"للأسف.. لا أحد يستطيع تقديم مكانِه لك في بوابة النقل"

كان هذا هو الخبر السيء لِشوفين، وضّح الأربعيني أكثر

"كل الأماكِن قد تمّ تحديدُها مُسبقاً، ولا أحد سيتخلّى عن الفرصة بِهذه السهولة لأنها أثمن مِن سعر وحشِك، وحتى إن أرادوا تقديم مكانٍ لك بِسبب الظروف الحالية فلَن يُضيفوا عليه أية كنوز أخرى"

صمت الأربعيني قليلاً ثم أضاف

"أنت شخص قوي، لذلك أنصحك أن تطلُب مكاناً للقتال في الأماكن العشرة الفارغة، وهذا سيكون أسهل عليهم لأنه أمرٌ غير مُكلّف حيث يُمكنهم استرجاعُه بِالقوة سواء منك أو من غيرِك مِن أصحاب المقاعِد، بِصيغة أخرى.. أنت فقط ستطلب منهم أن يأخذوك معهم إلى البوابة، وهذا سيكون طلباً جانبياً كتعبيرٍ على حُسن النوايا"

فهِم شوفين ما يرمي إليه الأربعيني، هناك فرصة واحدة كل عشر سنوات للذهاب إلى القارة العظمى، ومن سيذهب ربما لن يعود أبداً، لذلك لن يتخلى عن مكانِه الذي كسبَه منذ سنوات، وفي نفس الوقت.. إذا منَح أحدُهم مكانَه إلى شوفين مقابل الوحش فلن يضيف أية كنوز أخرى، وهذه خسارة الأربعيني لِأن عشرة في المائة من لا شيء تساوي لا شيء، لذلك اقترح أن يطلب شوفين مكاناً للقتال وليس مكاناً مضموناً.

أومأ شوفين بِرأسه ثم قال

"يُمكِنك نشر الإشاعات الآن، أما البيع فدَعه حتى يبقى أسبوع فقط لِمعركة الأمراء"

تقدّم للأمام ثم توقّف قليلاً وأضاف

"آه.. نعم، لا تذكُر اسمي في الإشاعات، أريد بعض السلام قبل البيع"

قال هذا وخرج، عبس الأربعيني مباشرة ثم أرسل رسالة مُستعجلة إلى الإدارة العليا لِمتجر أعلى جبل، وكانت أول جملة فيها

'شوفين من دولة روسكيا.. إنه ليس بسيطاً كما قالت التقارير'

وفي باقي الرسالةِ شرَح لهم كل ما حدث من تصرفاته مثل الأبله إلى صيد الوحش بِوحدِه ثم طريقة تفكيرِه للحصول على أكبر المكاسب من العشائر المتقاتلة، وكان هذا هو عمل فرع المعلومات في متجر أعلى جبل حيث يتعرّفون على الأخبار والأشخاص المؤثِّرين.

خرج شوفين مِن الغرفة البيضاء ونزع رِداءَه الأسود، نزل بِملابسِه الغريبة إلى المتجر السفلي حيث توجد الموادّ الرخيصة، اشترى العديد من الموادّ ثم عاد إلى منزِل الضيوف يتَبختَر في الشوارع وكأنه أبلهٌ حقيقي، وصل إلى المنزِل فوجَد شاباً في انتظارِه، وقبل أن يصِل.. قال الشاب

"الأميرة مدرين تُريد رُؤيتك"

ابتسم شوفين في وجهِه وقال له

"حسناً.. سأنتظِرها في المنزِل"

شعر الشاب وكأنه قد سقطت على رأسِه مِطرقة ثقيلة، ولولا أن الأميرة قد حذّرته مِن سلوك شوفين الغريب لَكان قد انفجر عليه غضباً، وصل شوفين إلى الباب ودخل فأراد الشاب التوضيح له، إلا أنه أغلق عليه الباب وتركَه وحيداً، عبس الشاب طويلاً قبل أن يعود لإخبار الأميرة بِأن شوفين قد عاد من غيابِه.

لم يرغب شوفين بِتضيِيع الوقت لِأن أمامَه الكثير مِن العمل، لكنّه سيمنَح الأميرة مدرين بعض الوجه، لذلك أخرج الوحش الرخوي وكان كرة صغيرة ثم وضعَه على الطاوِلة، أخرج العديد من الموادّ التي اشتراها وبدأ بِتصنيفِها وترتيبِها مع وضع خطّة استخدامِها، وبعد ساعة تقريباً.. شعر بِالأميرة مدرين تقترِب من المنزِل، خزّن الأغراض بِسرعة ثم نزع ثِيابَه وبقِي عارياً تماماً، وصلَت الأميرة وكانت معها خادماتُها الثلاث، أما سيامين فلَم تأتِ بِسبب كُرهِها له.

طُرِق الباب فقام وفتح لهُن وكأن كل شيء على ما يُرام في هذا العالم السعيد، وبِمجرّد رؤيتِه بِدون ملابِس.. أطلقنَ صرخة عالية سُمِعت من جميع أنحاء العشيرة، لكنّه لم ينجُ هذه المرة لأنه تلقّى ضربة قويةً من الأميرة مدرين، ضربةٌ جعلتهُ يطير إلى داخِل المنزِل ويكسِر العديد من الكراسي.

بعد عشر دقائق.. جلس شوفين بِتواضُعٍ أمام الأميرة وكان خدُّه مُنتفخاً، رفع عينَيه قليلاً وكانت الأميرة وخادِماتُها تنظُرن إليه بِعيونٍ حمراء وكأنهنّ يرغَبن بِقتلِه وتقطيعِه قبل رميِه للوحوش.

