الزجاجة للعرض فقط، ولدينا كمية أكبر منها، هل تُريد رؤيتها ؟"
أومأ شوفين وسأل مباشرة
"كم السعر ؟"
...
بعد نصف ساعة.. كان شوفين قد اشترى الزجاجات بِأكثر من مائة حجر رمادي، لم يشتَرِ أي شيءٍ آخر وإنما غادر المتجر فأرسل الجد بعض الخبراء خلفَه لاستقصاء أخبارِه، ابتسم شوفين عندما شعَر بأنهم يتبعونَه، لكنه لم يفعل شيئاً وهو يتّجِه إلى الفندق.
عاد الخبراء بعد فترةٍ وأخبروا الجد بِالمعلومات التي جمعوها حيث علِموا بِأنه أحد أبناء داوفين وأنهم أتوا إلى هذه المدينة للمشاركة في عملية جمع الترفاس الوحشي، وبعد تفكيرٍ طويل.. قرّر الجد بِأن شخصاً مِثل شوفين سيكون أخطر بِكثيرٍ من داوفين، وإذا تخلّص مِنه فسيكون بإمكانِه السيطرة على مشاريع نقابة اليد الذهبية في عالم الصحراء الخضراء، لكنّه ومع ذلك.. لا يستطيع قتلَه بِنفسِه وإنما يجِب أن يتم الأمر حسب التقاليد حتى لا يُصبِح عدواً لكِيانٍ كبير مثل نقابة اليد الذهبية، لذلك استدعى حفيدَه راجيان وقال له
"إذا أردتَ أن أغفِر لك فخُذ معك مجموعةً قوية من اليافعين إلى مُسابقة جمع الترفاس، واقتُل ذلك الصغير مهما كلّف الأمر"
كان راجيان عبوساً في البداية لاعتِقادِه بِأن جدّه سيطلُب منه شيئاً مُزعِجاً، لكنّ عبوسَه تحوّل إلى سعادةٍ لأنه سينتقِم من شوفين الذي قام بإذلالِه وكشفِ تلاعُبِه في متجر جدِّه، فـ راجيان هو الذي سرق الدّرع الأصلي وباعَه في مكانٍ آخر ثم اخترَع قصّة السرِقة لِتفادي العِقاب، ولولا شوفين لما كان سيُفضَح بتِلك الطريقة المُهينَة، لكنّه الآن سيقتُله بعد أن يُعذِّبَه لِعدّة أيام حتى يُشفي غَليلَه.
...
في الفندُق.. دخل شوفين إلى غُرفتِه وطلب من راموليا أن تحرُسَه حتى لا يتعرّض للإزعاج، أخرج الأغراض التي اشتراها وبدأ يُقسّمها قبل أن يقول
"سيكون الأمر صعباً، لكني سأعتمِد على هديّتِك يا أجريس"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما الذي سيفعلُه شوفين بالسم الموسوم ؟
#تحت_المجهر
--------------
صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine