"مع أنه كنزٌ تركه أسلافنا قبل خمسين ألف سنة، إلا أننا لم ننجَح في ترويضِه"
صمت شيوخ أعلى جبل قبل أن يُكمل الشيخ الهادئ
"قال السلف بِأنه يملِك وعياً خاصاً به ويستطيع اختيار صاحبِه، لذلك لن يُفيدنا بِقدر ما سيُفيدنا الكتاب، وحتى شوفين لن يستفيد منه لأننا عرضناه على جميع عباقرتِنا منذ وجدناه ولم يتفاعل مع أيٍّ منهم"
قال الشيخ الأكبر
"أعتقد أنه خيار جيد، لكني أخشى أن يطلب منا شوفين كنوزاً أكثر، لأنه ذكي وخبير، وإذا كان لن يستفيد منه فلَن يرضى بسهولة"
قال الهادئ
"نعطيه عشرة آلاف حجر برتقالي مع الكنز ثم نرى، ولا أظن بأنه سيُعانِد كثيراً لأن البوابة على وشك أن تُفتح"
وافق جميع الشيوخ بعد نِقاشٍ طويل ثم أرسلوا من يستدعي شوفين، لكنه كان منعزلاً في غرفة التدريب لذلك انتظروا إلى أن يخرج بِنفسه، وفي نفس الوقت.. بدأ يعود الملوك بِأموالِهم وكنوزِهم، وكانت بعض الدول الضعيفة قد اقترضَت من العشائر القوية ووَعدتهم بالفوائد التي سيجنونها بعد ردّ الديون، وفي اليوم التالي.. عاد جميع الملوك واجتمعوا في قاعة مغلقة، ناقشوا فيما بينهم كمية الكنوز التي سيقدّمونها وكيف يجب عليهم الضغط على أعلى جبل لِكسب أكبر قدر من الفوائد بعد بيعِهم الكتاب في القارة العظمى، وبالطبع.. كانت لدى الجميع مخاوِف من ألا يكون الكتاب حقيقياً فيتعرضوا للخداع سواءً من شوفين أو من أعلى جبل، لذلك قرروا الانتظار إلى أن يروا عينات من الكتاب قبل أن يقرروا.
في اليوم التالي.. لا يزال شوفين في عُزلة، ولم يتبقّ على فتح البوابة سوى بِضع ساعات حيث تُفتح في الليل، كان الجميع مُرتبكين لأن شوفين لم يظهر بعد، لكنهم كانوا أيضاً سعداء لأنه سيقبل بِأي شيء ولن يُماطِل كثيراً بِسبب قُرب موعد فتح البوابة، وفي هذه الأثناء.. شعر الجميع بِهالة شوفين وهو يقترِب منهم وكان قد تعالج نسبياً رغم أن جسدَه لا يزال يعاني من جروحٍ داخلية.
وصل إليهم فاستقبله الجميع بِحفاوة، نظر نحو الشيخ الأكبر وقال
"هل جهّزت أموالي ؟"
تحدّث وكأن المال مضمون، ابتسم الشيخ بِبعض الحرج قبل أن يُجيب
"أتمنى أن نناقش هذا الأمر في المقر الداخلي، هناك شيء قد يُعجِبك أكثر من المال"
تنهّد شوفين بِحُزن مخلوط بِالغضب ثم قال
"توقّعتُ هذا، على أي حال.. كم معك من الأحجار البرتقالية ؟"
ابتلع الشيخ ريقه وصرّح
"عشرة ... آلاف، لكن.. هناك شيء.."
قاطعه شوفين مباشرة
"هل لديكم جواهر الوحوش البدائية ؟"
تختلف الوحوش المتدرّبة بين عادية وبِدائية، وهذه الأخيرة نادرة لأن الطاقة الموجودة في داخلها تحمِل صِبغة القوة الأصلية للوحش، لذلك تُعتبر غالية جداً، ابتلع الشيخ ريقَه وأجاب
"لد.. لدينا واحدة لم نخصصها للبيع، هي في الحقيقة ملكٌ شخصي وليست.."
قطّب شوفين جبينه في وجه الشيخ فطأطأ رأسه وقال
"حسناً.. سأجهّزها لك، هل يمكنك مرافقتي للمقرّ الداخلي ؟"
لم يُجِبه شوفين وإنما أخرج ثمانية أحجار تصوير كان قد وجدَها في الكنوز التي كسبها في السابق، وضعها على الطاولة ثم أرسل طاقته إليها وقال
"أعلم بأنكم ربما تشكّون في محتويات الكتاب، وهذا هو محتواه أمامكم، تصفّحوه لِعشر ثوانٍ ثم ادفعوا كنوزكم"
قدّم حجراً واحداً لكل ملِك ثم قدم الذي يحتوي على نصف الكتاب للشيخ الأكبر، أمسك الجميع أحجارَهم وبدؤوا يتصفحون المعلومات التي بِداخلها، تغيّرت تعابيرهم بِالتدريج لأنها كانت معلومات دقيقة مدعومة بِالأدلة والصور، وقبل أن ينغمسوا فيها.. ضرب شوفين الطاولة وقال
"الآن.. من يُريد الشراء ؟"
عبس الملوك لأنهم كانوا قد خططوا أن يتركوا أعلى جبل يشتري أولاً، ومع ذلك.. قرروا عرض كنوزِهم بينما أخذ شوفين حجر التصوير من الشيخ الأكبر.
