"هذا ليس وحشاً، هذه فِعلَة فاعِل"

نظر الجميع إلى الشاب القصير عِندما قال هذا، وفي البداية.. أراد بعضُهم أن ينهَروه، إلا أن أحدهُم قال

"أليس هذا هو ذلك الشخص الغامض الذي أتى مِن المنطقة الوسطى ؟"

"سمِعتُ بأن كِبار المنطقة الجنوبية يحترِمونَه كثيراً، يجِب أن تكون لديه خلفية قوية"

"مُنذ وصولِه.. لم يرَه أحدٌ يخوض قِتالاً، ربما يعتمِد على خلفِيتِه للنجاة، أليس هذا العالم غير عادِل ؟"

استمرّت الوشاوِش قبل أن يسألَه ساسما

"أنت.. اسمك نيروم، صحيح ؟"

أومأ نيروم فابتسم ساسما وسأله مرّةً أخرى

"لِماذا تعتقِد بِأنه ليس وحشاً ؟"

قال نيروم

"كُنت أُراقِب الوضع مُنذ البِدايةِ وأحسَستُ بِوجود جسمٍ غريب مَخفي داخِل الحِمم، لكن الإشارة كانت ضعيفةً جداً فظننتُ بِأني أتخيّل فقط، يبدو بأن صاحِب ذلك السلاح الغريب كان ينتظِر الفُرصة المُناسِبة لِسرِقة قلب النار، لكني لا أدري مَن يكون لِأن الشخص الأكثر ترشيحاً ليس معنا هُنا، إلا إذا كان.."

صمت وبدأ ينظُر إلى الحِمَم قبل أن يقفِز داخِلها دون إضافة كلِمةٍ واحِدة، عبس الجميع ونظروا نحو بعضِهم البعض قبل أن يُسارِعوا بِالغوص في الحِمم لِمُتابعة نيروم، لكن الذين قفزوا كانوا ثلاثةً فقط، حيث بقِيَت فانتين في مكانِها لأنها لم تكُن مُهتمّةً بِقلب النار وإنما تُريد فقط شخصاً قوياً لقِتالِه، وبعد انتِهاء الحفلة هُنا.. بدأت تُفكّر في المُغادرة نِهائياً لِأن أقوياء العشائر ليسوا في المستوى الذي كانَت تتوقّعُه، لكنها لا تعلم إن كان بإمكانِها الخروج مِن المُسابقة أم يجِب عليها الانتظار حتى تنتهي الفترة المُحدّدة، لكن.. وقبل أن تُغادِر.. ظهرَت حُفرةٌ داخِل البِركة وبدأت الحِمم تتناقص وكأن حُفرةً كبيرةً قد خرقَت أسفلها، ما جعلَها تستغرِب مِن هذه الظاهِرة الغريبة وتُقرّر البقاء لِرؤية ما سيحدُث.

في هذه الأثناء.. كان شوفين أول مَن تجرِفُه الحِمم داخِل حُفرةٍ واسعةٍ ظهرَت مكان الوريد الروحي الأخضر الذي نجح في نقلِه إلى أركادية، ومع أنه قد فقدَ التحكّم في الأوضاع إلا أنه استبشَر خيراً لِأن الوريد الروحي كان يُغلِق مَدخلاً مصنوعاً وليس عشوائياً، ما يعني بأنه يُخفي شيئاً ما في الداخِل، لذلك ركّز جيداً حتى لا يُفوِّت أي شيءٍ مُهم.

كانت الحِمم تملأ مِساحةً كبيرةً داخِل الجبل، ومع ذلك.. كانت تغوص بِسرعةٍ كبيرةٍ داخِل الحُفرة حتى صارَت البِركة شِبه فارِغة، وبخِلاف شوفين.. كان الأربعة الذين قفزوا إلى البِركة في وضعٍ سيّء لأنهم لم يتوقعوا شيئاً مِثل هذا، ومع أن نيروم كان أكثرهُم هدوءً إلا أن مُستواه التدريبي قد كان يُعيقُه، لذلك كان الأمر أكثر صعوبةً عليه، والوحيد الذي كان مُرتاحاً مع هذا الوضع هو سِلاح شوفين الذي كان يسبَح وكأنه سمكة، وبعد دقيقةٍ واحدة.. كان قد وصل إلى شوفين وحملَه فوقَه، ما جعل حركة شوفين تستقرّ وكأنّه ليس داخِل دوامةٍ عِملاقة.

