لقد كان يوماً متعباً. عاد هشام، الشاب العشريني، من عمله، حيث كان يعمل كموظف استقبال في فندق خمس نجوم في مدينة سكيكدة الجزائرية.
دخل هشام إلى منزله، وما إن أغلق الباب حتى رمى حقيبته في مكان عشوائي ورمى نفسه على السرير بعد يوم شاق من العمل. كان يوماً مرهقاً بشكل خاص، حيث تعامل مع زبائن فظين وآخرين ذوي شخصيات غريبة، وأحياناً كان يضطر إلى مواجهة رجال عصابات، مما جعله يشعر بأن كل يوم في هذا الفندق هو معركة جديدة للبقاء.
غرق هشام في نوم عميق استمر لتسع ساعات، لم يشعر خلالها بمرور الوقت. كان نومه عميقاً لدرجة أنه لم يكن يحلم، بل كانت تلك الساعات خالية من أي وعي. ومع ذلك، استيقظ في اليوم التالي بجسد مرهق لا يطيق فكرة العودة إلى ذلك الفندق اللعين. كانت كل عضلة في جسده تصرخ بالتعب، وكأنها تطلب الراحة التي لم ينلها بعد.
بينما كان هشام يتناول فطوره الصباحي، محاولة منه لاستعادة بعض الطاقة ليواجه يومه الجديد، فجأة رن هاتفه. التقط الهاتف بيد مرتجفة، متوقعاً أن يكون اتصالاً عادياً. لكن المتصل كان زميله في العمل، علي.
"صباح الخير، هشام. هل أنت بخير؟" سأل علي بصوت ملؤه القلق.
تردد هشام للحظة قبل أن يرد، "صباح الخير، علي. نعم، أنا بخير. لماذا تسأل؟"
تنهد علي بعمق قبل أن يرد، "لقد حدث شيء غريب في الفندق الليلة الماضية بعد مغادرتك. أحد الزبائن... حسنًا، لنقل إن الأمور خرجت عن السيطرة."
شعر هشام بقلق يتسلل إلى قلبه، "ماذا حدث بالضبط؟"
بدأ علي يروي تفاصيل ما حدث. قال إن أحد الزبائن، وهو رجل أعمال معروف بنفوذه الكبير، أصيب بنوبة غضب غير مبررة. بدأ الرجل يصرخ ويتهم موظفي الفندق بأنهم يحاولون التآمر ضده. لم يكن أحد يفهم ما يجري، ولكن الأمور تصاعدت بسرعة، وانتهى الأمر بأن الرجل غادر الفندق وهو يتوعد بالانتقام.
"لماذا يحدث هذا لي؟" تساءل هشام بصوت مرتفع، وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر من علي. كان يشعر بأن العمل في هذا الفندق قد أصبح كابوساً لا ينتهي. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها لموقف كهذا، لكنه كان يشعر بأن الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
"أنا لا أعلم، يا هشام. لكن يجب أن تكون حذراً. هذا الرجل ليس شخصاً عادياً، وهو معروف بأنه لا يترك أي إساءة تمر دون عقاب." نصح علي بصوت جاد.
"سأحاول. شكراً لك، علي." أنهى هشام المكالمة، وهو يشعر بثقل جديد على كتفيه. كان يعلم أن هذا اليوم لن يكون سهلاً، ولكن لم يكن لديه خيار سوى أن يذهب إلى عمله ويحاول التعامل مع ما قد يحدث.
استجمع هشام كل قوته المتبقية، وقرر أنه يجب أن يذهب إلى العمل مهما كان الثمن. كان يعلم أن الهروب ليس حلاً، وأن عليه مواجهة الواقع مهما كان قاسياً. ارتدى ملابسه بسرعة، وغادر منزله متوجهاً إلى الفندق.
عندما وصل إلى الفندق، كان الجو مشحوناً. لاحظ أن زملاءه في العمل كانوا يتحدثون بصوت منخفض، وكأنهم يخشون أن يُسمعوا. كان الجو في الفندق مشحوناً بالتوتر، وكأن الجميع ينتظرون وقوع كارثة وشيكة.
دخل هشام إلى مكتبه، وجلس على كرسيه محاولاً التركيز على مهامه اليومية. لكن ذهنه كان مشتتاً. كان يتساءل ماذا سيحدث إذا عاد ذلك الزبون الغاضب. هل سيكون هناك مواجهة؟ هل سيكون هناك مزيد من الفوضى؟
بينما كان يضيع في أفكاره، فجأة دخل المدير إلى المكتب. كان وجهه متجهماً وعيناه مليئتان بالقلق. "هشام، نحتاج إلى التحدث."
"ماذا يحدث، سيدي؟" سأل هشام بحذر.
"لقد تلقينا تهديداً من ذلك الزبون. يبدو أنه ينوي العودة اليوم، ولا أعلم ماذا يمكن أن يفعل. يجب أن نكون مستعدين لأي شيء." قال المدير بنبرة مليئة بالقلق.
شعر هشام بأن قلبه يغرق في بحر من الخوف. كانت هذه اللحظة التي كان يخشاها. "ماذا تريدني أن أفعل؟" سأل هشام بصوت مرتعش.
"أريدك أن تبقى هنا وتراقب الوضع. إذا حدث أي شيء غير طبيعي، يجب أن تبلغني فوراً." قال المدير قبل أن يغادر المكتب.
جلس هشام وحيداً في مكتبه، والقلق يأكل قلبه ببطء. كان يشعر بأن شيئاً رهيباً على وشك الحدوث، ولكن لم يكن يعرف كيف يتعامل معه. كان هذا العمل، الذي كان مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش، يتحول إلى مصدر للرعب والخوف.
بينما كان يجلس هناك، متربصاً بالأسوأ، بدأت الشمس تغيب، والظلال الطويلة بدأت تملأ المكان. كان الفندق يبدو وكأنه يغرق في الظلام، وكأن الكابوس الذي يعيشه هشام يمتد ليغلف كل شيء من حوله.
فجأة، سمع هشام صوت خطوات ثقيلة قادمة من الممر. كانت تلك الخطوات تبدو وكأنها تنتمي إلى شخص غاضب ومتعجل. بدأ قلبه ينبض بسرعة، وشعر بأن الدم يتدفق إلى رأسه. لم يجرؤ على الوقوف أو التحرك، بل جلس في مكانه محاولاً أن يبقى هادئاً.
لكن عندما اقتربت الخطوات، بدأ هشام يشعر بأن الأمور ليست على ما يرام. كانت هناك هالة من التوتر والغضب تحيط بالجو. وفجأة، انفتح باب مكتبه بعنف، ودخل الزبون الغاضب. كان وجهه محمرًا وعيناه تلمعان بالغضب.
"أين المدير؟ أريد أن أتحدث معه الآن!" صرخ الرجل بصوت عالٍ.
حاول هشام التحدث، لكنه لم يستطع سوى أن يخرج بعض الكلمات المتقطعة، "س... سيد... أرجوك، ه... هدئ من روعك."
لكن الرجل لم يكن ينوي الهدوء. تقدم نحو هشام بتهديد، وكأنه يخطط لفعل شيء مريع. كان هشام يشعر بأن الوقت قد توقف، وكل شيء حوله أصبح ضبابياً. لم يكن يعرف كيف يتصرف، ولكن كان يعلم أنه في خطر حقيقي.
وبينما كان الرجل يقترب أكثر، انفتح باب المكتب مرة أخرى، ودخل المدير مسرعاً. "توقف! ماذا تفعل؟" صاح المدير.
توقف الرجل ونظر إلى المدير بغضب، "أريد إجابات! لقد تم التعامل معي بطريقة غير لائقة، ولن أترك هذا يمر هكذا!"
حاول المدير تهدئته، "سيدي، نحن نعتذر بشدة عن أي إزعاج قد حدث. نحن هنا لنحل المشكلة، ولكن من فضلك، دعنا نتحدث بهدوء."
بدأ الرجل يتنفس بعمق، وكأن الغضب بدأ يخمد ببطء. لكنه لم يهدأ تماماً. "أريد أن أرى تغييراً فورياً. إذا لم أكن راضياً، فسأجعل الجميع يدفعون الثمن."
"سنفعل ما بوسعنا لنحل المشكلة، ولكن يجب أن تكون الأمور مدروسة. دعنا نأخذ بعض الوقت لنتحدث عن الحلول الممكنة." قال المدير بصوت حازم.
بدأ هشام يشعر ببعض الراحة. كان الجو مشحوناً، لكنه كان يعلم أن المدير يستطيع التعامل مع الوضع. ومع ذلك، كان يشعر بأن هناك شيئاً غريباً يحدث. كان ذلك الزبون يبدو وكأنه يحمل في داخله غضباً يتجاوز الأمور البسيطة. وكأن هناك شيئاً مظلماً يحيط به.
بعد فترة من النقاش، غادر الرجل المكتب، لكن هشام كان يعلم أن هذه ليست النهاية. كان هناك شيء غامض يلوح في الأفق، وكان يشعر بأنه لا يزال محاطاً بالخطر.
جلس هشام في مكتبه وحيداً مرة أخرى، محاولاً أن يستوعب ما حدث. لكن ذهنه كان مشوشاً، وكانت هناك أسئلة كثيرة تدور في رأسه. لماذا يشعر بأن هذا الزبون ليس شخصاً عادياً؟ لماذا يشعر بأن هناك شيئاً أكثر من مجرد غضب زبون؟
كانت تلك الليلة طويلة، ولم يكن النوم يأتي بسهولة. كان هشام يشعر بأن جسده منهك، لكنه لم يستطع أن يغمض عينيه. كان هناك شيء ما في عقله يبقيه مستيقظاً، كأنه شبح يطارده.
كان يعلم أنه لا يستطيع الهروب من هذا الشعور. كان يعلم أنه يجب عليه أن يواجه الحقيقة، حتى وإن كانت مخيفة. وفي تلك اللحظة، أدرك هشام أن حياته لن تعود كما كانت. كان هذا الفصل بداية جديدة، فصل مليء بالغموض والخطر، وكان يعلم أن القادم قد يكون أسوأ.