57 - الخزانة العتيقة

"بِهذا السعر.. سأبيع لك نصف الكتاب"

شعر الشيخ من أعلى جبل بالاختناق عندما سمع ما قاله شوفين، نصف الكتاب مقابل مائة ألف حجر برتقالي ؟
هل معدته واسعة إلى هذه الدرجة ؟

ضحك شوفين على تعابير الشيخ ثم سأل

"هل تقول بأن هذا السعر كثير مقارنة مع الكتاب ؟"

ابتلع الشيخ ريقه وقال بِصعوبة

"نحن.. لا نملك هذا المبلغ، كما أن نصف الكتاب ليس بتلك الأهمية ولن نستطيع بيعه بسهولة"

هز شوفين رأسه وقال

"الكتاب سيُباع كاملاً في جزر سمهريا"

عبس الجميع في محاولة فهم خطّتِه، ابتسم وشرح

"سأبيع نصف الكتاب لأعلى جبل، وإذا نجحت التجارة.. سأقسّم النصف الآخر من الكتاب إلى سبعة أجزاء، وكل مملكة تستطيع الحصول على أحد أجزائه بِما أنها تدفع جيداً، أما طريقة جمعِه وبيعِه فهذا أمرٌ خاص بكم وأنا لن أكون هنا"

توقّف قليلاً ثم أضاف

"من لم يملِك المال فيُمكنه عرض أشياء بِنفس القيمة"

اسودّ وجه الشيخ وبعض الملوك بينما تهلّلت وجوه آخرين، فبهذه الطريقة سيربح الجميع، لكن الدول الضعيفة لا تستطيع توفير المبلغ حتى وإن أرادت الشراء، وفي هذه اللحظة.. دخل خمسة شيوخ من أعلى جبل وكانت وجوههم سوداء وهم ينظرون إلى شوفين، وكانوا جميعاً من مرحلة التألق، وبدون مقدّمات.. أخرج الخمسة هالاتِهم وضغطوا بِها على شوفين، صرخ أحدهم

"سلّم الكِتاب وسنتركُك تذهب"

صرخ الشيخ الأكبر، وكان ذا بصيرة حادة ويعلم بأن شوفين ليس بسيطاً كما يبدو

"لا~"

كان غرضهم جمع هالاتِهم للضغط على شوفين قبل إجبارِه على تسليم الكتاب، عبس شوفين من هذا التصرّف البغيض، أشعّت عيناه وأخرج طاقته الروحية التي كانت قد تعافت كثيراً في الأيام الماضية بعد استخدام عدد كبير من طحلب الانبعاث ومحار الروح القرمزية، كما استعان بقوّة أرفود الروحية وكان قد تعافى كثيراً أيضاً، ما جعله يُطلِق نية قتلٍ قوية، وفي لمحة عين.. شعر جميع الحاضرين وكأن آلاف الإبر تخترِق أرواحهم، لم يكتفِ بِهذا وإنما أخرج هالة قوية واستخدم الوريد الروحي والهالة من عالمه الفراغي، شعر الجميع -حتى أقواهُم- بأن جِبالاً تضغط عليهِم وتُجبِرهُم على الركوع بينما وقف شوفين وحدَه بينهم.

عض الأقوياء على شِفاهِهم لأنهم اضطروا للركوع أمام طفل، لكن الهجوم الروحي الخاص به قد جعلهم خائفين من اتّخاذ أي إجراء، خاصة بعد رؤية أساليبه الغريبة خلال النزالات السابقة، نظر إليهم شوفين باستعلاء وكان قد فعّل ما يُشبه المجال فصار الجميع تحت ضغطٍ رهيب، ضحك عالياً وهو يقول

"مجموعة من الحشرات وتريد أخذ أشيائي بدون دفع ؟
هل أنتم مشتاقون للموت إلى هذه الدرجة ؟"

بدأ الجميع يتعرّقون لأنهم لم يعتقدوا بأن شوفين سيكون قوياً إلى هذه الدرجة، وفي الحقيقة.. كان هذا التصرف يضغط على شوفين أيضاً، لكنّه استحمل الأمر حتى يجعل هؤلاء الأوغاد لا يفكّرون في أي شيء مزعِج.

