"لماذا وضعتَ هذه المصفوفة هنا ؟"
كان صوت سويكا هادئاً جداً وهي تسأل، فتح شوفين عينيه ونظر في الفتاة الواقفة أمامه لِبعض الوقت قبل أن يبتسِم ويقول
"القلب البِد..، هممم.. مثير للاهتمام"
ومع أن شوفين لم يُكمل حديثه إلا أن سويكا قد فقدت هدوؤها وأمسكَت يدَيها لا إرادياً فوق قلبِها، وذلك لأن شوفين قد اكتشف أحد أكبر أسرارِها والتي لا يعلم بها سوى الشيخ راجو بعد بحثٍ طويل، والآن قام شوفين بِمعرِفة هذا السر من نظرة واحدة، فكيف تستطيع البقاء هادئة ؟
انتبه الشاب البارد لهذا التغيير، لكنه لم يعرِف ما الذي حدث، لذلك اقترب منها وقال
"هل هو من بنى هذه المصفوفة ؟"
لم تُجِبه وإنما واصلت النظر في عينَي شوفين وكأنها مسحورة به، وهذا التصرّف قاد مجموعة من أقوياء العشائر الثلاث إلى الاقتراب من شوفين وبدؤوا يتسبّبون بالإزعاج
"هل أنت من بنى هذه المصفوفة ؟"
"أجِب بسرعة !"
"كيف لمشلول أن يبني مصفوفة معقّدة مثل هذه ؟"
استمرّت الضوضاء حتى تحرّكت سويكا نحو شوفين، صمت الجميع من جديد رغبة منهم بِمعرفة الحقيقة، وصلت إليه ولم تعلم من أين تبدأ، وذلك لأنها لم تعُد مهتمّة بالمصفوفة الآن وإنما بالمعلومات التي يملِكها شوفين عن سرِّها.
ابتسم شوفين عندما رأى شغفها، وقف واقترب منها ثم مدّ يده نحوها وكأنه يطلب يدها، تردّدت قليلاً قبل أن تمدّ يدها نحوه تحت دهشة الجميع، وضعت يدها في يدِه فقادها نحو المصفوفة دون خوف، وباقترابِهما.. شعرَت بأن الضغط السابق قد اختفى، وقف الاثنان قرب المصفوفة وظهرت خطوطها لها فقال
"ماذا ترَين ؟"
نظرت نحو المصفوفة لِبعض الوقت قبل أن تتغيّر تعابيرها وتقول بِنبرة مُرتجّة
"شرير ... هذا شرّير جداً"
سحبت يدها بسرعة وأرادت التراجُع، تغيّرت تعابير الجميع عندما رأوا نظرة الرعب على وجهِها، إلا أن الوقت كان قد فات حيث توسّعت المصفوفة من مائة متر إلى دائرة نصف قطرها ميل ونصف، وبهذا صار الجميع داخل المصفوفة.
ارتعب الجميع عندما رأوا الأضواء البرّاقة تحت أقدامِهم، وقبل أن يتصرّفوا.. شعر الجميع بِضغطٍ رهيب يسحبُهم إلى الأسفل، وما هي إلا لحظات حتى سقط الجميع أرضاً ولم يبق غير شوفين وجماعتُه، بالإضافة إلى سويكا التي كانت تشعُر بالرّعب.
بدأ الجميع يحاولون الفِكاك والفرار من الضغط إلا أنهم لم يستطيعوا حتى الحركة، تغيّرت ملامح راموليا أيضاً وتذكّرت عندما ذكر شوفين بأنه سيقوم بِمذبحة كبيرة، لكنّها لم تعتقد بأنه سيفعلها بهذه الطريقة، تجمّدت قليلاً وكانت ستطلب منه أن يُفرِج على تلاميذ القمر الأحمر على الأقل، إلا أن موت تلاميذ العشائر الأخرى سيكون كارثة أيضاً، وبعد تفكيرٍ سريع.. تقدّمت حتى وقفت أمام شوفين، اغرَورقت عيناها ثم سقطت على رُكبتيها وسجدت أمام شوفين بخضوع تام وقالت بِصوتٍ مرتفع
"أرجوك ... سيدي ... لا تفعل هذا، سأفعل أي شيء تطلبه مني، لكني لن أستحمل رؤية قومي يموتون، رجاءً ... سيدي ... حقّق لي رغبتي"
كان صوتها يرتجِف لأنها لم تضطرّ يوماً لمثل هذا الوضع المُخزي، عبس شوفين وهو ينظر إليها قبل أن يقترب منها، انحنى إليها ثم رفعها وأمسكها من ذقنها وقال
"لقد أخذتُك إلى جانبي حتى لا تضطرّي للخضوع والركوع لأيٍّ كان، حتى لو كان لي أنا، لا تنقصي من قدرِك حتى لا تُصيبني خيبة أمل"
تجمّدت وحاولت استيعاب ما قاله، ومع أنها شعرت بأن قدرها عند شوفين ليس مجرد جارية، إلا أنها لا تزال راغبة في إنقاذ الجميع، وفي هذه اللحظة.. تحدّثن سويكا
