"سنقوم بالأمور بِطريقة مُختلِفة هذه المرّة"
أوضح لهم شوفين
"بدل أن نذهب إليهم.. سنقوم بِدعوتهم إلينا"
لم يفهَم الجميع قصدَه فقال
"زنهار.. قُدني إلى مكانٍ واسع يتوسّط العشائر القوية"
وافق زنهار دون أن يسأل أكثر، عادَت راموليا والآخرين إلى العالم الفراغي مؤقتاً بينما ركب شوفين وزنهار فوق الطيارة، وبعد ثلاث ساعات كانوا قد وصلوا إلى منطقة واسعة تتوسط أرض الخور وصحراء بيجاد وبعض المناطق الأخرى، نزل شوفين ثم أخرج سويكا وعلّمها مصفوفة جديدة، استغربَت منها ثم بدأت في إتقانها وكانت بسيطة وغير معقدة.
بعد ساعة.. قال شوفين
"حاولي بناء منصة واسعة للقتال في هذه المساحة"
كانت المصفوفة التي أعطاها لها مسؤولة عن البناء، وبها كان يبني المباني المدمرة في عالمه الفراغي، أغلقَت عينيها وأخرجَت كمّية من الطاقة ثم تخيلت شكل المنصة، وبعد بِضعة تجارب.. بدأت الأرض تتشكّل وظهرَت معالم المنصة، ومع أن بناءً مثل هذا يحتاج إلى تركيزٍ كبير إلا أن سويكا تملِك القلب البدائي، لذلك كانت تُساير العملية، وإذا أشكل عليها شيء كان شوفين يعطيها بعض التلميحات.
كان زنهار يشاهد عملها طيلة الوقت، وعندما اقتربت من الانتهاء.. قال
"هي لا تعتمِد على الطاقة في وعائها، من أين تحصل على كل هذه الطاقة ؟"
لم يُخف عنه شوفين حيث شرح قائلاً
"منحتُها وعاء خاصاً بعد إعادة صقل جسدِها، لذلك لا يهم مدى تقدّمها في التدريب لأنها تستطيع التقدم في طريقٍ خاص، لكن هذا لا ينفع مع الجميع لأنها فتاة مميزة"
أومأ زِنهار بِرأسه وقال
"القلب البِدائي، إنه نادرٌ جداً"
ارتجفَت سويكا عندما سمِعت زِنهار خلفها يذكر القلب البدائي، وذلك لأنه وحشٌ قديم وقف بين أقوى الكائنات في القارة، قال شوفين بِنبرة جافة
"إذن فقد لاحظت"
قهقه زِنهار ثم سأل شوفين
"هل تزرعان معاً ؟"
تجمّدت الدماء في عروق سويكا لكنّها تصرّفت وكأنها لم تسمع شيئاً، ضحك شوفين وقال
"فتاة جميلة وصغيرة مثلها، كيف سترضى على عجوزٍ مثلي ؟"
رفع زِنهار أحد حاجِبَيه ولم يعلم إن كان شوفين يقصِد حقاً بأنه عجوز أم يلوي الكلام فقط، على أي حال.. ضحك أيضاً وقال
"لا تقلق، سترضى عنك يوماً ما"
تصلّبت كتِفا سويكا واحمرّ وجهُها حتى كادت تفقِد سيطرَتها على المصفوفة، استجمعَت شجاعتَها وصرخت عليهما
"اصمُتآ~آآآآ"
ضحك الاثنان عليها وكأنهما جدّان قديمان يُمازِحان طفلة صغيرة، بينما أكملت سويكا عمَلها في بِناء المنصّة، وبعد نصف ساعة.. انتهَت من البناء فقال لها شوفين
"استريحي قرب الوريد الروحي واسترجِعي الطاقة المفقودة قبل أن يبدأ القِتال"
أدخلَها إلى عالمِه ثم أخرَج راموليا وريكو، أعطى راموليا حبة طبية ترفع مستوى التدريب بِدون أضرار جانبية ثم طلب منها محاولة الاختراق إلى قمّة مستوى تهيئة الوعاء، وكانت هذه الحبة من التي حصل عليها من خزانة زِنهار، أكلتها وجلسَت فطلب شوفين من زِنهار مُراقبة اختِراقها لأن الحبة كانت قوية، وقف زِنهار خلفَها وأحاطها بِهالتِه وسهّل عليها العملية بِتهذيب طاقة الحبّة، وهذا ساعدَها كثيراً على تعزيز الوعاء وتقوِيته.
