"يجب علينا القيام بِمذبحة داخل هذا الفراغ"

ارتجفت راموليا دون شعور عندما ذكر شوفين بأنه سيقوم بِمذبحة، أما هو فقد كان هادئاً مثل بُحيرة قديمة، نظر نحو الفراغ وقال

"لم أكُن مُستعجلاً بِشأنك، لكن.. يبدو بأنك تحب لعبة القط والفأر، لذلك سأريك أصول اللعب"

قال هذا ثم اتّجه نحو سهلٍ بعيد.

...

في مكانٍ ما داخل الفراغ.. ارتجف عجوز بِهيئة ضبابية عندما سمع ما قاله شوفين، ومع أنه لم يكُن مقتنعاً بأن طفلاً سيكون قادراً على إيذائه.. إلا أنه شعر بالرّعب عندما بدأ يفكّر في أن هذا الغريب قد لا يكون طفلاً حقاً، لكنه للأسف يعاني بضُعف ولا يستطيع فعل أي شيء غير استغلال قوة الفراغ للقيام بِبعض الخدع البسيطة.

...

خارج بوابة الفراغ.. كان بعض الأشخاص جالسين داخل خيمة كبيرة، غادر أغلب الشيوخ ولم يبقَ سوى شيخ واحد من كل عشيرة، ومع كل شيخ بعض الأتباع، وكان الشيخ راجو وباريمآن قد غادرا لأن لديهما أعمالهما ولن يبقيا ثلاثة أشهر خارج العشيرة، وبينما الجميع يتبادلون أطراف الحديث.. فجأة، حدث شيء غريب، وقف الشيوخ الثلاثة وخرجوا عندما شعروا بأن البوابة تُفتح من جديد، وبعد خروجِهم لاحظوا بأنها ليست البوابة وإنما مجرد ثقب صغير مليء بالضباب، وذلك لأن فتح البوابة يحدُث طبيعياً وحتى الكيان القديم لا يستطيع فتحها.

فُتِح الثقب وقُذف خمسة يافعين وكان اثنان فقط على قيد الحياة، عبس شيخ عشيرة وادي الرياح وسارع إليهم فلاحظ بأن الاثنين على قيد الحياة وكان أحدُهما يعاني من السموم بينما يعاني الآخر من جروحٍ خطيرة، صرخ عليهما بِجزع

"من فعل بكم هذا ؟"

قال المسموم منهما بِنبرة مليئة بالألم

"الأحمر.. القمر الأحمر"

عبس شيخ عشيرة القمر الأحمر، لكنه لم يهتم كثيراً لأن القاعدة غير المكتوبة بين العشائر الثلاث هي أن "ما يحدُث داخل الفراغ يبقى فيه"، لذلك لا يمكن لِعشيرة وادي الرياح أن تحتجّ، ومع ذلك.. أراد شيخ القمر الأحمر أن يعرف من كان هذا الذي قتل ثلاثةً وأجبر اثنين على مثل هذه الحالة، لذلك سأل

"كم عددهم ؟
هل تعرف أسماءَهم ؟"

قال المجروح الذي تعارَك مع ريكو

"أحدُهم شاب في الخامسة عشر يلبِس الأسود، وأخرى فتاة في العاشرة لديها شعر باللون الأحمر القاني، والثالث قرد بِأربعة أذرُع"

عبس الشيخ وبدأ يتذكّر قبل أن ينظُر نحو شيخ القبيلة الثالثة ويقول

"ليس في فريقي فتاة في العاشرة، هل هي منكم ؟"

قال شيخ القبيلة الثالثة

"لا أتذكر بأننا أدخلنا فتاة في العاشرة، جميعُهم فوق الرابعة عشر"

قال المسموم الذي نجا من الأربعة بِنبرة مُتحشرِجة

"اسمـ.. الشاب.. اسمه شوفين، والفتاة الصغيرة.. لقد ناداها راموليا، نعم.. هذا هو اسمها، راموليا"

عبس شيخ القمر الأحمر لأنه يعرِف اسم شوفين الذي صار الشيخ الضيف واسم راموليا التي حصلَت على اسم معلّمتها، وفي نفس الوقت.. بدأ شيخ وادي الرياح بِتقديم العلاجات الأوّلية للتلميذ المسموم، وفجأة.. وقعَت عيناه على الجثة المبتورة لِنصفَين وتغيّرت تعابيرُه قبل أن يسأل

"كيف تمّ قطع جسد زميلك بهذه الطريقة ؟"

بِسبب قسوة الحادث.. كان الناجيان الاثنان قد نسيا تقريباً أهم خبر، تغيّرت تعابير المسموم وقال بِنبرة مرعوبة

"لقد كانت راموليا، لقد أعطاها شوفين سيفاً عبارة عن سلاح سفلي متوسّط"

وسسسسسسس~

ساد صمتٌ رهيب بين الجميع، وبعد لحظات من التجمّد.. صرخ شيخ عشيرة القمر الأحمر

"ما الذي تهذي به أيها الصغير، هل الأسلحة السفلية شيء يحمِله الأطفال ؟"

عبس الشيخان الآخران لأن هذا صحيح، وحتى إن كانت عشيرة القمر الأحمر تُخفي سلاحاً سفلياً فهي لن تعطيه لأحد أتباعها حتى وإن كان ابن رئيسها، ومع ذلك.. عادت أنظارهم للجثة المقطوعة وبدؤوا بالتفكير.

بعد لحظات.. انسحب شيخ العشيرة الثالثة وبدأ بالحديث مع أتباعِه قبل أن يُغادر أربعة منهم في اتجاه عشيرتِهم، ونفس الشيء قام به شيخ عشيرة وادي الرياح، وبهذا لم يجد شيخ القمر الأحمر غير إرسال أتباعِه أيضاً للتبليغ عمّا حدث.

...

داخل الفراغ.. وصل الثلاثة إلى سهلٍ واسع لا أحد فيه، توقّف شوفين وبدأ يتأمّل السهل، وبعد بضعة دقائق.. نظر نحو الفراغ وقال

"لم أرغب بِتضييع الموارد عليك، لكنّك اضطرَرتني لهذا، وما عليك الآن غير تحمّل نتائج أفعالِك"

وبقول هذا.. لوّح بِيدَيه وبدأت آلافٌ من أحجار الطاقة البيضاء تظهر وتتوزّع على شكل دائرة قُطرها مائة متر، وبحركاتٍ خفيفة من يديه.. بدأت تتشكّل على شكل مصفوفة غريبة، استغربت راموليا لأنها لم تعتقد بأن شوفين خبير مصفوفات أيضاً، فمع أنها تعرِف بأنه وغد قديم يجيد الكيمياء إلا أنها لا تعلم شيئاً عن خلفيته وقوّتِه القديمة.

استمرّ على العمل لِأكثر من ساعة، وأخيراً.. تنهّد وقال

"ستحتاح هذه المصفوفة إلى بضع ساعات حتى تتَفعّل تماماً، وقبل ذلك.. ستجذِب الآخرين إلى هنا، لذلك يجب علينا منعهم من تخريبِها"

ابتلع الاثنان ريقهما وعلِما بأن المشاكِل قادمة، خاصة بعد أن قام شوفين بِتفعيل المصفوفة حيث انطلق منها عمود ضوءٍ قوي، ما يعني بأن أعداد القادمين إليهم ليس بسيطاً، استدارت راموليا وعلى وجهِها نظرات السخط، وبعد صمتٍ قالت

"وما الذي تقوم به هذه المصفوفة على أي حال ؟"

ابتسم شوفين وقال

"الصيد الحقيقي"

لم يقُل غير ذلك، ولم تسأل راموليا أكثر لأنها فهِمت بأن ذلك الكيان القديم يتجسّس عليهم، لذلك سيكون من الأفضل ألا يعرِف عمل المصفوفة.

أخرج شوفين أكثر مِن مائة حجر وردي وخمسة أحجار حمراء ثم واصل إنهاء المصفوفة وتحسينها، ولو كان لا يزال معه الحجر الأرجواني لكان كافياً للمصفوفة، لكنه قام سابقاً باستهلاكِه، لذلك ليس أمامَه غير استخدام الأحجار المُتدنّية.

انتهى من العمل ثم بدأ يتدرّب بهدوءٍ وكان خيط الضوء قد وصل إلى ثمانية أمتار بعد قتالِه مع الوحوش في الغابة، كما ازدادت سرعته وصلابة جسدِه حيث وصل تقريباً إلى منتصف المستوى الأول في التقنيتَين.

أخرجَت راموليا سيفَها الجديد وكان مناسباً لِجسدها النحيل ويتناسب لونُه مع شعرِها الأحمر القاني، بدأت أيضاً تتدرّب عليه وتستكشِف قدراتِه، أما ريكو فقد جلس مثل قطٍّ في كيس، لا يعلم ما حدث أو ما سيحدُث، لذلك بدأ يفكّر بطرقة صبيانية في إمكانية الهروب والبقاء للعيش في هذا الفراغ إلى الأبد، على الأقل سيكون بعيداً عن هذا الوغد القديم، لكن.. وأثناء تفكيرِه بهذا.. أشعّ من جسدِه ضوء خفيف جعل شوفين وراموليا يلتفتان إليه، ابتسم شوفين وأومأ بِرأسه ثم قال

"وغد محظوظ، لقد بدأت قدرتك الوراثية بالاستيقاظ"

قالت راموليا بعد التدقيق في ريكو

"ما هي قدرته بالضبط ؟"

قال شوفين بينما يُغلق عينيه ويعود للتدريب

"قدرةٌ ستجعله يفضّل جسد القرد على أي جسدٍ آخر، حتى على جسدِه القديم"

2020/01/12 · 644 مشاهدة · 960 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024