"أنا أرغب بِمبادلة هذا الرمز مقابل منصب الشيخ الضيف لِمدّة عشر سنين"

كانت هذه الجملة كفيلة بِجعل الجميع يصمتون، ومع تفاوت صدمتهم إلا أن صدمة راموليا كانت أعلى من الجميع، هل لديه الجرأة حقاً حتى يطلب مثل هذا الطلب ؟

فالشيخ الضيف يكون في العادة شخصاً قوياً جداً حيث يعيش في العشيرة ويستفيد مِن هِباتِها دون مقابلٍ حيث لا يتدخل في التسيِير ولا يُنفّذ المهام ولا تَتبعُه أية مسؤوليات، وسببُ استضافة العشائر للشيخ الضيف هو استشارته في الأمور الحساسة والاستفادة من قوتِه إذا تعرّضت العشيرة للخطر، إضافة إلى استغلال شبكة معارِفه الخارجية وتقديم تعويضات مناسبة له جراء كل استغلال، لكن.. أيُّ شيءٍ من كل هذا يتوفر في تلميذ مشلول لا خِبرة له في الحياة ؟

ابتلع الرئيس ريقه ورمق الشيوخ حتى لا ينتفِضوا على شوفين بسبب وجود كل هؤلاء الضيوف، تصنّع الابتسامة بصعوبة ثم قال

"صغير.. هذا الطلب صعبٌ علينا، هل يمكنك طلب شيءٍ آخر ؟"

كانت نبرتُه استجدائية لأنه لا يُريد أن تتحدث عنه العشائر وتقول بأنه قد أخزى أجداده ولم يتبع تقاليدهم، ومع أنه قال هذا إلا أنه خشي أن يطلب شوفين شيئاً آخر أكثر حساسية، لكن شوفين رفع رأسه وقال بصراحة

"ليس لدي أي شيءٍ آخر غير هذا الطلب، وهو ليس بتلك الصعوبة.. سيدي الرئيس، فأنا لن أحصل سوى على جزءٍ صغير من الموارد كل شهر، ولن أُزعِجكم في شؤونِكم أيضاً، ليس وكأني طلبتُ أن أكون شيخاً داخلياً في العشيرة"

توقّف قليلاً وتركهم يهضِمون كلامه ويفهموه لأنه كان مثل تهديد مُضمر للجميع، أي أنه كان يستطيع أن يطلب أن يكون شيخاً داخلياً بدل أن يكون ضيفاً، خاصة أنه عضو من العشيرة والضيف في العادة يكون شخصاً خارجياً، ابتسم مرة أخرى وقال

"كل ما أريدُه هو تشريفُ ذكرى مُعلّمتي في أمان، وكما ترون فأنا مشلول وربما لن أستطيع علاج نفسي، وبدون منصب الشيخ الضيف فإني لن أستطيع بلوغ هدفي"

تغيّرت ملامح أحد الشيوخ وانفجرت هالتُه بسبب الغضب لأن شوفين ذكي كما يبدو ويبحث عن الحصانة حتى لا يبتزّه الشيوخ، وبسبب غضبه.. وقف الشيخ وصرخ

"متى كان لدينا مثل هؤلاء الأتباع الوقحين، سأربّيك بنفسي بما أن معلّمتك لم تُحسن تربيّتك"

قال هذا وهمّ بالقفز نحو شوفين لولا ارتفاعُ هالة الرئيس لِجزءٍ من الثانية كتنبيهٍ للشيخ، عبس شوفين ونظر نحو الشيخ ثم قال بغضب

"شيخ راجو ... هل منصب الشيخ الضيف أغلى مِن إنقاذ معلّمتي للعشيرة قبل مائة عام ؟"

صمت الشيخ راجو وصارت تعابيرُه أقبح بكثير لأن هذا الرمز كان حقاً مقابل إنقاذ العشيرة، أي أنه يساوي دمار العشيرة وليس مجرد منصبٍ صغير، وقبل أن يجلس.. استدار شوفين وهمّ بالخروج وهو يقول

"بما أني لا أستطيع استخدام هذا الرمز فسأبيعه في لِمن يدفع أكثر"

تجمّد جميع الشيوخ في الوقت الذي انطلقَت فيه ضحكة ساخرة مِن أحد شيوخ بعض العشائر المجاورة، ضحِك وقال

"أتساءل عن السعر الذي يطلبه هذا الصغير، عشيرتُنا وادي الرياح مستعدّة لِمنحك منصب الشيخ الضيف مقابل هذا الرمز"

قطّب رئيس وشيوخ عشرة القمر الأحمر حواجبهم لأن الأمر قد بدأ يخرج عن سيطرتهم، وإذا حصل شخصٌ خارجي على مرسوم الطاعة فسيتم ابتزازهم بطريقة سيئة جداً، أراد الرئيس أن يقول شيئاً إلا أن شوفين توقف ونظر نحو الشيخ ثم قال

"لا أريد أن أقول كلاماً سيئاً لِضيوف عشيرتنا، خاصة في حضرة مبعوث القصر الحاكم، لكن.. أليس من الوقاحة أن تتدخّل في شؤون غيرك ؟"

احمرّ وجه الشيخ ولم يجرؤ على إضافة كلمة واحدة، خاصة أن مبعوث الحاكم حاضرٌ بينهم وسيكون من السيء أن يعصي تعاليم القصر الحاكم الذي يُحرّم القتال بين العشائر.

ابتسم رئيس العشيرة لأن شوفين على الأقل لديه شعور الانتماء إلى عشيرته، وحتى يُنهي هذه المهزلة بسرعة.. وقف وقال بِنبرة قيادية قوية

"احتراماً لِمرسوم الطاعة، وتقديراً لِمجهودات الفقيدة راموليا طيلة قرون، وبِصفتي رئيس العشيرة.. أمنح التلميذ شوفين منصب الشيخ الضيف لِمدة عشر سنوات مع كامل الامتيازات، ويُمكنه الانتقال للسكن في قمّة الشيخ الضيف الوحيدة في عشيرتنا"

قال هذا ثم أرسل رمزاً ذهبياً نحو شوفين وعليه عبارة "الشيخ الضيف"، ابتسم شوفين وضخّ بعض الطاقة في رمز مرسوم الطاعة فتحوّل إلى حزمة ضوئية وطار نحو رئيس العشيرة وقد تغيّر شكلُه وصار ذهبياً، استدار شوفين أخيراً وقال وهو يخرج

"سأدخل في عزلة في الأشهر القادمة، أتمنى ألا تُزعجوني إلا إذا تعرّضت العشيرة للخطر"

قال هذا وخرَج، لم يعلم السامِعون إليه أيَضحكون أم يبكون، مشلول يريدهم أن يبحثوا عنه إذا تعرضت العشيرة للخطر ؟

في الجانب.. أغلق مبعوث الحكومة عينيه وقال بصوتٍ خافِت لسيدة ثلاثينية تجلس بجانبه

"هذا الشاب مثير للاهتمام، ويُخفي أكثر ممّا يُظهِر، فقط.. لولا أنه غير مشلول"

ردّت عليه السيدة الثلاثينية بينما ترفع رمزاً صغيراً متوهّجاً

"هذا الشاب ينتمي إلينا"

عبس مبعوث القصر وهو ينظُر إلى الرمز لكنّه لم يقل شيئاً لأن المقام لا يسمح بِطلب التضويح.

تنهّد رئيس عشيرة القمر الأحمر ثم تصنّع ابتسامة مُحرجة وقال

"أتمنى من الجميع أن يعذروا سوء إدارتي لهذا اللقاء بِسبب المصيبة التي حلّت علينا، على أي حال.. ما قولُكم حول تشكيل فريقٍ مُشترك لِغزو الكهف واستكشافه ؟"

...

خرج شوفين من قاعة الاجتماعات وتوجّه نحو منزِله بينما تبِعته راموليا بصمت، خشِيَت إذا تحدّثت معه الآن أن تفقِد أعصابها وتنكشِف حقيقتُها، لذلك صبرت حتى دخلا إلى المنزل، وقبل أن تنفجر عليه غضباً.. استدار شوفين ووَضع يده على كتفها ثم قال بابتسامة سعيدة

"لا تشغلي نفسك بِأفكار غير مفيدة، أنا وأنتِ مُرتبطان الآن ولا يجِب أن تهتمّي بِما تفقدينَه وإنما بما تكسبينه"

عبست راموليا وابتلعت غضبها رغماً عنها، وحتى إن غضِبت عليه فلن تحصل على أي شيء تحت حقيقة أنها مجرد جارية له، لذلك قررت أن تتبع إرشاداتِه وترى إن كان ما وعدها به سيتحقّق أم لا، خاصة أنه أخبرَها بأنها ستستعيد تدريبها في مجرد سنتين، ومقارنة بما عاشته لحد الآن فإن سنتين تُعتبران مثل يومين أو حتى مثل ساعتين.

تراجعت للخلف قليلاً حتى تَسقُط يدُ شوفين مِن على كتِفها ثم استدارت للمغادرة، لكن شوفين قطع عليها الطريق وأخرج خاتماً نسوياً صغيراً ثم قال

"لقد صنعتُ لكِ خاتم تخزينٍ خاص ووضعت فيه بعض الكنوز لتدريبك"

أمسكت الخاتم وتأملت الجوهرة التي تعلوه ثم تفاجأت وقالت

"أليس هذا هو خاتم التخزين الذي غنِمته من ذلك الأربعيني ؟"

أومأ برأسه وقال

"كنت أخطّط في البداية لِتدريبك للتعامل مع الفراغ التخزيني، لكن في مستواكِ سيكون الأمر صعباً بعض الشيء، لذلك صنعتُ لك هذا الخاتم، حاولي عدم استخدامِه بين الناس"

استخدمت طاقتَها وتصفّحت محتوياتِه فتغيّر تعبيرُها لأن شوفين قد وضع لها عدداً هائلاً من الكنوز داخِله، أخرجت ريكو الذي كان بالداخل ثم نظرت نحو شوفين بنظرة معقّدة، فهو من جانبٍ يُعتبر كابوسَها التي يُؤرقها، ومن جانبٍ آخر تعتبِره الشخص الوحيد الذي يهتم بها.

أخذ شوفين شهيقاً قبل أن ينظر إلى راموليا ويسألها

"ما رأيك بِبيع هذا المنزل ؟
لدينا الكثير من المال، لكننا لا نستطيع صرفه دون جذب الشكوك، لذلك نحتاج إلى تغطية، وإذا بِعناه فيمكننا صرف ما نشاء"

ابتسمت وأومأت برأسِها دون أي اعتراض.

2020/01/09 · 804 مشاهدة · 1057 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024