"كيف يُمكنني الحصول على مكانٍ بين المائة ؟"
كان سؤال شوفين مباشراً ويُفصِح عن إصرارِه في الذهاب، أجاب الأربعيني
"ستُفتح البوابة بعد ثلاثة أشهر، لكن المال لن يشتري لك مكاناً بين المائة، السلطة أيضاً لن تفعل، لأنك لا تستطيع أن تكون مِن أقوى مائة شخص من حيث السلطة في غضون الثلاثة أشهر القادمة، ولن تستطيع فرض نفسِك بِالقوة والقتال حتى وإن كُنتَ في أعلى مراتِب مرحلة التألق، لِأنه سيكون عليك أن تُواجِه السبع دول مجتمعةً"
صمت قليلاً ثم أكمل
"الخطوة الأولى هي أن تُصبح جزءً مهماً في إحدى الدول السبعة، حسب التقارير.. أنت ابن حاكم دولة روسكيا، ربما يُمكِنك الحصول على فرصة إذا عُدتَ إليه رغم أن دولة روسكيا هي الأضعف بين الدول السبعة ولديها خمسة مقاعد فقط بين المائة الذين سيذهبون إلى القارة العظمى"
هزّ شوفين رأسه وقال
"أنا لست ابن أحد، هو فقط مَن ادّعى بِأني ابنُه لِمصالِحه الشخصية"
نظر إليه الأربعيني قليلاً قبل أن يُضيف
"إذن.. سيكون عليك القتال لِأجل المقاعِد العشرة الفارغة"
تساءل شوفين باستغراب
"الفارغة ؟"
أجابه
"نعم، هناك عشرة مقاعد فارغة يُمكن القتال عليها في الأسبوع الأخير قبل المغادرة، وذلك لِأن الدول الضعيفة تشتكي دائماً بِسبب قلّة المقاعِد التي تملِكها، حيث تملك الدولة الأضعف خمسة مقاعد بينما تملك الدولة الأقوى إثنان وعشرين مقعداً، لذلك تُتاح لهم فرصة للقتال على الكراسي العشرة، وإن كانوا أقوياء فسيقلِبون المدّ وتزداد فُرصُهم، وإلا فلا تحِقّ لهم الشكوى بِسبب ضُعفهم"
فهِم شوفين السبب وقرّر أن يُقاتِل أيضاً على أحد المقاعِد، لكن الأربعيني قال
"يحقّ للجميع القتال على أحد الأماكن العشرة، لكن.. يجب أن يكون تابعاً لإحدى الدول السبعة حتى يكون مضموناً وليس محارِباً شيطانياً"
عبس شوفين لِأنه عاد إلى نقطة الصفر، وبعد تفكير.. ابتسم بِخُبثٍ وسأل
"أين يُمكِنني إيجاد أكبر وأرعب وحش برّي في دولة سمريان ؟"
...
بعد عشرة أيام.. وقف شوفين فوق جبلٍ مُرتفع ونظر نحو منطقة عشبية واسعة، كانَت على وجهِه نظرةٌ جادة لِعدة دقائق قبل أن يتنهّد ويقول
"سيكون هذا الأمر شاقاً بعض الشيء"
كان قد حصَل على المعلومات التي يريدُها مِن متجر "أعلى جبل" ثم اشترى كميات كبيرة من المواد التي سيحتاج إليها في مُهمته الجديدة، تسلّل بعدَها من العشيرة واتّجه إلى أرضٍ بعيدة حسب المعلومات التي حصل عليها، والآن.. حان وقت التنفيذ.
حرّك يدَه وأخرج أتباعَه الأربعة من العالم الفراغي وكان تدريبُهم في تقدُّم، أخرَج أرفود أيضاً لِأنه سيحتاج إلى خبيرٍ في القوى الروحية وكان قد تعافى بعض الشيء وصار أقوى مما كان عليه في مسابقة الصيد، نظر الأربعة إليه بِاستغراب وكانوا قد فهِموا جزءً من فِكرتِه وهُم يُشاهدونَه عبر الشاشة مِن داخل عالمِه، ومع ذلك.. سألت راموليا
"هل تُريد منا مساعدتَك ؟"
أشار للمساحة العشبية الشاسعة وقال ساخراً
"حجم الوحش الذي أرغب بِترويضِه بمِثل حجم هذه المساحة العشبية، هل لا زِلتِ ترغبين في مساعدتي ؟"
اهتزّ قلبها عندما نظرَت إلى المساحة العشبية وكانت أمامَها مثل نملة أمام فيل، استعاد شوفين نظرتَه الجادة ثم أخرج أكثر من عودٍ مُحترِق بِطول الرّمح وقال
"سنقوم بِمحاصرتِه أولاً عبر الدخان المسموم، راموليا.. هذا الدخان يؤذي الوحوش فقط، لذلك سيكون عليكِ حماية ريكو بينما يَمدّك بِالطاقة لأنك ستحتاجين إليها"
نظر نحو سويكا وقال لها
"أنتِ هي ورقتُنا الرابحة يا سويكا"
تفاجأت مِن سبب كونِها الورقة الرابحة فشرَح لها خطّته، أما أرفود فقد أخذ دور المُساعِد الأخير عندما يبدأ شوفين في ترويض الوحش، أما الآن فعليهِم قمعُه أولاً.
بدؤوا مباشرة بِغرس العيدان المُحترِقة وأحاطوا مكان الوحش مِن بعيد، بعدَها.. أمرَهم شوفين بإشعالِها حتى صارت المساحة العشبية مليئة بِالدخان السام، وهذه العيدان المُحترِقة مَعروفة عند الصيادين لأنها تُضعِف الوحوش، كما يستخدمها الرحالة لحِماية أنفسهم ليلاً، وستكون مُفيدةً لِأن شوفين يعرِف نوع الوحش الموجود تحت الأرض وأنه يتأثر بِهذا الدخان أكثر من غيرِه بِسبب طبيعة جسدِه.
استمر الدخان بِالتجمّع داخل المساحة العشبية لِأكثر مِن عشر دقائق، وفجأة.. شعر الجميع بِهزّة أرضية قبل أن تَتشقّق القشرة الترابية ويخرُج جِسمٌ عظيم جعل الجميع أمامَه مثل النمل، عبس الجميع وتغيّرت تعابيرُهم، أما شوفين فقد تفاجأ قليلاً لأن حجم الوحش كان أكبر من الوصف الذي حصل عليه، لكنّ الأكثر تأثراً كان ريكو حيث صرخ
"هذا ... هذا ... إنه مثل ذلك من تلك المرة"
ابتسم شوفين ولم يُجِبه، وكان هذا الوحش هو نفس النوع ذا الجسد الرَّخوِيّ البُنّي والذي استخدَمه شوفين لِجلب ريكو إلى مكان تواجُدِه في الكهف حيث التقيا أوّل مرة، أو لِنقُل بِأن العجوز القديم هو الذي جلب شوفين وتحايَل عليه قبل أن يأخُذ جسدَه ويطرُده إلى جسد قِرد.
نظر شوفين نحو الجميع وقال
"جسدُه الحقيقي موجود في الداخِل، سأدخُل إليهِ لإخراجِه، كونوا على استعداد"
قطّب الجميع حواجِبهم لكنّهم لم يعترِضوا، أخرج شوفين مزيجاً سائلاً كان قد صنعَه من الأغراض التي اشتراها بعد تخطيطه لاصطياد هذا الوحش، أفرغ الخليط على رأسِه حتى صار جسدُه لامعاً بِمادة هلامية وكأنه قد استحمّ في المُخاط، بِشكلِه المُقزِّز.. قفز نحو الوحش وغرِق في جسدِه.
غاص في الجسد الرَّخوِيّ ولاقى ضغطاً رهيباً، لكن هذا الضغط كان أخف من العادة بِسبب المزيج المُخاطي حيث كان يُذيب الطبقة القريبة منه، وبسبب هذا.. صار تنقُّله نحو الجسد الحقيقي للوحش أكثر سهولة.
استمرّ في الغوص لِأكثر مِن عشر دقائق، وبعدَها.. وقف أمام كرةٍ سوداء لامِعة وكأنها مصنوعةٌ من الفولاذ، ابتسم وأخرج خيوط النور وأحاطه بِها دون أي مُقاومة، وذلك لأن جسدَه الحقيقي لا يستطيع فِعل أي شيءٍ وإنما يعتمِد على الطبقة الرّخوية فقط، لكن شوفين يعلم أن العملية ليسَت بِهذه السهولة لِأنه منيعٌ جداً ولا يُمكِن اختراقُه إلا عبر الهجمات الروحية، أو على الأقل.. لا يوجد مَن يستطيع اختراقَه في جزر سمهريا، أما خارِجها فسيكون قتلُه أكثر سهولة.
أمسَك الجسد الحقيقي ثم اندَفع باستخدام طاقتِه نحو الخارج، ورغم أن الجسد كان يُقاوِم بِشدّة إلا أنه لا يملِك أي شيء يُدافِع به غير جسدِه الرّخوي، لكن الطبقة المخاطية لا زالت تحمي شوفين، وبعد فترة من المقاومة.. نجح شوفين في إخراج الجسد الحقيقي خارج الجسد الرَّخوِيّ وقذفه بعيداً، وفي هذه اللحظة.. اجتمع عليه رِفاقُه وقامَت راموليا بإخراج مزيجٍ من النار والجليد المسموم وشكّلت بِه حاجِزاً يحميهم من الجسد الرَّخوِيّ الذي كان يُسارِع نحوهُم لاحتواء الجسد الحقيقي الخاص به، وكان ريكو يمدّ رموليا بِالطاقة النقية حتى تستمر لِأطول وقت.
كان يُمكن لِشوفين أن يأخُذ الجسد الحقيقي إلى مكانٍ بعيد حتى يمنَع استدعاء الجسد الرخوي الخاص به، لكن هذه الطريقة ستقطع الاتصال بين الجسدَين مع احتمال عدم قدرة الجسد الرئيسي من التحكّم مرة أخرى بِالجسد الرَّخوِيّ، وهذا ما لا يريدُه شوفين لأن هذا الوحش كان يجمع المواد اللازمة منذ آلاف السنين حتى حصل على جسدٍ عملاق مثل هذا، وإذا فقدَه الآن فسيكون عديم النفع.
ما هي إلا لحظات حتى التفّ عليهم الجسد الرَّخوِيّ وصار داخل الحاجِز مُظلماً، صرخت راموليا على شوفين
"أستطيع الاستمرار لِعشر دقائق فقط"
كان الحاجِز المسموم يُؤثر على الجسد الرَّخوِيّ بِشكلٍ جيد ويمنعه من الدخول، لكن قوة راموليا لا تزال ضعيفة جداً ولن تستطيع الاستمرار كثيراً رغم دعم ريكو، لذلك يجب عليهم الإسراع في إخضاعِه قبل أن يبتلِعهم، وإذا حدث هذا فقد يتضرّر الثلاثة الأضعف بينهم لأن الجسد الرَّخوِيّ ليس بسيطاً كما يبدو وإنما يُمكنُه أن يكون قاتلاً.
كانت نظرة شوفين جادة وبدأ العمل مباشرة حيث صرخ
"سويكا ... الآن"
ارتجفَت سويكا لأنها أول مرة تشترِك فيها في مثل هذا العمل الكبير، تقدّمت بِسرعة وأخرجت البيضة السوداء من حقيبةٍ تحمِلها معها على الدوام، قرّبت البيضة مِن الجسد الحقيقي للوحش فبدأ يهتزّ من الرعب لأن الهالة التي تخرُج من البيضة كانت قوية جداً، وضعَت يدها على البيضة وأرخَت المصفوفة التي تُحيط بِها قليلاً فخرجت منها هالة عدوانية جعلت الجميع يرتجفون وعلِموا لِماذا كان "شوفين العظيم" مُرتبكاً وخائفاً لِدرجة كبيرة أثناء قصة الدجاجة، ومع أن خوفَهم قد كان كبيراً إلا أن خوف الوحش كان أكبر بِكثير بِسبب غريزتِه الوحشية، وكانت هذه هي اللحظة التي ينتظِرها شوفين.
تقدّم نحو الجسد الحقيقي ووَضع كِلتا يدَيه على سطحِه ثم صرخ
"أرفود ... دعنا نبدأ"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها