عند استيقاظي وجدت نفسي في مستودع قذر صغير.
أشعة الشمس تخللت النافذة الملبسة بقضبان الحديد.
جسدي يؤلمني، تأكدت من عدم وجود أية عظام مكسورة ثم سخّرت سحر الشفاء بصوت منخفض.
يداي مربوطتان خلف ظهري، لكنها لم تمنعني من التسخير بالطبع.
” حسنٌ.“
تعافى جسدي بالكامل وثيابي ليست ممزقة.
جيد، الخطة تسير بسلاسة.
خطة إقناع السيدة الصغيرة هي كالتالي:
1 ( أولاً، أخرج مع السيدة الصغيرة إلى محل الملابس.
2 ( ستخرج السيدة الصغيرة من المحل لوحدها لأنها سيئة الطباع.
4 ( عادةً ما تحرسها غيلين لكن هذه المرة لن تلحظ خروج السيدة الصغيرة )بمحض الصدفة.(
3 ( سأتبع السيدة الصغيرة بمفردي لكني بنظرها مجرد طفل ضعيف أوسعته ضرباً في شجارنا البسيط لذا لن تهتم لوجودي.
5 ( ستعتبرني تابعها وتكمل تجوالها في المنطقة حتى نصل إلى مكان معزول في المدينة )يبدو أنها معجبة بالمغامرين.(
6 ( هنا، سيظهر الأشرار حسب ترتيبات عائلة قريرات.
7 ( سيفقدونا الوعي بسهولة ثم يختطفونا إلى مدينة مجاورة ويحبسونا في مكان ما.
8 ( أستخدم السحر لنهرب من المكان.
0 ( ثم ندرك إننا في مدينة أخرى.
14 ( نستأجر عربة خيل للعودة بالمال الذي خبأته في سروالي الداخلي.
11 ( بعد وصولنا إلى المنزل سالمين، سأبدأ بتعليم السيدة الصغيرة.
سارت الخطة بسلاسة حتى الخطوة السابعة.
الخطوة التالية هي تسخيري للسحر والمعرفة والحكمة والشجاعة لنهرب من الأسر بأسلوب فذّ.
لأصدقكم القول ،ما زلت بحاجة لارتجال دوري.
لست متأكدًا من نجاحي، كما أنني أشعر بالتوتر بعض الشيء…..
” ….. همم؟“
هذا المكان يختلف قليلاً عن اتفاقنا.
المستودع مليء بالغبار، ثمة درع مليء بالثقوب وكرسي مكسور في الزاوية.
ألم يخبروني أن المكان لن يكون بالياً…..؟
لا حاجة لإعداد هذه التحضيرات الحقيقية بما أنها محض تمثيلية، لا يهم.
” اخخ…. هممم….؟“
استقيظت السيدة الصغيرة بعدي بفترة.
فتحت عينيها وأدركت أنها في مكان غريب، فحاولت النهوض لكنها أدركت أيضًا أن يديها مربوطتان خلف ظهرها ،ثم سقطت على الأرض كالدودة.
” ماذا يجري هنا؟!“
أخذت تحدث جلبة بعد أن اكتشفت أنها لا تستطيع الحراك.
” كفّوا عن الهراء! ألا تعرفون من أكون؟! اتركوا سراحي!“
صياحها فظيع، خطر لي هذا عندما كنت في القصر، لكنها لم تضبط صوتها قط.
أتعودّت على هذا لأنها تريد أن يغطي صوتها أرجاء القصر الكبير بصيحة واحدة؟
لا، لم تفكر بهذا على الأرجح، فجدّها لورد فتوى يستخدم صوته لإرهاب الآخرين إذ هذا طبعه مع الخدم وفيليب، ولا بد أن السيدة الصغيرة شاهدته يفعلها مرات لا تحصى.
كما أن الأطفال يحبون التقليد خاصةً في العادات السيئة.
”أنتِ مزعجة أيتها الوغدة اللعينة!“
انفتح الباب بقوة أثناء صراخ السيدة الصغيرة، ودخل علينا رجل.
ملابسه رثةّ ورائحته كريهة، رجلٌ أصلع الرأس بلحية خفيفة بشعة.
لو أنه قدّم لي بطاقة أعمال قاطع طريق، سأقتنع تمامًا.
اختيارٌ موفقّ، تمثيله البارع يزرع الثقة في نفسي وتمثيلي.
” رائحتك كريهة جدًا، لا تقترب مني أيها النتن! ألا تعرف من أكون؟ غيلين ستقطعك إلى نصفين فور مجيئها!“
طاخ.
صوت الضربة يوحي أنها مؤلمة جدًا، ذاك الرجل ركل السيدة الصغيرة.
فتأوهّت بصوت لا يليق بسيدة.
طار جسدها للأعلى واصطدمت بالحائط بشكل عنيف.
”أيتها اللعينة! لماذا تتصرفين بغرور؟! أعرف أنكما حفيدا اللورد!“
داس الرجل بقسوة على السيدة الصغيرة العاجزة عن الحراك والمقي دّة.
على مهلك، ألست تبالغ؟
” آي….. إنك تؤلمني جدًا….. توقفّ…. آه………. توقفّ……… آي………. توقفّ…..“
”تفّ.“
استمر الرجل بركل السيدة الصغيرة ثم بصق على وجهها.
بعدها استدار نحوي ورمقني فصرفت نظري بعيدًا عنه على الفور، لكنه ركل وجهي وطرت.
” ……. آحح!“
آلمتني ركلته جدًا، هلاّ خفّفت قوة ضربك بما أنه محض تمثيل؟
طبعًا يمكنني تسخير سحر الشفاء لمعالجة نفسي على أية حال.
”تباً! تبدو وكأنك سعيد….!“
خرج الرجل من المستودع.
ثم سمعته يتحدث بعد مغادرته.
”هل ألزمتها الهدوء؟“
”نعم.“
”لم تقتلها، صحيح؟ سنخسر المال إذا بالغت في إيذائها.“
ماذا؟ حوارهما غريب.
بل الأغرب هو التمثيل المتقن…….. لا بأس، لكن أخذت تساورني الشكوك.
أيعقل…. كما تعلمون… أننا فعلاً …..؟
”ماذا؟ لا يهم، بأسوأ الأحوال سيبقى الفتى على قيد الحياة.“
بل يهم!
كيف تقول هذا؟!
“………”
اختفت الأصوات ولم أعد أسمعهما.
انتظرت 444 ثانية وحرقت الحبال بسحر النار، ثم اقتربت من السيدة الصغيرة.
عيناها مضطربتان والدم يسيل من أنفها، وأخذت تتمتم بكلام.
أنصت لها فسمعتها تقول أشياءً من هذا القبيل؛ لن أغفر فعلتك وسأشكيك إلى جدي، بعدها سمعت كلمات خطرة لا تطرب الآذان.
على أية حال ،سأتفحّ ص جراحها بيدي.
” آآآههه!“
ارتعدت السيدة الصغيرة والتقت عيناها بعيني معبرّةً عن ألمها.
أشرت بإصبعي على فمي حتى تلزم الهدوء.
عرفت مواضع آلامها من ردة فعلها.
لديها عظمان مكسوران.
” يا أم الآلهة الرحيمة، اشفي جراح عبدك المصاب، وامنحيه جسدًا معافى. 『 برء الشفاء 』 “
لفظت ترنيمة سحر الشفاء المتوسط بصوت خافت وعالجت جسد السيدة الصغيرة.
لن تزداد فاعلية سحر الشفاء بتزويد طاقة التعويذة، لذا لا أدري إن تشافت تمامًا.
أرجو أن عظامها لم تتحرك من مكانها.
” هاه؟ ماذا؟ لا أشعر بالألم……“
راقبتني السيدة الصغيرة باستغراب.
اقتربت منها وهمست في أذنها.
