"بِالنسبة لي.. لا أهتم بِما يحدث ما دام شوفين بِخير، حتى وإن تدمّر العالم بأكملِه"
كانت لهجة سويكا قوية لدرجة أن الجميع قد استغروا منها، وكانت هذه هي نهاية النقاش تقريباً لِأن آخر شخصٍ توقّعوا منه دعم شوفين هو سويكا كونها فتاة رقيقة القلب، ورأيها القوي هذا لابد أن يكون خلفَه شوفين عبر عقد العبودية، لكن.. لماذا يقوم بِالتحكّم في رأي سويكا وليس فيهم ؟
كان هذا هو السؤال الذي جعل تفكيرَهم يضطرِب، وفي هذه اللحظة.. شعر الجميع بِهالة قوية فوق المنصة حيث ظهر شوفين وكان قد تغيّر بِشكلٍ جذري رغم أن شكله لا يبدو مُختلفاً على السابق.
نظر إليه الجميع بِتعابير مختلفة كما نظر إليهم هو أيضاً وكان قد توقّع بِأنهم لن يُمرّروا مسألة الطفل بِسلام، لوّح بِيده وأخرج كرسياً فخماً قُرب الشعلة البيضاء ثم جلس عليه مثل الملك، ابتسم نحو سويكا وكان قد سمِع ما قالته لأنه سبق وخرج من التدريب قبل أيام، لكنه بقي في العزلة لِمراجعة خُططِه المستقبلية.
أشار بِيدِه نحو سويكا فاقتربت منه، أمسك يدَها وسألها
"لقد تقدّمتِ قليلاً في تدريبك، وزاد تواصُلك مع البيضة، لكنها تُؤثّر على مِزاجِك، دعيني أساعِدك على مُوازنة الارتباط بينكما"
سحبها وأجلسها على فخذَيه دون سابق إنذار، ابتسمَت بِحرجٍ بينما أمسَك هو بِجبهتِها وبدأ يضخّ قِواه الروحية إليها، ومع أنها تملِك تفوقاً في القوى الروحية مقارنة مع راموليا إلا أنها لا تزال بعيدة عن التحكّم بِالمخلوق الغريب داخل البيضة، بل شوفين نفسُه لن يستطيع التحكم فيه دون رابطة قوية بينهما، وليس بإمكانِه سوى دعم سويكا التي قد بدأت بِالفعل تأسيس علاقة مبنية على الطاقة والدماء.
ما جعل شوفين يَنتبه إلى هذا التأثير هو عصبية سويكا ومحاولة فرض رأيها في وقت سابق، وهذا لم يكن من طبيعتها، لذلك أظهر شوفين نفسه مع أنه كان لا يزال في عزلة تدريبية.
بدأ شوفين بِتحصين روحها من أي تأثير خارجي، وبِسبب هذا.. تصادم مع رغبة المخلوق في البيضة عن غير قصد، ابتسم شوفين لأن المخلوق الغريب كان قد بدأ في تقوية وعيِه أكثر من السابق، لكن وقت المفاوضات الجادّة معه لم يحِن بعد، لذلك اكتفى بِمساعدة سويكا على الاستقرار.
انتهى منها فلاحظ بأنها قد استنَدت على صدرِه وكأنها لا تريد القيام، ابتسم ولم يُزعِجها وإنما التفَت إلى راموليا ومجموعتِها وقال بِهدوء
"سمِعت نِقاشكم قبل قليل، هل هذا يعني بأنكم لا زلتم غير راضين عن أفعالي ؟"
لم يُجِبه أحد فضحِك وقال ساخراً
"هل تعتقدون بِأني أهتم لِآراء مجموعة من الحثالة الضعفاء أمثالِكم ؟
بِمستوى قوّتِكم الحالي.. أكاد لا أجرؤ على إظهارِكم أمام أعدائي حتى لا يضحكوا عليّ، فكيف أهتمّ بِما تعتقدونه ؟
مهما حاولتُم فلن تكون نهايتكم أكثر من خدَمٍ يعتنون بِحديقة أعشابي"
احمرّت عينا راموليا بينما سخِط ريكو وشدّ قبضاتِه الأربعة، أما صلجان فقد كانت تلعَن اليوم الذي قرّرت اتّباع شوفين فيه، وأثناء ذلك.. سارَع أرفود وصرخ بِنبرة مليئة بِالولاء
"سيدي.. أنت لست بِحاجة إلى خدَم، أنا وحدي أكثر مِن كافٍ لِرعاية عالمِك الخاص"
ضحك شوفين نحو أرفود ثم لوّح بِحقيبة مليئة بِالحبوب الطبية التي تُساعد الروح على الشفاء، وكان قد حصل عليها من الدول السبعة في وقتٍ سابق، أمسَكها أرفود فقال له شوفين
"ستُساعِدك هذه على استقرار روحِك واسترجاع ذكرياتِك، أيضاً.. قُم بِتغيير شكلِك إلى طفلٍ صغير، فأنت تبدو أكبر من اللازم"
أومأ أرفود بِاحترام وقام مباشرة بِالتحكّم في شكلِه حتى صار مثل طفلٍ في الرابعة من عُمرِه، طبعاً.. هو لم يرَ طفلاً في الرابعة من قبل، لكنّه اعتمد على مُخيّلته لِتنفيذ طلب شوفين والتحوّل إلى أصغر شكلٍ مُمكِن، وبعد تحوّلِه.. شكر سيّده في نفسِه لأنه يستطيع تركيز قوّتِه الروحية بِشكلٍ أفضل وهو في هيئة صغيرة.