تقدّم ملك أقوى دولة وأخرج بِضعة صناديق مليئة بِالأحجار الحمراء وبينها صندوق واحد من الأحجار البرتقالية، أخرج تالياً بعض الأسلحة والحبوب الطبية النادرة، ابتلع ريقَه واحمرّ وجهُه وهو ينظر إلى شوفين الذي كان لا يبدو راضياً، وبعد صمت.. أومأ بِرأسه وخزّن الصناديق.
تقدّم الملك الثاني والثالث وقدما ما لديهما أيضاً، حان وقت الرابع وكانت الملكة ندمين مع تعابير حزينة بعض الشيء، وذلك لأن شوفين قد كان أقوى ممّا تخيّلت من قبل، وقد جعلها تشعر بإحراج أكبر بكثير من الإحراج الذي كان يتعرض له وهو يمثل دور الأبله، خاصة عندما سحقها أرضاً بِمجرد هالة.
ابتسمت نحو شوفين وقدّمت كنوزها، ابتسم نحوها قليلاً ثم قال وهو يتصفّح الكنوز
"هل بينها شيء ليس مِن عشيرتك أو سيضغط عليكِ سياسياً ؟"
رفعت حواجِبها بِدهشة قبل أن تفهم سؤاله، طأطأت رأسها ولمسَت صندوقاً صغيراً ثم قالت
"هذا..، يأتي من شخص ما.."
سكتت قليلاً قبل أن تغرَورق عيناها قليلاً وتقول بِصراحة
"هل أستطيع استعادته ؟"
نظر شوفين داخل الصندوق وتغيّرت ملامِحه قليلاً، أغلقَه بِسرعة وقال لها عبر التخاطُر
"هذا شيء مُفيد جداً، لكني لست مُهتماً به"
نظرَت نحوَه بِكثير من العواطف ولم تعلم إن كان فقط يتساهل معها أم هو حقاً لا يحتاجه، وكان الصندوق يحتوي على رمز مرسوم الطاعة، فكيف لا يحتاجه وهو لا يعلم أصلاً لأي جهة يتبع ؟
انحنَت نحوَه باحترام وأخذَت الصندوق الصغير، وكان هذا الصندوق من إحدى العشائر القوية، وإذا قبِلته فقد يتعيّن عليها الزواج من أميرِهم حتى وإن لم يُصرّحوا بِذلك، لأن مرسوم الطاعة هذا كان يتبع عشيرة في القارة العظمى، وقيمتُه كبيرة جداً، ولولا جشع شيوخ عشيرتِها لما قبِلته من تلك العشيرة الأخرى.
أكمل الملوك تقديم كنوزِهم حتى وصل الدور على آخر دولة وهي روسكيا، نظر شوفين في الكنوز التي قدّموها وكانت وجوههم حمراء من الإحراج، وضع يدَه في الصناديق وبدأ يُقلّب العناصر حتى وقعَت عيناه على السلاحَين السفليَين اللذين منحهما لهم حينها، ابتسم وقال
"مهما كنتُ قوياً فأنا في النهاية من روسكيا، لذلك سأعفيكم من الدفع"
تهلّلت وجوه الحاكم وأتباعِه بِسعادة قبل أن يقول الحاكم
"وأنا أعِدك أني سأدافِع عن عشيرة القمر الأحمر بِحياتي، ولن يكون لديهم نقصٌ في الموارد بعد اليوم"
اعتقَد الحاكم بِأن شوفين يفعل هذا لأجل عشيرة القمر الأحمر، لكنه في الحقيقة لم يكن مهتماً بِالكنوز التي عرضوها عليه.
لاحظ الجميع بأن شوفين قد تساهل مع الجميع وليس روسكيا فقط، وهذا جعل أعلى جبل يتفاءلون أيضاً، وبعد ربع ساعة.. كان شوفين في المقرّ الداخلي، أخذ منهم جوهرة الوحش البدائي وكانت تحت المستوى الذي أمِله، لكنه قبِلها مع عشرة آلاف حجر برتقالي ثم نزل مع الشيخ الأكبر في سردابٍ عميق تحت الأرض، وفجأة.. شعر شوفين بِشعور غريب، وقبل أن يعلم ما هو.. سمِع صرخة من الطرف الآخر للسرداب وكان أحد الشيوخ يصيح
"كارثة ... إنها كارثة"
وفجأة.. بدأ السرداب يهتزّ بِأكملِه وكأنه سيقع عليهِم، ونفس الشيء بالنسبة للمباني في الأعلى حتى ظنّ الجميع بأنه زلزال كارثي، لكن الخبراء كانوا جميعاً يُركّزون تحت الأرض، قال حاكم أعلى دولة للشيخ الذي يرافقه
"ما الذي يُخفيه أعلى جبل علينا ؟"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها