"أستطيع التحوّل إلى جسد بشري ؟"
صاح ريكو بسعادة، فالحصول على جسدٍ مُتحوّل أفضل بِكثير من جسدٍ بشري عادي، أومأ شوفين وقال
"بالطبع، لكن.. لا أدري إن كُنتَ ستفعلها أم لا"
قال ريكو بِسرعة
"إذا كان بإمكاني التحول حقاً إلى بشري فلا يهم كم كان التدريب قاسياً"
هزّ شوفين رأسه وقال
"أنا واثق بأنك تستطيع التحوّل في النهاية إلى شكلٍ بشري، ولن يكون هناك أي فرق بينك وبين أي بشري آخر، لكن المشكلة ليست متعلّقة بالتدريب وإنما بالمبادئ"
استغرب ريكو وقال بِصوتٍ خافِت
"مبادئ ؟"
عبس بعض الوقت قبل أن يفتح عينَيه ويسأل بِعبوس
"أنت ... تقصِد ..."
أومأ شوفين وقال
"نعم، ستحتاح إلى دم جوهر غير مُلوّث، وهذا لا يكون إلا عند طفلٍ حديث الوِلادة"
عبس ريكو مباشرة وطأطأ رأسه، وبعد تفكيرٍ طويل.. سأل مرة أخرى
"هل سيعيش بعد أخذ دمه ؟"
هزّ شوفين رأسه جانبياً وقال
"لا"
شدّ ريكو قبضتَيه وصمت وكأنه لا يُحسِن الكلام، استرخى شوفين على كرسيّه وأخرج جوهرة الوحش البدائي التي أخذها من الشيخ الأكبر في أعلى جبل، وكانت تحتوي على طاقةٍ وحشية بدائية تستطيع مساعدة الوحوش الآخرين أكثر من البشر، ألقى الجوهرة نحو ريكو وقال له
"فكّر في هذا جيداً، فالأمر لا يزال بعيداً على أي حال، عُد للتدريب وحاوِل امتصاص الطاقة من هذه الجوهرة لعلك تتقدّم في تدريبك المُتجمّد منذ فترة"
أمسك ريكو الجوهرة وانصرف، وقبل أن يخرُج من المنصّة.. قال له شوفين
"لا تُخبِر أحداً عن موضوع حديثنا، أخبِر راموليا بِأني كنت أشرح لك كيف تمتص تلك الجوهرة"
وهكذا.. انتهى الأمر مع ريكو حيث جعله شوفين في صِدامٍ مع نفسِه، خاصة أنه قبل ساعةٍ كان يُعاتِب شوفين على استخدام طفلٍ حديثٍ والآن سيكون عليه استخدام نفس الطريقة للتقدّم في تدريبِه، وكان كل هذا من دهاء شوفين لأن ريكو لا يحتاج إلى طفلٍ حديث وإنما أي بشري عادي سيكون صالحاً للعملية مِثلَه مثل أي وحشٍ آخر، لكن ريكو لا يعلم هذا، لذلك سينقلِب تدريجياً على راموليا إذا أراد الاستفادة من طريقة شوفين.
لا يهتمّ شوفين كثيراً حول اعتقادات رِفاقِه لأنه عاش وقتاً طويلاً جداً دون رِفاق، لذلك يعتبِرهم مجرد أدوات تكميلية، وما داموا لا يُزعِجونه فسيهتم بهِم ويصرِف عليهم الموارِد الثمينة، أما إذا حاولوا إزعاجه باعتِقاداتِهم فلَن يهتمّ كثيراً إذا زاد من حِدّة عقد العبودية ويجعلهم مثل أرفود مثلاً.
خارِج الحاجِز الذي يُحيط بالمنصّة.. ظهر ريكو فتقدّمت راموليا وحاولَت استنطاقه، إلا أنه أخبرها ما قاله شوفين حول الجوهرة، ومع ذلك أحسّت بعض التغيِير في نبرة ريكو وفكّرت في أن شوفين قد يكون أزعجه أو هدّده بِطريقة ما، لذلك تركته وعادت إلى التدريب من جديد.
في الأيام القادمة.. بدأت سويكا تتحسّن وصارت تنقُل الضوء من أصبعٍ لآخر في أقل من ثانية، لكن شوفين لا يزال غير راضٍ على النتيجة، لذلك استمرّت في التدريب بِجدّية أكبر، كانت راموليا في عُزلة تدريبية بعيداً عن الجميع بعد أن تلقّت كمية من الموارِد على يد أرفود الذي صار في هيئة طفلٍ صغير.
ريكو أيضاً كان في عُزلة لامتصاص الطاقة من الجوهرة، لكنّ ذِهنه كان مُتضارباً بِسبب ما قاله شوفين، وعندما شعر بأن تدريبه لن يتقدّم بِهذه الطريقة.. قرّر أنه سيكون من الجيد أن يستغلّ أي فرصة لزِيادة قوتِه مثلما يفعل شوفين، لذلك سيقبل اقتراح جوهر الدم من طفلٍ حديث ولو كان هذا يعني قتله.