تجاهل شوفين الآخرين وربّت على شعر سويكا فقامَت من على صدرِه وشعرَت بِبعض الحرج لأنها نسِيت نفسها، قامَت فقال لها شوفين
"تدريبُك لا يزال ضعيفاً جداً مقارنة بِالبقية، سأقوم بِمساعدتِك للتقدّم نحو مرحلة التألق في أقلّ من سنة"
كانت سويكا لا تزال في مستوى تعزيز الجسد، لذلك كانت الأضعف بينهم، نظر نحو الثلاثة الآخرين وقال
"إذا لم تستطيعوا الصعود على المنصة خلال ستة أشهُر فسأجعلكم تبقَون خدماً إلى الأبد"
وقبل أن يفهموا ما يقوله.. لوّح شوفين بِيدِه وقذفهم جميعاً خارج المنصّة الحجرية، رفع يدَه للأعلى وقام بِتشكيل حاجزٍ قوي يُحيط بِالمنصة وكأنه قبّة ضبابية لا يُمكِن اختراقُها، وقد كانت المهمة أكثر سهولة لأنه داخِل عالمِه الخاص، ابتسم نحو سويكا وقال لها
"هكذا سيجتهِدون أكثر ويتركون النقاشات التي لا منفعة فيها"
في هذه اللحظة.. قرّرت صلجان بِأن الصمت لن يُجدي نفعاً، لذلك بدأت تصرخ وتبكي وكأنها مخطوفة
"أتركني أذهب ... لا أستطيع البقاء هنا ... أرجوك ... دعني أخرج من هنا"
لم يهتم لها شوفين لأنها أصلاً مجرد ضيفة، لكنه لن يتركها هي أو غيرها بِدون موارِد، لذلك أخرج كمية كبيرة من الموارد وأعطاها لِأرفود ثم طلب منه توزيعَها عليهم، وقفَت سويكا أمام شوفين وقالت
"لماذا تحتجِز الأخت صلجان أيضاً ؟"
قال
"هذا لِصالِحها، ولو تركتُها تذهب فلَن تعيش طويلاً لأنها تملك جسداً مرغوباً مثلك، لكن الفرق هو أنهم سيرغبون في قتلِها لأخذ موهِبتها، وهذا الضغط سيُساعِدها على إيقاظ قِواها بِشكل أسرع"
احمرّ وجهُها وكتَمت ضِحكَتها بِيدَيها قبل أن تقول
"لقد علِمتُ بِأنك لا تُسيء إلى رِفاقِك، كل ما تفعلُه بهِم هو في الأصل لِصالحِهم"
لم يُجِبها شوفين وإنما أشار إليها فجلَست على الأرض، أغلق عينَيه قليلاً ثم فتحهما وقال
"اِرفعي أصبُع يدِك اليمنى وشكّلي عليها كرة صغيرة من الطاقة بِاستخدام تقنية الصف الراقص"
فعلت ذلك فقال
"الآن.. اِرفعي أصبع يدِك اليسرى أيضاً ومرّري لها كرة الطاقة تِلك، لكن دعيها تمرّ عبر خطوطِك الزوالية وليس عبر الهواء"
قامت بِذلك فأخذ منها ثلاث ثوانٍ من الوقت، عبس في وجهِها وقال
"هذا هو سبب هزيمتِك على يدِ ذلك المُنحرِف، لأنك لستِ ماهرة بِما فيه الكِفاية، وإذا بقيتِ ضعيفة فستبقَين لعبة في أيدي أشخاصٍ مثله، لكنهم هذه المرّة.. سيكونون أقوى منه بِكثير"
فقدت تركيزَها وارتجف جسدُها حتى كادت تبكي، إلا أنه قاطعها قائلاً
"سأجعلُك أنتِ من يجعلهم لعبة بين يدَيه، اجتهِدي ولا تهتمّي بالأمور الثانوية مثل الآخرين، لا تدَعي شيئاً يصرِفُك عن التدريب"
أومأت بِشدّة فقال لها
"مُهمّتك الآن هي جعل الكرة تمرّ من أصبعٍ لآخر في لمحة عين، سنبدأ تدريبنا الحقيقي عندما تُنجزين هذه المهمة"
قامت سويكا إلى مكانٍ بعيد عن كرسيّه ثم جلسَت للتدريب، لوّح بِيدِه وأدخل ريكو من الخارج، كان شكلُه مفزوعاً عندما رأى شوفين، نظر إليه شوفين طويلاً حتى ظنّ بِأنه سيسلِخ جِلدَه وهو حي، لذلك بدأ يتراجع إلى الخلف، ضحك شوفين ثم قال له عبر التخاطُر
"اِجلس، هناك أمران يجب عليك أن تعرِفهما"
توقف ريكو عن التراجُع وجلس، علِم بأن الأمر مهم لِدرجة أن شوفين كان يتحدّث معه عبر التخاطُر، صمَت شوفين طويلاً قبل أن يقول له
"الأمر الأول هو الحديث عن جسدِك البشري، والأمر الثاني هو موهِبتُك الفطرية"
أظهر ريكو الاهتمام لأنهما موضوعان مصيريان بِالنسبة له، لكن شوفين ابتسم وقال
"لقد غِبتُ عنك ثلاثة أشهُر، يجب أن تعطيني ثلاثين قطرة من جوهر دمِك حسب اتفاقِنا، وفي المقابل.. سأمنحُك شيئاً جيداً"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها