مرّت ثلاث ساعات على تجهيز المصفوفة، كان عمود الضوء يظهر من بعيد ورآه عدد من التلاميذ من مختلف العشائر، وأغلبهم ظنّوا بِأنه كنزٌ أو ميراث على وشك الخروج، لذلك بدؤوا بالتواصُل والبحث عن زملائهم حتى يذهبوا للاستكشاف.
تجمّع أكثر من خمسين تلميذ لِحدّ الآن، لكن هالة المصفوفة كانت قوية وخاف الجميع مِن أن تكون فخاً من فخاخ المواريث والكنوز، لذلك لم يجرؤ أحدهم على الاقتراب.
كان شوفين وجماعتُه بينهم ولم يهتمّ بهم أحد، وكانت مهمة راموليا هي الدفاع عن المصفوفة، لكن تزايُد أعداد التلاميذ قد أزعجَها، لذلك تمنّت ألا يحدُث شيء سيء يجعلُها في وضعٍ غير مُواتٍ، أما شوفين فقد كان جالساً على الأرض وقد أغلق عينَيه وكأنه في عالم آخر.
...
عشيرة القمر الأحمر
وصل رئيس العشيرة إلى قصر الكيميائي واريان ودخل عليه على عجلة، لم يعلم واريان ما يحدُث إلا أنه علِم بأنه ليس شيئاً جيداً، اختلى الاثنان في قاعة الضيوف وحكى الرئيس ما جاء في التقرير وأضاف بأنه ذهب إلى قصر الشيخ الضيف للبحث عن راموليا إلا أنها لم تكن موجودة فيه، ما يعني بأنها ربما تكون حقاً داخل الفراغ، وأخيراً.. قال بِنبرة لا هي صارمة ولا هي منخفضة
"أتمنى أن تخبرني إذا كنت تعلم شيئاً عن شوفين هذا، فأنت قد كنتَ تتعامل معه أكثر من الجميع"
صمت واريان لوقتٍ طويل قبل أن يرفع رأسه ويقول
"لا أدري بالضبط كيف أقول هذا، لكن.. من الأفضل ألا تجعل منه عدواً، إنه ليس شخصاً بسيطاً أبداً"
عبس الرئيس ولم يعلم كيف عليه أن يفهم تحذير واريان، لذلك قال
"هل هو بهذه الخطورة ؟"
أومأ واريان بِرأسه ثم شرح
"إذا كنتُ بُحيرة في الكيمياء فهو بحرٌ واسع، لقد منحَني المئات من الوصفات النادرة التي لم أسمع عنها حتى عندما كنت في القارة العظمى، وحلّ جميع الإشكالات التي كنت أعاني منها في الكيمياء"
صمت قليلاً وكأنه لا يُريد أن يُكمِل، لكنه يعرف رئيس العشيرة جيداً، لذلك قرّر أن يقول له ما في بالِه
"أنا لا أعتقد بأنه نفس شوفين الذي كان تلميذاً عند المعلمة راموليا، لكنه لا يُريد شراً بالعشيرة، وإلا لما ساعدني بدون مقابل"
دخل الرئيس في صمتٍ مُدقع عندما سمِع هذا، ولو كان شخص آخر هو من قاله لما صدّقه، لكن الكيميائي واريان شخص طيب وليس لديه أهداف شخصية حتى يكذِب عليه، وبعد صمتٍ قال
"مع أني لن أجعله عدواً إلا أني لا أستطيع حمايتَه أيضاً، فنحن بالكاد نستطيع الإفلات مِن أنظار باقي العشائر فيما يخصّ السلاح السفلي"
وقف بِحزمٍ ثم خرج وهو يقول
"سأطرُده من العشيرة بِمجرد خروجِه، هذا هو الحل الوحيد"
في العادة.. كان سيتحقّق من الأحداث أولاً، لكنه صار واثقاً الآن بأن التقرير صحيح بعد حديثِه مع واريان، لذلك سيتّخذ الإجراء الأنسب لِحماية عشيرتِه، تنهّد واريان ولم يقُل شيئاً، وذلك لأنه لا يوجد حل آخر، وإذا عاد شوفين إلى العشيرة فسيجلب الكثير من المشاكل عليهم، لذلك تمنى أن يتفهّم شوفين هذا الأمر ولا يعتبِر بأن العشيرة قد تخلّت عنه قبل أن يُقرّر الرحيل بِنفسه.
...
عشيرة السيف المائي
"هذا ما ورد في التقرير.. سيدي"
قدّم التابع التقرير لرئيس العشيرة، وبعد تفكيرٍ وقف وقال
"اجمع الشيوخ، سنذهب إلى البوابة، لا يجب أن يقع السلاح السفلي في أيدي غيرِنا"
كانت عشيرة السيف المائي إحدى العشائر الثلاثة الكبرى في دولة روسكيا، وقد وصلها التقرير من العشيرة الثالثة التي شاركت مع وادي الرياح والقمر الأحمر، وبِما أن عشيرةً صغيرة مثلهم لا تستطيع الاحتفاظ بسلاحٍ سفلي فقد راسلت عشيرة السيف المائي حتى تتقرّب منها.