كان شوفين أيضاً يتدرّب على التقنيات الثلاث، وفي نفس الوقت يقوم بِمراقبة الجميع، ولاحظ بِأن صلجان لا تتدرّب وإنما كانت تقضي وقتها في التفكير فقط، لذلك أدخلها مثلما فعل مع ريكو وسألها
"هل أنتِ خائفة مني ؟"
لم تُجِبه وإنما طأطأت رأسها فقط، نظر إليها طويلاً ثم قال
"أنا أفي دائماً بِوعودي، لقد وعدتُ والِدك بِأني سأجد لكِ مكاناً آمناً، ومع ذلك.. كلما صِرتِ أقوى كلما كان أكثر أماناً"
ظلّت صامتة كما هي فنهض واقترب منها، ارتجفت قليلاً لكنها لم تتحرّك، وصل إليها ولمس جبهتها بأصبعه فبدأت البيانات تتدفّق إليها، استدار عائداً إلى كرسيه وهو يقول
"هذه تقنية مُناسبة لِهيئة الطاووس المقدّسة، تدرّبي عليها جيداً، هذا كل ما أستطيع القيام به لأجلِك"
استوعَبت معلومات التقنية وتغيّرت تعابيرُها لأنها كانت تقنية ذات مستوى مرتفع، تردّدت قليلاً ثم قالت
"هـ.. هل ستتركني أذهب ؟"
ابتسم نحوها وقال
"ولِم لا ؟"
صمتت قليلاً وكأنها لا تُصدّقه قبل أن تقول
"هل تستطيع مساعدتي للوصول إلى عشيرة الرمح الشمسي ؟"
قطّب شوفين حاجِبيه قليلاً ثم أومأ وقال
"أين توجد هذه العشيرة ؟"
أخرجت صلجان قطعة معدنية دائرية وقالت
"أخبرني أبي أن هذه القطعة تستطيع إيصالي إلى العشيرة"
أمسك شوفين القطعة وتحسّسها ثم ابتسم وقال
"هذه أداة توجيه، يبدو أن الشخص الذي تقصدينَه ليس مجرد شخصٍ عادي"
تتم صناعة أدوات التوجيه اعتماداً على القوى الروحية، وتعتمد المسافة التي يُمكن استشعار صاحب القطعة عبرها على مدى قوة صانعها، ومن تحليل شوفين للقطعة فلابد أن صاحبها كان في منتصف مرحلة التألق، وهذا كان قبل زمن طويل، ما يعني بأنه ربما يكون أقوى الآن.
خزن شوفين القطعة المعدنية ثم ابتسم نحو صلجان بخبث وقال
"عودي للتدريب، وإذا نجحت في اختراق حاجز المنصة في ستة أشهر فسأوصلك بِنفسي إلى تلك العشيرة"
عبست وعادت للتدريب كما أمرَها ولم تملك حتى الشجاعة لتطلب منه استرجاع تلك القطعة المعدنية، ومع أن شوفين قد أعطاها تقنية قوية إلا أنها لا تزال خائفة منه.
بعد بضعة أيام أخرى.. نجحت سويكا في نقل الضوء من أصبع لآخر في لمحة عين، أومأ شوفين نحوَها بِفخرٍ لِأن أي شخص آخر كان سيقضي عدة أشهر في نفس التدريب وربما لن يُفلح في النهاية، وبِما أنها قد نجحَت في الاختبار فقد حان وقت الخطوة التالية، حيث قال لها شوفين
"الآن.. يجب عليك نقل الضوء من أصبعك إلى مناطق أخرى من جسدِك، اصنعي الضوء ثم تخيلي مكاناً عشوائياً مثل الكتف أو القدم وأرسلي له الضوء، وعندما تنجَحين.. سيكون عليك إنشاء ضوئين وتطبيق نفس الخطوات عليهما في نفس الوقت، وسيستمر تدريبُك حتى تستطيعي إنشاء مائة ضوء وإرسالها من مائة مكانٍ إلى مائة مكان آخر حسب تخطيطك وليس بشكل عشوائي"
ابتلعت ريقها بسبب صعوبة الوصول إلى النتيجة النهائية، لكنها ازدادت عزماً بدل الشعور بالإحباط، وذلك لأنها تملِك هدفاً نهائياً حيث تقف فوق جميع المنحرفين وتستطيع منعهم من إجبارها على ما لا تريد.
لا يدري شوفين ما إذا كان ريكو قد وجد غايته النهائية والتي ستدفعه للاجتهاد في التدريب، لكنه لم يقلق عليه لأن الإغراء الذي منحَه له ليس صغيراً، وسيؤثّر عليه مهما طال الوقت، لذلك لم يفكّر فيه كثيراً وإنما كان يفكّر في راموليا، فحتى وإن كانت ترغب في القوة أيضاً إلا أنها لا تملك حافزاً كبيراً، لكنه لا يستطيع صناعة حافزٍ لِشخصٍ مثلها، لذلك تركها وشأنها في الوقت الحالي.
اقترب من سويكا وقال لها
"سأخرج لِبعض الوقت، إذا احتجتِ إلى أي شيء فراسليني عبر التخاطُر"
أومأت بِرأسها ثم عادَت للتدريب، أخبر أرفود أيضاً وأعطاه العديد من المهام الخاصة بِعالمِه الفراغي، وبعدها.. خرج وفتح عينيه في المكان الذي يختبِئ فيه تحت الأرض، نظر إلى سِلاحِه الوفي وكان لا يزال يمتص الطاقة من الوريد الروحي، أخرج العديد من الأحجار البرتقالية وبدأ يُغذّيه لأنه يعلم كيف كانت قوة هذا السلاح عندما كان في أوجِه، وكلّما زادَت طاقتُه كلما زادَت قوّته، لذلك لم يبخل عليه شوفين أبداً.
أثناء العملية.. أخرج شوفين أداة التوجيه التي تقود إلى عشيرة الرمح الشمسي، ابتسم وقال بِخُبث
"حسناً، لِنذهب ونرى كيف تبدو هذه العشيرة"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها