"أجلُب لي قلب النار، وخِلافَه.. اِفعَل ما شِئت"

اهتزّ السلاح فرحاً ثم تحوّل إلى نمطٍ غريب يُشبِه سمك الإنقليس قبل أن ينطلِق بِسرعةٍ نحو الأعماق، وتُعتبَر رِحلتُه مليئةً بِالإفادة حيث سيمتصّ الطاقة مُباشرةً من الحِمم ويصقُل بِحرارتِها تِلك المعادِن الكثيرة التي حصل عليها في الأشهُر الماضية، خاصةً تِلك الأسلِحة السماوية المُرتفِعة التي أخذَها شوفين مِن باهان بعد فوزِه في الرهان ضد رافين، ناهيك عن معادِن النيازِك وغيرها، أما إن كان سيُواجِه أية مشاكِل في رِحلتِه فهذا الأمر سيُراقِبُه شوفين عبر الصلة الروحية التي بينهما.

أغلقَ شوفين عينَيه وترَك الجسد الخالِد يُقوّي نفسَه بِنفسِه مع أن شكلَه الخارجي كان قد تحوّل إلى جيفةٍ مَشويةٍ قبيحة المنظر، ولولا أن شوفين يثِق في الجسد الهلامي المُعالَج بِدمعة الحب لما سمح لِنفسِه أن يُصبِح بِهذا الشكل، لكنّه كان واثقاً مِن أن مكاسِبَه ستكون أفضل إذا بقِيَ داخِل الحِمم لِوقتٍ إضافي.

في العادة.. يَستطيع أي مُتدرّبٍ حِمايةَ نفسِه داخِل الحِمم باستخدام دِرعٍ من الطاقة، وتختلِف مدة الحماية وفعالِيتُها حسب مُستوى تدريبِه ونوع العُنصر الذي يتدرّب عليه، حيث يُعتبر عنصر النار أو الجليد هما الأفضل للحماية، أما العناصر الأخرى مثل الأرض والرياح والبرق.. فهي أقل فاعلية، لكن هذا ليس المعيار الوحيد حيث يُمكِن للمتدرّب الأقوى أن يَحتمِل أكثر مِن الأضعف حتى وإن كان يستخدِم عنصراً غير النار والثلج، وطبعاً.. كل هذا دون ذِكر مسألة الأسلِحة والدروع التي تستطيع حِماية صاحبِها بِنفس الفاعلية أو أفضل حتى.

في مكانٍ بعيد داخِل الجبل.. استخدَم المُشارِكون في المسابقة أساليبَهم الخاصة للنجاة مِن الحِمم، وفي كهفٍ واسِع.. ظهر المُشارِكون الواحِدَ تِلو الآخر حتى تجمّع أكثر مِن ثمانين شاباً، وكان بينهُم راجيان الذي وعدَ جدّه بالقضاء على شوفين، وذلك الشاب القصير والذي يبدو أضعف المُتدرّبين، وغيرِهما مِن أتباع مدرسة الشوكة السوداء وعشيرة النار الهائجة، بِالإضافة إلى مجموعاتٍ أخرى من المتدربين، وبِسبب كثرتِهم.. لم ينتبِه أتباع العشائر القوية إلى دخول مَن لا ينتمي للعشائر الأربعة بِسبب فتح الطريق على يد مجهول.

في نهاية الكهف الواسع.. كان منظرٌ غريب يجذِب أنظار الجميع، حيث كان ما يُشبِه شلالاً مِن الحمم يتصاعد مِن بِركةٍ واسِعةٍ مليئة بالحِمم، وداخِلَه.. كانت تطفو كرةٌ نارية وردية اللون، صرَخ أحدُهم مِن عشيرة النار الهائجة

"إنه قلب النار، بِما أن وردي اللون فسَوف ينضُج بعد أسبوعٍ أو أقل"

ضحِك أحد أتباع مدرسة الشوكة السوداء ثم قال

"هُنا.. ينتهي اتّفاقُنا يا رِفاق، مَن أراد جمع زهرة النار فلا بأس، لكن قلب النار سيكون مِن نصيب مدرسة الشوكة السوداء"

عبس شابٌّ ضخم مِن إحدى القِوى الأربع ثم قال بِحزم

"لا تعتقِد بأنّكم ستحصُلون عليه فقط لِأن عددَكم أكبر مِن أعدادِنا، قلب النار سيكون مِن نصيبِنا نحن"

تقدّمَت فتاةٌ رقيقة تحمِل سيفاً حاداً على ظهرِها حتى وقفَت أمام البِركة، تصفّحَتها بعِنايةٍ قبل أن تقول

"لِماذا لا نترُك قلب النار حتى ينضُج ثُم نُقاتِل بعضَنا البعض ونرى مَن يستحِقّه ؟"

صمت الجميع وهُم ينظرون إليها ثم بدؤوا يُوشوِشون فيما بينهُم

"أليسَت هذه هي فانتين مِن عشيرة سيف النور ؟"

"يُقال بِأنها قريبةٌ مِن إتقان سيف النور الذي تُعرَف بِه عشيرتُها، وحينَها.. لن يهُمّ مُستواها التدريبي لِأنها ستكون في مقام الكِبار"

"لا تهمّ قوّتها كثيراً ضد ساسما من عشيرة النار الهائجة،خاصةً بعد حصولِه على إرث مؤسّس العشيرة قبل بِضعة أشهُر"

"أصمت ... أنت تقول هذا لأنكما مِن نفس العشيرة، لا تنسى بأن ساسما قد تهرّب مِن تحدّي السيد الشاب كاراكان"

"هاهاها، يا لها مِن مزحة، هو لم يتهرّب وإنما لم يُرِد الوقوع في أساليبِكم الخِسّيسة يا أتباع مدرسة الشوكة السوداء"

"أنتُما لستُما مُحايِدَين، وإلا.. فلا يجِب أن تنسوا بِأن هاميون مِن عشيرة الرمل الأحمر يملِك جسداً موهوباً، حتى أن جدّه شاريون يُريد أن يورِثَه سيادة العشيرة"

استمرّ اليافِعون في النقاش حول مَن يكون الأقوى بين شباب القِوى الأربع، بينما اقترَب الشاب القصير إلى بِركة الحِمم وركّز عليها طويلاً بِملامِح مُعقّدة لِأنّه أحسّ بِشيءٍ غريب لا يُمكِن تفسيرُه، لكنّه تراجَع بعد ذلك ولم يعُد يُراقِبها لِأن الحِمَم بدأت تُخرِج أزهار النار ويجِب عليه أن يحصُدَها مِثل أغلب الحاضرين.

مع أنها تُسمى أزهار النار إلا أنها في الحقيقة عِبارةٌ عن كُراتٍ نارية تخرُج مِن الحِمم وتطير إلى سقف المغارة في حركة عشوائية، لكنّها تخمُد وتفقِد طاقتَها إذا اصطدمَت بِالسقف أو الجدران، لذلك استعدّ الجميع عِندما بدأت علامات ظهورِها حتى يُمسِكوا بِها ويُخزّنوها في أدوات التخزين لِصقلِها عِندما يخرجون.

...

بعد أسبوع.. فتح شوفين عينَيه داخِل الحِمم، لم يُضطرّ هذه المرّة لحِماية عينَيه بِالطاقة لأن جسدَه كان يُرسِل ذبذباتٍ قويّة تجعل الحِمم لا تقترِب مِنه، وكان هذا هو أقصى تطويرٍ يُمكِن أن يصِل إليه لِأن الحِمم لم تعُد تُشكّل عليه أي خطر، ومع أن هذا قد حدَث مُنذ بِضع ساعاتٍ إلا أن شوفين قد فضّل البقاء قليلاً لعل شيئاً آخر قد يحدُث، لكنّه فتح عينَيه بعد إحساسِه بسِلاحِه وهو يستعدّ لاتّخاذ خُطوةٍ بعد سكونٍ طويل، ما يعني بِأن قلب النار قد قارَب على النّضج.

رفع شوفين يدَه ونظر إليها ثم ابتسَم وقال

"يجِب أن تكون هذه إحدى أنواع البِنيات الجسدية، لكنّها أول مرّةٍ أرى فيها تقنيةً تمنح الجسد بِنيةً لِأنها في العادة تولَد مع الشخص ولا يكتسِبُها، يجِب أن تكون تقنية الجسد الخالِد أكثر غرابةً مِمّا تخيّلت"

نظر للأمام ورسم طريقاً داخِل الحِمم عبر تتبُّع المسار الذي سلكَه سلاحُه قبل أسبوع، ومِن الواضِح أن الحِمم التي وقع فيها كانت مُتّصِلةً بالبِركة التي يتواجد فيها قلب النار، استخدمَ طاقتَه لِدفعِه نحو الأمام بينما يستشعِر المُحيط، وبعد نِصف ساعةٍ من السباحة.. قطّب حاجِبَيه ونظر نحو الأعماق، وقف قليلاً ثم قرّر استكشافها لِأنه شعر بِهالةٍ غريبة تأتي مِن هُناك، لم يقلَق حول قلب النار لِأن سِلاحَه أكثر مِن كافٍ لِتولّي المُهمة، لذلك دفع نفسَه للأسفل بِسرعةٍ حتى بدأت الحرارة تزداد أكثر مِن السابِق.

لم يهتمّ شوفين بِالحرارة وإنما واصل بِاندفاعٍ كبير حتى ظهرَت أمامَه كمّياتٌ ضخمة من أزهار النار وكانَت عالِقةً في بعضِها البعض، ابتسَم عِندما رآها ثم أخرَج خيوط الظلام وبدأ يحصُدها ويُدخِلها إلى أركادية حتى صارَت سماؤها مليئة بآلاف الأزهار المُشتعِلة، ولأن أركادية هي عالمُه الخاص فقد تحكّم فيها وجعلها تطفو في الهواء بِطريقةٍ مُنظّمة حيث ستعمَل مِن اليوم كمُوزّعٍ للحرارة والطاقة.

بعد حصادِه الكبير.. بدأ يشعُر بانخفاض حرارة الحِمم، ما جعلَه يهتمّ أكثر بِما يوجَد في القاع، وبعد دقائق معدودة.. بدأَت عيناه تستطيعان الرؤية بدل الاعتماد على الرؤية الروحية كما كان يفعل منذ سقط في الحِمم، وما رآه أمامَه جعلَه يبتسِم بِسعادةٍ ويقول

"مَن كان يعتقِد بِأن هذه الحِمم ليسَت طبيعيةً وإنما مُصطنعة ؟
يبدو بِأن حظّي قد قادَني إلى شيءٍ رائع هذه المرّة"

اقترَب أكثر وأكثر حتى وقف أمام صخرةٍ خضراء بارِدة تنبعِث مِنها طاقةٌ قوية، وكان حجمُها مِثل تلّةٍ صغيرة، وضع يدَه عليها وقال

"لِماذا قد يضَع أحدُهم وريداً روحياً أخضر في مِثل هذا المكان ؟"

وقف أمامها طويلاً قبل أن يبتسِم ويُضيف

"يبدو بأن هُناك شيئاً مخفياً في هذا الجبل، أتساءل إن كان سيظهر إذا أخذتُ هذا الوريد الروحي ؟"

كان شوفين في حاجةٍ لِوريدٍ روحي أخضر لِأن الوريد الذي معه لا يصنع إلا القليل من أحجار الطاقة الرمادية، ولأنه الآن في العوالِم المتوسّطة فالحجارة الرمادية هي العُملة الأقل قيمةً تقريباً، ومع أن الفقراء يتعاملون بالأحجار البُنّية والصفراء إلا أن احتياجات شوفين تقتضي كمياتٍ كبيرة من الحجارة الرمادية، وبِحصولِه على هذا الوريد الروحي سيكون قد حصل على مَوردٍ مادّي جديد، ناهيك عن الزيادة التي سيحصُل عليها في طاقتِه القتالية.

حام حول الوريد الأخضر وبدأ يرسُم حولَه مصفوفة نقلٍ فراغي حتى يُدخِلَه إلى أركادية، ومع أنه يُجيد التعامُل مع الفراغ إلا أن حجم الوريد كان كبيراً جداً، لذلك استعان بتِلك المصفوفات التي كان ينقُل بِها الأورِدة في السابِق، وبعد ثلاث ساعات.. كان قد أنهى رسم الصفوف حول الصخرة الخضراء العملاقة واستعدّ لِنقلِها، لكن.. وفي هذه اللحظة.. شعر بأن سِلاحَه قد تحرّك، ابتسم وقال

"تصرّف بِنفسِك الآن"

واصل ابتِسامتَه بينما يقوم بِتفعيل المصفوفة حيث سيأخُذ نقل الوريد نِصف ساعةٍ على الأقل.

...

في المغارة الواسعة.. كان ساسما يتقاتل ضد فانتين بينما يتقاتل كاراكان ضد هاميون، وذلك لِأن قلب النار قد شارف على النّضج ولم يرغب القادة الأربعة بِدخول قِتالٍ مفتوح وغير مُنظّم، لذلك اتّفقوا على أن ينسحِب من يُصاب بِأول خدشٍ ولو كان في ثِيابِه، وعِندما يتبقى اثنان فقط.. سيقومان بالقتال أيضاً وبِنفس القواعِد، والرابِح يحصُل على قلب النار دون اعتِراض الآخرين، ورغم أن الثلاثة كانوا خائفين مِن غدر كاراكان كما يفعل أتباع مدرسة الشوكة السوداء في العادة.. إلا أنه لن يتجرّأ على الإساءة إلى الثلاثة مُجتمِعين رغم أن معه أكبر عددٍ مِن الأتباع.

استمرّ القِتال بين الأربعة وكانت فانتين قريبةً من التغلّب على ساسما بِسبب نية سيف النور التي تخترِق أي شيء، وعلى الجانِب الآخر.. كان لِـ كاراكان اليد العُليا على هاميون بِسبب طاقتِه الشيطانية المُقزّزة والتي اتّخذَت شكل نبات اللّبلاب الشائك، وبينما هُم كذلك.. عبس الجميع ونظروا في نفس الوقت نحو قلب النار الناضِج، وفي حركةٍ خاطِفة.. خرج شيءٌ ذهبي من الحِمم يُشبِه سمكة الإنقليس وابتلَع قلب النار ثم غاص مرّةً أخرى، اتّسعَت أعيُن الجميع مِن هذا المشهَد واعتقدوا بأنّه وحشٌ ما، إلا أن الشاب القصير قال

"هذا ليس وحشاً، هذه فِعلَة فاعِل"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل يُصبِح الشاب القصير حليفاً أم عدواً لِـ شوفين ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/18 · 501 مشاهدة · 1409 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024