"المصفوفة لن تقتُلهم، إنها فقط تسحب طاقتهم"
ربّت شوفن على رأس راموليا بِلطفٍ ثم قال
"تعرفين أنه لم يعُد لدينا مكان في عشيرة القمر الأحمر، صحيح ؟"
عبست قليلاً وبدأت تفكّر، وفجأة فهِمت بأنه لو استثنى أتباع العشيرة من المصفوفة فسيعني ذلك بأنه لا يزال منهم، ومع ظهور السلاح السفلي فستُعاني العشيرة أيضاً، لذلك لم يستثنِ أحداً غير سويكا لسببٍ ما، تنهّدت وقالت
"ما الذي سيحدُث لهم ؟"
نظر نحو الجميع وكانوا مربوطين جميعاً على الأرض، حيث يمكن لهذه المصفوفة أن تربط أي شخص في مرحلة البناء، وتزداد قوتها بزيادة طاقتِها، أي أنها قد ازدادت بعد الإمساك بأكثر من مائتي تلميذ، مدّ يده مرّة أخرى نحو سويكا وقال
"سيتم استنزافهم فقط، لكن الأمر سيأخذ بعض الوقت، لماذا لا نتحدّث قليلاً ؟"
تصلّبت سويكا في مكانِها وهي تنظر إلى الشاب البارد الذي جاء لِيقتل شوفين، وهو الآن يتلوّى على الأرض مثل الدودة، استدارت وتقدّمت إلى المكان الذي كان يجلس فيه شوفين سابقاً، سحب يده لأنها هذه المرة لم تُعطِه يدها، ابتسم وقال لِراموليا
"راقبيهم، سأتحدث مع سويكا في موضوع خاص"
قال هذا وابتعد عنها، استغربت لماذا صار مهتماً بسويكا التي تُعتبر من أتباع عدوّه الشيخ راجو، هل يُعقل أنه قد اهتمّ بها عاطفياً ؟
وصل شوفين إلى سويكا وقال لها عبر التخاطُر
"كم حجم معرفتك حول القلب البِدائي ؟"
ارتجفت سويكا عندما سمعت صوته في ذهنها وعلِمت بأنه أكثر غرابة ممّا تخيّلت، هدّأت نفسها ثم قالت عبر التخاطر
"ليس الكثير، كل ما أعرِفه هو أنه شيء نادر ويَمنح صاحِبه حظاً مُعيناً"
أومأ شوفين بِرأسه واقترب منها وقال
"هذا أكثر من كافٍ، لا تبحثي عن أي معلومات إضافية حوله"
عبست عندما سمِعته وفكّرت بأنه ربما يعرِف شيئاً ولا يُريد إخبارها، نظرَت في عينَيه وقالت وكأنها تترجّاه
"أنت تعرف شيئاً آخر، صحيح ؟
أخبرني أرجوك"
كانت سويكا مُنذ وِلادتها قبل خمس سنوات تشعر بأنها مختلفة عن أقرانها، وذلك أنها لم تتدرّب يوماً واحداً إلا أن تدريبها يتصاعد وحده، كما أنها تتعلّم التقنيات من رؤيتها لأول مرة، ومع أن طريقة تطبيقها للتقنية لا يكون مثالياً إلا أنه شيء مُخيف، وقبل أن تنتبه لها العشيرة.. توصّل الشيخ راجو إلى أنها ليست فتاة عادية، وكان قد اتّخذها ابنة عند ولادتها، إلا أنه قرّر جعلها تابعة بعد اكتِشافه لِمشكلتها.
منعها راجو من الاختلاط مع أقرانها ثم بدأ رحلة البحث حتى وقع على وثيقة قديمة تتحدّث عن القلب البِدائي، وكان هناك تحذير شديد حوله، ما جعله يزيد رقبته عليها أكثر من السابق.
تلألأت عيناها وهي تنظر إليه وكأنها قط جائع، تنهّد أخيراً وقال
"يؤسفني إخبارك بأن حياتك لن تكون سلسة، سيأتي يومٌ يُرسِل فيه جسدُك إشارةً تجلُب إليك المتاعِب، وإن لم تأتِ المتاعب فستُحدثينها أنتِ"
ظهر الخوف عليها وشعرت بضيقٍ في صدرِها، لكن الفضول أخذها وسألت
"وما الذي يُريدونه مني بالضبط ؟"
قال بِبساطة
"الزراعة المزدوجة"
تُعتبر فتاة بِمثل جسدِها وعاءً جنسياً لا مثيل له بسبب مصدر طاقتِها الذي لا ينضُب، تجمّدت تعابير سويكا فجأة لأن الشيخ راجو كان قد لمّح لشيءٍ مثل هذا، ولأنه لم يعلم تفاصيل القلب البِدائي فقد ظنّ أن إخفاء حقيقتها سيكون كافياً لِضمان سلامتِها، تنهّدت وهي تُطأطئ رأسها بِحُزن، نظر إليها شوفين بِدون عواطف قبل أن يقول
"طبعاً.. لكل شيء حلّ"