صرخ الشيخ وهو على رُكبتيه

"السيد العظيم شوفين ... نحن لا نجرؤ على الإساءة إليك، أرجوك اعذُر هؤلاء الصغار"

نظر إليه شوفين لِبعض الوقت باستحقار قبل أن يسترجِع قوته الروحية وهالتَه الهائجة، استدار بينما هُم لا يزالون على الأرض ومِن بينِهم الملكة ندمين والأمير رامان، غادر القاعة وهو يقول

"كما قلت.. مائة ألف حجر برتقالي لنِصف الكتاب، أو ما يُعادِل هذا المبلغ، وباقي الأجزاء السبعة ستذهب للدول التي تدفع جيداً"

قال هذا ثم غادر نحو جناحِه، قام الشيوخ والملوك مع وجوهٍ سوداء، لم يجرؤ أحد على قول كلمة واحدة لأن القوة هي العُملة الحقيقية في هذا العالم، وبعد صمتٍ طويل.. تقدّم حاكم أقوى دولة وقال للشيخ من أعلى جبل

"أتمنى أن تسمح لي باستخدام بوابة النّقل نحو فرعِكم في دولتي، سأذهب لِجلب الأموال اللازمة"

قال ملك آخر

"يجب علينا شراء هذا الكتاب مهما حدث حتى لا نجلُب أعداءً لا طاقة لنا بهم من القارة العظمى"

مع أن ما قالَه يبدو صالحاً إلا أنه رغبتَه الحقيقية هي الحصول على نسخة من الكتاب، تنهّد الجميع وطلبوا من أعلى جبل أن يسمح لهم بالمغادرة نحو ممالِكهم لِجلب الأموال والكنوز قبل فتح البوابة.

وصل شوفين إلى جناحِه وأغلق الأبواب جيداً ثم دخل قاعة التدريب التي لا يُمكِن فتحها من الخارج، ومباشرة.. تقيّأ الدماء وسقط مغشياً عليه حيث كان قد تمالك نفسه طيلة الوقت إلا أنه لم يستطِع الاستمرار أكثر، وكان هذا بسبب أن جسدَه لا يزال ضعيفاً لا يستطيع استحمال إطلاق مثل هذه الهالة القوية، خاصة أنه استخدم تقنية قوية خاصة تزيد من تركيز الهالة مقابل التضحية بِالجسد، ولولا هذا لما استطاع إجبار الجميع بهذه الطريقة المُهينة.

داخِل العالم الفراغي.. سقطَت نسخة شوفين الروحية أيضاً على الأرض، انقبض قلب راموليا التي كانت تنظر مع ريكو من خلال الشاشة، سارعت إلى نسخته وكان لا يزال في وعيه، أخرج بعض حبوب العلاج واسترجاع الطاقة ثم قال

"جسدي لا يستطيع الحركة، أخرجي وساعديني على امتصاص هذه"

أمسكت الحبوب وخرجت إلى القاعة التي سقط فيها شوفين فارتجفت عندما رأت كمية الدماء التي خرجت من فمه وأذنيه وجميع مداخِله ومخارِجه الأخرى، عدّلت جلستَه وأجبرَته على ابتلاع الحبوب ثم ضخّت هالتها داخل جسدِه لِمساعدته على امتصاصِها.

...

اهتزّت قصور جزر سمهريا وفروع أعلى جبل بِسبب حركة الملوك الذين سارعوا إلى دولِهم لِجمع المبلغ المطلوب أو بعض الكنوز القيّمة، أما أعلى جبل فقد كان الشيخ الأكبر غاضباً على الشيوخ الذين قاموا باستفزاز شوفين، وبفِعلهم هذا.. كانوا قد قضوا على أي فرصة للتفاوُض على السعر، وبعد هدوء الشيخ.. قال لهم

"كم نملِك من الحجارة البرتقالية ؟"

رد عليه أحدهم

"حتى لو جمعناها من جميع الفروع فلا أعتقد بأنها ستكون أكثر من اثني عشر ألف"

قال آخر

"هذا الطفل يملك معدة كبيرة، مائة ألف ؟"

عبس الشيخ الأكبر في وجهِه وقال بِغضب

"هل لا زِلت تعتبِره مجرد طفل ؟
أنا أجزِم بأنه وحشٌ قديم يتنكّر بِهيئة طفل صغير"

قال شيخ هادئ

"ماذا عن فتح الخزانة العتيقة"

تغيّرت ألوان الجميع عند سماعِه وكادوا ينتفضون عليه، إلا أن الشيخ الهادئ قال

"مع أنه كنزٌ تركه أسلافنا قبل خمسين ألف سنة، إلا أننا لم ننجَح في ترويضِه"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/17 · 566 مشاهدة · 904 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024