"أنا ... مُراقَب ؟"

استغرَب شوفين بعد شعورِه بِموجةٍ خفيفة من الطاقة الروحية تأتي مِن مكانٍ بعيد، ركّز نظرَه نحوَها إلا أن مصدرَها كان قد اختفى، ومع ذلك.. كان شوفين يملِك انطِباعاً أولياً عن صاحبِها، وبالتأكيد.. لا يجِب أن يكون شخصاً عادياً، نزَل شوفين بِالطيارة ثم اتّجَه نحو الجبل البُركاني ولم يهتمّ كثيراً بِذلك الذي كان يُراقِبُه، وبعد بِضع ساعاتٍ من الطيران.. وصل أخيراً إلى مكانٍ قريب من الجبل، نزل وأخفى سِلاحَه ثم توجّه نحو الجبل حيث كان يجتمِع العديد من اليافعين، وكان الفريق الكبير المكوّن مِن أكثر من مائة يافِع مُتواجِداً هُنا أيضاً.

اقترَب شوفين وبدأ يجمع المعلومات حول سبب تجمُّعِهم مِن أحاديث الحاضرين

"سمِعت بِأن قلب النار سيظهر هذه المرّة، لكن الكِبار ليسوا مُتأكّدين مِن ذلك"

"قلب النار ؟"

"ألا تعرِف حتى شيئاً بسيطاً مِثل هذا ؟"

"إنه كمية مُركّزة من الطاقة النارية تتكوّن داخِل الحِمم البركانية كل بِضعة آلاف سنة، كان قريباً من النضج في الدورة السابقة، والآن سيكون ناضجاً بِالتأكيد"

"نحن هُنا أصلاً للحصول على زهرة النار، أما قلب النار فسيأخُذه الأقوياء مثل عشيرة النار الهائجة ومدرسة الشوكة السوداء"

كان شوفين يستمِع للجميع وفهِم سبب قدومِهم، وذلك لِأن زهرة النار جيدةٌ أيضاً وتنمو بِأعدادٍ كبيرة، ورغم أنها تُفيد مُتدربي عنصر النار أكثر مِن غيرِهم.. إلا أن غيرَهم يستطيعون الاستفادة مِن طاقتِها أيضاً، لذلك لن يُزاحِموا الأقوياء للحصول على قلب النار.

بعد نصف ساعة.. بدأ الجبل يهتزّ بِقوةٍ فضحِك الجميع وقال بعضُهم

"يبدو بأنهم قد استطاعوا تفعيل الطريق الخفي"

"مع أن طريقة فتحِه تتغيّر في كل دورةٍ إلا أنها ليسَت بِذلك التعقيد"

وفي هذه اللحظة.. اصطفّ أربعة يافعين مِن أتباع أربعة عشائر قوية وأغلقوا الطريق أمام الجميع في الوقت الذي كان فيه رِفاقُهم يدخلون إلى الجبل، وهذا يعني بِأنهم لا ينوُون ترك الآخرين يمرّون، وبعد دخول العشائر الأربعة.. تقدّم أحد الحراس الأربعة وقال بِأعلى صوتِه

"الطريق إلى الداخِل محفوفٌ بِالمخاطِر، لذلك.. يجِب أن تنتظِروا هُنا حتى ينتهي رِفاقُنا مِن فتحِه لأجلِكُم"

صرخ بعض اليافعين بِغضب

"بل تُريدون أخذَ كل شيءٍ لأنفُسِكم"

"اِجتمِعوا يا رِفاق ودعونا ندخُل غصباً عنهُم"

قال الحارِس السابق

"أخبرتُكم بِأنّنا سوف نسمَح لكم بِالدخول بعد فتح الطريق، فلِماذا تُريدون الإساءة للقِوى الأربع ؟"

بِهذه الكلمات.. بدأ حماس الشباب يتناقص لأنهم لا يستطيعون الإساءة إلى القِوى الكُبرى، لكن هذا لم يكُن حال أحد اليافعين المُتحمّسين حيث انقضّ على الأربعة وهو يصرُخ

"إذا لم تتركوني أمُرّ فسأفعلها بِنفسي"

لكن حماسَه لم يُسعِفه حين تمّ رميُه بعيداً بِهجومٍ ناريٍّ مِن أحد أتباع عشيرة النار الهائجة، سقط اليافِع أرضاً وتسرّبَت الدماء مِن أنفِه قبل أن يقوم بِصعوبةٍ وينظر نحو خصمِه بِحقد، إلا أنه لم يُفكّر في الانتقام لأنه لا يملِك القوّة لذلك، لكن.. وفي هذه اللحظة..

بووووووووم~

انفجر شيءٌ ما بين الأربعة وصنع كرةً من النار السوداء، وفي لمحة عين.. كانت أجساد الحراس الأربعة قد فقدَت أنصافها العُلوية، وهذا المنظر جعل الجميع يتراجعون ويصرخون

"مَن فعل هذا ؟"

"كيف لِـهجومٍ واحِد أن يُطيحَ بِأربعة مُتدرّبين في مستوى #سيادي_مُتقدّم ؟"

"يبدو أن بينَنا خبيراً مُختبِئاً"

ارتعَب الجميع مِن الحدث ولم يعلموا إن كان خيراً أم شراًّ، وذلك لِأن القِوى الأربع ستقوم بِمُحاسبتِهم على مقتَل أتباعِهم، خاصةً أنهم لم يستشعِروا أي شيءٍ قبل الهجوم أو بعدَه ولا يعلمون المُتسبّب فيه، لكن.. ورغم اضطراب الجميع.. كان هُناك شابٌ عشريني قصير ينظُر باستغرابٍ نحو شوفين الذي كان هادئاً بِطريقةٍ غريبة، ورغم أن شوفين قد شعر بِنظرات الشاب القصير إلا أنه لم يلتفِت إليه حتى لا يُثير الشك في قلبِه، خاصةً أنه يعلَم بِأن هذا الشاب يُخفي أكثر مِمّا يُبدي، وحسب حَدس شوفين وخِبرتِه فإن هذا الشاب القصير هو الذي كان يُراقِبُه قبل ساعات، ما يعني بِأنه يجب عليه الحذر مِنه.

بعد فترةٍ من المراقبة.. سحب الشاب القصير نظراتِه وتصفّح أثر الهجوم الخفي الذي قام به شوفين، ورغم شكوكِه إلا أنه لم يستطِع التأكّد مِن صاحب الهجوم، خاصةً أن شوفين قد استخدَم النسخة الجديدة مِن النحل المُتفجّر دون سابِق إنذار، وذلك لِتجرِبة قوّتِها ومدى تأثيرِها، وبِما أنها استطاعَت قتل أربعةٍ مُتدرّبين في مستوى #سيادي_مُتقدّم في لمحة عين.. فإنها ستكون مُزعِجةً جداً لأي مُتدرّبٍ في مستوى #ملك_مُبتدئ أو أقل.

بعد صمتٍ دام أكثر مِن رُبع ساعة.. بدأ الحاضِرون يفقِدون صبرَهم ويدخلون إلى الجبل، لذلك دخل شوفين أيضاً وكأنّه مُجرّد شخصٍ عادي، وبِمُجرّد الدخول.. بدأت درجة الحرارة تزداد وتُصبِح مُزعِجة، ابتسم شوفين وتواصل مع سِلاحِه قائلاً

"يبدو بِأنك سوف تستمتِع كثيراً يا صديقي"

اهتزّ السلاح وهو داخِل جبهة شوفين فضحِك وقال

"نعم نعم، سأترُكك تفعَل ما تشاء، لكن قلب النار سيكون مِن نصيبي"

استمرّت الجموع بِالتدفّق داخِل الجبل حتى وصلوا إلى وادٍ عميق مليءٍ بالحِمم، لكنهم لم يجِدوا أحداً مِن الذين دخلوا في وقتٍ سابِق، ما يعني بأنهم قد مرّوا فوق الواد، وبدون تفكير.. قفزَت مجموعةٌ من اليافعين للوصول إلى الطرف الآخر، لكنّهم وقبل أن يصِلوا إلى الطريق الذي يظهَر لهم.. تصاعدَت الحِمم على شكل ثعابين ضخمَة والتفّت حول اليافعين ثم سحبَتهُم إلى الداخِل وهُم يصرخون، عبس الجميع وبدؤوا يتراجعون بينما صرخ أحدُهم بِخوف

"لم يذكُر الكِبار أي شيءٍ حول هذا"

قال آخر

"سمِعتُ بِأن هذا الجبَل يُغيِّر طُرقَه كل فترة، ولابد أن هناك طريقاً آخر، فلا يُعقَل بأن كل الأقوياء الذين دخلوا قد ابتلعَتهم ثعابين النار جميعاً"

بدأ الجميع يبحثون عن الطريق في الأرض والجدران، أما شوفين فقد اقتربَ إلى الوادي الناري وبدأ ينظُر إلى الحِمَم، وبعد لحظاتٍ قليلة.. ابتسم وقفز دون تردّد، انتبهَ له عددٌ قليل من الشباب دون أن يعلموا هُوّتَه، إلا ذلك العشريني القصير لأنه كان يُراقِبُه، لذلك اقتربَ هو أيضاً ونظر إلى الحِمم، ابتسم أيضاً لأنه رأى مجموعةً مِن مصفوفات النقل المخفية في النار، لذلك قفز هو أيضاً، ويبدو بأن ثعابين النار لا تُهاجِم من يقفِز للأسفل بينما تعترِض طريق من يقفِز عمودياً أو يُحاوِل الطيران.

بعد فترةٍ من الوقت.. بدأ الأذكياء يختفون الواحِد تِلو الآخر دون إثارة الضجة حتى ينفرِدوا بِحظٍّ أكبر، حيث كان عدد مصفوفات النقل محدوداً وحظوظها قد تكون مُختلِفةً مِن مصفوفةٍ لِأخرى، لكن تميِيز أفضلِها مِن أسوئها غير مُمكِن تقريباً، وحتى شوفين لم يجِد أي فرقٍ بين المصفوفات لذلك اختار إحداها عشوائياً، وبعد دخولِه إليها.. كان حظُّه سيئاً مُقارنةً بالآخرين حيث ظهر في بِركةٍ من الحِمم، علِم مُباشرةً بأن الكثير من تِلك المصفوفات تقود إلى الفِخاخ، وبعضُها فقط هي التي تقود إلى الطريق الصحيح، أو ربما تقود جميعها إلى الحمم ويعتمد الخروج منها على مهارة كل شخص.

أحسّ شوفين بِحرارة الحِمم فابتسم ولم يخَف لأنه كان ينوي الغوص فيها منذ البداية لِمُساعدتِه على صقل الجسد المعدني الخاص بتِقنية الجسد الخالِد، وبِهذا سيدفع صلابة جسدِه إلى مُستوىً آخر رغم خطورَة العملية، أرخى شوفين دِفاعاتِه وغاص في الحِمم فبدأ جِلدُه يتغيّر ويكاد يحترِق، ظهر الجسد المعدني مُباشرةً وبدأ يُدافِع عن نفسِه، وﻷن الهجوم ليس صلباً فهو لَن يتحوّل إلى الجسد الهُلامي، وما عليه إلا الاستحمال والتطوّر إلى مُستوىً آخر.

يُعتبر الجسد الخالِد تقنيةً بِدائية غريبة مِثل باقي التقنيات البِدائية، لكن ما يزيد غرابتَها هو أنها تقنية لم يتدرّب عليها أحدٌ مِن قبل، ما يجعل شوفين أول شخصٍ يستكشِف أغوارها، ولن يجعلها تصِل إلى قمّتِها إلا عبر المُخاطرة كما يفعل الآن، حيث صار جسدُه مُتغيّر اللون والشكل وانتشرَت رائحة اللحم المحروق وكأنها حفلة شِواء، وعِندما بدأت الحرارة تُؤثّر عليه.. بدأ يُفكّر في تعميم طاقتِه لِمنع الحِمم من المرور إليه أو الاختباء داخِل البيت الآمن، إلا أنه توقّف عِندما أحس بِبعض التغيِير في الجسد المعدني وكأنه يخوض معركةً مع نفسِه ضد عدوِّه الجديد.

بعد ربع ساعة.. بدأ الجسد المعدني يُرسِل ذبذباتٍ خفيفة جعلَت شوفين يستغرِب مِنها، ومع أنه كان في حالةٍ صعبةٍ حيث كان يحمي عينَيه وأعضاءَه الداخلية بالطاقة حتى لا تتضرّر.. إلا أنه كان مُنتبِهاً لأي تغيِيرٍ على مُستوى جسدِه الخارجي، وهذه الذبذبات كانت تبدو عادية جداً ولا تؤثّر على الحِمَم، لكن ظهورَها كان له سببٌ بالتأكيد، وهذا زاد إصرارَه على البقاء داخِل الحِمم لِأطول فترةٍ بِغرض استكشافِها، لكنّه بالتأكيد.. لا يُخطّط لِترك قلب النار يضيع مِنه، ما جعلَه يُخرِج سِلاحَه ويقول له

"أجلُب لي قلب النار، وخِلافَه.. اِفعَل ما شِئت"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك..
1- من يكون ذلك الشاب القصير ؟
2- ما نوع التطوير الذي سيحدث لِتقنية الجسد الخالد ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/17 · 505 مشاهدة · 1261 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024