اهتمّ شوفين بِـ ريكو وراجع معه تحوّله السابق لأنه كان ضعيفاً رغم إمكانياتِه الكبيرة، لاحظ شوفين بِأن مهارتِه لم تكُن لِتنجح لولا وجود الجوهرة الوحشية مع جوهر الدم، لذلك خطّط بِأنه سيبحَث له عن بعض الوحوش التي تملِك جوهرةً وحشية حتى يقوم بِالحصول على مهاراتِها الفِطرية، أما مسألة التحوّل إلى الشكل البشري فهذا سيكون أكثر صعوبة لِأن البشر لا يملِكون جوهرة وحشية، إلا إذا انتظر حتى يذهبا إلى بعض العوالِم التي فيها إمكانات أكبر حيث سيجِد ريكو ما يُريده.
تدرّب شوفين وريكو على القتال الجسدي بعد أن تحوّل ريكو إلى جسد الغوريلا العملاق، لكنّه للأسف لا يستمرّ في هذه الهيئة إلا لِبضع دقائق، وهذه نقطة ضعفٍ سيئة، والسبب فيها هو ضُعف تدريب ريكو، لذلك لن يستخدِمه شوفين كثيراً في القِتالات القادمة.
بعد يومَين.. اخترقَت راموليا بِمساعدة زِنهار إلى قمّة مستوى تهيئة الوعاء، لكنها ستحتاج إلى بعض الوقت حتى يستقرّ وِعاؤها بعد التوسّع الذي رافق الاختراق، أما ريكو فلَم يتقدّم في تدريبِه لكنّه اكتسب قوة ومهارة قتالية جيدة، وصار يستمرّ تحوّله العملاق لِأكثر من عشر دقائق، لكن شوفين لم يقتنِع بِهذا فقط وإنّما زاد عليه الضغط أكثر وأكثر، ما جعل ريكو يندَم ويكاد يبكي.
خرجَت سويكا أيضاً ووَاصلت تدريبَها أمام شوفين، لكن تدريبها على الأقل كان واضحاً، وكل ما عليها فِعله هو استخدام المصفوفات التي أعطاها لها شوفين في القتال، وتعتمِد كفاءة قِتالها على سرعة رسم المصفوفات على جسدِها، وهذا هو سبب تدرّبها في الأشهر الماضية على نقل الطاقة من مكان إلى آخر على جسدِها حتى تستطيع استخدام المصفوفات الدفاعية والهجومية ومصفوفات المناورة عندما تحتاج إليها وفي جميع الأوضاع، وإذا أتقنَت هذا النوع من القتال فلا حاجة لها لِرفع تدريبها بالطريقة التقليدية.
بعد أسبوعٍ من بناء المنصة.. وصل فريقٌ من المقاتلين التابعين لإحدى عشائر أرض الخور، جلبهم الفضول إلى هنا بسبب وجود منصة قتالية، وبعد رؤيتهم لشوفين.. أرادوا إلقاء القبض عليه، إلا أن شوفين أمر رفاقَه الثلاثة لِطردهم بعيداً، ولأنهم كانوا ضعفاء فقد هربوا بِسرعة، ابتسم شوفين ونظر نحو زِنهار ثم قال
"سيجتمع الذباب قريباً، لا تُظهر قوّتك حتى أطلب منك ذلك"
أومأ زنهار ولم يقل شيئاً، لأنه لا يحتاج إلى التدخل إلا إذا جاء عدوه الرئيسي أو حدث شيء غير مُتوقّع، غير ذلك.. سيترُك الأمور إلى شوفين.
