154 - عالم السوق الحرّة

"هؤلاء الأطفال لا يعلمون شيئاً، لكن.. ذلك اليافع الغريب، هل هو الذي فتح هذا المكان ؟"

تراجَع نيروم للخلف بعد تذكُّرِه لِـ شوفين حيث لم يكُن بين المُشاركين شخصٌ أكثر غرابةً مِنه، وبعد رؤية ذلك السلاح الغريب.. صار اهتِمامُه بِـ شوفين أكبر من السابق، لذلك تراجَع وبدأ ينظُر إلى الأرض لَعلّه يجِد أثراً للطريق الذي سلكَه شوفين أو أياًّ كان الشخص الذي فتح هذا المكان، وبعد لحظات.. وجد أخيراً أثراً على الأرض حيث كان شوفين يمشي حافياً عارياً بعد احتِراق جسدِه في الحِمم، ولِأنه لم يُعالِج نفسَه بعد.. فقد كانت قدماه خشِنتَين وتسبّبتا بِبعض الخدوش البسيطة على أرضية المدينة الوهمية، اتّجَه نيروم نحو الجِدار ودفعَه قليلاً قبل أن يومِئ بِرأسِه ويقول

"هذا الشخص ليس عادياً، وإلا فكيف استطاع اكتِشاف هذا الطريق المَخفي ؟"

...

بعد رُبع ساعةٍ من العمل.. اقترَب شوفين أخيراً مِن إنشاء الجِسر الذي يربِط بين الباب والغُرفة البيضاء، وقبل أن يكتمِل الرّبط.. تقدّم شوفين ودخل النفق الفراغي بينما يُنهي إنشاءَه، وما هي إلا دقيقةٌ أخرى حتى كان قد وصل إلى غُرفةٍ واسعةٍ وكأنها بلا نِهاية، لم يهتمّ شوفين بِمدى اتّساعِها وإنما نظر إلى طاولةٍ صغيرةٍ أمامَه، وكانَت مصنوعةً مِن خشبٍ مُهترِئ لا يُساوي شيئاً، وخلفَها.. كُرسيٌّ حديدي أسود يملؤه الصدأ، وهذا المنظر يوحي بِأن الطاولة والكرسي قد كانا هُنا لِعصورٍ كثيرة، لكن الغريب هو أنه لا يوجد أي شيءٍ آخر في الغُرفة غير هذَين الشيئَين، تفحّص شوفين جميع أنحاء الغُرفة ثم تقدّم نحو الطاوِلة وجلَس على الكرسي، ابتسَم نحو مكانٍ لا أحد فيه ثم قال

"دعنا نبدأ"

فجأةً.. ظهرَت صورةٌ شبحية أمامَه وكانت لِرجُلٍ مخفيّ الملامِح، ضحِك وقال

"تبدو واعِداً أيها الصغير، لدي ثلاث امتِحاناتٍ لأجلِك، تجاوَزها وسأجعلُك تلميذي"

لم تكُن هذه بقايا روحية لِشخصٍ مجروح مثل أرفود أو ذلك الشبح الأبيض الذي يعتني بِـ صلجان، وإنما كان مُجرّد نُسخةٍ روحية مِثل النسخة التي تركَتها أجريس، لذلك كان تفاعُله مبنياً على أوامِر مُبرمَجة وليس على قراراتٍ شخصية ذكية، وبِما أن النسخة الروحية تختفي بِموت صاحبِها.. فهذا يعني بِأن صاحِبها لا يزال على قيد الحياة في مكانٍ ما، لكن الشيء الذي جعل شوفين يهتمّ بِه هو أن هذه النسخة غريبةٌ بعض الشيء ولا تبدو وكأنّها نُسخةٌ مُتخَلى عليها، لذلك حاوَل استِخراج بعض المعلومات مِنه عبر سؤالِه

"كيف أُصبِح تلميذاً لِمُجرّد نُسخة روحية ؟"

ضحِك مخفيّ الملامِح ثم قال بِتردّد

"جيد ... جيد، أنت شخصٌ ذكي ومُطّلِع، في الحقيقة.. أنا لا أحتاج إلى تلميذٍ وإنما أُريد فقط منحَ هذا العالم هديةً مِني لِبعض الأسباب الشخصية، لذلك.. سأعطيك توصية للانضمام إلى عشيرةٍ في عالمٍ عُلوي، وعِندما تأتي.. سأجعلُك تلميذاً فـ.."

