157 - مهارة الاستبصار

"هذا أقصى ما أستطيع فَتحَه، أتمنى أن يكون كافياً"

نظر شوفين إلى الفُتحةٍ الصغيرة التي فتحَها نيروم نحو نواة عالمِه الفراغي، ومع أنها أصغر حتى مِن الفتحة التي يُنشؤها خاتم التخزين إلا أنها كافِيةٌ لِـ شوفين لأنها مصنوعةٌ من الطاقة الفراغية، اقترَب مِنها وأخرَج كميةً كبيرة من طاقتِه الفراغية ثم قال

"لا تُقاوِم"

أدخل طاقتَه الفراغية وبدأ يُوسِّع الفُتحة حتى صارَت كافِيةً لإدخالِه، تقدّم بِهدوءٍ حتى غاص في الطاقة الفراغية وظهر داخِل غُرفةٍ صغيرة، وكان الانتقال فورياً مثل الانتقال إلى أركادية حيث يوجد فرقٌ بين الانتقال الفراغي بين مكانَين والانتقال الفراغي بين مكانٍ وعالمٍ فراغي، نظر شوفين أمامَه ورأى نُسخةً روحية أكثر شحوباً مِن نُسخة تاليس التي كان معها قبل قليل، تفاجأَت نُسخَتُه لأنها لم تتلقّ خبر شوفين مِن النسخة الجسدية، ابتسَم شوفين نحو النسخة الروحية ثم قال

"لا تتحرّك، أنا هُنا لِمنفعتِك"

عبس نيروم الضبابي وأراد التدخّل إلا أنه كان ضعيفاً جداً بِسبب توقّف نموِّه بعد انشِطار جسدِه، تجاهلَه شوفين وبدأ يرسُم نفس المصفوفة التي رسمَها في نواة عالم تاليس، انتهى مِنها ثم سمح لِـ نيروم بِالوصول إلى نُسختِه الروحية وصار هو الذي يتحكّم فيها، وكان أول شيءٍ ينظُر إليه هو تِلك المصفوفة المُعقّدة، عبس وقال

"ما غرض هذه المصفوفة يا سيد ؟"

قال شوفين بِهدوء

"مُجرّد مصفوفةٍ لِنقل الأغراض إليك، وأنت أيضاً تستطيع إرسال الأغراض بِها إلى الأماكِن التي سأحدّدها لك لاحِقاً، على أي حال.. دعنا نُنشِئ عقدنا المُتساوي"

بعد دقائق.. كان شوفين قد انتهى مِن إنشاء العقد وضمِن بِأن نيروم وجميع نُسخِه لَن تقوم بالغدر بِه أو إخبار أسرارِه لأي شخصٍ آخر، بعدَها.. أعطى نيروم نفس المعلومات التي أعطاها لِـ تاليس حول توسيع وتعزيز العالم الفراغي، وفي المُقابِل.. أخذ مِنه نُسخةً مِن تقنية الانشطار، وبعد الانتهاء مِن كل شيء.. نظر شوفين نحو أغراض نيروم وكانَت ذات نوعية رديئة بِسبب فقرِه ومُستواه التدريبي البسيط، مدّ يدَه وأخرَج كمّيةً مِن الكنوز وأحجار الطاقة ثم خرج.

عاد شوفين إلى حيث كان فوجَد نظرةً عاطفية على وجه نيروم بِسبب الهِبة التي أعطاها له، ابتسَم نحوَه ثم قال

"أول شيءٍ ستفعلُه هو العمل على توسيع عالمِك الفراغي، وحينها فقط.. ستكون أمامَك فُرصةٌ لِرفع تدريب نُسخِك، وخلال هذه الفترة.. اِبدأ بِجمع معلومات المؤسسات والشخصيات القوية والغنية داخِل العوالِم التي أنتَ بِها حالياً، ولا تهتمّ بِالمصاريف لِأني سأُخصّص لك ميزانية خاصة، وأيضأ.."

أرسل شوفين حُزمةً ضوئية نحو نيروم وقال له

"هذه مجموعةٌ من المعلومات حول فنون الكلام وطُرق الاستنطاق المُستخدمة في الاستخبارات، بِالإضافة إلى تقنيةٍ لِتغيِير شكلِك، ومع أنها تغيِيراتٌ بسيطة مِثل التحكّم في لون الشعر والبشرة.. إلا أنها مُفيدةٌ لِعملِك الجديد"

أومأ نيروم بِرأسِه وكأنه مُجرد مُوظّفٍ لدى شوفين، صمت الاثنان قليلاً حتى قال شوفين

"غادِر الآن وتصرّف كأنّك لا تعرِفني، سأتواصل معك عبر نُسختِك الروحية عِندما أُجهّز كل شيء، لكن.. تذكّر جيداً بِأن أي مُحاولةٍ لِخداعي أو إيذائي تعني دمار نُسختِك الروحية في عالمِك الفراغي وفِقدان صِلتِك الوحيدة بِنُسخِك الأخرى"

هزّ نيروم رأسَه بِالنّفي وهو يقول

"أنا شخصٌ يعرِف قدرَه ولن يُسيء إلى السادة أبداً، حتى بِدون العقد المُتساوي"

أومأ شوفين نحوَه ثم بدأ يُحوّل جسدَه إلى مادةٍ هُلامية وهو يقول

"العقد المُتساوي لِضمان حصولِك على ندى النجوم بعد افتِتاح عالم الجمرة الخبيثة، ستعلم يوماً ما بِأن التحالُف معي هو أفضل شيءٍ قُمتَ بِه في حياتِك، يُمكِنك المُغادرة"

كان نيروم مصدوماً وهو ينظُر إلى القشور المحروقة وهي تتَساقط مِن جسد شوفين بينما يظهر تحتَها جلدٌ ناعِم، وما هي إلا ثوانٍ حتى ظهر جسد شوفين العاري وكان مُعافى وكأنه لم يكُن محروقاً مِن قبل، وحتى شعرُه الذي كان محروقاً ومُقصّفاً قد تمّ تجديدُه وصار ناصِع السّواد مِثلما كان سابقاً، تنهّد نيروم ثم استدار وغادَر فابتسَم شوفين لِأن صيدَه كان كبيراً هذه المرة، فبِالإضافة إلى تاليس التي تملِك متجراً وموارِد مادية ضخمة.. حصل شوفين على خمسمائة تابِع في خمسمائة عالَم مُتوسّط، ومِثل هذه النتيجة لم يكُن يتوقّع تحقيقها في عالم الصحراء الخضراء.

انتهى مِن عِلاج حروقِه ثم لبِس ثِياباً سوداء كالعادة ونظر نحو المدينة الوهمية وكانَت جُدرانُها قد بدأَت تختفي بِسبب حصول شوفين على الوريد الروحي الأخضر الذي كان مصدرَ الطاقة الوحيد لِكل شيءٍ في هذا الجبل، ضحِك على خيبة تاليس ثم غادر مِن نفس الطريق حتى وصل إلى الباب الذي كسرَه في وقتٍ سابِق، وهناك.. كان العديد مِن اليافعين يتخبّطون في الجدران الوهمية التي فقدَت صلابتَها، لم يهتمّ بهِم وإنما تقدّم نحو الفجوة التي سقط مِنها للمُغادرة فوجدَ العديد من الشباب يُناقِشون بعضَهم البعض حول طريقة الخروج لِأن الفجوَة كانَت مُغلقةً بالحِمم المُتصلّبة بعد فقدان مصدر الحرارة، كما أن أغلبهُم لا يستطيعون الطيران ولا يملِكون أدواتٍ للطيران لذلك لم يطيروا إليها للتحقّق مِن صلابتِها.

رفع شوفين رأسَه وبدأ يستكشِف السقف قبل أن يعود نحو المدينة الوهمية لِأن اختِراق السقف مُستحيلٌ تقريباً بِسبب كمية الحِمم المُتصلّبة، لذلك سيكون مِن الأفضل البحث عن الطريق الآخر الذي تحدّثت عنه تاليس، دخل مرّةً أخرى إلى المدينة وكان نيروم قد فعل نفس الشيء الذي فعلَه شوفين رغم أنه ليس مُتأكداً مِن وجود طريقٍ آخر، عبر شوفين بوابة المدينة الوهمية فوَجد بِأن جميع الجُدران قد اختفَت نِهائياً وظهرَت ساحةٌ كبيرة، وفي هذه الأثناء.. صرخ أحد أتباع عشيرة الرمل الأحمر التي ينتمي إليها العجوز شاريون وحفيدُه هاميون، صرخ وهو يُشير إلى شوفين

"هذا هو ... إنه الشخص الذي سرق قلب النار"

اتّسعَت عينا شوفين وهو ينظُر نحو الشاب وكان قصيراً وله بطنٌ بارِز بِطريقةٍ غريبة، ابتسمَ شوفين عِندما رأى شكلَه ثم واصل الاقتراب مِنه، وكان هاميون يقترِب أيضاً نحو تابعِه حتى وقف بالقُرب مِنه، لكنّه لم يكُن الوحيد الذي يقترِب وإنما كان كاراكان وساسما أيضاً مُهتمّين بِمن سرق قلب النار، وصل إليهِم شوفين مع ابتسامةٍ هادِئة فصرخ عليه هاميون

"أنت هناك ... هل ما يقولُه صحيح ؟"

كان واضحاً للجميع بِأن هاميون يُريد اتّهام شوفين بِسبب ما قالَه سابِقاً لِجدّه، لكنّهم لم يعتقِدوا أن يقول شوفين بِهدوء

"نعم ... لماذا ؟"

صمت الجميع وبدؤوا يُفكّرون فيما إن كان شوفين يمزح أم يقول الحقيقة، لكن أقوياءَهم كانوا مُهتمّين بِمن يملِك قلب النار، وبعد صمتٍ صرخ هاميون

"سلّمه لي وسأُفكّر في تركِك على قيد الحياة"

ابتسم شوفين وقال بِهدوء

"لقد ملَلتُ مِن حِوارات الروايات الصينية، ألا تستطيعون الحديث بِطريقةٍ أخرى ؟"

في الماضي.. وبعد مُوافقة منظمة العوالِم المتّحدة على تطبيق نِظام التدريب المُستخلَص من الروايات الصينية في العوالِم التي تبنيها.. تسرّبت معه العديد من الحِوارات والعادات الغبية الموجودة في الروايات، بل وحتى الأمثال الشعبية مثل "سامحني لأني لم أستطِع رؤية جبل تاي"، وكأن جبل تاي موجودٌ في كل العوالِم حتى في تِلك التي ليس فيها جِبالٌ أصلاً، لكن الكثير من العادات والأمثال قد اختفَت مع الوقت ولم يبقَ مِنها غير طريقة الحديث والتنمّر مِثلما فعل هاميون.

لم يفهَم أحدٌ ما قالَه شوفين وظهر الاستغراب على وجوهِهم، لذلك غيّر الموضوع بِسؤال

"وإذا لم أُسلِّمهُ لك ؟"

ضحِك هاميون عالياً ثم صرخ

"إذن.. سآخُذه بِنفسي"

قال هذا ثم استخدم إحدى تقنيات السرعة وانقضّ على شوفين حتى أمسكَه مِن عُنقِه، إلا أنه عبَس لِأن ما أمسكَه كان مُجرّد سراب، ما يعني بِأن سُرعة شوفين كانت أكبر مِن سُرعتِه بِكثير، وقبل أن يعلَم ما يحدُث.. سمِع صُراخاً مِن خلفِه حيث كان شوفين واقِفاً أمام ذلك الشاب القصير بِالبطن البارِز، لكن الذي جعل الجميع يستغرِبون هو أن الشاب القصير قد سقط على الأرض وكان في رأسِه ثُقبٌ كبير، رفع شوفين يدَه المليئة بِالدماء وكانَت عليها جوهرةٌ صفراء غريبة الشكل، استغرَب الجميع مِن هذا المنظر لأن البشر لا يملِكون جواهِر في رؤوسِهم مِثل الوحوش، أما شوفين فقد ضحِك وقال

"لم أتوقّع رؤية مُستبصرٍ في مثل هذا العالم البشري، يبدو أن حُمّى الوِلادات الخارجية قد وصلَت إلى جميع العوالِم الاستثنائية"

كان الشاب مِن عالمٍ استثنائي مِثل إينجِه من عالم الشجرة، وهذا الصّنف معروفٌ بِالاستبصار حيث يستطيعون قراءَة الذاكرة المُخزّنة مِن العناصر الطبيعية مثل الصخور والأشجار، وبِهذه الطريقةِ استطاع الشاب المُستبصر التعرّف على شوفين، ومع أن الاستبصار لا يُعطي صورةً واضِحة عن المبحوث عنه إلا أنها مهارةٌ مُفيدة جداً لِتقفّي الآثار، وشوفين يملِك طريقةً لاستغلال هذه المهارة الفطرية اعتماداً على هذه الجوهرة الصفراء، لكنّه لم يكتفِ بِهذا وإنما خزّن جُثة الشاب أيضاً لإعطاء مُحاولةٍ لِـ ريكو لعلّه يحصُل هو أيضاً على نفس المهارة، وهذا الفِعل جعل الجميع يستغرِبون لِأن شوفين لم يبدُ عليه الخوف مِن هاميون أو عشيرة الرمل الأحمر.

أخيراً.. نظر نحو هاميون ثم إلى باقي الشباب الذين يبدون أقوياء وقال

"هل جميعُكم تُريدون أخذ قلب النار منّي ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. مَن الذي سيُقاتِل شوفين لِأجل قلب النار ؟
1- مدرسة الشوكة السوداء بقِيادة كاراكان
2- عشيرة النار الهائجة بقِيادة ساسما
3- عشيرة الرمل الأحمر بقِيادة هاميون
4- عشيرة سيف النور بقِيادة فانتين

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/20 · 492 مشاهدة · 1334 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024