"سأُرجِع لك كنوزَك مُقابِل إنشاء عقدٍ مُتساوي بينَنا، ما رأيُك ؟"

استغرَب مَخفي الملامِح مِن عرض شوفين، وسأل بِصوتٍ مُتقطّع

"عقد ... مُتساوي ؟"

قال شوفين بابتسامةٍ هادئة

"هذا يعتمِد على رغبتِك للانخراط معي في مشروعٍ كبير، وفي المُقابِل.. سأمنحُك بعض المعلومات حول الطريقة الآمِنة لِتعزيز وتوسيع عالمِك الفراغي"

اهتزّ مَخفي الملامِح عِندما سمِع عرض شوفين، ففي البِداية.. استغرَب كيف يعلَم شابٌ يافِع حول العوالِم الفراغية، فبالرّغم مِن أن ملامِح شوفين لا تظهر أيضاً بِسبب احتِراق وجهِه داخل الحِمم البُركانية.. إلا أن جسدَه لم يتجاوَز حتى المائة عام، ما يعني بِأنه مُجرّد يافع، لكن كل شيءٍ فعلَه شوفين حتى الآن كان خارِقاً بِالنسبة لِـمَخفي الملامِح، ما جعلَه يُغيّر الطريقة التي ينظُر بِها إلى شوفين وهو يسألُه بِجدّية

"ما نوع المشروع ؟"

أخرَج شوفين تِلك الكنوز التي سرقَها قبل قليلٍ ثم قال

"العمل مع أباطِرة الحروب، هذه أفضل طريقةٍ للكَسب السريع"

ارتجَف مَخفي الملامِح وأراد الصراخ لو استطاع، وذلك لِأن هذا المجال خطيرٌ جداً، إلا أن شوفين أضاف قائلاً

"مُهمّتُك هي توفير بُقعةٍ في عالم السوق الحرّة، أما التعامُل مع أباطِرة الحروب فهذه مهمّتي أنا، بالإضافة إلى ذلك.. سأمنحُك بعض السّلع لِبيعِها"

صمت مَخفي الملامِح قليلاً قبل أن يسأل باهتِمام

"ما نوع هذه السّلع ؟"

أجابه شوفين

"تقنيات قِتالية أسطورية وبِدائية، تقنيات روحية، وصفات كيميائية استثنائية، مصفوفات عادية وبِدائية، تقنيات صقل المعادِن.. بالإضافة إلى حُزم المعلومات وحلول المشاكِل العويصة في هذه المجالات"

مع أن مَخفي الملامِح كان مُجرّد نُسخةٍ روحية إلا أنه بدأ يتعرّق عِندما سمِع كل هذا، ابتسم شوفين ثم سأله

"إذن، ما قولُك ؟"

أومأ مَخفي الملامِح ثم قال

"حسناً، ما دام عقداً مُتساوياً فلا بأس"

ابتسَم شوفين أيضاً ثم بدأ يرسُم مصفوفةً مُعقّدةً وسط الغُرفة البيضاء، عبس مَخفي الملامِح لأنها كانَت مصفوفةً بِدائية وغير مفهومة، وبعد أكثر مِن ساعة.. انتهى شوفين مِن رسمِها فابتهَج مَخفي الملامِح وقال

"هل هذه المصفوفة ستُساعِدني على توسيع عالمي الفراغي ؟"

ضحِك شوفين ثم قال ساخِراً

"توسيعُه يعتمِد عليك كُلّياً، وما سأفعلُه لأجلِك هو إعطاؤك بعض المعلومات المُفيدة"

قطّب مَخفي الملامِح جبينَه ونظر باستغرابٍ نحو المصفوفة فقال شوفين

"هذه مصفوفة نقل، وعبرَها.. ستصِلُك السلع"

عبس مَخفي الملامِح طويلاً لِأن هذا يجعَل عالمَه الفراغي مُخترقاً، لكنّه لم يقُل شيئاً لأن كُل هذا قد حدث بِسبب غبائه، وربما قد يستطيع التخلّص مِن هذه المصفوفة يوماً ما عِندما يتحكّم في عالمِه الفراغي، وبعد صمتٍ طويل.. قال

"لا.. بأس"

جرح شوفين أصبُعَه وأخرج قطرةً مِن دِمائه ثم قال

"سأقوم بإنشاء عقدٍ مُتساوي مع نُسختِك الروحية، وهكذا.. ستدفَع عالمَك الفراغي ثمناً إذا فكّرتَ في خِداعي"

يتم العقد المُتساوي في العادة مع روح الطرفَين، لكن شوفين قد أقام العقد مع النسخة التي لا تستطيع مُغادرة العالم الفراغي، وإذا خالف مَخفي الملامِح بنود العقد فسوف تتدمّر النسخة الروحية ويضيع العالم الفراغي الخاص بِه، نظر بِرُعبٍ نحو شوفين وبدأ يطرُد مِن عقلِه أي فِكرةٍ لِخداعِه، انتهى العقد فأخرج شوفين حُزمةً ضوئية مليئة بالمعلومات وأرسلَها نحو مَخفي الملامِح ثم سألَه

"نُسختُك الروحية غير واضحة الشكل والملامِح، وصوتُك لا يُمكِن تميِيزُه بِما أنه صوتٌ روحي، لكن.. هل أنتِ امرأة ؟"

ارتجفَت مَخفية الملامِح وقالت بِتردّد

"نـ.. نعم ... أنا امرأة ... اسمي تاليس ... أملِك متجراً في عالم السوق الحرّة، وأنت.. ما اسمُك ؟"

أجابها بِكلمةٍ واحِدة وبارِدة

"شوفين"

استدار مُباشرةً واتّجهَ نحو البوابة وهو يقول

"سأُغلِق المسار الذي يقود إلى هذه الغُرفة وأقوم بحِمايتِها مِن الخارِج لأجلِك، أما بالنسبة لِتعامُلِنا فسأتواصل معكِ لاحِقاً"

لم تقُل تاليس شيئاً حتى وصل شوفين إلى الباب، توقّف قليلاً ثم قال

"يوماً ما.. ستعلمين بِأن التحالُف معي هو أفضل شيءٍ قُمتِ بِه في حياتِك"

قال هذا ثم قفز من البوابة، نظرَت إليه تاليس باستغرابٍ وخوف لأنها لم تستطِع فَهم هذا الكِيان الغامِض رغم تدريبِها العالي، وفي هذه اللحظة.. بدأ الباب يُغلَق بِمصفوفةٍ قوية حتى صار وكأنه لم يكُن موجوداً أصلاً، تنهّدَت أخيراً ثم نظرَت إلى كنوزِها التي أعادَها وكانَت حصيلة حياتِها كُلّها، ورغم ذلك.. تخلّى عنها شوفين بِسهولة، وهذا وحدَه جعلها تعلم بِأنه ليس شخصاً عادياً، وما عزّز اعتِقادها أكثر هو تِلك المعلومات العميقة التي وضعَها في الحُزمة الضوئية، لذلك أغلقَت عينَيها وبدأت تستوعِب المعلومات وتُراجِع حلول المشاكِل التي تُواجِه أي مُتدرّبٍ يُريد إنشاء عالمِه الفراغي.

...

خرج شوفين من النفق الفراغي الذي كان قد أنشأَه سابقاً للوصول إلى الغُرفة البيضاء لاعتِقادِه بأنها جُزءٌ من الامتحان، استدار نحو البوابة التي تُعتبر جِسراً غبياً مِن إبداعات تاليس، ابتسم بِسخرية ثم حطّمَه فاختفَت الغُرفة التي كانت ظاهِرةً عبرَه، استدار أخيراً ثم قال

"هل تنوي البقاء هُناك كثيراً ؟"

كان يتحدّث مع نيروم الذي اختبأ عِندما رأى شوفين خارِجاً مِن الغُرفة، حيث كان يرى كل ما يقوم بِه شوفين مع تاليس رغم أنه لم يسمَع شيئاً مِمّا قالوه، خرج مِن خلف أحد الجُدران واقترَب مِن شوفين دون خوف، ابتسم نحوَه ثم قال

"أنا لم أقصِد إزعاجَك، لكنّي وجدتُ هذا المكان بِالصّدفة وتعجّبتُ مِمّا رأيتُه، هل أنت مُشارِكٌ في مُسابقة جمع الترفاس الوحشي ؟"

كان شوفين مُحترِق الجسد ولا تبدو ملامِحُه، لكن نيروم تعرّف عليه اعتِماداً على حدسِه، ورغم ذلك.. قرّر إخفاء هذا عن شوفين، ابتسَم شوفين وقال بِسُخرية

"هذا المكان لا يُمكِن إيجادُه بِالصدفة، لِماذا كُنتَ تَتبعُني ؟"

قطّب نيروم حاجِبَيه لِأن شوفين قد كشفَه، وبعد صمتٍ.. قال

"في الحقيقة.. أنا.. مُعجبٌ بك"

رفع شوفين أحد حاجبَيه باستغرابٍ فأضاف نيروم

"لقد وصلتُ إلى هذا العالم منذ سنوات، لكنها أول مرة أرى فيها شاباً موهوباً مِثلك، لابد أنك تملك مُستقبلاً مُبهِراً، وسيكون مِن الغباء ألا أُحاوِل التقرّب مِنك"

ابتسم شوفين قليلاً ثم قال

"لكني لا أريد التقرّب من الأغبياء"

قال هذا ثم همّ بالانصراف، إلا أن نيروم اعترضَ طريقَه وقال

"لا تكُن هكذا أيها الشاب، فقد أبدو صغيراً وضعيفاً لكني أملِك الكثير مِن الخِبرة والمعارِف"

هز شوفين رأسَه ثم قال

"ومع ذلك فأنت مُجرّد غبي"

قالها وانصرف، صمت نيروم قليلاً قبل أن يتبعَه وهو يقول باستغرابٍ وشكّ

"لماذا تعتقد بِأني غبي ؟"

توقف شوفين ونظر إليه بعبوس ثم قال

"لا أحد يَستخدِم على نفسِه تقنية الانشطار إلا إذا كان غبياً"

صُدِم نيروم وتحوّل وجهُه للاحمر لِأن تقنية الانشطار نادرةٌ جداً ولا تملِكها سوى بعض العائلات العريقة في العوالِم العُلوية، وهي تُشبِه تقنية الألف ظل التي يتدرّب عليها شوفين حيث تُنشِئ عدداً خيالياً من النّسخ المُشابِهة لِجسد المُستخدِم، لكنها أكثر تعقيداً حيث يُمكِن لِهذه النّسخ التحرّك بِحرّية والتصرّف تلقائياً وكأنها الشخص الحقيقي، لكنّها تُعاني مِن عيبٍ قاتِل، لذلك وصف شوفين مُستخدِمها بِالغبي.

صُدِم نيروم لِأن شوفين يعلم الكثير عن تقنية الانشطار، بل ويستطيع معرِفة أنه مُجرّد نُسخة، وهذا يعني بِأن شوفين شخصٌ لا يُمكِن الاستهانة بِه، خاصة بعد رؤية سِلاحِه والأعمال التي قام بِها داخل الغُرفة البيضاء، لذلك.. طأطأ رأسَه وقال بِحُزن

"قد أكون غبياً، لكني أملِك أسبابي الخاصة"

لوى شوفين فمَه وقال بِسُخرية

"إذن فأنت تعلم بِأن تقنية الانشطار تُعاني مِن خللٍ عِندما تُريد دمج النّسخ مرة أخرى ؟"

مع أن مُستخدِم تقنية الانشطار يكتسِب الكثير من المعرفة والكنوز عبر نشر نُسخِه في العوالِم.. إلا أنه سوف يُعاني عِندما يُريد دمج نُسَخِه مرّة أخرى، لِأن الكثير مِن النّسخ ستكون قد تغيّرَت طريقةُ تفكيرِها وترغَب بِالقيادة، لذلك قد لا تستجيب لِدعوة الاندماج أو ربما قد تندمِج مع بعض النسخ الأضعف، لهذا يُفضّل البعض البقاءَ على حالِهم ما دامَت النُّسَخ مُتّصِلةً وتتبادَل المعلومات فيما بينها.

هزّ نيروم رأسَه ثم قال

"أعلم هذا، لكن سبَب استِخدامي لِهذه التقنية ليس البحث عن القوة وإنما لِأجل شخصٍ عزيزٍ عليّ"

تغيّرَت تعابيرُه وظهرّت على وجهِه الكثير مِن العواطِف المُعقّدة قبل أن يُضيف

"قبل عشرين ألف سنة.. أُصيبَت زوجتي بِمرض التّحجُّر في عالمٍ ما، وقبل أن تتحجّر كلياً.. استخدمَت تميمة العودة الطارئة للهروب، ومُنذ ذلك الوقت وهي مثل أي تِمثالٍ عادي"

تُستخدَم تميمة العودة الطارئة للهروب مِن الأوضاع الخطيرة، لكنّها مُكلِّفةٌ كثيراً لِدرجة أن الطاقة التي تحتاج إليها لصِناعتِها أكبر بعشرات الأضعاف من الوريد الروحي الذي تعمَل بِه أركادية، فهِم شوفين ما حدث لِـ نيروم فاقترَب مِنه ونظر إليه بابتسامةٍ هادئة قبل أن يسألَه

"وأنت تبحث في جميع العوالِم عن دواءٍ لِأجلِها ؟"

أومأ نيروم فقال شوفين

"أعرِف أين تجِد ندى النجوم، أليس هذا هو ما تبحَث عنه ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما هي الطريقة التي سوف يستغِل بِها نيروم مُقابل إخبارِه عن مكان وجود ندى النجوم ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/19 · 482 مشاهدة · 1279 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024