” اشش، لا ترفعي صوتك، عظامك مكسورة وسخرت عليها سحر الشفاء. يبدو أننا اختطفنا من قبل أشخاص أشرار يا سيدتي، إنهم أعداء اللورد اللدودين، لذلك علينا أن…..“
لم تنصت لي السيدة على الإطلاق.
” غيلين! أنقذيني يا غيلين! سيقتلوني! أنقذيني بسرعة!“
أخفيت الحبال داخل قميصي بسرعة وركضت إلى الزاوية وأسندت ظهري على الحائط مخفياً يديّ خلف ظهري وكأني مربوط.
فتح الرجل باب المستودع بعد سماع صراخ السيدة المستغيث.
”اخرسي!“
أخذ يركل السيدة أكثر من السابق.
أنا مصعوق من عدم قدرتها على التعلمّ.
”أيتها اللعينة، إذا صحتِ مجددًا فسأقتلك!“
ثم ركلني مرتيّن قبل خروجه.
وما شأني أنا؟ لم أفعل شيئًا البتةّ، أرجوك لا تركلني وإلاّ بكيت……….
قلت هذا لنفسي وأنا أقترب من السيدة.
” آخخ…… آي……“
إصابتها بليغة.
لست متأكدًا من حالة عظامها لكن بالحكم من تقيؤها الدم فيبدو أن أعضاءها الداخلية قد تمزقت، كما أن جميع عظام يديها وساقيها مكسورة.
لا أعرف الكثير عن الأمور الطبية لكنها ستموت على هذا الحال، صحيح؟
" فلتتحول قوة الرب إلى محصول وافر يُمنح لمن فقد قدرته على النهوض من جديد. 『 شفاء 』 “
على كلّ، سخّرت عليها سحر الشفاء المبتدئ لأعالجها قليلاً.
توقفت السيدة عن تقيؤ الدم، لن تموت الآن على الأرجح….. أو ربما.
” آي….. ما زلت أتألم، أرجوك اشفني…. آه.“
” لن أفعل، ألن يركلك مجددًا إن شفيتك؟ استخدمي سحرك الخاص.“
” كـ.. كيف أعرف استخدامـ……ـه؟“
” لو أنك تعلمته سابقًا لاستطعت استخدامه على الفور.“
قلت كلامي هذا وذهبت صوب باب المستودع.
ثم وضعت أذني على الباب لأستمع إلى ما يقولانه.
ازداد الأمر غرابة كلما فكرت فيه، إذ من المبالغ جدًا أن يضرب السيدة الصغيرة حتى مشارفتها الموت.
”إذن، هل سنبيعهما إلى ذاك الشخص الذي تعاملنا معه سابقًا؟“
”لا، من الأفضل أن نطلب فدية.“
”ألن يمسكونا؟“
”لا يهم، سنغادر إلى بلاد أخرى.“
يتضح لي أنهما يخططان فعلاً على بيعنا.
كنا نريد اصطناع محاولة اختطاف فتحولّ التمثيل إلى حقيقة، أهكذا تطورّ الأمر؟
أين أخطأنا؟ هل استهدفوا خاطفينا المدبرّين؟ أم خططّوا لخطفنا منذ البداية؟ أم فيليب ينوي ح قا بيع ابنته؟
الاحتمال الأخير مستبعد للغاية.
……. لا يهم، لن أشغل بالي بهذا الآن إذ لم تتغير الخطوات الواجب عليّ فعلها في المقام الأول.
ما عدا افتقادنا لعنصر ]السلامة.[
”مبلغ الفدية أعلى من سعر البيع، صحيح؟“
”بجميع الأحوال، علينا اتخاذ القرار قبل حلول الليل.“
”الأمر سياّن مهما كان القرار.“
يظهر أنهما يتناقشان حول بيعنا أو مطالبة اللورد بفدية، وهما يخططان للمغادرة هذه الليلة.
إذن يجدر بي فعل شيء قبل مغيب الشمس في هذه الحالة.
” حسنٌ.“
لكن ماذا أفعل؟
هل أكسر الباب وأخضع الخاطفين؟ ستحترمني السيدة الصغيرة بعد أن أوسع الخاطفين ضرباً……
لا أشعر أن الأمر سيسير على هذا النحو…..
أعتقد أنها ستظن نفسها قادرة على الانتصار لو لم تكن مقيدّة.
وفي نهاية المطاف ستعتبر العنف هو الخيار الوحيد، لن تنجح هذه الوسيلة.
يجب أن أعلمها أن العنف ليس الحل وإلاّ ستلجأ لضربي في المستقبل.
عليّ أن أشعرها بضعف حيلتها.
)….. آخ، قد لا أستطيع إبراح الخاطفين بأية حال(.
سأخسر بالتأكيد إذا كان الخاطفون بنفس قوة باول.
وفي ظل هذه الظروف ،سألقى حتفي لا محالة.
حسنٌ، سنهرب من المكان دون مصادفة الخاطفين مهما كلفّ الأمر.
ألقيت نظرة على الخلف لأرى حالة السيدة الصغيرة وإذا بها ترمقني بغضب.
همم.
سأنفذ خطتي بجميع الأحوال.
أولاً، سأسخر سحري الأرض والنار لسدّ فتحات الباب، بعدها سأسخر سحر النار لإذابته ببطء حتى أوصد الباب.
هكذا سيعجزون عن فتح الباب لكنه لن يدوم طويلاً إذا ركلوه بقوة، للاحتياط فقط.
بعد ذلك ،اتجهت إلى النافذة وركزتّ تسخير سحر النار على إحدى القضبان الحديدية فصارت حارة جدًا واستسلمت.
بعد عدة محاولات أخرى فاشلة، أخذت أسخر سحر الماء لأغير طيبعة الأرض المحيطة بالنافذة إلى طين ونجحت في إخراج جميع القضبان الحديدية، والآن فتحة النافذة تسمح لطفل صغير بالعبور من خلالها.
ضمنت طريق الهرب.
” سيدتي، يظهر أننا اختطفنا من قبل أعداء اللورد اللدودين، وهم ينتظرون حلول الليل حتى يحضر بقية رفاقهم ويعذبونا حتى الموت.“
” إنك تـ…. تكذب…. صحيح؟“
بالطبع أكذب.
ولكن سرعان ما شحب وجه السيدة الصغيرة.
” لا أريد أن أموت لذا سأهرب بمفردي…. وداعًا.“
شرعت بدفع نفسي في فتحة النافذة.
وفي ذات اللحظة، سمعت صوتاً قادما من جهة الباب.
”لحظة، لماذا الباب لا يفتح؟! ما خطبه؟!“
صدرت أصوات خبط شديدة خارج الباب.
أدارت السيدة الصغيرة رأسها نحو الباب بخوفٍ يائس ثم نظرت إليّ، كررّت هذا عدّة مرات.
” آه…. لـ.. لا تتركني….. أنقذني……“
يا للمفاجأة، هدأت بسرعة، عجيب.
تحت ظل هذه الظروف سيخاف معظم الناس حتى السيدة الصغيرة.
أسرعت إليها وهمست في أذنها.
” …. عليك إطاعة أوامري حتى نصل إلى المنزل، أتعديني بهذا؟“
” أطيع، سأطيع، حسنٌ سأطيعك….؟“
” أتعديني أنكِ لن تصرخين؟ غيلين ليست هنا.“
” وعد، أعدك….. أسرع، إنهم قادمون….. سيدخلون……!“
أطرقت السيدة رأسها بشدة.
الخوف والجزع ظاهران على وجهها بخلاف تلك المرة حينما ضربتني.
من المهم أن تعيش مشاعر العجز أمام الضرب المبرح.
” سأتركك حتمًا إذا أخلفتِ بوعدك.“
أسمعتها كلمات قاسية وأنا أدفن الباب بسحر الأرض.
بعدئذ، أحرقت حبالها بسحر النار وأكملت علاج السيدة بسحر الشفاء المتوسط.
ثم تسلقت النافذة وسحبت السيدة.