قاطعَه شوفين بِوجهٍ عابس

"هل هذا هو كل ما سأحصُل عليه بعد هذا العناء ؟"

قال مخفيّ الملامِح بِسرعة

"مهلاً مهلاً، يُمكِنك الحصول على ذلك الوريد الروحي الأخضر الذي مرَرت مِن خِلالِه"

صمت شوفين قليلاً ثم قال

"ما الذي جعلَك تُغيّر رأيَك ؟"

تراجَع مخفيّ الملامِح قليلاً وقال بِصدمة

"ما.. ماذا تعني ؟"

وقف شوفين وقال بِحزم

"شخصٌ بِذكائك.. لا يجِب أن أشرح له مرّتَين، أليس كذلك ؟"

صمتَ مخفيّ الملامِح طويلاً قبل أن يقول

"أنا آسف أيها الشاب لِأني حاولتُ التحايُل علَيك، فهذا الإرث مُخصّصٌ للأشخاص العاديّين وليس للعباقِرة أمثالِك، وكان ينبغي أن يأخُذ المُرشّح عِدّة أيامٍ داخِل المدينة الوهمية، كما أنك دخلتَ عبر نزع الوريد الروحي مِن مكانِه، وهذا لم يكُن طريقاً مُبرمجاً وإنما هناك طريقٌ آخر، لكن سكان هذا العالم أغبياء ولم يجِدوه حتى الآن، لذلك لم أحصُل على أي مُرشّحين بعد، أما أنت فقد فتحتَ طريقاً آخر، كما أنك وصلتَ إلى هذه الغُرفة رغم أن هذا ليس جُزءً من الامتحان، وهذا خطئي لِأني تركتُ المسلك القديـ.."

قاطعَه شوفين عندما شعر بأنه يتخبّط كثيراً وكأنه يُخفي شيئاً ما

"ما هو الغرض من هذا الامتحان ؟"

تنهّد مخفيّ الملامِح ثم شرح

"بنيتُ مِثل هذا المكان في العديد مِن العوالِم المُتوسّطة بِغرض الحصول على الأتباع الموهوبين واستِقدامِهم إلى عالمٍ عُلوي، لكن.. مرّ أكثر مِن سبعة آلاف سنةٍ ولم يزُر أحدٌ هذا المكان مِن هذا العالم لِدرجةٍ أني كنتُ قد نسيتُه"

ابتسم شوفين ثم قال بِجشَع

"أنا لستُ مُهتماًّ بِهذا، كل ما أُريدُه هو الحصول على مُقابلٍ جيد لِتعَبي، هل لديكَ بعض الأغراض الجيدة ؟"

قال هذا وهو ينظُر نحو أحد جوانِب الغُرفة البيضاء، عبس مخفيّ الملامِح وتراجع للخلف وهو يقول

"هذ.. لكـ.. ماذا تُريد أن تفعل"

ضحِك شوفين ثم مدّ يدَه وهو يقول

"سآخذ غنيمَتي"

ارتعَب مخفيّ الملامِح عِندما أخرج شوفين كمّيةً من النور النقي وجعلَها تكتسِح كامِل الغُرفة حتى تراجَع النور الأبيض وظهرَت حقيقة الغُرفة، وكانت غُرفةً أصغر مِمّا كانت تبدو عليه، وفي الجانِب الذي أشار إليه شوفين.. كانت جِبالٌ من الكنوز المُترامِية هُنا وهُناك، وقبل أن يُدرِك مخفيّ الملامِح.. كانت الكنوز قد اختفَت بِأكملِها، عبس مخفيّ الملامِح وأخرج كمّيةً من الطاقة الروحية وهاجِم بِها شوفين، ابتسَم هذا الأخير ثم أخرَج خيوطاً مِن الطاقة الشيطانية وقيّد بِها النسخة الروحية وهو يقول

"قِف مكانَك يا رجُل، فأنا لم أصِل إليك بعد"

أخرج شوفين سِلاحَه وقال له

"مع أني غذّيتُك على المعادِن الرخيصة إلا أني كُنتُ قد وعدتُك بِبعض المعادِن النادِرة، وستكون البداية بِهذا الكرسي المصنوع من معدِن القصب الذّري"

رماه على الكُرسي الحديدي المليء بِالصدأ فاهتزّ السلاح فرحاً وخزّن الكُرسي لِتناوُلِه لاحِقاً لِأنه كان مصنوعاً مِن معدنٍ نادِر، التفتَ السلاح إلى الطاوِلة الخشبية وأراد تخزينها أيضاً إلا أن شوفين كان أسرعَ مِنه حيث خزّنها وهو يقول

"هذه الطاولة مصنوعةٌ مِن خشب القمر الميت، ستكون مُفيدةً لِتدريب إينجِه"

صرخ مخفيّ الملامِح مِن الألم ثم بدأ يتوعّد

"أنت لن تنجو مِن هذه الفِعلة، سأجِدُك أينما هرَبت"

نظر إليه شوفين وقال ساخراً

"إذن فقد قرّرت التوقّف عن التظاهُر ؟"

قال هذا لِأنه كان قد اكتشف بأن النسخة الروحية لم تكُن تتحدّث بِطريقةٍ مُبرمجة وإنما كان شوفين يتحدّث مع صاحِبها مُباشرةً، وهذا غير مُمكنٍ إلا إذا كان صاحِبُها قريباً، أو إذا كانَت هذه الغُرفة هي نواة عالمِه الفراغي، حيث يحتاج المُتدرّب إلى إنشاء مكانٍ صغير يترُك فيه نُسختَه الروحية ريثما تقوم بِالتحكّم فيه كما يفعل شوفين داخِل أركادية، وحينَها فقط.. سيكون باستِطاعتِه تحويل نُسختِه الشبحية إلى نُسخةٍ صلبة شبيهة بِجسدِه الحقيقي، وبعدها تأتي أصعب مُهمّةٍ وهي إنشاء الشّعلة الروحية وتوسيع العالم وغير ذلك من المهام التي تستغرِق وقتاً طويلاً وحظاً كبيراً.

بِما أن هذه الغُرفة هي نواة العالم الفراغي الخاص بِذلك الشخص المجهول.. فإن تِلك الكنوز التي سرقَها شوفين هي أملاكُه الخاصة التي يُخزِّنها هُناك، ومِن غباء هذا الرجل أنه نسِي الجِسر الذي عبر مِنه عِندما أنشأ هذه المدينة الوهمية، وعِندما دخل شوفين إلى نواة عالمِه الفراغي.. أُصيبَ بالذّعر وقرّر التحايُل عليه للتخلّص مِنه قبل أن يزور عالم الصحراء الخضراء لِتدمير هذا الجِسر الذي أنشأه عِندما كان قليل الخِبرة.

صرخ مخفيّ الملامِح

"أنت.. أيها الشيطان.. أرجِع لي كنوزي الآن"

ضحِك شوفين ثم قال

"أنت غبيٌّ حقاً، هل تعلم ما الذي سيحدُث إذا دمّرتُ نُسختَك الروحية ؟"

صمت مخفيّ الملامِح مُباشرةً فأكمل شوفين

"نعم، ستفقِد نواة عالمِك الفراغي، ولن تستطيع إنشاء عالمٍ فراغي جديد"

صمت مخفيّ الملامِح طويلاً قبل أن يتنهّد ويقول

"ما الذي تُريدُه ؟"

علِم بأن شوفين كان يُهدِّده، لذلك قرّر الانصياع له رغماً عنه، ابتسَم شوفين وقال بِهدوء

"في أي عالمٍ أنت الآن ؟"

قال بِدون تردّد

"عالمٌ عُلوي قريب مِن عالم الصحراء الخضراء يُسمى عالم السوق الحرّة رقم 117، وهو النقطة التجارية المركزية للعديد من العوالِم القريبة، إذا أرجعتَ لي كنوزي فأنا أرحّب بِك صديقاً"

عوالِم السوق الحرّة هي مراكِز تِجارية تربِط بِضع مِئات من العوالِم المُتوسطّة، ورغم أنها تُعتبر عوالِم عُليا إلا أنها مُجرّد نِقاط يلتقي فيها التجار، رفع شوفين حاجِبَيه ثم ابتسَم وقال

"سأُرجِع لك كنوزَك مُقابِل إنشاء عقدٍ مُتساوي بينَنا، ما رأيُك ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. لِماذا يُريد شوفين إنشاء عقدٍ مُتساوي مع هذا الشخص الغريب ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/19 · 514 مشاهدة · 1199 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024