...
عشيرة وادي الرياح
بعد اجتماعٍ طارئ بين شيوخ وكِبار العشيرة.. توصّلوا إلى أن مثل هذه الوضعية لن يستفيدوا منها سوى بالضغط على عشيرة القمر الأحمر، أما الحصول على السلاح السفلي فلن يجلُب عليهم غير المصائب، لذلك بدؤوا يتناقشون في مَن عليهم الاتصال به من العشائر الكبار، إلا أن رئيس العشيرة قال
"أنا أرى أن نُراسل القصر الحاكم حتى نبني معهم علاقة جيدة بعد المشاكل التي حدثت في العقود الماضية بين القصر والعشائر، سيكون السلاح السفلي المتوسط جاذباً لهم أيضاً"
وافق الشيوخ على ذلك وأرسلوا جميع المعلومات التي لديهم عن شوفين إلى القصر الحاكِم وذكروا فيها بأن مبعوث القصر في آخر مرة كان قد رأى شوفين أيضاً عندما استخدم مرسوم الطاعة ضد عشيرته، وذكروا هذه الحادثة حتى يعلم القصر مع مَن يتعامل.
وبهذا.. انتشرَت المعلومات بين الجهات الكبيرة ولا أحد يستطيع أن يضمن ما الذي سيحدث عند خروج شوفين من الفراغ المكاني، لكنه بالتأكيد سيكون من أكثر الأوضاع الساخنة في دولة روسكيا منذ عقود.
...
بالعودة إلى الفراغ المكاني.. مرّ الآن أكثر من عشر ساعات وتجمّع أغلب التلاميذ، ومن بينهم سومراي من عشيرة وادي الرياح والشاب البارد مع الفتاة ذات الفستان الطويل من أتباع الشيخ راجو، وكالسابق.. لا يزال شوفين مُغلق العينَين في زاوية مظلمة، وكان قد حلّ الظلام منذ فترة طويلة لأن هذا الفراغ متصل بطريقة ما مع الخارج.
في الظلام.. امتاز متدرّبي مستوى تقوية الروح عن غيرِهم بقدرتِهم على الرؤية، لذلك لم يحتاجوا إلى إشعال النار كما فعل متدربوا مستوى تعزيز الجسد والذين هم أغلب الحاضرين.
نظر سومراي نحو شوفين لِبعض الوقت ثم قرّر أنه ليس الوقت لإحداث المشاكل، خاصة أنه لا يدري إن كان سيُدافع عنه زملاؤه من القمر الأحمر، أما الشاب البارد ابن الشيخ راجو فلَم يهتم لأنه قرّر أن يبحث عن الكنوز أولاً ولن يهتم بشوفين حتى الشهر الأخير، هذا إذا نجا أصلاً من أتباع وادي الرياح.
اجتمع أقوياء العشائر الثلاث وبدؤوا بالنقاش حول المصفوفة التي كانت تزداد قوتُها مع مرور الوقت، قال سومراي
"أنا لم أسمع أو أقرأ عن أي كنز من هذا النوع، هل يمكن بأن هذه المصفوفة ستَفتح بوابة نحو فراغ مكاني آخر ؟"
قال آخر من العشيرة الثالثة
"قد تكون فخاً، أو ربما تَختبر قوتنا، لماذا لا يدخل فيها أحدُنا بالقوة ويرى ؟"
قهقه شخص قصير من القمر الأحمر وقال
"لماذا لا تدخل أنت إذن ؟"
استمرّت الجدالات حتى تحدث الشاب البارد مع صاحبة الفستان الطويل
"ما رأيك فيها يا سويكا ؟"
كان الاثنان صامتَين منذ البداية، لذلك صمت الجميع عندما تحدثا، وذلك لأنهم يعرفون بأن سويكا هي عبقرية القمر الأحمر في مجال المصفوفات، صمتَت طويلاً قبل أن تقول
"هذه المصفوفة تمّ إنشاؤها حديثاً"
مع أن أحجار الطاقة كانت لا تُرى من خارج المصفوفة إلا أن أي خبيرٍ يعرف الأساسيات يُمكنه أن يعرِف بأنها مصفوفة جديدة تعتمد على مصدر طاقةٍ موجود على سطح الأرض، عكس المصفوفات القديمة والتي تستمر لِعشرات الآلاف من السنين حيث تكون موصولة بِمصدر طاقةٍ عميقٍ تحت الأرض.
تنهدت سويكا ثم بدأت تتصفح الحاضرين قبل أن تقف عيناها على شوفين، نظرَت إليه طويلاً ثم اقتربت منه وقالت بِنبرة هادئة
"لماذا وضعتَ هذه المصفوفة هنا ؟"