158 - مذبحةٌ هُنا ... مذبحةٌ هُناك

"هل جميعُكم تُريدون أخذ قلب النار منّي ؟"

سألهُم شوفين بِهدوءٍ وكأنه ليس خائفاً مِن أحد، عبس الجميع لِبعض الوقت حتى صرخ شابٌّ من الخلف وهو يتقدّم نحو شوفين بِسرعةٍ ومعه خمسة شباب أقوياء

"أنا لا أهتمّ بِقلب النار، لكنّنا لن ندعَك تُغادِر هذا المكان على قيد الحياة"

نظر إليهِم شوفين وكانوا مجموعة راجيان مِن ذلك المتجر، ويبدو بِأنهم اختاروا هذا الوقت للهجوم عليه حتى يحصلوا على الشّكر مِن القِوى الكُبرى، ابتسَم شوفين ثم أخرَج عجلة التدمير ورماها عليهِم وهو يقول

"ليس لدي الكثير مِن الوقت، اهتمّ بهِم لِأجلي"

انطلق سِلاحُه وهو يعلَم ما طلبَه مِنه شوفين، لذلك سيهتمّ بِهؤلاء الستّة بِنفسِه، ابتسم شوفين نحو الآخرين وأعاد نفس السؤال

"هل جميعُكم تُريدون أخذ قلب النار منّي ؟"

صمت الجميع عِندما رأوا تصرّف عجلة التدمير وقوّتها، وما أثار استِغرابهُم أكثر هو أن شوفين لا يبدو وكأنه يتحكّم في سِلاحِه الغريب، لذلك تباطؤوا عن الردّ لِأكثر مِن خمس ثوانٍ حتى تقدّمت فانتين وقالت

"أنا فانتين مِن عشيرة سيف النور، أدعوك إلى مُبارزةٍ لإثبات القوة وتبادُل المؤشّرات، أما قلب النار فلا اهتمام لي بِه"

كانت فانتين فتاةً رقيقة لها شعرٌ أسود طويل مَجدول خلف رأسِها مِثل ذيل النّمر، وتلبِس ثِياباً جلديةً سوداء وكأنها ملابس رِجالية، ولم تكُن تضع أي شيءٍ لِتجميل وجهِها أو شعرِها، بل حتى مِقبض سيفِها لم يكُن يحمِل أي علاماتٍ أُنثوية، نظر إليها شوفين قليلاً ثم قال بِبساطة

"موافِق"

أومأت بِرأسِها ثم بدأت تتقدّم للأمام، إلا أن كاراكان من مدرسة الشوكة السوداء صرخ على رِفاقِه وكانوا أكثر من خمسة عشر

"أحيطوه ولا تدعوا أحداً يحصُل على قلب النار قبلنا"

عبس ساسما وهاميون وأمرا أتباعهُما بإحاطة شوفين أيضاً حتى لا يسمحوا للآخرين بِأخذ قلب النار، تقدّمَت فانتين للأمام أيضاً ولم تَترُك الفرصة للآخرين، لكنّها لم تقِف معهم وإنما تقدّمَت حتى وقفَت بالقُرب مِن شوفين وسحبَت سيفَها، لم يتحرّك شوفين وإنما ابتسَم وهو ينظُر إلى ما تفعلُه حيث استدارَت نحو الآخرين وقالت بِحزم

"لقد وافقَ هذا الأخ على نِزالٍ شريف بيني وبينَه، ومن يُريد التدخّل بينَنا فسيكون عليه قِتالي أولاً"

عبس الجميع وقال ساسما

"هذا ليس وقت اللعب يا فانتين، وإذا كُنتِ ستقفين في طريقي فلَن أتهاوَن معك"

هقهقَت ثم سخِرَت منه

"وكأنّك لم تُهزَم على يدي قبل ساعات، دعني أرى ما الذي تستطيع فِعلَه"

رفعَت سيفَها وأخرجَت مِنه نوراً قوياً للهجوم، إلا أن شوفين قال لها

"تراجعي يا آنِسة، فبِالرغم مِن أنك قوية إلا أنك لستِ سفّاحة"

ارتجفَت قليلاً عِندما ذكر شوفين كلمة 'سفّاحة' وليس 'قاتِلة'، فهي ربما تكون قد قتلَت بعضهُم إلا أنها لا تصِل إلى الوضع الذي تُسمّى فيه 'سفّاحة'، استدارَت ونظرَت إليه باستغرابٍ فقال

"دعيني أهتم بهِم أولاً ثم تحصُلين على قِتالِك الخاص، اتّفقنا ؟"