...

داخِل عالمِه الفراغي، كانت عيون راموليا تُشعّ بِسعادةٍ نادِرة عندما رأت موقِفه، فكونُه المُتغلّب دائماً قد جعلها تراه مثل الجِدار الذي لا تستطيع تسلُّقه، وسيكون مِن الجيد أن يتم كَسر غُرورِه من وقتٍ لآخر، وطبعاً.. هي تعلم أنه أرخى دِفاعه عن عمد وإلا لما أضرّته تلك الإصابة، كما أنها -في قلبِها- لا تُريد أن يحدُث له شيء سيء لِأنه سيدُها كما أنها لا تملِك أي دعمٍ غيرُه.

سويكا.. كانت عكس راموليا، كانت تنظر للموقف بِحُزن وقلق لأنها تُمجّد شوفين إلى درجة كبيرة، ليس بسبب عقد العبودية مثل حال أرفود وإنما لأنها سلّمَت في نفسِها بِأنه سيدُها ووليّ نِعمتِها والذي أنقذ حياتها ومُستقبلها، لذلك لا تُريد أن تراه في حال سيئة.

للأسف.. كان ريكو نائماً وأرفود يتعالج قُرب الوريد الروحي تحت الأرض، لذلك لم يرَيا هذا الموقف.

...

في منزل الضيوف، جلس الجميع بِصمت لِأكثر من ربع ساعة دون حديث، وأخيراً.. بدأ شوفين بِالبكاء وخرج المخاط من أنفِه قبل أن يقول بِنبرة مُتحشرِجة وكأنه طفل صغير

"أنـ.. كنتـ.. في بيتي لماذا ضربتني أنا ماذا فعلت لك"

بدأ يشتكي ويمسَح دموعَه وكأنه مظلوم فعلاً، تغيّرت تعابير الأميرة والخادمات وبدأن بِالتفكير في أنهنّ قد ظلمنَه، فهو كان يعيش عارياً منذ وُلِد، وحتى عندما اختار ملابِسه.. اختار أسوأَها، وهذا كلّه لِأنه غير مُتعوّد على هذه الحياة، وبعد استمرار بُكائِه.. رقّ قلب الأميرة وبدأت تترجّاه حتى يهدأ ثم قالت له

"هذا خطئي أنا، وأنا آسفة حقاً، هل يُمكِنك أن تُسامِحني ؟"

شعرت بِأنه لُعبةٌ يسهُل كسرُها، لكنّها لا تدري إن كان يسهُل إصلاحُها أيضاً، فهي لا تزال في حاجةٍ إليه، وإن كان عنيداً مثل الأطفال فلا تعلم إن كان سيتمّ إرضاؤه مثل الأطفال أيضاً، انتظرَت إجابتَه إلا أنه بقي صامِتاً ولا زالت الدموع تنزِل من عينَيه، تنهّدت الأميرة ثم قامَت وجلسَت قُربه ومرّرت يدَها على شعرِه وكأنه طفلٌ صغير، بدأ يهدأ تدريجياً ثم استنَد على صدرِها بِرأسِه، أرادَت غريزياً أن تتجنّبه إلا أنها تماسَكت وتركَته حتى هدأ، استعاد جَلسته مرة أخرى ثم طأطأ رأسَه وقال لها

"أنا ... أسامِحك"

ابتسمَت له وبدأت تتحدّث معه بِلهجة بسيطة وكأنها تتحدّث مع طِفلٍ في الخامسة، وأخيراً.. سألَته

"أين اختفَيت في الأيام الماضية ؟"

قال وهو يُشير للوحش على الطاوِلة

"شعرتُ أن هذا الوحش يَستدعيني فذهبتُ للّعب معه"

نظرَت نحو الوحش وكان مُجرّد كرة صغيرة، حتى أنها لم تعلَم نوعَه لِأنها لا تعرِف الكثير عن الوحوش، لذلك لم تضعهُ في عينِها، استعادَت نظرَها ثم قالَت له

"أنت ماهر في ترويض الوحوش، هل ستُساعِدني إذا احتجتُ إليك يوماً ما ؟"

رفع رأسه وقال

"أريد رمزاً مثل رمز سيامين"

قطّبت حاجِبَيها ولم تفهم، وكذلك الخادِمات لم يفهَمن قصدَه حتى قال

"كانت تشتري به من السوق، أنا لا أستطيع شراء أي شيء"

تنهّدت الأميرة ونظرَت إليه بِبعض العواطِف، أين ستجِد شخصاً ليست لديه متطلّباتٌ مِثلُه ؟

أومأت بِرأسِها وقالت له

"إذا ساعدتَني فسأمنحُك واحداً"

ابتسم وقال كلمة واحدة

"سيامين"

ارتجفَت الخادمات لأنّهن لم يعتقِدن بِأنه سيطلُبها ضِمن الصفقة، يعلَمن بِأن الأميرة تحبّها لكنها قد تُفرّط بِها إذا كان الأمر يتعلّق بِحصولها على حكم الدولة، وقبل أن تقول الأميرة شيئاً.. قال شوفين

"لقد قالت بِأنها تكرَهني، أنا أيضاً أكرهُها الآن، لا أريد أن ألعَب معها مرة أخرى"

وسسسسسسس~

وَسادَ الصمت مِن جديد.

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/15 · 620 مشاهدة · 1057 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024