42 - اللعب على الوتر الحسّاس

"أرفود ... دعنا نبدأ"

صرخ عليه شوفين وبدأ بِضخّ طاقتِه الروحية داخل جسد الوحش، سارَع أرفود أيضاً وشنّ هجمة روحية قوية عليه، ومع أن الوحش كان مرعوباً مِن البيضة إلا أنه قاوَم الهجمات الروحية مِن الاثنين لِأنه وحشٌ قديم ويملِك مناعةً شديدة، استمر شوفين وأرفود بينما كان حاجِز راموليا يتقلّص تدريجياً، مضَت خمس دقائق على بدءِ الهجمات إلا أن الوحش القوي لم يُبدِ أي ضُعف، ما جعل شوفين يصر على أسنانه ويبذُل قوة أكبر، بعد مرور سبع دقائق.. بدأ جسد أرفود يتلاشى حتى صار بمِثل الضعف الذي كان عليه عندما هزمَه شوفين، ما جعلَه يتوقّف تلقائياً حيث كان شوفين قد أمرَه بِالتراجُع عندما يشعُر بِالخطر.

بقي شوفين والضغط الناجم مِن البيضة، بينما تقلّص حاجِز راموليا وصار فوق رؤوسِهم، في هذه اللحظة.. صرخ شوفين

"سويكا ... أزيلي مصفوفة الختم"

مع أن شوفين كان قد تعِب في وضع المصفوفة واستعان بِكمية خيالية من الطاقة، إلا أن الوضع لا يُبشّر بِالخير، ليس لِكونه خطِراً على رِفاقه لأنه يستطيع إدخالهم إلى عالمِه الفراغي في لمحة عين، لكن السبب الحقيقي هو أنه يرغب في هذا الوحش، وذلك لأن السيطرة عليه أسهل بِكثير مِن السيطرة على وحشٍ من نوعٍ آخر وبِمِثل حجمِه وقوّتِه، فلو كان مثل الجُندب الوحشي مثلاً وقد صار جسدُه عملاقاً مثل هذا الوحش الرخوي فلن يستطيع شوفين ورِفاقُه الإمساك به، بل ستكون حياتُهم في خطرٍ كبير.

أزالت سويكا المصفوفة عن البيضة فأطلقت هالة زرقاء قوية جعلَت الجميع لا يكادون يتنفّسون، سقطَت البيضة على الأرض وقُذِفت سويكا بعيداً عنها، ومع أن الضغط قد كان رهيباً إلا أن هالة البيضة قد ساعدَت في إبعاد الجسد الرخوي عنهم، وفي نفس الوقت.. شعر شوفين بِخوف الوحش من الهالة الزرقاء، ما ساعدَه على اختِراق دِفاعاتِه وبدأ يطبع الختم الروحي عليه رغماً عنه.

استمرّ وضع الختم لِأكثر من دقيقة، وكانت قد تبقّت دقيقة أخرى حتى ينتهي شوفين ويُصبِح الوحش عبداً له، إلا أن الأوضاع بدأت تنقلِب عندما أوقفت البيضة إصدار هالتِها فسقط عليهِم الجسد الرخوي وغرِقوا فيه جميعاً، عبس شوفين وتمنّى فقط أن يكون رِفاقُه بِخيرٍ لِأنه لا يستطيع حِمايتَهم، لكن.. توقّف قلقُه عليهِم ونظر نحو البيضة ثم تغيّر تعبيرُه بشدّة وزاد قوّتَه الروحية لِوضع الختم لِأنه شعر بِأن شيئاً ليس في محلّه.

كما توقّع شوفين تماماً.. بدأت البيضة بِامتصاص الجسد الرخوي بِوتيرة سريعة جداً حتى خشِي شوفين مِن أنها لن تترُك له شيئاً منه، قام في ذهنِه بِعملية حسابية سريعة وأدرك بِأنه لن يُنقِذ سوى القليل مِن الجسد الرخوي إذا انتظر حتى ينتهي من الختم، لذلك توقّف عن وضع الختم واتّجه نحو البيضة ثم قذَفها بِركلة قوية إلى الخارِج وطارت لِأكثر من ميلٍ، ومع أن شوفين يُسمّيها "بيضة" إلا أنه لم يكُن خائفاً مِن أن تُكسر لأنها كانت أصلب من الفولاذ.

عاد مرة أخرى إلى الوحش وكان قد وضع عليه نِصف الختم فقط، بدأ في إنهاء الختم إلا أن الوحش قد عاد للمقاومة مرة أخرى بعد اختفاء هالة البيضة، عبس شوفين وصرخ عليه باستخدام الختم حيث كان قد غرسه في روحِه وصار يستطيع فهم ما يقوله، صرخ قائلاً

"قاوِمني أكثر وسأعيد البيضة مرة أخرى"

ارتجف جسد الوحش عندما سمِع ما قاله شوفين عبر نصف الختم، تردّد قليلاً قبل أن يُرخي جميع دِفاعاتِه لأنه يفضّل العبودية على أن يتمّ التِهامُه من وحشٍ آخر، خاصة من تلك البيضة الوحشية.

انتهى أخيراً مِن وضع الختم على الوحش ثم جعلَه يمتصّ الجسد الرخوي إلى داخِله وصار الجسد الحقيقي هو الموجود فقط، لوّح يدَه وخزّنه ثم اتّجه نحو البيضة وكانت سويكا خائفة مِن أن يحدُث لها شيءٌ ما، وصل الجميع إلى البيضة وكانت مغروزة بِالتراب والأعشاب، مدّ شوفين يدَه لأخذِها إلا أنها أطلقَت هالة قوية نحوَه وكأنها غاضبة، تعجّب الجميعُ من فِعلها فقالت سويكا

"المخلوق بِداخلها ذكي جداً، دعوني أجلبُها"

اقتربَت مِن البيضة بِحذر، لكنّها لم تُهاجِمها وإنما بدأت تهتزّ بِشكلٍ خفيف، ابتسم شوفين عندما رأى هذا التوافُق بينهما، لكنّه لا يثق في هذا النوع من المخلوقات بِسبب طبيعتِها المتوحّشة، وعلِم بِأن تودّدها نحو سويكا كان بِسبب رغبتِها في طاقتِها من القلب البدائي حيث تُعتبر طاقة نقية جداً، لذلك قرّر أن يُفكّر في طريقة أخرى يجعل بِها هذا المخلوق يخضع لِـ سويكا، خاصة أن البيضة قد تفقِص بِشكلٍ أبكر من المتوقّع بعد أن أكلَت عشرة بِالمائة من الجسد الرخوي، والذي يُمكِن تقديرُه بِعدّة أطنان.

أخذَت سويكا بيضتَها ووضعَتها في الحقيبة، لا يستطيع شوفين صُنع مصفوفةٍ قمعية جديدة للبيضة في وقتٍ قصير، لذلك تركَها مع سويكا لِيُراقب ما سيحدُث، وإذا لاحظ منها سلوكاً عدوانياً فسيصنع لها مصفوفة أقوى لِكبحِها.

نظر شوفين نحو الجميع وكانوا مُرهَقين جداً، أدخلهم إلى عالمِه الفراغي ثم بحث عن مكانٍ آمن ودخل هو أيضاً، نظر نحو أرفود وقال له

"خُذ طحلب الانبعاث من الوريد الروحي وعالِج نفسَك بِه، دَع فقط قطعة صغيرة مِنه حتى يتكاثر من جديد"

كانت قطعة الطحلب التي رماها في الوريد الروحي قد تكاثرت إلى عشرات الأضعاف وصارت بِحجم القطعة الأصلية التي اشتراها الكيميائي واريان من المزاد، ومع أن شوفين قد اتّفق مع متجر أعلى جبل على جلب ألف قطعة، إلا أنه سيترُك قطعة صغيرة منه للتكاثُر في حال حدث شيءٌ ما ولم يجلبوه له.

قال أرفود بِاحترام شديد

"شكراً لك.. سيدي"

شكرَه من قلبِه لأنه في أمسّ الحاجة إلى الأعشاب الروحية لاستعادة عافيتِه، ومع أنه كان يعتني بِه داخِل الوريد الروحي وجعله يتكاثر لأنها مُهمّته في العالم الفراغي، إلا أنه لم يجرؤ على سرِقته أو أخذِه بدون إذن.

نظر شوفين نحو راموليا وريكو بِسعادة حيث كانت مُبادرُتها نافعة جداً، أخرج الوحش الرخوي ووَضع عليه يدَه ثم أخرج كمية من جوهر الدم وألقاه نحو ريكو وقال

"هذه مُكافأتك"

فرِح ريكو بها وابتلعها مباشرة، ومع أنه لا يعلم ما الذي يفعله شوفين عندما يُعطيه جوهر دم الوحوش ثم يأخذ منه عشر قطرات من جوهر الدم الخاص به كل شهر، مع أنه لا يعلم خطّته إلا أنه يشعُر بِأن استهلاك جوهر الدم يزيد بِطريقة ما من قوّتِه، ليس قوتَه التدريبية وإنما من إمكانياتِه الجسدية، وكل يوم يقترِب مِن إيقاظ مهارتِه الفِطرية، ابتلع جوهر الدم ثم سارع نحو الشعلة البيضاء واستغرق في النوم.

ربّت شوفين على رأس راموليا وكأنها فعلاً في العاشرة من عُمرِها، التفَت إلى سويكا وقال لها

"جرّبي إطعام البيضة على قطرة مِن دمِك"

أومأت بِرأسِها ثم قامت مباشرة بِثقب أصبعها ووَضعت قطرة مِن دمِها على سطح البيضة، اهتزّت البيضة بِسعادة وامتصّت الدم، اقترب مِنها شوفين فإذا بِهالة عدوانية تتصاعد منها، ابتسم وأخرج كمية أخرى من جوهر الدم من الوحش الرخوي وكأنه غير مُهتمّ بصِحّتِه حيث يُعتبر جوهر الدم مهماً جداً للمخلوقات، خاصة الوحوش، لكن شوفين لم يهتمّ كثيراً بِهذا الوحش لأنه مجرّد ورقة من أوراقِه المؤقّتة في خطّتِه.

أخرج شوفين قطرة واحدة من جوهر الدم ولوّح بِها نحو البيضة فتجمّدت هالتُها العدوانية، وبعد لحظات.. اختفت الهالة منها وبدأت تهتز، ابتسم شوفين وقال

"إذن فأنتِ جشِعة، كوني لطيفة وسأعطيك بعضها كل فترة، وأنتِ أيضاً يا سويكا، أعطِها قطرة مِن دمِك كل يوم حتى تتعوّد عليكِ أكثر"

خزّن جوهر الدم في زجاجة ولم يترُك سوى قطرة واحدة، دفعها نحو البيضة فقامت بِامتصاصِها بِسعادة، وبهذا حصلت البيضة على نوعين من الدماء بالإضافة إلى كمية ضخمة من الجسد الرخوي، في الوقت الذي حصل شوفين وسويكا على أداتَين جديدتَين لِترويض البيضة، حيث لم يعلم شوفين مِن قبل بِأنها تستطيع استهلاك اللحوم والدماء، والآن صار لديه شيء يضغط بِه عليها أو حتى يُغريها به.

ارتاح في عالمِه الفراغي لِأكثر من يوم قبل أن يخرُج وينطلِق مرّة أخرى نحو عشيرة عذراء الخمر، لكنّه لم يعُد إلى منزِل الضيوف وإنما تسلّل إلى متجر أعلى جبل والتقى مع مدير المتجر، استلَم منه ما طلَبه ودفَع أغلب الأحجار البيضاء التي معه بِسبب ارتفاع أسعار المواد التي اشتراها، بعد أخذِ أغراضِه.. طلب الدخول إلى الأربعيني الذي اشترى منه الأخبار آخر مرة، دخل بِسهولة إلى القاعة البيضاء لأنه صار يملِك رمز العميل المُميّز من متجر أعلى جبل، جلس معه وأخرج الوحش الرّخوي وكان عبارة عن كرة سوداء تشبه الفولاذ، ارتعب الأربعيني ونظر إلى ارتفاعها الذي يفوق قامة الشخص العادي، عبس وهو يستكشِف قوة الوحش ثم سأل

"هل لا يزال لديه جسدُه الهلامي ؟"

بِما أنه يعمل في التجارة والأخبار فهو يعرف الكثير عن الوحوش، وهذا الوحش ليس استثناءً، بل كان هو من أعطى مكانه لِشوفين حيث كان هذا الوحش يعيش في السهول العشبية منذ آلاف السنين، ومع وجود أشخاصٍ أقوياء بإمكانِهم قتلُه إلا أنهم لن يربحوا الكثير من ذلك، لذلك تركوه نائماً تحت الأرض، أما المروّضون فلَم يجرؤوا على التفكير في ترويضه لأنه رغم ضُعفِه مقارنة بالوحوش الأخرى إلا أنه يملِك دفاعاً قوياً ضد الهجمات الروحية.

أومأ شوفين وأجاب

"بِحجم الجبل"

قطّب الأربعيني جبينَه لِبعض الوقت ثم سأل مرة أخرى

"ما الذي ستفعلُه به ؟"

ظهرَت ابتسامة واسعة على وجه شوفين ثم قال

"أتمنى مِنك إرسال الإشاعات إلى العشائر القوية، سأبيعُه لِمن يدفع أكثر"

ابتلَع الأربعيني ريقه لأن بيعَه في هذا الوقت بِالذات سيجلُب الكثير من الأموال، وذلك بِسبب قتال العشائر الخمسة على حكم دولة سمريان، وإذا امتلَك أحد الأمراء هذا الوحش فلَن تحتاج باقي العشائر إلى القتال أصلاً لأن هزيمتَها ستكون مضمونة، وهذا أرعبَه حقاً وهو ينظر إلى شوفين الشاب الصغير وهو يلعب على الوتر الحسّاس لِأقوى خمسة عشائر.

لوّح شوفين نحو الوحش فبدأ حجم الكرة يصغُر حتى صارت بِحجم القبضة، رماها في الهواء واختفت داخل عالمِه الفراغي، ابتسم وقال

"أنا لا أحتاج إلى المال، لذلك لن أبيعَه في المزاد، ما أريدُه هو مكانٌ مضمون لِمغادرة جزر سمهريا نحو القارة العظمى، إضافة إلى بعض الكنوز"

قام مِن مكانِه ثم أضاف

"إذا أراد متجر أعلى جبل رِعاية هذه التجارة فسأقدّم لكم عشرةً في المائة مِن السعر الإجمالي"

ابتسم الأربعيني بِسعادة لأن المكاسِب ستكون كبيرة بِالتأكيد، وشوفين قد منحِه عشرة في المائة حتى يجتهِد أكثر، لِأن أغلب الوسطاء والمزادات لا تأخذ أكثر من خمسة أو سبعة في المائة من السعر الإجمالي، لكن.. ورغم سعادتِه.. إلا أن تعابير وجهِه تغيّرت فجأة وقال

"للأسف.. لا أحد يستطيع تقديم مكانِه لك في بوابة النقل"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/15 · 605 مشاهدة · 1541 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024