نظرَت إليه بِملامِح جادّة قبل أن تُعيد سيفَها إلى غِمدِه وتتراجَع إلى خارِج الدائرة المُحيطة، وفي هذه اللحظة.. انطلقَت صرخةٌ قوية مِن مكانٍ بعيد، نظر الجميع ورأوا عجلة التدمير تطير نحو شوفين بعد أن حوّلَت راجيان والخمسة الآخرين إلى جُثثٍ مُقطّعة، خزّن شوفين عجلة التدمير ثم نظر نحو الجميع وقال بابتسامةٍ هادئة

"مذبحةٌ هُنا ... مذبحةٌ هُناك ... ومذبحةٌ ثالثة ستحدُث في زمنٍ قريب، هل تعلمون بِأني أستطيع قِراءة المُستقبل ؟"

نظر إليه الجميع بِعبوسٍ بعد رؤية ما حدث للستّة في مكانٍ بعيد، ضحِك شوفين ثم قال

"في الحقيقة.. لا توجد آليةٌ لِمعرفة المُستقبل، لكني أستطيع رؤية ما ستؤول إليه الأمور، مثلاً.. سأقوم بعد قليلٍ بِـإحداث مذبحةٍ كبيرة، وعِندما أخرُج.. سيأتي كِبار عشائرِكم للانتقام، وحينها.. سأقوم بإحداث مذبحةٍ أخرى، هل ترَون الآن كيف أستطيع رؤية المُستقبل ؟"

نظر إليه الجميع باستغرابٍ شديد قبل أن يُخرِج كاراكان مُذكّرةً وقلماً ويبدأ بِالكِتابة وعلى وجهِه نظرةٌ مُتحمّسة، قطّب هاميون حاجِبَيه وسأله بِدافِع الفضول

"ما الذي تفعلُه يا كاراكان ؟"

انتهى كاراكان مِن التدوين ثم خزّن المُذكّرة وقال

"أعجبَني ما قالَه لِذلك قُمت بِتدوينِه حتى لا أنساه"

قال هذا ثم استدار وغادر فتبِعه أتباعُه دون سؤال، عبس ساسما وقال باستغراب

"إلى أين أنت ذاهِب ؟"

قال كاراكان بِهدوءٍ على عكس عادتِه

"أنا أُصدّق كل كلمةٍ قالها، وحياتي أفضل مِن قلب النار"

نظر الجميع نحو كاراكان وجماعتِه وهُم يُغادِرون، لكنّهم لم يتفاجؤوا لِأن أساليب مدرسة الشوكة السوداء غريبةٌ عن أساليب باقي العشائر، فهُم مثلاً لا يشعرون بِالخِزي إذا اجتمعوا على شخصٍ واحد أو إذا غدروا بِأحدِهم بِضربةٍ في الظهر، كما لا يُقاتِلون إلا إذا كانوا واثقين من الفوز، وبِما أن شوفين قد قتل ستّة شبابٍ في مُستوى #سيادي_مُبتدئ أو أعلى فقط بِاستخدام سِلاحِه فهذا يعني بأن ما قالَه عن المذبحة قد يكون صحيحاً.

ابتسم شوفين وقال

"شخصٌ حكيم، هل هُناك مَن يرغب بإعادة التفكير قبل بدء المذبحة ؟"

نظر إلى الجميع فبدأ بعض الشباب يتراجعون لأنهم ليسوا مِن القِوى الأربع ولن يكسِبوا أي شيء، بل أصلاً لم يأتوا للقتال وإنما للمُشاهدة فقط، عبس هاميون وأخرج رملاً أحمر مِن خاتمِه ثم بدأ يتحكّم بِه، وكانَت هذه هي العلامة المُميّزة لِعشيرة الرمل الأحمر، علِم شوفين مُباشرةً بأن الرمل عِبارةٌ عن معدنٍ مُعالَج بِطاقةٍ خاصة تابعة لتِقنيةٍ ما، ابتسم نحو هاميون ثم..

بووووووم~

انفجَر جسد هاميون دون سابق إنذار ورشّ الجميع بِالدماء، لكن الانفجار هذه المرّة أتى مِن داخِل جسدِه وليس مِن الخارِج، وذلك لِأن خِبرة هاميون في الفراغ كانت فضيعةً لِدرجة أنه لم يُلاحِظ اختراق خيط الظلام لِصدرِه، وعبر هذا الخيط.. خرجَت النحلة المتفجّرة وقضَت عليه قبل أن يتحرّك، وفي هذه اللحظة.. كان الجميع يرتجِفون لِأن أحد أقوى أربعة شباب قد مات بِهذه الطريقة الفضيعة، وهذا يضع شوفين فوق الجميع داخِل مِنطقة مُسابقة جمع الترفاس الوحشي، ولَن يجِد مَن يُضاهيه في القوة حتى يخرُج مِن المسابقة.

كان ساسما قريباً من هاميون وأصابَته الدماء والأشلاء، لكن الشيء الوحيد الذي كان يُفكّر فيه هو سبب عدم استِشعارِه لِأي شيءٍ غريب قبل أن ينفجِر هاميون، وأعجَبُ مِن ذلك أنه انفجرَ مِن الداخِل، وهذا جعل قلبَه يرتجِف وهو يُفكّر في أفضل طريقةٍ للانسحاب.

كان كاراكان ينظُر مِن بعيد، ابتلع ريقَه وقال لأتباعِه

"هذا ما يُخبِرنا به الشيوخ دائماً، قاتِلوا فقط عِندما تكونون مُتأكّدين من الفوز، والهروب ليس عيباً لأنه يحتاج إلى شجاعةٍ كبيرة"

أومأ جميع رِفاقِه بِالمُوافقة وشكروا حظّهُم وفِطنة قائدِهم الذي قرّر الانسحاب باكِراً.

في مكانٍ آخر.. اهتزّ قلب فانتين عِندما رأت ما حدَث، لكن عينَيها كانتا تلمعان بشِدّة ولم تُفكّر في التهرّب مِن مُبارزتِهما المُعلنَة.

كان شوفين هادئاً عكس الجميع، نظر نحو ساسما وقال له

"هل تعرِف لِماذا أنت على قيد الحياة ؟"

نظر إليه ساسما بِوجهٍ مُلطّخ بِالدماء والأشلاء ولم يقُل شيئاً، قال شوفين

"لأنك لم تهجُم علي، ولم فعلتَ لكُنتَ مكانَه"

تجمّد ساسما قليلاً قبل أن يُعدّل وقفتَه ويَحني رأسَه قليلاً وهو يقول

"شكراً على الدّرس القيّم"

قهقه شوفين ثم قال بِلا خجل

"بِما أنكم لم تنسحِبوا عِندما قُمت بِتحذيرِكم فسأقبل خواتِم التخزين الخاصة بِكم كنوعٍ من التسوية"

اِسودّ وجه ساسما وشعر بإهانةٍ شديدة، ورغم ذلك.. سحب خاتَمه ورماه أرضاً ثم استدار وغادَر فقام رِفاقُه أيضاً بِنفس العمل، وهذا لِأنهم اعتقدوا بأن شوفين قد يكون في مُستوى #ملك_مُتقدّم على الأقل، لذلك قرّروا الانسحاب مِن أمام شخصٍ يقتُل السياديّين بِدون أي مجهود، بعدهُم.. نظر شوفين نحو أتباع هاميون فارتجفوا خوفاً لأن الجميع يعلمون حول غرضِهم الحقيقي مِن مُضايقة شوفين، فلولا أوامِر شاريون باغتيال شوفين لما تصرّف هاميون بِهذا التسرّع، والآن سيكون عليهِم شرح الأمر لِـ شاريون وقد يفقِدون حياتهُم جرّاء ذلك، وآخر شيءٍ قد يهتمّون بِه الآن هو خواتِم التخزين الخاصة بهِم.

بدؤوا يَسحَبون خواتِمَهم ويضعونَها على الأرض دون أن يُزعِجَهم شوفين لِأنه كسولٌ في هذه الأمور، انصرَف الجميع فقام بِتخزين الخواتِم وتقدّم نحو فانتين التي كانت جامِدةً في مكانِها، وقبل أن يصِل إليها.. قالَت بِنبرةٍ جادة

"مع أنك قويٌّ جداً إلا أني لا زِلتُ أريد مُبارزتَك"

ابتسم شوفين وقال

"تِلك ليست قوةً وإنما هي مُجردُ حيلة صغيرة، ومع أني لن أستخدِم مِثلها ضدّك إلا أني لن أتهاوَن معك"

أومأت وبدأت تسحَب سيفَها للقتال فهزّ رأسَه وقال

"دعينا نؤجّل المُبارزة حتى نخرُج مِن هُنا"

قال هذا ثم أكمل طريقَه فأعادَت سيفَها إلى غِمدِه وتبِعَته، تقدّم للأمام وبدأ يبحَث عن البوّابة بِاستخدام قدراتِه البصرية حتى ابتسَم وقال

"يا لها مِن غبية، أتساءل إن كان غباؤها سيؤثّر على مشروعي أيضاً"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. من هي التي وصفها شوفين بالغبية في آخر سطر ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/20 · 539 مشاهدة · 1269 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024