بعد دقائق مِن الغرق داخِل الدوّامة.. ظهرَت أرضيّةٌ معدنية مليئة بالثقوب الصغيرة وبدأت الحِمم تتَسرّب خِلالها، نزل شوفين على الأرض ثم نظر إلى سلاحِه قليلاً قبل أن يبتسم ويقول

"أحسنت، لم تجلب قلب النار فقط وإنما استهلكتَ عدداً لا يحصى مِن أزهار النار وصقلتَ نفسَك بنفسِك، لِـهذا أحبكّ يا صديقي الوحيد"

أخرَج قلب النار من المساحة التخزينية الخاصة بِالسلاح ثم رماه في أركادية حيث سيكون مِثل الشمس داخِلها، خزّن السلاح ثم بدأ يتصفّح المحيط، ومن النظرة الأولى.. علم شوفين بأنه داخل آثارٍ بشرية وليسَت مِن فِعل الطبيعة، لذلك بدأ يبحَث عن البوابة لِأن المنطقة التي وقع فيها كانت مُغلقةً وليس فيها سوى الثقوب التي تخرُج منها الحمم.

استشعَر جميع الجوانب حتى وقف أمام جدارٍ معدني لا يكاد يختلِف عن الجدران الأخرى، لكن عيني شوفين استطاعَت رؤية الفرق وعلم بِأنه عبارةٌ عن بوابةٍ مخفية، لكن الغريب هو أنها بوابةٌ ملحومة وليس لديها أي آلية لِفتحِها مثل البوابات العادية، لذلك.. وبدون كثير من التفكير..

بووووووم~

بووووووم~

بووووووم~

أرسل إليها شوفين ثلاث قنابل من النسخة الحديثة من النحلة المتفجرة، لكنها لم تُسبّب للبوابة ولو خدشاً بسيطاً، عبس شوفين عندما شعر بِقوة وصلابة البوابة وبدأ يُفكّر في أسلوبٍ أقوى، هز رأسَه بِعدم الرغبة وهو يقتَرب من الصخرة لِأنه لم يجِد لديه أي تقنية تدميرية أقوى من المهارة التي استنسخها من هرقل، لكنها مهارة ترتدّ على الجسد ولم يسبِق له تجربتها خارج أركادية، لذلك يرغَب بِاستخدامِها لأنه لا يدري حجم الضرر الذي سيقع عليه.

بعد تفكير قصير.. قرّر شوفين استخدام مهارة هرقل، وحتى إن أصيب جسدُه فسيقوم بِعلاجِه لِأنه للآن.. لا يزال جِلدُه محروقاً غير معالَج، لذلك سيكون جيداً أن يُعالِج نفسَه مرةً واحدة مع أن حجم الأضرار سيأخذ أغلَب طاقتِه العلاجية.

وصل إلى الصخرة الكبيرة ووَضع يديه عليها ثم..

.:: نظرية الصدمة ::.

أرسل نحو الصخرة صدمةً قوية، وهذه كانت المهارة التي استنسخَها من هرقل حيث يصنَع جسدُه صدمةً تكسِر الأبعاد بِاستخدام ذبذباتٍ فوق-صوتية مَمزوجة مع طاقة الفراغ، وتجعل كل شيء داخِل نِطاقِها يتفكّك لِأن قوة الصدمة أكبر مِن تعافي المساحة الفراغية، ويتحوّل كل شيء إلى قِطعٍ مُتناثرة مثل الزجاج المكسور مهما كانت صلابة الشيء المستهدَف، لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى فارقٍ زمني بين كل استِخدام، لذلك لا يستطيع شوفين استخدامها إلا في الحالات الضرورية.

أرسَل شوفين صدمةً قويّةً نحو الصخرة، وفي نفس الوقت.. أرسل جسدُه ذبذباتٍ لحِماية نفسِه تلقائياً، استمرّت الصدمة لبِضعة أجزاء من الثانية قبل أن تتحوّل الصخرة إلى فُتات وكأنها مُجرّد صخرةٍ هشّة، عبس شوفين وهو ينظُر إلى يدَيه ويتفحّص جسدَه، ليس لِأنه لا يزال سليماً رغم أن الصدمة تؤثّر على الجسد، وإنما لأن الذبذبات التي طوّرها الجسد الخالد كانت شبيهةً بِآلية عمل مهارة الصدمة، ولم ينتبِه شوفين لهذا الأمر حتى الآن رغم أنه سبق وجرّب الصدمة مِن قبل، وبعد تفكيرٍ سريع.. ابتسم شوفين وبدأ يفهم ما حدث حيث كان التطوير الأخير في الجسد الخالد مُعتمِداً على المهارة الفطرية الخاصة بِـ هرقل وليست تقنيةً مُتعلّقة بالجسد الخالد نفسِه.

بعد هذا الاستنتاج.. بدأ شوفين يُفكّر في إمكانية تطوير المهارة الفطرية الخاصة بِـ ريكو أيضاً، لكن تلك المهارة مُختلِفة عن مهارة هرقل لأنها مهارة مُتعلّقة بالدماء وليس بالجسد الخارجي، ولا يعلم إن كان الجسد الخالِد سيُطوّرها أم لا، لكنه توقّف عن التفكير لأن الوقت ليس مُناسِباً الآن، خاصةً عِندما رأى المنظر خلف الصخرة المُحطّمة، والذي كان يُشبِه مدينةً واسعة تحت الأرض.

نظر شوفين إلى المدينة الواسعة قبل أن يقوم بِتفعيل القدرات البصرية الخاصة بِه، وذلك لِأن وجود مدينةٍ كبيرة مثل هذه شِبه مُستحيل داخل جبلٍ صغير، وبالفِعل.. ابتسم مُباشرة وقال

"قد تكون ماكراً، لكن.. ليس معي أنا"

قال هذا لأنها كانَت مُجرّد مدينةٍ وهمية مصنوعة مِن الطاقة العادية وليس مِن الطاقة الروحية كما في العادة، وهذا نادرٌ بعض الشيء وسيُخدَع بهِا أي شخصٍ لا يملِك الخِبرة اللازِمة، ركّز شوفين نظرَه على الطريق وهو يدخل إلى المدينة الوهمية، وصل إلى جِدارٍ يعترِض الطريق المخفي فدفعَه بِقوّة، لكنّه لم يهدِمه وإنما اخترقَه وكأنه مُجرّد جِدارٍ وهمي، وهذا لأن الجدران تبدو صلبةً مِن أول احتكاك، لذلك سيُخدَع بِها أي شخصٍ عادي ويعتقِد بأنها صلبةٌ حقاً، بينما تحتاج إلى دفعِها بِالقوة للعبور خِلالها، استمرّ شوفين على هذا حتى وصل إلى نِهاية الطريق حيث كانت غُرفةٌ بيضاء وفي وسطِها طاوِلةٌ صغيرة، توقّف شوفين وبدأ يدرُس هذه الغُرفة لأنها كانت تبدو غريبةً بعض الشيء، وبعد لحظات.. ضمّ شفتَيه وهزّ رأسه بِتعجُّب لأن الغُرفة كانت في بُعدٍ آخر رغم أنها تبدو قريبةً ويُمكِن الدخول إليها بِخُطوةٍ واحِدة.

نظر شوفين إلى عتبة الباب ثم ابتسم وقال

"لا أدري مَن يكون هذا الوغد الذي صنعَها، لكنّه كان ماكِراً حقاً، مُجرّد خُطوةٍ خاطِئة تجعل الضحية يضيع في الفراغ"

مع أن بين الباب والغُرفة خُطوة واحدة فقط إلا أنها في الحقيقة مسافةٌ لا مثيل لها، والغرفة بِأكملِها ليسَت تحت الجبل البركاني وإنما في مكانٍ مُختلِف مثل أركادية، لذلك مدّ شوفين يدَيه وأخرج طاقة الفراغ لصِناعة جِسرٍ بين الباب والغُرفة، ورغم أنه لا يدري ماذا قد يكون فيها إلا أنها تستحِق الاستكشاف، لكن هذا سيأخُذ بعض الوقت بِسبب بُعد الباب عن الغُرفة.

...

خارج المدينة الوهمية.. سقط الشاب القصير المُسمّى نيروم مع الحِمم واصطدَم مع الأرضية الصلبة، وكانت حالتُه سيئةً بعد انجِرافِه مع تيّار الحِمم، لكنّه قام واستعاد نشاطَه أسرَع مِن المُتوقّع ونظر مُباشرةً إلى الصخرة المُفتّتة التي دخَل عبرَها شوفين، وقبل أن يقترِب مِنها.. سقط الشباب الثلاثة خلفَه وكانَت أحوالُهم أكثر سوءً مِنه، لم ينتظِرهُم وإنما تقدّم ودخل مِن البوابة بِسُرعةٍ قبل أن يُزعِجوه بِأسئلتِهم، ومع أن الثلاثة قد رأوه إلا أنه غاب عنهُم بِمجرّد عبورِه للبوابة المكسورة، وهذا جعلَهم يقِفون بِسرعةٍ ويتبعونَه، لكن المنظر الذي بدا لهُم جعلَهم يُصدَمون لِأن وجود مدينةٍ تحت الأرض يُعتبر أمراً ضخماً، وربما يجِب عليهِم إبلاغ الكِبار لإيقاف المُسابقة في أقرَب وقت، لكنّهم لن يتركوا فُرصة استكشاف المدينة أولاً للحصول على بعض كنوزِها لِأن الكِبار قد يأخُذون كل شيءٍ لأنفُسِهم، وبينما كان هاميون و ساسما يُفكّران فيما سيفعلانِه.. اندفَع كاراكان بِسرعةٍ كبيرة نحو أحد شوارِع المدينة واختفى عن الأنظار، صرخ هاميون بِقوّة

"هذا اللعين.. يُريد أخذ كل شيءٍ لِنفسِه"

قال هذا ثم انقضّ هو الآخر نحو المدينة قبل أن يتبعَه ساسما أيضاً، اختفى الثلاثة قبل أن يظهر نيروم ويقول

"هؤلاء الأطفال لا يعلمون شيئاً، لكن.. ذلك اليافع الغريب، هل هو الذي فتح هذا المكان ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما هي الأشياء التي سيجِدُها شوفين في تِلك الغُرفة البيضاء ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/18 · 465 مشاهدة · 1398 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024