بدأ شوفين بعدها بِوضع اللمسات الأخيرة على المنصّة القتالية للسيطرة على الأحداث، وكانت خطة شوفين عبر بِناء المنصة هي إرسال رسالة شاملة لِجميع القوى في المنطقة الشرقية بدل انتقالِه مع زِنهار بين العشائر، لم يكُن يخشى شيئاً بِما أن زِنهار موجود معه، لأنه سيكون كافياً حتى وإن أتى متدرّب آخر في مرحلة المجال، وإن أتى اثنان منهم فلا يزال يستطيع التراجع باستخدام الطيارة، لكن هذا كان أصلاً بعيداً لأن متدرّبي مرحلة المجال يُعتبرون قِلّة في أطراف القارة، عكس العشائر في المناطق الداخلية حيث يكون الشيوخ في بِداية مرحلة المجال وقد يكون الرئيس أو الشيخ الأول في منتصف أو حتى في قمّة مرحلة المجال.
في اليوم التالي.. بدأ المقاتلون بالوصول، كان أول من وصل هُم بعض عشائر أرض الخور، لكنّهم لم يجرؤوا على الاقتراب كثيراً، بعد ساعاتٍ أخرى.. وصلت عشائر صحراء بيجاد ومن بينها عشيرة الطريق المقطوع التي ينتمي إليها سكدير، لم يمرّ الكثير من الوقت بعدها حتى وصلت عشيرة الرمح الناصع وثلاث عشائر قوية أخرى، وبمجرّد رؤية شوفين.. سارع إليه شيوخ عشيرة الرمح الناصع وفي أيديهم أسلحة عُلوية.
ابتسم شوفين وأخرَج سلاحه القديم في نمط الريشة القاطعة، وكان سلاحُه الآن أقوى بِكثير بعد استهلاك العديد من الأسلحة الملكية، رفع سيفَه وأطلق نية سيفٍ قوية جعلَت جميع الشيوخ يتوقّفون لأنهم أحسوا وكأن أرواحهم كان يتمّ ثقبُها، وفي هذه اللحظة التي توقّفوا فيها.. ضحك شوفين وصرخ عليهم
"هذه منافسة شريفة ومن حق جميع العشائر أن تُشارِك فيها، وهجومكم عليّ يعني بأنكم تُريدون كنوزي لأنفسكم فقط، ألا يعني هذا بأنكم لا تضعون باقي العشائر في أعيُنِكم ؟"
بِسماع هذا.. تجمّد شيوخ عشيرة الرمح الناصع لأنهم لا يريدون التصادُم مع العشائر الأخرى، ومع ذلك.. التفَت أقواهم نحو العشائر الأخرى وكان في منتصف مستوى تألّق الطاقة البدائية، وقف شامخاً أمام الجميع وقال
"أنا أثق في أن العشائر الأخرى لن تتدخّل في أمورِنا الخاصة، أنتم تعلمون بأن شوفين قد قتل قُرابة عشرين من أتباع عشيرة الرمح الناصع، ومن بينهم ثلاثة شيوخ، وهذا الشيء قد رآه الكثير منكم وعلى رأسِكم عشيرة الطريق المقطوع التي قامت بِتصوير الحادثة"
التفتَ الشيخ نحو عشيرة الطريق المقطوع وقال
"أنا أدعوكم لاستحضار الحكمة وقول الحقيقة أمام أسماع الجميع"
قهقه أحد شيوخ عشيرة الطريق المقطوع ثم قال ساخراً
"تبكي أمامنا مثل العذراء الصغيرة، و غرضك الحقيقي هو كنوز شوفين، وهو هنا اليوم لإعطاء الجميع فرصة للحصول عليها اعتماداً على قوّتِنا، وإلا.. فنحن أيضاً أعداءٌ مع شوفين، بل وثأرُنا أقدم من ثأرِكم"
رفع شوفين حاجِبَيه وهو يتصفّح أعضاء عشيرة الطريق المقطوع، نظر إليه الجميع انتظاراً لإقرار اتّهامِهم أو تكذيبِه، وفجأة.. لمح شخصاً مألوفاً فقال له
"أنت هنا يا سكدير، ألم أُحذّرك من البحث عن الثأر ؟"
--------------
سؤال الفصل:
راموليا، سويكا وريكو، في رأيِك.. مَن مِن هؤلاء الثلاثة سيتألّق أكثر في القِتال لِدرجة إدهاش جميع الأقوياء ؟